الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/07/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : التجري
كان الكلام في استحقاق المتجري للعقوبة وعدمه، وقلنا ان فيه اقوال كان ثالثها انه مستحق للعقوبة والادانة كالعاصي ولا فرق بينهما من هذه الناحية .
بيان ذلك :-
ان في المسألة ثلاثة فروض :
الفرض الاول : ان ملاك استحقاق الادانة والعقوبة ثبوت حق الطاعة للمولى على العبد في المرتبة السابقة، وذكرنا ان ثبوت هذا الحق ذاتي للمولى الحقيقي فلا يحتاج الى دليل، فإذن موضوع هذا الحق نفس التكليف المولوي بوجوده الواقعي .
الفرض الثاني : ان موضوع هذا الحق القطع بالتكليف المولوي، واحرازه بمنجز شرعي او عقلي .
الفرض الثالث : ان موضوع هذا الحق مركب من الواقع والقطع بالتكليف، فالقطع بالتكليف واحرازه جزء الموضوع وجزؤه الاخر هو الواقع، فالموضوع مركب منهما .
أما الفرض الاول ، فلازمه ان لاحق في موارد التجري، لان في موارد التجري لا وجود للتكليف المولوي الواقعي، فيكون هذا الحق منتفي بانتفاء موضوعه .
ولكن، هذا الفرض ساقط ولا واقع موضوعي له، والا كان لازمه ان المكلف يستحق الادانة والعقوبة على مخالفة التكليف في الواقع وان لم يكن منجزا، وهذا مما لا يمكن المساعدة عليه، فان التكليف اذا لم يكن منجزا لا أثر له، فالعقوبة انما هي على مخالفة التكليف المنجز، واما اذا لم يكن منجزا كما في موارد الجهل المركب فلا يستحق المكلف العقوبة على مخالفته، بل يمكن على هذا انه يستحق العقوبة على مخالفة التكليف بوجوده الواقعي وان كان المكلف قاطعا بعدم التكليف، ولكن التكليف في الواقع موجود، وهو خالف هذا التكليف، فلازمه استحقاق العقوبة وهو كما ترى لا يمكن الالتزام به .
فإذن هذا الفرض ساقط ولا واقع موضوعي له، فلا شبهة في ان موضوع هذا الحق ليس التكليف المولوي بوجوده الواقعي .
وأما الفرض الثاني ، وهو ان موضوع هذا الحق القطع بالتكليف المولوي واحرازه بمجز عقلي او شرعي، والاحراز تمام الموضوع لهذا الحق من دون أي دخل للواقع، فان التكليف اذا كان محرزا فلا محالة يحكم العقل باستحقاق الادانة والعقوبة على مخالفته، كما اذا قطع المكلف بان شرب هذا المائع حرام بتخيل انه خمر وكان في الواقع غير حرام، فعندئذٍ اذا اقدم باختياره على شرب هذا المائع عالما عامدا، فلا شبهة في انه تمرد على المولى وخارج عن آداب العبودية وحدودها وعن زي الرقيّة وتفويت لحقه وهو حق الطاعة وهذا من اظهر افراد الظلم، فمن اجل ذلك يستحق العقوبة والادانة على الظلم والتعدي على حق المولى بحكم العقل، ولا فرق بين العاصي والمتجري من هذه الناحية، كما ان المتجري قام بهتك حرمة المولى والطغيان عليه وتفويت حقه وهو حق الطاعة والمفروض ان تفويت حق المولى مصداق للظلم، فان معنى الظلم سلب ذي الحق عن حقه، فسلب المولى حقه من اظهر مصاديق الظلم، فلا محالة يستقل العقل باستحقاقه للعقوبة والادانة، وكذلك الحال في العاصي فانه اذا اقدم على ارتكاب حرام او ترك واجب فقد خرج عن حدود العبودية وقام بهتك حرمة المولى والطغيان عليه وتفويت حقه وهو من أظهر مصاديق الظلم، فمن اجل ذلك يستحق العقوبة .
وحق الطاعة ليس كسائر الحقوق، فان سائر الحقوق لها واقع محفوظ قد يعلم بها الانسان وقد يجهل بها، فالعلم والظن والشك طريق اليها، واما حق الطاعة فلا واقع موضوعي له محفوظ كي يعلم به او يجهل، بل هو متقوم ذاتا وحقيقة بالقطع، ولهذا لا يكون هذا الحق ثابتا في موارد الجهل المركب وموارد الاحكام الترخيصية، فلا واقع محفوظ لهذا الحق قد يقطع المكلف به وقد يجهل بحيث يكون العلم طريقا اليه، فانه ليس له واقع غير طاعة العبد للمولى لان حق الطاعة عبارة عن طاعة العبد للمولى، ومخالفة العبد للمولى ظلم وطاعته عدل، فإذن حق الطاعة عبارة عن طاعة العبد للمولى، وطاعة العبد للمولى متقوّمة بالقطع بالتكليف واحرازه بمنجز شرعي او عقلي والا فلا واقع له، فاذا قطع بالتكليف فهو محرك للمكلف لان المحرك للمكلف هو القطع الذاتي وهو صورة التكليف في ذهن الانسان، فان صورة التكليف في ذهن الانسان هي المحركة للعمل الخارجي لا المطابقة للواقع، فإذن موضوع هذا الحق القطع الذاتي وهو صورة القطع بالتكليف في الذهن واحرازه في الذهن بمنجز عقلي او شرعي، فمن هذه الناحية لا فرق بين العاصي والمتجري .
ولكن قد يقال كما قيل، ان لازم ذلك ان العاصي يستحق عقوبتين، عقوبة على التجري وعقوبة على ارتكاب الواقع اذا كان في الواقع حراما او تفويت الواقع اذا كان الواقع واجبا، وهذا خلاف الضرورة والوجدان، فان العاصي لا يستحق الا عقوبة واحدة ولا يستحق عقوبتين احداهما على التجري والاخرى على مخالفة الواقع .
والجواب عن ذلك :
ان العاصي يشترك مع المتجري في ملاك استحقاق العقاب وهو تفويت حق الطاعة، فان تفويت حق الطاعة كما هو في العاصي كذلك هو في المتجري، والفرق بينهما في نقطة اخرى وهي ان قطع العاصي مطابق للواقع وقطع المتجري غير مطابق للواقع، ومطابقة القطع للواقع وعدمه امر اتفاقي وامر تصادفي وخارج عن اختيار المكلف، فان مطابقة القطع للواقع ليست باختيار المكلف، فإذن لا معنى لاستحقاق العقوبة على مطابقة القطع للواقع .
ودعوى ان القطع اذا كان مطابقا للواقع فهو يؤدي الى ارتكاب مفسدة ملزمة اذ المكلف اذا قطع بحرمة شرب هذا المائع بتخيل انه خمر وفرضنا ان قطعه مطابق للواقع فانه لو شرب هذا الخمر فمضافا الى انه قام بهتك حرمة المولى وتفويت حقه فهو قد ارتكب مفسدة ملزمة وهو شرب الخمر الذي هو مبغوض للمولى ويستحق عليه العقوبة، هذه الدعوى فاسدة لا واقع موضوعي لها، فان تنجز حرمة شرب الخمر بالقطع المطابق للواقع وتنجز المفسدة الملزمة من جهة القطع المطابق للواقع هذا التنجز هو ملاك تفويت حق الطاعة، ولا فرق بين ان يكون التنجز واقعيا او اعتقاديا فعلا كلا التقديرين تنجز التكليف وان كان اعتقاديا كما في المتجري فهو منشأ لتفويت حق الطاعة، اذ لا واقع موضوعي لحق الطاعة الا طاعة العبد للمولى ومخالفته للمولى فاذا خالف المولى فقد فوت حقه واذا فوّت حق المولى فهو ظلم ومستحق للعقوبة، ولا فرق بين ان يكون منشأ تفويت حق المولى التنجز الاعتقادي او التنجز الواقعي، اما نفس ارتكاب المفسدة فلا يوجب استحقاق العقوبة، والموجب لاستحقاق العقوبة هو التنجز والتنجز هو الملاك في تفويت حق المولى والذي هو أظهر مصاديق الظلم فمن اجل ذلك يستحق العقوبة .
فإذن لا فرق بين العاصي والمتجري فكما ان العاصي يستحق الادانة والعقوبة على تفويت حق المولى فكذلك المتجري يستحق الادانة والعقوبة على تفويت حق المولى وهو حق الطاعة لأنه لم يطع المولى وخالفه .