الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/11/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أقسام القطع
الصورة الرابعة : ما اذا كان القطع بالحكم مأخوذا في موضوع نفسه
ويقع الكلام في هذه الصورة في مقامين :
المقام الاول : في أخذ القطع بحكم في موضوع نفسه في مرتبة واحدة .
المقام الثاني : أخذ القطع بحكم في موضوع نفسه بمرتبتين .
اما الكلام في المقام الاول، فقد ذكر الاصوليون انه لا شبهة في استحالة ذلك  ويمكن تقريب هذه الاستحالة بوجهين :
الوجه الاول : ان العلم الذي اخذ في موضوع هذا الحكم جزء الموضوع والحكم الواقعي جزؤه الاخر، فالموضوع مركب من العلم والحكم فالحكم جزء الموضوع ويلزم ان يكون جزء لنفسه وهذا مستحيل، لأنه يلزم تقدم الشيء على نفسه وتوقف الشيء على نفسه مباشرة، اذ الحكم يتوقف على وجود موضوعه فاذا كان موضوعه نفس الحكم لزم تقدم الشيء على نفسه وتوقفه على نفسه مباشرة .
وهذا الوجه انما يتم فيما اذا  كان القطع المأخوذ في الموضوع قطعا طريقيا، فاذا كان العلم بالحكم المأخوذ في الموضوع علما طريقيا فلا بد ان يكون العلم جزء الموضوع  وجزؤه الاخر هو الحكم وحينئذ يكون الحكم جزء لنفسه، فإن الموضوع نفس الحكم وهذا مستحيل لاستلزامه تقدم الشيء على نفسه مباشرة، واما اذا كان العلم بالحكم مأخوذا بنحو الصفتية فيمكن ان يكون العلم تمام الموضوع للحكم، فان كان العلم مأخوذا على نحو الصفتية وكان تمام الموضوع فلا يلزم هذا المحذور، لأن الحكم يتوقف على العلم والعلم لا يتوقف على شيء فإن العلم تمام الموضوع للحكم فلا يلزم أي محذور لا تقدم الشيء على نفسه ولا توقف الشيء على نفسه ولا الدور، نعم لو كان العلم بنحو الصفتية مأخوذا جزء الموضوع لا تمامه وجزؤه الاخر الحكم يلزم تقدم الشيء على نفسه، فإن الحكم الذي هو جزء الموضوع يكون جزء نفسه وهو مستحيل .
فالنتيجة : ان هناك ثلاثة فروض :
الفرض الاول : ان العلم بالحكم مأخوذ على نحو الطريقية .
الفرض الثاني : ان العلم بالحكم مأخوذ على نحو الصفتية تمام الموضوع .
الفرض الثالث : ان العلم بالحكم مأخوذ في الموضوع بنحو الصفتية جزء الموضوع .
اما الفرض الاول، فهو مستحيل لأن الحكم جزء الموضوع فيلزم ان يكون جزء نفسه وهو مستحيل للزوم تقدم الشيء على نفسه بمرتبة واحدة .
واما الفرض الثاني، فلا يلزم شيء من المحذور فإن العلم بالحكم مأخوذ بنحو الصفتية وكان تمام الموضوع ولا يلزم أي محذور .
واما الفرض الثالث، فيلزم محذور تقدم  الشيء على نفسه، لأن العلم وان كان مأخوذا على نحو الصفتية الا انه جزء الموضوع والجزء الاخر هو الحكم فيلزم ان يكون الحكم جزء نفسه باعتبار انه مأخوذ في موضوع نفسه أي يكون جزء نفسه ولازم ذلك تقدم الشيء على نفسه وهو مستحيل .
هذا هو الوجه الاول لاستحالة أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه .
الوجه الثاني : لزوم الدور في المقام وبيانه :
ان الحكم يتوقف على العلم من باب توقف الحكم على الموضوع اذ العلم بالحكم مأخوذ في الموضوع، والعلم يتوقف على الحكم من بباب توقف العلم على متعلقه فيلزم توقف الحكم على الحكم أي يلزم توقف الشيء على نفسه .
ولكن هذا الوجه قابل للمناقشة :
فإن العلم بالحكم اذا كان علما طريقيا ومأخوذا في موضوع الحكم بنحو الطريقية فعندئذ يلزم توقف الشيء على نفسه مباشرة، وتقدم الشيء على نفسه مباشرة بدون واسطة كالدور ونحوه، فإن الدور بنفسه ليس بمحال وانما المحال هو نتيجة الدور لأن الدور يستلزم توقف الشيء على نفسه وتقدم الشيء على نفسه ولأجل ذلك يكون الدور محالا .
فاذا فرضنا ان تقدم الشيء على نفسه في المقام يلزم مباشرة بدون التوسط لمقدمة اخرى كالدور فعندئذ لا حاجة الى التمسك بالدور لإثبات تقدم الشيء على نفسه، فان توقف الشيء على نفسه لازم مباشرة فاذا اخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه بنحو الطريقية فيلزم ان يكون العلم جزء الموضوع وجزؤه الاخر الحكم فيلزم تقدم الشيء على نفسه وتوقف الشيء على نفسه مباشرة بدون التمسك بالدور او بمقدمة اخرى  فالتمسك بالدور من قبيل الاكل من القفا فلا حاجة اليه، اذ توقف الشيء على نفسه يلزم في المقام مباشرة وتقدم الشيء على نفسه يلزم في المقام مباشرة، واما العلم بالحكم اذا كان مأخوذا بنحو  الصفتية وكان تمام الموضوع فلا يلزم أي محذور لا محذور الدور ولا تقدم الشيء على نفسه ولا توقف الشيء على نفسه، واما اذا كان العلم بالحكم مأخوذا على نحو الصفتية وكان جزء الموضوع لا تمامه فعندئذ يلزم المحذور، فإن العلم جزء الموضوع وجزؤه الاخر الحكم فيلزم ان يكون الحكم جزء نفسه وهذا مستحيل، للزوم توقف الشيء على نفسه مباشرة وتقدم الشيء على نفسه كذلك وهذا مستحيل .
فإذن لا حاجة الى مقدمة اخرى لإثبات هذا المحذور، فإن هذا المحذور ثابت بنفسه .
ومن هنا يظهر ان ما ذكره المحقق الاصفهاني (قده) من ان العلم بالحكم اذا كان مأخوذا في موضوع نفسه لزم محذور الدور، فان الحكم يتوقف على العلم من باب توقف الحكم على موضوعه والعلم يتوقف على الحكم من باب توقف العلم على متعلقه فعندئذ يلزم توقف الحكم على  نفسه وهو من توقف الشيء على نفسه وتقدم الشيء على نفسه وهذا مستحيل، واما اذا كان العلم بالحكم مأخوذا على نحو الصفتية فلا يلزم هذا المحذور .
هكذا ذكره (قده) .
وقد ظهر مما ذكرنا انه غير تام، اما الدور فان العلم بالحكم اذا كان مأخوذا على نحو الطريقية فقد تقدم انه لا حاجة الى التمسك بالدور لإثبات استحالة توقف الشيء على نفسه واستحالة تقدم الشيء على نفسه، فان تقدم الشيء على نفسه يلزم مباشرة اذا كان القطع بالحكم طريقيا فيكون جزء الموضوع وجزؤه الاخر الحكم فيكون الحكم جزء نفسه فيلزم محذور تقدم الشيء على نفسه وتوقف الشيء على نفسه مباشرة بدون الحاجة الى مقدمة اخرى كالدور ونحوه .
واما ما ذكره (قده) من ان العلم بالحكم اذا كان مأخوذا بنحو الصفتية فلا يلزم هذا المحذور، فهو غير تام على اطلاقه .
فإن العلم بالحكم اذا كان مأخوذا بنحو الصفتية وكان تمام الموضوع فعندئذ لا يلزم المحذور لا محذور الدور ولا محذور تقدم الشيء على نفسه، فإن العلم تمام الموضوع للحكم .
واما اذا كان العلم بالحكم مأخوذ بنحو الصفتية وكان جزء الموضوع لا تمامه فيلزم هذا المحذور، فإن جزء الموضوع العلم وجزؤه الاخر الحكم فيلزم ان يكون الحكم جزء نفسه فيلزم تقدم الشيء على نفسه وتوقف الشيء على نفسه مباشرة وهذا مستحيل .
فالنتيجة ان ما ذكره المحقق الاصفهاني (قده) غير تام .
الى هنا قد تبين ان العلم بالحكم اذا كان طريقيا فلا محالة يكون جزء الموضوع وجزؤه الاخر الحكم فيلزم توقف الشيء على نفسه مباشرة وهو مستحيل، واما اذا كان العلم بالحكم مأخوذ بنحو الصفتية وكان جزء الموضوع فايضا يلزم هذا المحذور، واما اذا كان العلم بالحكم مأخوذا بنحو الصفتية وكان تمام الموضوع فلا يلزم هذا المحذور فلا يكون محالا .