الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/12/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أقسام القطع
كان كلامنا في الظن بالحكم اذا أخذ في موضوع نفسه في مرتبة واحدة كالظن بالحكم في مرتبة الجعل قد اخذ في موضوع نفس هذا الحكم في هذه المرتبة، فهذا غير معقول سواء أ كان الظن بالحكم ظنا طريقيا -أي اضافة الظن الى المظنون بالعرض- بأن يكون الظن بالحكم جزء الموضوع وجزؤه الاخر الحكم لأن الطريق لا يمكن ان يكون تمام الموضوع لأن طريقية الطريق متقومة ذاتا بذي الطريق فلا يعقل معنى للطريق اذا لم يكن ذي الطريق موجودا وحينئذ لا محالة يكون الظن جزء الموضوع وجزؤه الاخر الحكم او ظنا صفتيا أي اضافة الظن الى المظنون بالذات في افق الذهن، فإن كان جزء الموضوع فأيضا لا يمكن وان كان تمام الموضوع بحيث لا يكون للحكم أي دخل فهذا مما لا مانع منه،فهنا صور ثلاث :
الاولى : الظن بالحكم في مرتبة الجعل مأخوذ في موضوع نفسه في هذه المرتبة بنحو الطريقية .
الثانية : الظن بالحكم مأخوذ في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في هذه المرتبة بنحو الصفتية، ويكون جزء الموضوع .
الثالثة : الظن بالحكم مأخوذ في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في هذه المرتبة بنحو الصفتية، ويكون تمام الموضوع .
اما الصورة الاولى فلا شبهة في استحالتها، لأن جزء الموضوع الحكم والمفروض ان شخص هذا الحكم هو حكم هذا الموضوع فيلزم اتحاد الحكم مع الموضوع وتوقف الحكم على الحكم وهو من توقف الشيء على نفسه مباشرة بدون حاجة الى الدور وتقدم الشيء على نفسه مباشرة بدون الحاجة الى مقدمة وهي الدور، ولذا يستحيل اخذ الظن بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفس هذا الحكم في هذه المرتبة بنحو الطريقية، واما الصورة الثانية فأيضا مستحيلة لأن المفروض ان الحكم جزء الموضوع وجزؤه الاخر الظن الصفتي فالحكم جزء الموضوع والمفروض ان شخص هذا الحكم حكم هذا الموضوع فيلزم اتحاد الحكم مع الموضوع وهو مستحيل لأنه من توقف الحكم على نفسه مباشرة وتقدمه على نفسه مباشرة، اما الصورة الثالثة وهي ان الظن بالحكم في مرحلة الجعل مأخوذ في موضوعه على نحو الصفتية تمام الموضوع والحكم ليس جزء الموضوع ولا قيد الموضوع فالظن تمام الموضوع وهو ليس بمستحيل ولا يلزم محذور توقف الشيء على نفسه اذ الحكم يتوقف على الظن والظن لا يتوقف على شيء فلا يكون محالا من هذه الناحية .
ولكن هناك محذورين اخرين ذكرناهما في باب القطع بالحكم المأخوذ في موضوع نفس هذا الحكم بنحو الصفتية وكان تمام الموضوع، اذ يلزم محذورين بنظر القاطع وإن لم يلزم محذور في الواقع :
الاول : الدور بنظر القاطع، فإن الحكم يتوقف على القطع والقطع يتوقف على الحكم بنظر القاطع -وان كان في الواقع لا توقف للقطع على الحكم- لأن القطع تمام الموضوع ولكن بنظر القاطع فالقطع يتوقف على الحكم المقطوع به فيلزم الدور بنظر القاطع .
الثاني : لزوم الخلف بنظر القاطع كما سوف نشير اليه .
فهل يمكن تطبيق هذين المحذورين على الظن او لا يمكن ؟
اما المحذور الاول وهو الدور، فإن القاطع حيث يرى مطابقة قطعه للواقع ولا يحتمل عدم مطابقته، فيتوقف قطعه على ثبوت الواقع وهو الحكم في المقام فلو توقف ثبوت الواقع على القطع لزم الدور بنظر القاطع، وهذا بخلاف الظن فإن الظان لا يرى مطابقة ظنه للواقع دائما بل يحتمل انه مطابق للواقع ويحتمل عدم مطابقته للواقع فلهذا لا يتوقف الظن على ثبوت الواقع فإن الظن موجود في نفس المكلف سواء أ كان الظن مطابقا للواقع ام لم يكن أي انه يحتمل ان ظنه الموجود في افق النفس مطابقا للواقع ويحتمل انه غير مطابق للواقع، فالظن الموجود في افق النفس هو الظن المضاف الى المظنون بالذات في افق النفس فإن الظن عين المظنون بالذات ولا اختلاف بينهما الا بالاعتبار كالإيجاد والوجود في الامور التكوينية  فهذه الاضافة أي اضافة الظن الى المظنون بالذات موجود في افق النفس سواء أ كان مطابقا للواقع ام لم يكن، فلا دور فإن ثبوت الحكم وهو الواقع يتوقف على الظن من باب توقف الحكم على الموضوع واما الظن فلا يتوقف على ثبوت الواقع .
فإذن هذا المحذور يلزم في القاطع ولا يلزم في الظان .
واما المحذور الثاني وهو محذور الخلف، فالظاهر انه يجيء في الظن ايضا أي كما ان القاطع يرى ثبوت الواقع في المرتبة السابقة بقطع النظر عن تعلق قطعه به فلو كان ثبوت الواقع متوقفا على القطع لزم الخلف أي لزم من ثبوت الواقع في المرتبة السابقة عدم ثبوته وهو خلف وتناقض،كذلك الظان فإن الظان بالواقع يرى ان الواقع ثابت في المرتبة السابقة بقطع النظر عن ظنه به فلو كان ثبوت الواقع متوقفا على الظن من باب توقف الحكم على الموضوع لزم الخلف أي يلزم من فرض ثبوت الواقع في المرتبة السابقة عدم ثبوته .
فإذن في هذا المحذور لا فرق بين القطع وبين الظن .
فمن اجل ذلك يكون اخذ الظن الصفتي بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في هذه المرتبة مستحيل بنظر الظان وإن لم يكن مستحيلا في الواقع .
هذا كله فيما اذا كان الظن بالحكم في مرتبة الجعل مأخوذ في موضوع نفس هذا الحكم في نفس هذه المرتبة .
واما الفرض الثاني وهو ما كان الظن بالحكم في مرتبة الجعل مأخوذا في موضوع نفسه في مرتبة المجعول أي ان المولى اخذ الظن بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في مرتبة المجعول وهل هذا ممكن او انه ليس بممكن ؟
لا شبهة في امكانه ثبوتا، فإنه لا يلزم الدور ولا توقف الشيء على نفسه ولا الخلف فإن الظن يتوقف على الحكم في مرتبة الجعل من باب توقفه على متعلقه، والحكم في مرتبة الجعل لا يتوقف على الظن والحكم في مرتبة الفعلية يتوقف على الظن من باب توقف الحكم على موضوعه، فما يتوقف على الظن غير ما يتوقف الظن عليه فلا دور في البين، فلا مانع من اخذ الظن بالحكم في مرتبة الجعل في موضوع نفسه في مرتبة المجعول وهي مرتبة الفعلية .
نعم للسيد الاستاذ والمحقق النائيني (قدهما) كلام قد تقدم في باب القطع فلا حاجة الى الاعادة فإنهما بنيا على استحالة هذا ايضا.  
واما اذا كان الظن بالحكم مأخوذا في موضوع ضده وهو الفرض الثالث، كما اذا قال المولى ( اذا ظننت بوجوب الصلاة تحرم عليك الصلاة ) او( اذا ظننت بحرمة شرب الخمر وجب عليك شربها ) وهكذا، فلا شبهة في استحالة ذلك لا من جهة استحالة اجتماع الوجوب مع الحرمة في شيء واحد، فإنه لا مانع من اجتماعهما بما هما امران اعتباريان اذ لا مضادة بين الامور الاعتبارية لأنها ليس بشيء كي تتصور المضادة بينها بل استحالة ذلك من جهتين :
الاولى : من ناحية المبادئ فإن الوجوب تابع للمصلحة الملزمة في متعلقه والحرمة تابعة للمفسدة الملزمة في متعلقها ومن الواضح انه لا يمكن الجمع بين المصلحة الملزمة وبين المفسدة الملزمة في شيء واحد .
الثانية : انه لا يمكن امتثال هذا الحكم أي امتثال الوجوب والحرمة معا ومن الطبيعي ان كل حكم لا يمكن امتثاله لا يمكن جعله لأنه لغو اذ ان جعل الحكم انما هو بداعي امتثاله فإذا استحال امتثاله استحال جعله ايضا .
هذا كله فيما اذا كان الظن معتبرا .