الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/12/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أقسام القطع
كان كلامنا فيما ذكره السيد الاستاذ(قده) من الاشكالات التي ذكرها على المحقق النائيني (قده)، اما الاشكال الاول فقد ذكر (قده) ان التقابل بين الاطلاق والتقييد من تقابل التضاد وليس من تقابل العدم والملكة، وذكرنا ان هذا الاشكال مبنائي لا واقعي، واما الاشكال الثاني فقد ذكر (قده) انا لو سلمنا ان التقابل بين الاطلاق والتقييد من تقابل العدم والملكة الا ان قابلية المحل المعتبرة بين العدم والملكة قد تكون شخصية كما في العمى والبصر فإن قابلية المحل معتبرة بين كل فردين من افرادهما في الخارج، وقد تكون نوعية كما في العلم والجهل فإن التقابل بينهما من التقابل بين العدم والملكة فالإنسان اذا كان جاهلا بموضوع فهو قابل لأن يكون عالما به فقابلية المحل معتبرة بين غالب افرادهما في الخارج، ولكن قد لا تكون القابلية موجودة فإن العلم بحقيقة ذاته تعالى وتقدس مستحيل واستحالة العلم بها تستلزم ضرورة الجهل بها والتقابل بينهما في هذا المورد أي بين هذين الفردين من افراد الجهل والعلم من تقابل التضاد او تقابل التناقض وليس من تقابل العدم والملكة، فقد ذكر (قده) ان التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة فإن تقابل العدم والملكة بين العلم والجهل بين كل فردين منهما بلحاظ نوعهما لا بلحاظ افرادهما في الخارج والتقابل بين الجهل والعلم من تقابل العدم والملكة فقابلية المحل المعتبرة بينهما بلحاظ نوعيهما  أي نوع العلم ونوع الجهل لا بلحاظ كل فردين من افرادهما في الخارج .
هكذا ذكره السيد الاستاذ (قده) [1].
وقد أخذ هذا من الفلاسفة، فإن الفلاسفة قد قسموا قابلية المحل الى قابلية المحل الشخصية وقابلية المحل النوعية او الصنفيّة، وهذا التقسيم منهم لا أصل له ولا واقع له بل هو خلاف الضرورة والوجدان لأن التقابل بين الشيئين انما هو ملحوظ بين الموجودات الخارجية والتقابل بين الوجودين لا يخلو اما ان يكون بنحو التناقض أي بنحو الايجاب والسلب او بنحو التضاد او بنحو العدم والملكة ولا رابع في البين  والعدم في مقابل الملكة عدم خاص عدم وصفي وعدم نعتي ونعت للموضوع وللمحل والملكة وجود نعتي ووجود وصفي ووصف للموضوع، فالعدم في مقابل الوجود عدم محمولي والوجود في مقابل العدم وجود محمولي بمفاد كان التامة، فاذا كان العدم  في مقابل الوجود فالتقابل بيينهما تقابل التناقض واما اذا كان العدم وصفيا في مقابل الوجود الوصفي لموضوع بينهما فهو من العدم في مقابل الملكة والتقابل بينهما من تقابل العدم والملكة فلا يمكن اجتماعهما في شيء، وعلى هذا فقد يكون التقابل بين فردين من افراد نوعين من تقابل العدم والملكة وقد يكون التقابل بينهما من تقابل التضاد، والتقابل بين العلم والجهل في غالب الموارد من تقابل العدم والملكة، فإن الانسان اذا كان جاهلا بمسألة فهو قابل لأن يكون عالما بها فالتقابل بين العلم والجهل في هذه المسألة من تقابل العدم والملكة، واما التقابل بين العلم والجهل في ذاته تعالى وتقدس من تقابل التناقض اذا كان الجهل امرا عدميا ومن تقابل التضاد اذا كان الجهل امرا وجوديا، ولا مانع من ذلك .
فإذن المعتبر قابلية المحل الشخصية بين كل فردين من افرادهما سواء أ كان افرادهما من حقيقتين او من حقيقة واحدة لا فرق من هذه الناحية .
وكذلك الحال بين الاطلاق والتقييد، فإن الغالب بين الاطلاق والتقييد التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة فإن الماهية اذا كانت قابلة للتقييد بشيء فهي قابلة للطلاق وقد تكون الماهية غير قابلة للتقيد بشيء ويستحيل تقيدها به كتقييد ماهية الوجوب بقصد القربة فإن هذا التقييد مستحيل فيكون الاطلاق ضروري اذ استحالة التقييد تستلزم ضرورة الاطلاق لأن استحالة احد الضدين تستلزم ضرورة الضد الاخر .
فالنتيجة ان ما ذكره الفلاسفة ليس مجرد اصطلاح بل هم بنوا على ان التقابل بين العلم والجهل من تقابل العدم والملكة ورأى ان التقابل بين العلم والجهل في ذاته تعالى لا يمكن ان يكون من تقابل العدم والملكة ولهذا ذهب الى ان قابلية المحل المعتبرة بينهما قد تكون نوعية وقد تكون شخصية فقابلية المحل المعتبرة بين العلم والجهل قابلية نوعية فالتقابل بينهما في ذاته تعالى ايضا من تقابل العدم والملكة بلحاظ نوعيهما.
ولكن ان اريد من نوعيهما غالب افرادهما في الخارج كما هو كذلك أي ان غالب افراد العلم والجهل في الخارج التقابل بينهما تقابل العدم والملكة، واما التقابل بينهما من تقابل التضاد او من تقابل التناقض فهو في مورد نادر والمورد النادر ملحق بالأعم الأغلب .
فيرد عليه انه لا معنى لذلك لأن إلحاق الفرد النادر انما هو بحكم الشارع لأجل ترتيب الأثر المترتب على الأغلب ويثبت بهذا الالحاق ذاك الاثر للفرد النادر ايضا، فهذا الالحاق بحاجة الى دليل شرعي واما في الامور التكوينية لا معنى لهذا الالحاق ولا معنى لإلحاق العلم والجهل اللذين يكون التقابل بينهما من تقابل التضاد او التناقض بالعلم والجهل اللذين يكون التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة .
وان اراد من نوعيهما الطبيعة النوعيّة فلا شبهة في ان بين طبيعة العلم وطبيعة الجهل تبيان او تضاد او تناقض .
فالنتيجة ان ما ذكره الفلاسفة من تقسيم قابلية المحل الى الشخصية والنوعية لا يرجع الى معنى محصل، بل هو خلاف الضرورة والوجدان .
هذا مضافا الى ان التقابل بين العلم والجهل من تقابل التضاد مطلقا او من تقابل التناقض فإن التقابل بين الشيئين من تقابل العدم والملكة اذا كان صدق العدم يتوقف على قابلية المحل للاتصاف بالملكة والا فلا يصدق عليه العدم كالعمى والبصر، فإن العمى انما يصدق على موضوع و محل قابل لاتصافه بالبصر ولهذا لا يصح اطلاق العمى على الجدار وما شاكل ذلك فإن المحل غير قابل، فصدق العدم على شيء يعتبر فيه ان يكون المحل قابلا للاتصاف بالملكة والا فلا يصدق عليه العدم، وهذا المعنى غير موجود بين الجهل والعلم فإن صدق الجهل في موضوع لا يتوقف على قابلية الموضوع للاتصاف بالعلم فالجهل يصدق سواء كان الموضوع قابلا للاتصاف بالعلم او لم يكن قابلا للاتصاف بذلك أي القابلية غير معتبرة في صدق الجهل على شيء  فمن اجل ذلك يكون التقابل بين العلم والجهل من تقابل التناقض فإن العدم عدم محمولي والوجود وجود محمولي ولا يعتبر في صدق العدم اتصاف الموضوع بالملكة حتى يكون العدم عدما نعتيا، وكذلك الحال في الملكة، والامر كذلك في الاطلاق والتقييد فإن صدق الطبيعة على افرادها ذاتي ولا يعتبر في صدق الطبيعة على افرادها قابليتها للتقييد بقيد، بل يكفي في صدقها على افرادها عدم التقيد بنحو العدم المحمولي  ومن اجل ذلك يكون التقابل بين الاطلاق والتقييد من تقابل التناقض او التضاد، ولذلك ذهب السيد الاستاذ(قده) وكذا غيره من المحققين الى ان التقابل بين الاطلاق والتقييد من تقابل التضاد او التناقض مع انه لا فرق من هذه الناحية بين الاطلاق والتقييد وبين العلم والجهل مع انهم بنوا على ان التقابل بين العلم والجهل من تقابل العدم والملكة.


[1] محاضرات في اصول الفقه، تقرير بحث السيد الخوئي للشيخ الفياض، ج2، ص175.