الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/05/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : المباحث العملية  - الاجتهاد والتقليد
الى هنا قد تبين أن الاحكام الظاهرية في باب الامارات كأخبار الثقة وظواهر الكتاب ومطلقاته وعموماته لا تختص بالمجتهدين بل تشمل غيرهم ايضا غاية الامر ان احراز موضوعها وشروطها بيد المجتهد والعامي لا يتمكن من احراز موضوع الاحكام الظاهرية وشروطها حيث ان موضوع الاحكام الظاهرية وشروطها متعددة فلابد اولا من أحراز سندها ووثاقة الرواة في تمام السلسلة ولابد من أثبات ان ليس له معارض ولا قرينة على عدم صدورها وايضا على المجتهد أثبات دلالتها وظهورها وعدم وجود القرينة على الخلاف او عدم وجود المقيد والمخصص او الدليل الحاكم او الوارد على الخلاف وايضا لابد من اثبات ان ليس لها معارض ولابد من اثبات ان الرواية صدرت لبيان الحكم الواقعي ولم تصدر تقية فاذا تمت هذه الجهات الثلاثة كافة تحقق موضوع الحكم الظاهري للجميع. .
فأذن الاحكام الظاهرية مشتركة بين المجتهد وغير المجتهد واذا كانت كذلك واثبتها المجتهد فيجوز للعامي الرجوع اليه من باب الرجوع الى اهل الخبرة والبصيرة ورجوع الجاهل الى العالم فاذا رجع العامي الى المجتهد يكون خبر الثقة حجة عليه , وبإمكان العامي العمل بأخبار الثقة في الموضوعات الخارجية فاذا علم بوثاقة شخص وقد اخبره بخبر قبل قوله لان خبر الثقة حجة.
واما في الشبهات الحكمية فليس للعامي العمل بأخبار الثقة أذ ليس بإمكانه تطبيقها على مصاديقها وعلى عناصرها وصغيراتها فان هذا التطبيق لابد ان يكون من المجتهد ومن اهل الخبرة والبصيرة فإذا فرضنا ان الخبر قام على وجوب السورة في الصلاة أو وجوب جلسة الاستراحة فيها فكون هذا الخبر مصداقا لكبرى حجية خبر الثقة بحاجة الى البحث والدراسة من جميع الجهات من جهة سنده لابد من أحراز السند في تمام السلسلة تام ولا معارض له ولا قرينة على عدم صدوره وأيضا لابد من أثبات دلالته بعد أثبات سنده وانه ظاهر في مدلوله وهو وجوب السورة في الصلاة او وجوب جلسة الاستراحة فيها وأثبات ان لا مقيد ولا مخصص له ولا قرينة ولا الحاكم ولا الوارد على الخلاف وايضا لابد من أثبات انه لم يصدر تقية وإنما صدر لبيان الحكم الواقعي , فإذا تمت هذه الجهات الثلاث جميعا تحققت صغرى للكبرى وتحقق مصداق الكبرى وهي حجية خبر الثقة فأذن تنطبق تلك الكبرى على هذه الصغرى من باب انطباقها على عناصرها ومصداقها في الفقه ونتيجة هذا الانطباق وجوب السورة في الصلاة ووجوب جلسة الاستراحة فيها وهذا معنى ما ذكرناه من ان الذهنية الاصولية مهما تطورت انعكست في الذهنية الفقهية التطبيقية بنفس المرتبة فلا يمكن الاختلاف بينهما.
وعلى هذا، ان قلنا بمسلك مدرسة المحقق النائيني (قده) من ان معنى الحجية في باب الامارات كأخبار الثقة وظواهر الكتاب والسنة  هو الطريقية و الكاشفية والعلمية التعبدية والجامع بينها جعل ما ليس بعلم علما تعبدا فخبر الثقة ليس علما ومعنى حجيته ان الشارع جعله علما تعبدا، وعلى هذا يكون المجتهد عالما بالواقع تعبدا لا وجدانا وحينئذ يكون رجوع العامي الى المجتهد من باب رجوع الجاهل الى العالم وقد ذكرنا ان المراد من العالم هو اهل الخبرة والمراد من اهل الخبرة اعم من ان يكون علمه بالواقع وجدانيا او عرفيا او تعبديا والمجتهد عالم بالواقع تعبدا ورجوع العامي اليه من باب رجوع الجاهل الى العالم او من باب الرجوع الى اهل الخبرة والبصيرة.
فأذن التقليد يكون من صغريات قاعدة الرجوع الى اهل الخبرة والبصيرة ورجوع الجاهل الى العالم.
هذا ,ولكن ذكرنا ان هذا المسلك غير تام وسوف يأتي بحثه مفصلا في مبحث حجية خبر الواحد وذكرنا ان هذا المسلك غي  تام ثبوتا وأثباتا،
أما ثبوتا فهو غير معقول فأن جعل غير العلم علما لغو محض ولا يترتب عليه أي أثر ومن الواضحان صدور اللغو من المولى الحكيم مستحيل
فأذن يستحيل ان يكون معنى الحجية جعل ما ليس بعلم علما تعبد.
وأما في مقام الاثبات ,فلأن عمدة الدليل بل الدليل الوحيد على حجية أخبار الثقة هو السيرة القطعية من العقلاء الجارية على العمل بأخبار الثقة دون أخبار غير الثقة وهذه السيرة هي العمل بأخبار الثقة بما هي كاشفة عن الواقع نوعا وذاتا فحجية أخبار الثقة من جهة انها أقرب الى الواقع من أخبار غير الثقة وأخبار الثقة أقرب نوعا الى الواقع من أخبار غير الثقة ومن أجل ذلك جرت سيرة العقلاء على العمل بها ,فأن جريان سيرة العقلاء على العمل بشيء لا يمكن ان يكون جزافا وبلا نكتة تبرر ذلك وهي كما ذكرنا أقربية أخبار الثقة الى الواقع نوعا من اخبار غير الثقة وهذه النكتة هي التي توجب جريان سير ة العقلاء على العمل بأخبار الثقة ومن الواضح ان ليس في هذه السيرة أي دلالة على جعل ما ليس بعلم علما فأنه ليس للسيرة لسان لانها عبارة عن عمل العقلاء بأخبار الثقة وليس له لسان , كما ان ليس في هذه السيرة أي دلالة على جعل خبر الثقة علما تعبدا.
فالنتيجة ان ما ذكرته مدرسة المحقق النائيني (قده) ومنهم السيد الاستاذ (قده) لا يمكن المساعدة عليه لا ثبوتا ولا أثباتا.
وأما على مبنى ان المجعول في باب الامارات هو الاحكام الظاهرية كما نسب ذلك الى شيخنا الانصاري (قده) فهو غير تام وان كان ممكن ثبوتا ولا محذور في ثبوته , ولكن لا دليل عليه في مقام الاثبات،فأن سيرة العقلاء لا تدل على جعل أي شيء لا على جعل الطريقية ولا على جعل الحكم الظاهري ,بل السيرة جارية على العمل بأخبار الثقة بما هو خبر ثقة.
وعليه ,فهذا المبنى غير  تام ايضا.
وعلى هذا فمعنى الحجية هو المنجزية والمعذرية ومعنى ان خبر الثقة حجة انه منجز للواقع على تقدير الاصابة ومعذرا على تقدير الخطأ ,هذا هو معنى حجية خبر الثقة.
فأذن اخبار الثقة تثبت الواقع تنجيزا وتعذيرا , وعلى هذا يكون المجتهد عالما بالواقع تنجيزا او تعذيرا وهو اهل الخبرة بالواقع تنجيزا او تعذيرا وحينئذ يجوز رجوع العامي اليه فيكون من الرجوع الى اهل الخبرة والبصيرة ومن باب رجوع الجاهل الى العالم فأنه عالم بان اخبار الثقة منجز على تقدير الاصابة ومعذر على تقدير الخطأ ومن أهل الخبرة والبصيرة في ذلك.
وعلى هذا فالتقليد يكون من صغريات كبرى قاعدة الرجوع الى أهل الخبرة والبصيرة ورجوع الجاهل الى العالم ,فأن المراد من العالم اعم من العالم الوجداني والعالم العرفي والعالم التعبدي الشرعي.
فالنتيجة على هذا , ان عملية التقليد عملية ضرورية وبقطع النظر عنها فهي عملية قد جرت عليها سيرة العقلاء من باب انها من صغريات كبرى قاعدة الرجوع الى اهل الخبرة والبصيرة وهذه القاعدة ثابتة بالسيرة القطعية من العقلاء.