الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

34/12/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : العام والخاص
الوجه الرابع : وهو ما ذكره السيد الاستاذ (قده) من ان جعل الاحكام الشرعية وتشريعها وبيانها بالطرق الاعتيادية المتعارفة لمعنى ان المكلف اذا فحص عنها في مضانها وصل اليها عادةً فمن اجل ذلك يجب على المكلفين وظيفيتهم الفحص عن مضانها فاذا فحص عنها وصل اليها فتارة نتكلم في وظيفة العامي واخرى في وظيفة المجتهد
اما وظيفة العامي فهي الرجوع الى المجتهد فان التقليد امر ضروري لكل من يعتقد بالدين فاذا لم يتمكن من استنباط الاحكام الشرعية وتشخصها فلابد له من الرجوع الى العالم
واما ان يكون مجتهد وكما ان التقليد ضروري فأيضا عملية الاجتهاد فهي ضرورية واما الاحتياط فلا يمكن للعامي الاحتياط في الشبهات الحكمية فمن اجل ذلك ليس شقا ثالثا فان العامي لابد له من التقليد ولا يتمكن من الاحتياط في الشبهات الحكمية، وعلى المجتهد ان يبين الاحكام الشرعية بالطرق المعتبرة كطبع الرسائل العملية وغيرها بحيث بإمكان العامي الوصول اليها بالفحص فاذا شك بوجوب شيء او بحرمة شيء فعلى العامي ان يفحص بالرجوع الى الرسالة العملية او الرجوع الى مجتهد، وليس وظيفة المجتهد دق كل باب على الناس للرجوع الى الحكم الشرعي فان وظيفة المجتهد بيان الاحكام الشرعية بالطرق الاعتيادية بحيث لو فحص العامي لوصل اليها عادةً كما ان وظيفة الشارع كذلك وهي جعل الاحكام الشرعية بالطرق المتعارفة عن العقلاء بحيث لو فحص المكلف عنها لوصل اليها، هذا بالنسبة الى وظيفة العامي فمن اجل ذلك يجب على العامي الفحص اذا شك في وجوب شيء او حرمة شيء اخر، ووظيفة المجتهد بيان الاحكام الشرعية
اما وظيفة المجتهد بالنسبة الى نفسه فلابد له من القيام بعملية الاستنباط والاجتهاد وهي عملية معقدة ولابد من الرجوع الى الآيات وتحقيق دلالتها واذا كانت عامة لابد من الفحص عن مخصصاتها وعن مقيداتها اذا كانت مطلقة او عن القرائن على الخلاف اذا كانت هناك اوامر ظاهرة في الوجوب او النواهي ظاهرة في الحرمة فلابد من تحقيق ذلك وكذلك الحال في الروايات لابد اولا من تحقيق سندها واثبات انها تامة السند ولا اشكال فيه ولابد من اثبات دلالتها وظهورها والفحص عن القرائن على خلافها وعن معارضها فاذا كان هناك معارضة بين الروايات فلابد من النظر في انه هل يمكن الجمع الدلالي العرفي بينهما او ان التعارض بينهما مستقر فلابد من الرجوع الى مرجحات باب المعارضة وتقديم بعضها على البعض الاخر بسبب المرجحات واذا لم يكن فلابد من الحكم بالسقوط وعدم شمول دليل الحجية لهما معا فالمرجع اما العام الفوقي ان كان والا فالأصول العملية، وايضا لابد من تحقيق جهة الروايات وانها هل صدرت تقية او انها صدرة لبيان الحكم الواقعي الشرعي، فلا يجوز التمسك باصالة العموم قبل الفحص او اصالة الاطلاق فالجامع لا يجوز التمسك باصالة الظهور فانه في كل مسألة وترك الفحص فهو يؤدي الى خلاف الواقع جزما، هكذا ذكره السيد الاستاذ (قده) على ما شرحناه وللمناقشة فيه مجال
فان وجوب الفحص منشأه اما مجرد احتمال وجود المخصص او وجود المقيد او وجد القرينة في الواقع على الخلاف او منشأه العلم الاجمالي فان المجتهد يعلم اجملا بوجود مخصص او مقيد او قرينة على الخلاف
اما على الاول احتمال وجود المخصص في الواقع او المقيد او القرينة على الخلاف فهو لا يصلح ان يكون مانعا عن التمسك باصالة العموم  اصالة الاطلاق فان احتمال وجود المخصص في الواقع لا يمكن ان يمنع عن حجية اصالة العموم فانها مبنية على حجية الظهور والظهور حجة بالسيرة القطعية من العقلاء ولا يمكن رفع اليد عن حجيته بمجرد احتمال وجود المخصص او المقيد او القرينة على الخلاف، فان ارد السيد الاستاذ من وجوب الفحص ان منشأه احتمال وجود القرينة او المخصص او المقيد في الواقع فيرد عليه ان هذا الاحتمال لا يمكن ان يكون مانعا عن التمسك باصالة العموم او اصالة الاطلاق او اصالة الظهور، نعم لو لم تكن اصالة العموم حجة او اصالة الاطلاق حجة لكان هذا الاحتمال منجز ولكن مع حجية اصالة العموم او الاطلاق فلا اثر لهذا الاحتمال، هذا كله بالنسبة الى الاصول اللفظية والجامع هو اصالة الظهور
واما الاصول العملية فهي على قسمين احدهما الاصول العملية العقلية مثل اصالة البراءة العقلية واصالة التخيير ونحوهما فلا مقتضي لهذين الاصالتين في الشبهات الحكمية قبل الفحص فان موضوع اصالة البراءة العقلية عدم البيان واحتمال وجود البيان في الشبهات الحكمية قبل الفحص موجود ومع هذا الاحتمال فلا نحرز موضوع اصالة البراءة العقلية فمن اجل ذلك لا مقتضي لها في الشبهات الحكمية قبل الفحص وكذلك لا مقتضي لأصالة التخيير ان موضوعها عدم ترجيح طرف على الطرف الاخر وفي الشبهات قبل الفحص احتمال المرجح موجود ومع هذا الاحتمال لم نحرز موضوع اصالة التخيير فالمقتضي لها قاصر في الشبهات الحكمية قبل الفحص وكذلك اصالة البراءة العقلية
واما الاصول العملية الشرعية مثل اصالة البراءة الشرعية ونحوها فدلتها وان كانت مطلقة في نفسها وان قوله صلى الله عليه واله سلم (رفع عن امتي ما لا يعلمون) او ( كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه قذر) او ( كل شيء حلال حتى تعرف انه حرام) فان الروايات وان كانت مطلقة وبأطلاقها تشمل الشبهات الحكمية قبل الفحص ايضا الا ان حكم العقل بوجوب الفحص باعتبار ان احتمال التكليف في الشبهات قبل الفحص منجز مساوق لاحتمال العقوبة فالعقل مستقل لدفع هذا الاحتمال ولهذا يكون مستقلا بوجوب الفحص هذا الحكم العقلي بمثابة القرينة المتصلة فمن اجل ذلك ادلة الاصول العلمية الشرعية لا تشمل الشبهات الحكمية قبل الفحص والمرجع فيها اصالة الاحتياط دون اصالة البراءة، اما اذا كان منشأ الفحص العلم الاجمالي فقد تقدم الكلام فيه في الوجه الاول وقلنا ان العلم الاجمالي لا يصلح ان يكون منشأ لوجوب الفحص على تفصيل تقدم .
الوجه الخامس : التمسك بالآيات والروايات كقوله تعالى (فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) و (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم) وما شاكل ذلك استدلوا بهذه الآيات الكريمة بتقريب انها تدل على وجوب السؤال وتدل على وجوب التفقه ووجوب الفحص في كل شيء لا يعلمه الانسان فاذا لم نعلم ان لهذا العام ليس له مخصص واحتملنا وجود  المخصص في الواقع فيجب الفحص ويجب التفقه ولا فرق في ذلك بين الشبهات المقرونة بالعلم الاجمالي والشبهات البدوية
والجواب عن ذلك ان هذه الآيات الشريفة اجنبية عن الدلالة على وجوب الفحص فان مفاد قوله تعالى (فسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) فان ظاهرها ان السؤال واجب وان السائل يرى نفسه مسئولة امام المسألة التي لا يعرف حكمها فاذا كان كذلك يجب عليه السؤال في ما اذا لم يعلم او يجب التفقه والتعلم فالآية الشريفة تدل على كبرى كلية وهي رجوع الجاهل الى العالم فانها ثابتة في جميع العلوم بلا فرق بين علوم الشرع وسائر العلوم وهو امر فطري وثابت، انما الكلام في الصغرى هل المقام من صغريات هذه الكبرى ؟