الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/11/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أقسام القطع
اما المحقق النائيني (قده) فإنه بعد ما بنى على استحالة تقييد الحكم بالعالم به كتقييد وجوب القصر بالعالم به فقد ذكر (قده) أن استحالة التقييد تستلزم استحالة الاطلاق لأن التقابل بين الاطلاق والتقييد من تقابل العدم والملكة واستحالة احدهما تستلزم استحالة الاخر، فإذا استحال تقييد الحكم بالعلم به استحال الاطلاق ايضا، فيكون الواقع مهملا وحيث ان الاهمال في الواقع مستحيل، لأن المولى عالم بالواقع بكافة خصوصياته من الخصوصيات النوعية والصنفية والشخصية، وحالاته من المكان والزمان وما شاكل ذلك، فلا يعقل ان يكون الواقع مهمل عند المولى بان لا يدري ان ما جعله من الحكم في الواقع مقيد او مطلق، بل هذا مستحيل في حق كل حاكم  فإن أي حاكم اذا جعل حكما يعلم بان حكمه المجعول اما مطلق او مقيد وانه جعله مطلقا او جعله مقيدا ولا يعقل الاهمال بحيث لا يدري انه جعله مطلقا او مقيدا  ومن اجل ذلك التجأ(قده) للتخلص عن هذا الاشكال الى الالتزام بجعل ثانوي ويسمى بمتمم الجعل، وشأن المتمم للجعل اثبات نتيجة الاطلاق او نتيجة التقييد أي اثبات اطلاق الجعل الاول او تقييده، ولهذا ذكر (قده) ان اخذ قصد القربة في متعلق الامر الاول مستحيل، ولا مانع من تقييد المأمور به بقصد القربة بجعل ثاني وهو متمم الجعل ولا يلزم محذور الدور ولا توقف الشيء على نفسه، وفي ما نحن فيه ايضا كذلك لأن تقييد الحكم بالعلم به ايضا مستحيل لاستلزامه الدور، فلا مناص من الالتزام بمتمم الجعل ونتيجته تقييد الجعل الاول او اطلاقه، وفي المقام  الروايات التي تنص على صحة  الصلاة تماما في موضع القصر اذا كان المكلف جاهلا بوجوب القصر متممة للجعل الاول ونتيجتها تقييده بالعلم به أي تقيد وجوب القصر بالمسافر العالم به  وكذلك الحال في مسألة الجهر والاخفات فإن الروايات التي تدل على صحة الصلاة جهرا في موضع الاخفات متممة لجعل وجوب الاخفات لأن تقييد الحكم بوجوب الاخفات بالعالم به في الجعل الاول مستحيل، ونتيجتها تقييد الجعل الاول أي تقييد وجوب الاخفات على المكلف العالم به وبالعكس .
ثم ذكر(قده) انه لو لم تكن في المسألة روايات خاصة تكون متممة للجعل فلا بد من التمسك بأدلة الاشتراك في التكاليف بين العالم والجاهل، فإن الروايات تدل على ان التكاليف المجعولة في الشريعة المقدسة مشتركة بين العالم بها والجاهل، ونتيجتها اثبات اطلاق الجعل الاول لوجوب القصر أي ان وجوب القصر ثابت للمسافر العالم به والجاهل من الاول وكذلك في مسألتي الجهر والاخفات .
هذا ملخص ما ذكره المحقق النائيني(قده) [1].
وللمناقشة فيه مجال من وجوه :
الاول : قد مر ان التقابل بين الاطلاق والتقييد من تقابل التناقض وليس من تقابل العدم والملكة، وما ذكره (قده) مبني على الخلط في التقابل بين الاطلاق والتقييد في مقام الثبوت والتقابل بينهما في مقام الاثبات، فإن التقابل بينهما في مقام الاثبات من تقابل العدم والملكة ولكن ليس هذا محل الكلام في المقام، واما التقابل بينهما في مقام الثبوت فهو من تقابل التناقض على تفسير ذكرناه في محله.
الثاني : مع الاغماض عن ذلك، فما ذكره (قده) من استحالة التقييد فقد مر ان الامر ليس كذلك، فإنه لا مانع من اخذ العلم بالحكم في مرحلة الجعل في موضوع نفسه في مرحلة المجعول بلحاظ مرتبتين ونتيجته اختصاص الحكم بالعالم به وعدم ثبوته للجاهل ولا يلزم منه محذور الدور، نعم لا يمكن ذلك بلحاظ مرتبة واحدة لاستلزامه توقف الشيء على نفسه وهو مستحيل .
واما الروايات التي تنص على صحة الصلاة تماما في موضع القصر على المسافر الجاهل بوجوب القصر فقد ذكرنا ان هذه الروايات مخصصة لعمومات روايات وجوب القصر ومقيدة لإطلاق وجوب القصر، فإن مقتضى ادلة وجوب القصر ثبوته لعالم والجاهل معا ولكن هذه الروايات تقيّد وجوب القصر بالعالم به فقط وعدم وجوبه للجاهل  فلسان هذه الروايات لسان التخصيص ولسان التقييد لا ان لسانها لسان متمم الجعل فأنها غير ناظرة الى الجعل في دليل اخر بل هي ناظرة الى تقييد اطلاق الدليل الاول او تخصيص عموم الدليل الاول، فإن الروايات الدالة على وجوب القصر مطلقة وتشمل العالم به والجاهل معا وهذه الروايات تخصص الحكم بخصوص العالم به وان الجاهل بوجوب القصر لا يكون مكلفا به بل هو مكلفا بالصلاة تماما، فلسان هذه الروايات لسان التخصيص والتقييد و كذلك الحال في روايات مسألتي الجهر والاخفات .
واما ما ذكره (قده) من انه اذا لم يكن دليل خاص في المسألة فنرجع الى ادلة الاشتراك في التكليف بين العالم والجاهل، فإن اراد (قده) من هذه الادلة إطلاقات الكتاب والسنة ومقتضاها ان التكاليف المجعولة في الشريعة المقدسة مشتركة بين العالم والجاهل ولا تكون مختصة بالعالم  فقط، فيرد عليه ان هذه الاطلاقات متكفلة لجعل الاحكام الاولية ولا تكون متممة لتقييد الجعل الاول او لإثبات اطلاقه اذ ليس لسانها لسان التتميم بل لسانها لسان جعل الاحكام الشرعية في الشريعة المقدسة وهي الاحكام الاولية، وإن أراد (قده) من الادلة المشتركة بين الجاهل والعالم ادلة الاصول العملية كدليل البراءة الشرعية او دليل الاحتياط الشرعي او دليل الاستصحاب فيرد عليه أن مفاد هذه الادلة إثبات الاحكام الظاهرية لا الاحكام الواقعية والمفروض ان متمم الجعل متكفل للحكم الواقعي دون الحكم الظاهري .
والنتيجة ان ما ذكره المحقق النائيني (قده) غير تام .


[1] اجود التقريرات، تقرير بحث المحقق النائيني للسيد الخوئي، ج2، ص7.