الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : المباحث العملية – القطع
ذكرنا ان مسألة القطع ليست من المسائل الاصولية لأمرين :
اولا : ان المسائل الاصولية نظرية وفكرية ومن هنا ان الاصول موضوع لتكوين النظريات العامة والقواعد المشتركة وفق شروطها ومن العامة والخاصة في الحدود المسموح بها شرعا والفقه موضوع لتطبيق هذه النظريات العامة والقواعد المشتركة على عناصرها الخاصة وفق شروطها وعدم الموانع عنها في الحدود المسموح بها شرعا، ومسألة القطع بما انها مسألة وجدانية فهي خارجة عن المسائل الاصولية فإنما المسائل الاصولية نظرية تكوينا وتطبيقا
ثانيا : ان مسألة القطع هي قطع بالحكم مباشرةً وهو نتيجة المسألة الاصولية فان المسألة الاصولية واسطة لإثبات القطع لا انه قطع بالحكم مباشرةً ومن اجل ذلك لا تكون مسألة القطع من المسائل الاصولية
الامر الثاني : هل ان مسألة القطع من نتائج المسائل الاصولية او لا ؟ فذهب السيد الاستاذ قدس سره الى انها من نتائج المسائل الاصولية وقد قسم المسائل الاصولية الى اربعة اقسام : القسم الاول ما يوصل الى الحكم بالقطع والوجدان، القسم الثاني ما يوصل المكلف الى الحكم بالعلم التعبدي، القسم الثالث ما يعين الوظيفة العملية الشرعية للمكلف كالأصول العملية الشرعية كالاستصحاب واصالة البراءة ونحوهما، القسم الرابع ما يعين الوظيفة العملية العقلية كالصالة البراءة العقلية والاحتياط العقلي وما شاكلهما، فقد قسم قدس سره المسائل الاصولية الى هذه الاقسام ولكن للنظر في القسم الاول مجال اما القسم الثاني فسيأتي الكلام فيه، والقسم الاول فان مسألة القطع كما انها ليست من المسائل الاصولية فهي ليست من نتائجها ايضا وقد تقدم في مستهل بحث الاصول موسعا ان المسائل الاصولية مسائل نظرية وفكرية تتكون منها بإعمال النظر والفكر وبتبادل الآراء والنظريات العامة والقواعد المشتركة بين ابواب الفقه كحجية اخبار الثقة وحجية الاستصحاب واصالة البراءة وحجية الظواهر وما شاكل ذلك من القواعد المشتركة بين ابواب الفقه وفق شروطها العامة والخاصة في الحدود المسموح بها شرعا أي حدود الكتاب والسنة ولا يمكن ان تتجاوز عن حدود الكتاب والسنة فالأصول عبارة عن هذه النظريات العامة والقواعد المشتركة التي تتكون من اعمال النظر والفكر وتبادل الافكار وتطبيقها على عناصرها الخاصة في الفقه ونتيجة هذا التطبيق هو المسائل الفقهية فالمسائل الفقهية تتولد من تطبيق تلك القواعد العامة المشتركة على عناصرها الخاصة ومصاديقها المخصوصة، ومن هنا يكون علم الفقه ليس علم مستقل بل هو يتولد من علم الاصول كتولد المعلول عن العلة وعلى هذا فكما ان تكوين هذه المسائل نظري فكذلك تطبيقها على مصاديقها نظري وبحاجة الى اعمال النظر والفكر وتبادل الآراء فكيف يمكن ان تكون النتيجة قطعية ولا يعقل ذلك فاذا كان تكوين تلك النظريات العامة والقواعد المشتركة نظري وتطبيقها على عناصرها الخاصة في الفقه نظري فكيف يعقل ان تكون نتيجتها قطعية فمن اجل ذلك لا يمكن ان تكون مسألة القطع نتيجة للمسألة الاصولية، وبكلمة ان نسبة الاصول الى الفقه نسبة المنطق الى سائر العلوم فأي علم لا يمكن وجوده بدون وجود المنطق وهو متمثل بالشكل الاول فقط واما سائر مباحث المنطق ليس منه كمبحث التصور والتصديق والقضايا البسيطة والمركبة فالمنطق متمثل بالشكل الاول وهو مبدأ العلية وهو مبدأ عام في جميع العلوم سواء كانت النقلية والطبيعية فانهياره يوجب انهيار جميع العلوم ولهذا تكون نسبة المنطق الى جميع العلوم نسبة العلة الى المعلول فان العلوم تتولد من الشكل الاول من مبدأ العلية ونسبة الاصول الى الفقه ايضا كذلك فان الفقه يتولد من الاصول ولا يتصور الفقه بدون الاصول
ومن هنا كلما كان الباحث الاصولي ادق واعمق في تكوين القواعد العامة والنظريات المشتركة فهو ادق في تطبيقها على عناصرها الخاصة فان الذهنية الاصولية ترتبط بالذهنية الفقهية على ان اساس ان الذهنية الاصولية النظرية بتمام مراحلها ودرجاتها انعكست في النظرية الفقهية التطبيقية تماما فاذاً النظرية الاصولية بتمام مراحلها ودرجاتها من الادنى الى الاعلى انعكست تماما في النظرية الفقهية ولهذا اذا كان الباحث الاصولي ضعيفا فبطبيعة الحال يكون ضعيفا في الفقه ايضا واذا كان الباحث الاصولي ادق واعمق في الاصول فهو ادق واعمق في الفقه ايضا لان الفقه متولد من الاصول وليس علم مستقلا وحيث ان الاصول نظرية وليست بوجدانية فالمسائل الاصولية مسائل نظرية وهي بحاجة الممارسة اعمال الفكر والنظر وتبادل الآراء فكيف يكون الفقه قطعي ! هذا غير معقول
ومن هنا اذا فرضنا ان رواية قطعية الصدور وقطعية الدلالة وقطعية الجهة فهذه الرواية تدل على الحكم مباشرةً بدون توسط مسألة اصولية ونسبة هذا الحكم الى المجتهد والعامي على حد سواء فالعامي لا يرجع الى المجتهد في الاحكام القطعية وانما يرجع الى المجتهد في الاحكام النظرية التي يكون اثباتها بحاجة الى اعمال النظر واعمال الفكر، ومن اجل ذلك لا يتصور كون المسألة الاصولية مسألة وجدانية بل هي نظرية وبطبيعة الحال الفقه الذي يستنبط من المسائل الاصولية ويستخرج منها ايضا نظري فلا يمكن ان يكون قطعي ولا يعقل ان تكون المقدمة ظنية والنتيجة قطعية وهذا غير معقول
ومنها ان ما ذكره السيد الاستاذ قدس سره من ان المباحث العقلية الغير مستقلة كمبحث مقدمة الواجب ومبحث الضد ومبحث اجتماع الامر والنهي فقد ذكر ان هذه المباحث قطعية ونتيجتها ايضا قطعية فان ما ذكره قدس سره غير تام : اولا ان هذه المباحث في نفسها مباحث نظرية فأنها مورد افكار الاصوليين نفيا واثباتا ولو كانت مسائل قطعية ووجدانية لم يقع الخلاف فيها مع انها مورد كلام بين الاصوليين نفيا واثباتا، ثانيا ومع الاغماض عن ذلك ان استنباط الحكم الفقهي من هذه المسائل بحاجة الى ضم مقدمة شرعية فلا يمكن استنباط الحكم الشرعي منها بدون ضم مقدمة شرعية وهذه المقدمة الشرعية ظنية كوجوب المقدمة وحرمة الضد ونحوهما فطالما لم ينضم اليها وجوب المقدمة لا يمكن استنتاج الحكم الفقهي منها والمفروض ان المقدمة الشرعية مقدمة ظنية نظرية والنتيجة تابعة لأخس المقدمتين فبطبيعة الحال تكون النتيجة ظنية لا قطعية، وثالثا ذكرنا في مستهل بحث الاصول ان هذه المسائل ليست من المسائل الاصولية بل هي من المبادي التصديقية للمسائل الاصولية وليست بنفسها من المسائل الاصولية وهي مقدمة للمسائل الاصولية كمسألة الترتب فان مسألة الترتب تتوقف على تلك المسائل ومترتبة عليها ومسألة قواعد باب المزاحمة فهذه المسائل من المسائل الاصولية اما هذه المسائل فهي بنفسها ليست من المسائل الاصولية لان المعتبر في اصولية المسألة وقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعي مباشرةً وهذه المسائل لم تقع في طريق استنباط الحكم الفقهي مباشرةً بل تتوقف على ضم مسألة اخرى كمسألة الترتب او قواعد باب المزاحمة فاذاً مسألة الترتب هي مسألة اصولية لانها تقع في طريق استنباط الفقهي مباشرةً وقواعد، هذا كله في ان مسألة القطع كما انها ليست من المسائل الاصولية كذلك هي ليست نتيجة المسائل الاصولية .