الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تقديم دليل المطلق على دليل المقيد
كرنا ان تقديم دليل المقيد على دليل المطلق انما هو في جهة لها قرينة لدى العرف العام لبيان المراد الجدي النهائي من المطلق، نعم اذا كان المقيد بلسان التقيد مباشرة كما اذا قال المولى اعتق رقبة ثم قال فلتك الرقبة مؤمنة فان دليل المقيد يدل على التقيد مباشرةً والتقيد مدلوله المطابقي فلا يحتاج تقديمه الى كونه  قرينة او كان مفاد دليل المقيد الارشاد الى المانعية فانه يرشد الى المانعية بالمطابقة والى ان عدمها قيد للمأمور به بالالتزام وتقديمه لا يحتاج الى كونه قرينة
ثم ان صاحب الكفاية قدس سره : قد ذكر وجه اخر لتقديم دليل المقيد على دليل المطلق وهو ان الامر المتعلق بالمقيد ظاهر في الوجوب التعيني وهذا الظهور اقوى من ظهور المطلق في الاطلاق فيكون تقديمه بملاك الاظهرية وهذا من احد موارد الجمع الدلالي العرفي فيكون تقديم دليل المقيد على دليل المطلق بملاك الاظهرية وقد اورد عليه السيد الاستاذ قدس سره بان ما ذكره قدس سره لا يتم على مسلكه فان صاحب الكفاية يرى ان دلالة الامر على الوجوب التعيني انما هي بالإطلاق ومقدمات الحكمة لا بالوضع فاذا كان دلالة الامر بالمقيد على الوجوب التعيني بالإطلاق ومقدمات الحكمة فلا وجه لتقديم دليل المقيد على دليل المطلق فان دلالة كليهما مستندة الى قرينة الحكمة والى مقدماتها فلا تكون دلالة الامر بالمقيد على الوجوب التعيني اقوى من دلالة المطلق على الاطلاق فان كلتا الدلالتين مستندة الى مقدمات الحكمة، ودعوى ان تقديم دليل المقيد على المطلق وان كانت دلالة الامر بالمقيد على الوجوب التعيني بالإطلاق ومقدمات الحكمة الا انه لما كانت دائرته دائرة مدلول المقيد اضيق من دائرة اطلاق المطلق، فمن اجل ذلك تكون دلالته اقوى من دلالة اطلاق المطلق فيكون تقديمه عليه من باب تقديم الاظهر على الظاهر والاقوى على الضعيف فاذاً لا مانع من كون دلالة الامر بالمقيد على الوجوب التعيني بالإطلاق ومقدمات الحكمة ومع ذلك تكون اقوى من دلالة المطلق على الاطلاق من جهة ان دائرة مدلوله اضيق من دائرة مدلول اطلاق المطلق فمن اجل ذلك تكون دلالته اظهر من دلالة المطلق على الاطلاق فيقدم عليه من باب تقديم الاظهر على الظاهر
هذه الدعوة مدفوعة بل هي لا ترجع الى معنى محصل وذلك لأنه من حيث الدلالة التصورية على المعنى لا فرق بين المعنى الخاص والمعنى العام فان الدلالة التصورية عبارة عن انتقال الذهن الى المعنى قهرا وبالوجدان بمجرد سماع اللفظ وان كان سماعه بغير شعور وبغير اختيار فينتقل الذهن الى المعنى لا فرق بين كون اللفظ خاص او عام، فمن حيث الدلالة التصورية فلا فرق بين المعنى العام والخاص فان الذهن ينتقل الى المعنى سواء كان عام او خاص قهرا ووجدانا وان كان من متكلم بغير شعور واختيار، اما من حيث الدلالة التصديقية وهي الدلالة الناشئة من ظهور حال المتكلم فان ظهور حال المتكلم يدل على انه اراد معنى اللفظ الصادر منه عن جد وواقعا وهذا الظهور تارة يكون ناشئ من سكوت المولى في مقام البيان والاثبات وعدم ذكر القرينة لنكون كاشفة عن مقام الثبوت بقانون ان كل ما لم يقله لم يريده فان الانسام اذا لم يقل شيء فهو لم يريده وهذا ثابت كلي لكشف مراد المتكلم، واخرى يكون هذا الظهور ناشئ من ظهور اللفظ بالمعنى وضعا ودلالته عليه في مقام الاثبات الكاشف عن مقام الثبوت بقانون ان كل ما قاله اراده وكل ما ذكره اراده فاذا صدر منه كلام فهو كاشف عن مراد المتكلم في الواقع ومقام الثبوت فان اللفظ في مقام الاثبات اذا صدر من متكلم مختار فهو كاشف عن انه اراد معناه في الواقع ومقام الثبوت هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى ان دلالة الاطلاق الناشئة من سكوت المتكلم في مقام البيان وعدم ذكر قرينة فان هذه الدلالة على مستوى واحد سواء اكان مدلولها معنى عام او معنى خاص لا فرق بينهما من هذه الناحية فان الدلالة الاطلاقيه الناشئة من سكوت المولى في مقام البيان وعدم ذكر قرينة في هذا المقام فان هذه الدلالة على مستوى واحد سواء كان مدلولها معنى عام او خاص فاذاً دعوى ان مدلولها اذا كان معنى خاص فهي اقوى مما اذا كان مدلولها معنى عام فهو لا يرجع الى معنى محصل فان هذه الدلالة الاطلاقيه المستندة الى مقدمات الحكمة أي سكوت المولى في مقام البيان وعدم ذكر قرينة فهذه الدلالة على مستوى واحد بلا فرق بين ان يكون مدلولها معنى عام او خاص لا ترجع الى معنى محصل وغير قابلة للتصديق كما ان الدلالة الوضعية الناشئة من وضع اللفظ بإزاء المعنى فان هذه الدلالة الوضعية المستندة الى الوضع على مستوى واحد سواء كان مدلولها معنى عام او خاص فلا فرق من هذه الناحية فان دلالة اللفظ على معناه الموضوع له على مستوى واحد سواء كان معناه الموضوع له معنى عام او خاص ولا يمكن القول بان مدلوله اذا كان معنى خاص فدلالته عليه اظهر واقوى من دلالته اذا كان مدلوله معنى عام فلا يمكن ولا ترجع هذه الدعوى الى معنى محصل، فالصحيح هو ما ذكرناه من ان تقديم دليل المقيد على الدليل المطلق انما هو من جهة انه قرينة لدى العرف العام لبيان المراد الجدي النهائي من المطلق اذا لم يكن لسانها لسان التقيد مباشرةً او لم يكن لسانها لسان الارشاد الى المانعية ففي هاتين الصورتين يكون التقديم مستند الى المدلول اللفظي اما بالمطابقة او بالالتزام لا الى قرينة المقيد
قد يقال كما قيل : انه يمكن الجمع بين دليل المقيد ودليل المطلق فاذا ورد من المولى اعتق رقبة ثم ورد بدليل اخر اعتق رقبة مؤمنة يمكن الجمع بينهما بحمل المقيد على الواجب في واجب وهو الواجب المطلق فان الدليل الاول مطلق يدل بأطلاقه على وجوب عتق رقبة مطلقا سواء كان عتق رقبة مؤمنة ام كان عتق رقبة كافرة، واما دليل المقيد يدل على وجوب عتق رقبة مؤمنة فالمقيد واجب في واجب اخر وهو الواجب المطلق، ونظير ذلك ما اذا نذر المكلف الصلاة في المسجد أي يصلي صلاة الفريضة في المسجد ففي مثل ذلك الصلاة المنذورة ضمن الصلاة الواجبة فان الصالة الواجبة واجبة مطلقا سواء كانت في المسجد او مكان اخر بلا فرق ولكن الصلاة المنذوره مقيدة بإتيانها في المسجد فقط فهي واجبة في واجب وما نحن فيه كذلك، فالمقيد واجب في واجب وهو الواجب المطلق ولكن غير خفي ان هذا الحمل غير صحيح لا ثبوتا ولا اثباتا
اما ثبوتا : فان مرد هذا الحمل الى التخيير بين الاقل والاكثر الاستقلاليين والتخيير بين الاقل والاكثر استقلالي غير معقول فانه لغو وجزافا فان في المقام يكون المكلف مخيرا بين عتق رقبة مؤمنة ورقبة كافرة معا او عتق رقبة مؤمنة فالتخيير بينهما غير معقول فان معنى التخيير انه لابد من الاتيان بأحد الطرفين اما عتق رقبة وكافرة معا او بعتق رقبة مؤمنة وهذا لغو محض وجزاف لان عتق رقبة كافرة لا يكفي اما عتق رقبة مؤمنة يكفي سواء ضم اليه عتق رقبة كافرة او لم يضم اليه، فمن اجل ذلك هذا الحمل لا يمكن الالتزام به بحسب مقام الثبوت فان مرجعه الى الاقل والاكثر الاستقلالي، ونظير ذلك ما اذا كان المكلف في اول الوقت فاقدا للماء ولكنه يعلم بانه واجد للماء في اخر الوقت فعندئذ لو قلنا انه مخير بين الصلاة مع التيمم في اول الوقت والصلاة مع الطهارة المائية في اخر الوقت فقط أي مخير بين الطهارة الترابية في اول الوقت والصلاة مع الطهارة المائية في اخر الوقت وهذا التخيير غير معقول لأنه اذا اتى بالصلاة مع الطهارة المائية في اخر الوقت كفى ذلك سواء اتى بالصلاة مع الطهارة الترابية في اول الوقت او لم يأتي بها فان الاتيان بالصلاة مع الطهارة المائية في اخر الوقت يجزي سواء اتى بالصلاة مع الطهارة الترابية في اول الوقت او لا فضمهما معا لغو صرف لا يمكن صدوره من المولى الحكيم، ولكن فرق بين ما ذكرناه من المثال وبين النذر فان المكلف اذا نذر الصلاة في المسجد فان اتى بها في المسجد فقد اطاع بكلتا الفريضتين أي الفريضة الاصلية والمنذورة معا فان هذه الصلاة المائتي بها مصداق لكليهما وهي تجزي عنهما معا، واما اذا اتى بفريضة الصلاة الاصلية في مكان اخر فلا تسقط عنه الصلاة الفريضة النذرية فلابد من الاتيان بها في المسجد فمن هذه الناحية يختلف مورد النذر عما نحن فيه هذا كله في مقام الثبوت ومع الاغماض عن مقام الثبوت فهذا الجم غير تام في مقام الاثبات ويأتي الكلام فيه .