الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/04/17

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : المطلق والمقيد – وضع النكرة
الظاهر انه ليس لها وضع مستقل غير وضع مفرداتها فان النكرة مركبة من اسم الجنس والتنوين، واسم الجنس موضوع للدلالة على الماهية المهملة كما تقدم، والتميز موضوع للدلالة على الوحدة فاذا دخل التنوين على اسم الجنس فيدل على الطبيعة المقيدة بالوحدة بنحو تعد الدال والمدلول، فاسم الجنس المنون بالتنوين يدل على الماهية المقيدة بالوحدة بنحو تعدد الدال والمدلول فاذاً لا حاجة الى وضع النكرة بوضع ثالث فانه لغو فان النكرة مركبة من اسم الجنس والتنوين فلا معنى على وضعها للدلالة على الطبيعة المقيدة بالوحدة فانه لغوُ فان اسم الجنس اذا دخل على القيد فهو يدل على الوحدة من باب تعدد الدال والمدلول فلا حاجة الى وضع اخر بإزاء نفس هذا المعنى، فمن اجل ذلك انه لا وضع للنكرة ونظير ذلك في المركبات موجود مثل قولنا زيد عالم فان زيد موضوع للدلالة على معناه والعالم مادة وهيئة موضع للدلالة على المعنى فان مادة العالم موضوعة للدلالة على معناها وهو طبيعي العلم وهيئة العالم تدل على تلبس الذات بطبيعي العلم والهيئة القائمة بالعالم وزيد تدل على النسبة بينهما فلا معنى لوضع مجموع هذه العناصر الثلاثة للدلالة على النسبة بينها فانه لغو بعد كون هذه العناصر الثلاثة لكل منهما وضع ويدل بالوضع على معناه والهيئة القائمة بينهما موضوعة للدلالة على النسبة فمجموع هذه العناصر الثلاثة موضوع للدلالة على النسبة بينهما لغو فمن اجل ذلك لا وضع للمجموع والنكرة من هذا القبيل بعد ما كان لكل من مفرداته وضع فلا حاجة الى وضع النكرة فان وضعه لغو ولا اثر له هذا القول اختاره السيد الاستاذ قدس سره وهو الصحيح، وفي مقابل هذا القول اخر قد اختاره صاحب الكفاية قدس سره فقد ذكر ان الدلالة موضوعة للدلالة على الطبيعة المقيدة بالوحدة وقد تستعمل بالفرد المعلوم في الخارج والمجهول عند المخاطب كما في مثل قوله تعالى (وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)[1] فان رجل استعمل في الفرد الخارجي المعين المعلوم عند المتكلم والمجهول عند المخاطب، وقد تستعمل في الفرد غير المردد فاذاً ما ذكره صاحب الكفاية قدس سره امران
الامر الاول : ان النكرة موضوعة للدلالة على الطبيعة المقيدة بالوحدة، الامر الثاني ان النكرة قد تستعمل في الفرد المعين في الخارج المعلوم عند المتكلم والمجهول عند المخاطب، فان المحقق ذكر هذا ن الامران ولكن كلاهما غير صحيح، اما الاول فقد تقدم ان النكرة لا وضع لها فان وضعها مضافا الى وضع مفرداتها لغوا ولا يترتب عليه أي اثر فان اسم الجنس موضوع للدلالة على الماهية المهملة والتنوين موضوع للدلالة على الوحدة فاذا دخل التنوين على اسم الجنس فيدلان على الماهية المقيدة بالوحدة من باب تعدد الدل والمدلول فلا حاجة لوضع النكرة التي هي مركبة من اسم الجنس والتنوين لنفس هذا المعنى أي للماهية المقيدة بالوحدة فان مثل هذا الوضع لغوٌ فما ذكره صاحب الكفاية من ان النكرة موضوعة للدلالة على الماهية المقيدة بالوحدة لا وجه له
الامر الثاني : فلان النكرة في مثل الية المتقدمة لم تستعمل في الفرد المعين في الخارج انما استعلمت في معناها الموضوع له غاية الامر ان هذه الطبيعة قد تنطبق في الخارج على الفرد المعين المعلوم عند المتكلم والمجهول عند المخاطب وقد تنطبق على الفرد الغير معين واما نكرة فهي مستعملة في معناها وهو الطبيعة المقيدة بالوحدة فالرجل في الآية المباركة مستعمل في معناه وهو الطبيعة المقيدة بالوحدة غاية الامر انها تنطبق على الفرد المعين في الخارج المعلوم عند المتكلم والمجهول عند المخاطب فما ذكره قدس سره من ان النكرة مستعملة في الفرد المعين في الخارج المعلوم عند المتكلم والمجهول عند المخاطب فهو غير صحيح لان هذا الاستعمال بحاجة الى عناية زائدة ثبوتا واثباتا والا فان النكرة مستعملة في معناها وهو الطبيعة المقيدة بالوحدة غاية الامر قد تنطبق على الفرد المعين في الخراج اذا كانت هناك قرينة على ذلك وقد تنطبق على الفرد غير المعين في الخارج، فالنتيجة ان ما ذكره صاحب الكفاية من القول فهو غير تام والصحيح هو ما ذكره السيد الاستاذ قدس سره .
بعد ذلك يقع الكلام في التقابل بين الاطلاق والتقيد وقد تقدم ذلك موسعا ونشير الى ذلك مختصرا مقدمة للمقدمات، ويقع الكلام فيه في مقامين الاول في مقام الثبوت والثاني في مقام الاثبات
اما مقام الاول : الثبوت  فقد ذكرنا ان التقابل بينهما متقابل التناقض وتقابل الايجاب والسلب فان الماهية اذا اخذت موضوعا للحكم فأما ان يلحظ القيد معها فهي ماهية مقيدة، واما لا يلح قيد معها فهي ماهية مطلقة فاذاً الاطلاق هو عدم لحاظ القيد معها والمقيد هو لحاظ القيد معها ولا يتصور بينهما ثالث ولهذا يكون التقابل بينهما من تقابل التناقض ومن تقابل الايجاب والسلب لا من تقابل التضاد ولا من تقابل العدم والملكة، ودعوى ان المفهوم المقيد في الذهن مباين لمفهوم المطلق وليست نسبته الى مفهوم المطلق كنسبة الاقل الى الاكثر او نسبة الخاص الى العام بل نسبته اليه نسبة التباين، فالمفهوم المقيد في الذهن مباين لمفهوم المطلق والتقابل بينهما من تقابل التضاد فاذاً التقابل بين المطلق والمقيد من تقابل التضاد، هذه الدعوى مدفوعة لأنها مبنية على الخلط بين المطلق والمقيد وبين التقيد والاطلاق، فالكلام انما هو في التقيد والاطلاق اللحاظين هل التقابل بينهما من تقابل السلب والايجاب او التقابل بينهما من تقابل التضاد ليس الكلام في التقابل بين المطلق والمقيد او بين الملحوظين، فان محل الكلام انما هو في التقابل بين الاطلاق والتقيد اللحاظين لا بين الاطلاق والتقيد الملحوظين ومن الواضح ان التقابل بين الاطلاق والتقيد من تقابل التناقض والايجاب والسلب لان محل الكلام في التقابل بين الطلاق والتقيد لا بين مفهوم المطلق في الذهن ومفهوم المقيد فان المفهوم المقيد وان كان مضاد لمفهوم المطلق في الذهن الا انه خارج عن محل الكلام
المقام الثاني : مقام الاثبات فقد تقدم ان التقابل بين الاطلاق والتقيد في مقام الاثبات من تقابل العدم والملكة فان في كل مورد يكون المكلف متمكن من تقيد الطبيعة بقيد فهو متمكن من الاطلاق وعدم تقيده وفي كل مورد لا يتمكن من تقيد الطبيعة بقيد بسبب من الاسباب وان كانت تقيده او نحوها فلا يمكن الحكم بالإطلاق لاحتمال ان مراد المولى هو المقيد لكنه لا يتمكن من الاتيان بالتقيد ومع هذا الاحتمال لا تتم مقدمات الحكمة فاذا لم تتم مقدمات الحكمة لم ينعقد ظهور المطلق في الاطلاق ومن هنا فان في كل مورد امتنع التقيد يمتنع الاطلاق وفي كل مورد امكن التقيد ممكن الاطلاق وقد تقدم تفصيل كل ذلك .


[1] قران كريم، سورة يس، اية20، ص441.