الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/07/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التجري
الوجه الثاني : ما ذكره صاحب الكفاية (قده) ايضا، وحاصل ما ذكره :
ان الالتفات الى الفعل بعنوانه الخاص وباسمه المخصوص شرط لاختياريته، فاذا علم ان هذا المائع ماء وشربه بعنوان الماء فهو صادر منه بالاختيار، سواء كان ملاك الاختيار هو سبق الفعل بالإرادة او كان ملاك الاختيار هو كون الفعل تحت سلطنة الانسان واختياره، فالالتفات الى عنوان الفعل شرط لاختياريته، فاذا اعتقد ان هذا المائع ماء وشبه بعنوان انه ماء ثم بان انه خل، لم يصدر  شرب الخل منه بالاختيار لعدم التفاته الى عنوانه، واما شرب الماء فهو لم يقع في الخارج، وشرب الخل وان وقع في الخارج الا انه تصادفي واتفاقي وليس باختياري، لعدم التفاته اليه بعنوانه الخاص وباسمه المخصوص .
وعلى هذا، اذا اعتقد المكلف بان هذا المائع خمر وشربه بهذا العنوان ثم بان بانه ماء مباح، فهنا ايضا ثلاثة فروض :
الفرض الاول : شرب الخمر الواقعي .
الفرض الثاني : شرب الماء المباح .
الفرض الثالث : شرب مقطوع الخمرية .
اما الفرض الاول، فلا وجود له فان شرب الخمر لا وجود له في الخارج، واما الفرض الثاني وهو شرب الماء فهو وان وقع في الخارج الا انه غير اختياري، لان القاطع غير ملتفت الى ان هذا الشرب شرب ماء، فاذا لم يكن ملتفتا اليه فصدوره منه اتفاقي وتصادفي فهو غير اختياري، واما شرب مقطوع الخمرية فهو ايضا غير اختياري لان عنوان مقطوع الخمرية مما لا يلتفت اليه  وليس موردا للالتفات،  فان مورد التفات القاطع هو الخمر الواقعي دون القطع بها، لان القاطع انما يرى الخمر الواقعي ولا يرى قطعه فهو لا يكون ملتفتا الى قطعه .
فإذن عنوان مقطوع الخمرية ليس مما يلتفت اليه واذا كان كذلك لا يكون اختياريا حتى يتصف  بالقبح، هكذا ذكره صاحب الكفاية (قده)[1].
وقد اورد عليه المحقق النائيني (قده) بان لازم ما ذكره عدم امكان اخذ القطع في موضوع الحكم، لأنه مما لا يلتفت اليه، ووصول الحكم وتنجزه منوط بالالتفات الى موضوعه، فاذا كان موضوعه القطع فهو مما لا يمكن الالتفات اليه، مع انه لا شبهة في امكان ذلك ووقوعه في الخارج حتى منه (قده)[2].
والظاهر ان هذا الاشكال في غير مورده، فان صاحب الكفاية (قده) لا يقول انه لا يمكن الالتفات الى القطع، بل يقول ان النظر الى القطع آلي والقاطع لا يرى القطع وانما يرى الواقع، وهذا بطبعه كذلك، فالقطع بطبعه طريق والنظر اليه آلي والقاطع لا يرى الا الواقع، واما اذا اخذ في الموضوع فالنظر اليه موضوعي وهو مورد للالتفات مستقلا، فانه موضوع الحكم وليس طريقا، فاذا اخذ في موضوع الحكم  فالنظر والالتفات اليه استقلالي لا انه آلي .
فإذن فرق بين كون القطع طريقا كما هو كذلك بنفسه فالقاطع لا يكون ملتفتا اليه لان النظر اليه حينئذٍ آلي وبين ما اذا اخذ في موضوع الحكم فالنظر اليه موضوعي والالتفات اليه استقلالي .
فالنتيجة ان ما ذكره المحقق النائيني من الاشكال غريب، والا فليس مراد صاحب الكفاية انه لا يمكن الالتفات الى القطع بل مراده ان القطع بنفسه طريق الى الواقع ولا يكون موردا للالتفات والقاطع غالبا لا يلتفت الى قطعه وانما يلتفت الى الواقع وينظر الى الواقع، واما اذا اخذ في موضوع الحكم فلا شبهة في ان النظر اليه استقلالي .
وعلى هذا فالصحيح في المقام ان يقال :
ان الالتفات في مقابل الغفلة، فالانسان اما ان يكون ملتفتا الى شيء او يكون غافلا عنه ولا ثالث في البين، بان لا يكون ملتفتا ولا يكون غافلا، فالالتفات الذي هو شرط لاختيارية الفعل في مقابل الغفلة وهو اعم من الالتفات التفصيلي والالتفات الاجمالي ونقصد بالالتفات الاجمالي الالتفات الارتكازي الموجود في اعماق نفس الانسان، الالتفات الذي هو شرط لاختيارية الفعل اعم من الالتفات التفصيلي والالتفات الاجمالي الارتكازي والالتفات الاستقلالي والالتفات الآلي، فكل قسم من اقاسم الالتفات شرط لاختيارية الفعل وهو بجميع اقسامه في مقابل الغفلة .
وعلى هذا
فيرد على هذا الوجه الذي ذكره صاحب الكفاية (قده) وجوه :
الاول : ان القطع بالواقع عين الالتفات بل هو من اظهر مصاديق الالتفات غاية الامر ان القاطع لا يلتفت اليه، لا ان القاطع غافل عنه فان الغفلة لا تجتمع مع القطع، فاذا قطع المكلف بان هذا المائع خمر فشربه فلا شبهة في انه ملتفت الى انه شرب مقطوع الخمرية بالالتفات الآلي في مقابل مظنونها ومشكوكها، فالالتفات الآلي موجود في المقام غاية الامر ان القاطع لا يلتفت الى قطعه لا انه غافل عنه، فان الغفلة لا تجتمع مع القطع .
وعلى هذا، فما ذكره صاحب الكفاية (قده) في هذا الوجه من ان عنوان مقطوع الخمرية مما لا يلتفت اليه فلا يكون اختياريا فلا يتصف بالقبح، ما ذكره مبني على توهم ان الشرط لاختيارية الفعل الالتفات التفصيلي الاستقلالي، ومن الواضح ان الامر ليس كذلك فكما ان الالتفات التفصيلي الاستقلالي شرط لاختيارية الفعل فكذلك الالتفات الاجمالي والالتفات الآلي شرط لاختيارية الفعل، فان كل واحد من هذه الاقسام للالتفات في مقابل الغفلة، والمانع من اختيارية الفعل هو الغفلة، واما الالتفات سواء ا كان تفصيليا ام اجماليا ام استقلاليا ام آليا فهو شرط لاختيارية الفعل
الوجه الثاني : ان ما ذكر في هذا الوجه لو تم فإنما يتم في موارد القطع فقط
واما في موارد الظن المعتبر او في موارد الشك الذي يكون منجزا كما هو الشك في الشبهات قبل الفحص او الشك المقرون بالعلم الاجمالي، فاذا كان التكليف منجزا بالظن المعتبر فلا شبهة في ان المكلف اذا ظن بان هذا المائع خمر وشرب فهو ملتفت الى انه شرب مظنون الخمرية أي هو ملتفت الى انه ظان بانه خمرا او اذا شك في ان هذا المائع خمر او خل وفرضنا ان هذا الشك منجز، فعندئذٍ اذا شرب هذا المائع فهو ملتفت الى انه شرب مشكوك الخمرية فلا شبهة في ذلك .
فما ذكره (قده) لو تم فإنما يتم في موارد القطع فقط .
الوجه الثالث : مع الاغماض عن جميع ذلك وفرضنا ان مقطوع الخمرية ليس باختياري ولا يكفي في اختيارية الفعل الالتفات الاجمالي او الالتفات الآلي، أي ان الالتفات الآلي ليس شرطا في اختيارية الفعل وكذلك الالتفات الاجمالي .
وعلى هذا، فشرب مقطوع الخمرية ليس اختياريا لعدم الالتفات التفصيلي الى القطع بها، والالتفات الاجمالي او الالي لا يكفي ولا يكون شرطا مع تسليم جميع ذلك الا ان قبح التجري لا يتوقف على شيء من ذلك سواء ا كان شرب مقطوع الخمرية اختياريا ام لم يكن اختياريا، لا شبهة ان التجري قبيح لانه اذا اقدم على شرب ما قطع انه خمر عالما وملتفتا الى ان المولى نهى عن ذلك فلا شبهة في ان هذا الاقدام تجري على  المولى وتعدٍ عليه وخروج عن آداب العبودية وتفويت لحق المولى وهو حق الطاعة وهو من اظهر افراد الظلم، واذا كان ظلما استقل العقل باستحقاق العقوبة عليه، ولا فرق في هذه النقطة بين العاصي والمتجري والفرق بينهما في نقاط اخرى مما لا صلة لها باستحقاق العقوبة، وفي هذه النقطة الاقدام على ترك الواجب او الاقدام على المعصية بنظر المكلف واعتقاده تجري على المولى وتعد وتفويت لحق طاعته، فلذلك يستحق العقوبة .
فالنتيجة ان ما ذكره صاحب الكفاية (قده) في هذا الوجه فهو غير تام.



[1] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص260.
[2]  اجود التقريرات، السید أبوالقاسم الخوئي، ج2، ص27.