الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : العام والخاص - مسألة البداء
الامر الخامس : فقد ذكر السيد الاستاذ قدس سره ان القول بعدم البداء يشترك مع القول بان الله تعالى لا يقدر على محو ما جرى على عليه قلم التقدير ولا يمكن الالتزام بذلك، ما ذكره قدس سره قابل للمناقشة
اما اولا : فلما تقدم من ان البداء بمعنى الابداء متوقف على المقدمات التي اشرنا اليها مع ضم مقدمة خارجية اليها وهي عصمة الانبياء والاولياء فان هذه المقدمة الخارجية بمثابة الجزء الاخير من العلة التامة فان من يقول بعصمة الانبياء والاوصياء فلابد من الالتزام بالبداء ومن لا يقول بذلك فلا بداء بالنسبة اليهم وعلى هذا فالقول بعدم البداء لا يشترك مع القول بان الله تعالى لا يقدر على محو ما جرى عليه قلم التقدير فان القول بعدم البداء منوط بالقول بعدم عصمة الانبياء والاولياء فمن يقول بهذا يقول بعدم البداء وهذا القول لا يشترك مع القول بعدم قدرة الله تعالى على محو ما جرى عليه القلم
اما ثانيا : ان اريد بجريان قلم التقدير العلم الازلي وان الله تعالى بعلمه الازلي عالم بتمام الكون بشتى الوانه واشكاله وخصائصه من الوجودات فان اريد ذلك فيرد عليه ان العلم مهما كان نوعه سواء كان حضوري ذاتي او تحصلي عرضي فمهما كان لونه حقيقة العلم هو الكشف وليس علة لمعلومة ولا يؤثر في معلومة سلبا وايجابا فان حقيقة العلم كشف الواقع على ما هو عليه بدون تأثيره فيه سلبا وايجابا نظير علم الانسان فان الانسان اذا علم بانه في هذا الليل ينام باليل وهذا النوم لا يكون مسترا فيه فهو نام باختياره فان علمه تعلق بانه نام باختياره والعلم كاشف عن الواقع لا ما هو عليه بدون ما يؤثر فيه سلبا وايجابا، وان اريد به أي بجري قلم التقدير ان اريد به قلم الوجود وانه تعالى اذا اوجد شيء استغنى ذلك في بقائه عن العلة فيرد عليه ان هذه النظرية نظرية الحدوث وان سر حاجة الاشياء هو حدوثها فاذا حدثت واستغنت عن العلة بقاءً وهذه النظرية ذكرنا موسعا في مبحث الجبر والتفويض هذه النظرية ساقطة لا اصل لها ولا يمكن الالتزام بها فان هذه النظرية قد اسرفت في تحديد مبدأ العلية فان مبدأ العلية عام لا انه مبدأ محدد في الحدوث فقط اذ لا فرق بين الحدوث والبقاء كلاهما وجود وكلاهما ممكن فان المعلول مرتبط بالعلة ذاتا وعين الارتباط لا انه ذات له الارتباط والا لزم التسلسل فاذا كان المعلول عين الارتباط بالعلة فلا فرق بين الوجود الاول والوجد الثاني فكما ان الوجود الاول عين الفقر والارتباط بالعلة فكذلك الوجود الثاني على تفصيل ذكرناه في مبحث الامر بين الامرين
فالنتيجة ان هذه النظرية ساقطة لا اصل لها كما ان نظرية الاشاعرة قد افرطت في تحديد مبدأ العلية حتى جعل افعال العباد معلولة لإرادة الله تعالى وتقدس وتمام الكلام هناك، فالبداء امر ضروري على ضوء المقدمات التي ذكرنا والقول بعصمة الانبياء والاولياء هذا كله بحسب مقتضى القاعدة واما الآيات والروايات فالمستفاد منها ان قضاء الله على ثلاثة اقسام
القسم الاول : قضائه مختص بذاته تعالى ولن يطلع عليه احد حتى نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم فهو علم مخزون ومكنون عنده تعالى ولن يطلع عليه احد ويعبر عنه تارة باللوح المحفوظ وتارة بأم الكتاب
الثاني : قضائه الذي اخبر نبيه بوقوعه في الخارج بشكل حتمي ويستحيل وقوع البداء فيه لأنه يستحيل ان يكذب الله نفسه او يكذب رسوله او وصيه هذا مستحيل فالبداء في هذا القضاء الحتمي مستحيل كما ان البداء مستحيل في القضاء الاول، نعم القضاء الاول منشأ للبداء وتدل عليه الروايات
الثالث : هو ما اخبر نبيه بوقوع حادثة في الخارج ولكنه لم يخبره ان وقوعها معلق على وجود شرط او عدم مانع لم يخبره بذلك فهذا هو منشأ البداء وهو علمه تعالى ان هذه الحادثة لم تقع في الخارج لعدم تحقق شرطها او لوجود المانع عن وقوعها ولكن لم يخبر بذلك نبيه فاذاً هذا هو مورد البداء فهو نشأ من ذلك ولهذا اسند البداء اليه تعالى وهو بمعنى الابداء اذا نسب اليه أي ان الله تعالى اظهر ما خفي على الانبياء والآية الكريمة تدل على ذلك فان قوله تعالى (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب)[1] فأنها تدل على ان ام الكتاب مختصة بذاته تعالى ويدل على ان المحو والاثبات بيده تعالى وتقدس فقد ورد في الروايات عن الامام امير المؤمنين عليه السلام (لولا اية الكريمة لأخبرتكم بما كان وما يكون وبما هو كائن الى يوم القيامة وهي هذه الآية يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب)[2] ولكن من جهة هذه الآية لا يمكن الاخبار بذلك فالآية الكريمة تدل على ان ام الكتاب مختصة باذته تعالى وتقدس وله المحو والاثبات وكذا قوله تعالى (لله الامر من قبل ومن بعد)[3] وقوله تعالى (انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم امر من عندنا انا كنا مرسلين)[4] فان هذه الآية تدل على ان اجال الاشياء والارزاق وما شاكل ذلك كله بيد الله تعالى وتقدس وهكذا الروايات ايضا تدل على ذلك وان قضاء الله على ثلاثة اقسام، وهذا تمام الكلام في مسالة البداء وهي مسألة خارجة عن الاصول انها مسالة كلامية والبحث عنها من جهة انها تشبه مسألة النسخ من هذه الناحية والا فهي مسألة كلامية لا ترتبط بالأصول، وهذا تمام كلامنا في العام والخاص يقع الكلام بعد ذلك في المطلق والمقيد بعونه تعالى  


[1] قران كريم، سورة الرعد، اية 39 ص254.
[2] بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج4 ص97 ح4، باب البداء والنسخ.
[3] قران كريم، سورة الروم، اية 4 ص404.
[4] قران كريم، سورة الدخان، اية 3و4 ص496.