الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

35/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : دوران الامر بين التخصيص والنسخ
والكلام في ذلك يقع في الروايات الواردة من الائمة عليهم السلام المخصصة لعموم الآيات ومقيدة لإطلاقاتها وحيث ان هذه البيانات الواردة من الائمة الاطهار قد وردة بعد وقت الحاجة وتأخير البيان عن وقت الحاجة حيث انه قبيح فمن اجل ذلك لابد من حمل هذه المخصصات وهذه البيانات على انها ناسخة لعمومات الآيات ومطلقاتها ولا يمكن حملها على التخصيص والا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو قبيح فمن اجل ذلك لا مناص من حمل هذه البيانات على انها ناسخة لعمومات الكتاب والسنة ومن هنا نسب الى جماعة الالتزام بان هذه البيانات الصادرة من الائمة عليهم السلام وكذلك من النبي صلى الله عليه واله وسلم بعد وقت الحاجة لابد من حملها على انها ناسخة لعمومات الآيات ومطلقاتها، ولكن السيد الاستاذ قدس سره استبعد ذلك بعيد جدا لأنه لا يناسب خلود هذه الشريعة وعدم نسخها ومن هنا حاول جماعة من الاصوليين لدفع هذه الشبهة بعدة محاولات :
الاولى : ما ذكره صاحب الكفاية قدس سره تبعا لشيخنا الانصاري قدس سره من ان عمومات الكتاب والسنة قد وردت ضربا للقاعدة وتأسيس لها ونقصد بذلك ان هذه الآيات متكفلة للأحكام الظاهرية والبيانات الواردة من الائمة الاطهار ناسخة للأحكام الظاهرية لا ناسخة للأحكام الظاهرية ولا مانع للالتزام بذلك وان الاحكام الظاهرية المجعولة انما هي مجعولة في فترة خاصة من الزمن وهي فترة بين جعلها وبين ورود هذه البيانات من الائمة الاطهار عليهم السلام فاذاً لا محذور في ذلك ولا يلزم أي محذور اذا كانت الآيات متكفلة للأحكام الظاهرية وهذه البيانات المتأخرة ناسخة لها لا انها مخصصة للأحكام الواقعية، هذه المحاولة ذكرها المحقق الخراساني قدس سره تبعا للشيخ وللمناقشة في هذه المحاولة مجال :
اما اولا : فلان جعل الحكم الظاهري منوط بان يكون الشك او عدم العلم مأخوذ في لسان الدليل فاذا كان الشك او عدم العلم مأخوذ في لسان الدليل في مرحلة الجعل فالمجعول هو الحكم الظاهري وليس الواقعي كما هو الحال في ادلة الاصول العملية كأدلة الاستصحاب واصالة البراءة واصالة الاحتياط ونحوها من الاصول العملية من القواعد الاصولية والقواعد الفقهية فان ادلتها مقيدة بالشك او بعدم العلم بالواقع فالحكم المجعول في هذه الادلة لا محال يكون حكم ظاهري واما اذا لم يكن الشك وعدم العلم مأخوذ في لسان الدليل في مرحلة الجعل فلا يدل هذه الدليل على ان الحكم الظاهري بل هو ظاهر في ان المجعول هو الحكم الواقعي وان هذا الدليل حاكي عنه وطريق اليه والامارات من هذا القبيل فان الشك او عدم العلم غير مأخوذ في لسان ادلتها وحيث ان الشك وعدم العلم غير مأخوذ في لسان ادلتها فالحكم المجعول في موردها حكم واقعي والامارات حاكية عن الحكم الواقعي ودالة عليه، وعلى هذا فلا يمكن حمل عمومات الكتاب والسنة متكفلة للأحكام الظاهرية فان الشك وعدم العلم غير مأخوذ في لسان حجيتها فمن اجل ذلك لا تكون عمومات الآيات متكفلة للأحكام الظاهرية فالحكم المجعول في مردها حكم واقعي وهذه الآيات حاكية عنه ودالة عليه الا اذا كانت هناك قرينة على ان هذه الآيات متكفلة للأحكام الواقعية الى الابد أي الى يوم القيامة ومتكفلة للأحكام الظاهرية في فترة خاصة من الزمن وهي فترة بين جعلها وبين ورود هذه البيانات من الائمة الاطهار عليهم السلام قرينة على ذلك، ولكن هذا انما يتصور في ما اذا امكن الجمع في الحكم الظاهري والحكم الواقعي في دليل واحد والظاهر انه لا يمكن ان تكون هذه العمومات ظاهرة في العموم واستيعاب الحكم الظاهري وفي نفس الوقت ظاهرة في الاستيعاب والحكم الواقعي فالجمع بين الظهورين مستحيل في مقام الثبوت فلا تصل النوبة الى مقام الاثبات لكي يحتاج اثبات ذلك الى وجود قرينة فان الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي في موارد هذه الامارات وهي عمومات الآيات لا يمكن ان هذه الآيات ظاهرة في الاستيعاب والعموم بالنسبة الى الحكم الواقعي وفي نفس الوقت ظاهرة في العموم والاستيعاب بالنسبة للحكم الظاهري فالجمع بينهم لا يمكن
واما ما ذكره السيد الاستاذ قدس سره من استبعاد كون هذه العمومات منسوخة فانه لا يلائم مع خلود الشريعة وابديتها ما ذكره قدس سره غير تام اذ معنى خلود الشريعة الاسلامية وابديتها انها لا تنسخ بشريعة اخرى كالشرائع السابقة فأنها تنسخ بشريعة اخرى واما الشريعة الاسلامية فهي ابدية ولا تنسخ بشريعة اخرى وثابتة وخالدة الى يوم القيامة هذا معنى خلود الشريعة وليس معنى ذلك ان كل حكم من احكام هذه الشريعة ابدي لا دليل على ذلك
وعلى هذا فان قلنا ان تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيح فان كان قبيح فلا يمكن صدوره من المولى الحكيم اذ لا يمكن للمولى الحكيم ان يؤخر البيان عن وقت الحاجة فلا يمكن صدوره منه فاذا بنينا على قبح ذلك فلابد من الالتزام بان البيانات الصادرة من الائمة عليهم السلام ناسخة لعمومات الكتاب والسنة وهذا لا ينافي خلود هذه الشريعة فان بنينا على ان تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيح فلابد من الالتزام بالنسخ ولا يمن الالتزام بالتخصيص لأنه يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو قبيح ولا يمكن صدور القبيح من المولى الحكيم، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى الروايات الواردة في العبادات اكثر الروايات مجملة وهي في مقام اصل التشريع بدون أي تفصيل والمصلحة تقتضي اصل التشريع فقط فان هذه الآيات مجملة وقد وردة في مقام التشريع فقط والغرض منها اصل التشريع لمصلحة فيه، واما الروايات الواردة بعد ذلك من الرسول الاكرم صلى الله عليه واله ومن الائمة الاطهار فهي مفصلة للأجمال ومبينة ورافعة لإجمال هذه الآيات تدريجا فان بيان الاحكام الشرعية لا يمكن ان يكون دفعة واحدة فلا محال ان يكون بالتدريج حسب مصالح العامة والظروف الملائمة لبيان الاحكام الشرعية حسب المصالح العامة والظروف الملائمة يبين الاحكام الشرعية وتفصيلاتها وحدودها واجزائها وشروطها وموانعها بين ذلك في الاوقات والظروف المناسبة من اجل مصالح عامة فالتأخير انما هو من اجل مصالح عامة فاذا كان التأخير مبني على المصالح العامة فلا يلزم أي محذور وعلى هذا فلا تخصيص في البين ولا نسخ فانه لا عموم للآيات ولا اطلاق لها حتى يكون تخصيص او نسخ بل مجملة و الروايات الواردة بعدها تفصل اجمالها تدريجا حسب الاوقات والظروف المناسبة فلا تخصيص ولا نسخ في البين،
واما الآيات الواردة في المعاملة فاكثر هذه الآيات في البيان والنكتة في الموضوع فالان المعاملات امور عقلائية وثابته بين العقلاء قبل وجود الشرع والشريعة كالبيع والشراء والمضاربة وما شاكل ذلك من المعاملات فأنها متداولة بين العقلاء قبل وجود الشرع والشريعة فاذا جاءت الشريعة فهي امضت هذه المعاملات غاية الامر استثنى بعضها كالمعاملات الربوية وكبيع الخم والميتة والخنزير فان الشارع الغى هذه المعاملات في الاسلام رغم ان هذه المعاملات متداولة بين العقلاء ولكن الاسلام لا يعترف بها فاذاً ليس هنا الا الامضاء فان الروايات الواردة عن الائمة عليهم السلام مفادها امضاء هذه المعاملات وتقرير هذه المعاملات في الشريعة المقدسة غاية الامر قد يزيد جزء او شرطا او مانعا وقد يقوم الشرع بإلغاء معاملة كالمعاملات الربوية ونحوها عن الاسلام فاذاً تأخير البيان بالنسبة الى بعض هذه المعاملات انما هو لمصلحة فان تأخير البيان من الشارع لا يمكن ان يكون جزاف هذا غير معقول لان تأخير البيان في نفسه قبيح ولا يمكن صدوره من الشارع جزافا الا اذا كان هناك مصلحة قد تكون هناك مصلحة ملزمة تقتضي التأخير وتطلب تأخير البيان او كانت هناك مفسدة ملزمة في تقديم البيان فهي تقتضي التأخير فاذاً تأخير البيان عن وقت الحاجة وان كان قبيحا في نفسه الا اذا كان هناك مصلحة ملزمة تتطلب ذلك فلا قبح فيه بل هو حسن لأجل هذه المصلحة او مفسدة في تقديم البيان فهذه المفسدة تقتضي تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلا يمكن تأخير البيان عن وقت الحاجة من الائمة الاطهار عليهم السلام جزافا فلا محال من اجل مصلحة في التقديم وهي تتطلب هذا التأخير ولو كانت تلك المصلحة مصلحة تدريجية بيان الاحكام في الشريعة المقدسة .