الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

34/11/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : دوران الامر بين التخصيص والتخصص
الى هنا قد تبين ان ما قاله السيد الاستاذ قدس سره من انه لا يمكن التمسك باصالة العموم او باصالة الاطلاق في المقام فيما اذا علم ان هذا الفرد ليس محكوم بحكم العام وانه خارج عنه حكما وانما الشك في ان خروجه بالتخصيص او بالتخصص والخروج الموضوعي، فقد ذكر السيد الاستاذ وجماعة من المحققين ان اصالة العموم او الاطلاق لا تجري في المقام لان دليل هذه الاصالة ليس دليل لفظي حتى يكون له اطلاق ويدل على حجية الاصالة مطلقا بل دليلها دليل لبي وهي السيرة القطعية من العقلاء والقدر المتيقن من السيرة هو ما اذا علم ان هذا الفرد فردا للعام لكن نشك في خروجه عنه حكما وعلمنا ان زيد علم ولكن نشك في وجوب اكرامه هل هو واجب او ليس بواجب ففي مثل ذلك قد جرت السيرة القطعية من العقلاء على حجية العام فلا مانع من التمسك باصالة العموم او اصالة الاطلاق لإثبات وجوب اكرامه، اما اذا علم بعدم وجوب اكرامه جزما ولكن نشك في ان عدم وجوب اكرامه هل هو بالتخصيص والخروج الحكمي او انه بالتخصص ففي مثل ذلك لا نحرز جريان سيرة العقلاء للتمسك باصالة العموم فلا دليل على حجية الاصالة في هذا الفرض حتى نقول بان مدلولها الالتزامي يكون حجة فانه يكون حجة اذا كان المدلول المطابقي حجة فاذا فرضنا ان اصالة العموم لا تكون حجة في المدلول المطابقي لقصور دليل اعتباره فلا موضوع للمدلول الالتزامي حينئذ
هكذا ذكره السيد الاستاذ قدس سره وذكرنا ان ما ذكره قدس سره غير صحيح فان سيرة العقلاء وان كانت دليل لبي الا ان مفاد السيرة جعل ظواهر الالفاظ طريقا الى الواقع وكاشفة عنه يعني ان سيرة العقلاء قد جرت على العمل بظواهر الالفاظ بملاك ان طريق وكاشفة عن الواقع كما انها جرت على العمل بإخبار الثقة بملاك انها طريق وكاشف عن الواقع واقرب الى الواقع من غير اخبار الثقة ولا فرق في طريقية الظواهر بينما اذا شككنا في خروج فرد عن موضوع العام حكما وبين ما اذا شككنا بخروج فرد عن العام موضوعا فلا فرق من هذه الناحية فان سيرة العقلاء قد جرت على حجية اصالة العموم فانها تدل على عدم التخصيص في كلا الموردين وكذلك اصالة الاطلاق، ولكن المانع عن التمسك باصالة العموم او الاطلاق هو اطلاق الدليل الخاص فانه مطلق وبإطلاقه يشمل عدم وجوب اكرام زيد وان كان عالما فعندئذ تقع المنافات بين اصالة العام او الاطلاق وبين اطلاق الدليل الخاص فان مقتضى اصالة العموم وجوب اكرامه اذا كان عالما ومقتضى اطلاق الدليل الخاص عدم وجوب اكرامه وان كان علاما فيقع التعارض والتهافت بين اطلاق الدليل الخاص وبين اصالة العموم ولا شبهة في تقديم اطلاق دليل الخاص على اصالة العم بملاك ان الخاص قرينة  على بيان المراد النهائي الجدي من العام ولابد من حمل العام على الخاص الذي هو من احد الجمع الدلالي العرفي فمن اجل ذلك لا يكون حجة هذا مضافا الى انه لو قدمنا اصالة العموم على اطلاق دليل الخاص فلابد من حمل اطلاق دليل الخاص على كون زيد جاهلا وهذا خلاف الظاهر فان الظاهر من الدليل الخاص انه دليل مولولي فان كل دليل صدر من المولى ظاهر في المولوية وحمله على الارشاد والاخبار بحاجة الى قرينة فهذا الدليل ايضا صدر من المولى ظاهر في المولية فلو قدمنا اصالة العموم عليه فلابد من حمله على الاخبار في انه في مقام بيان عدم اكرام زيد الجاهل وحمله على ذلك خلاف الظاهر فمن اجل ذلك ايضا لا يمكن تقديم اصالة العموم على  اطلاق الخاص، واما اذا كان الخاص مجملا او دليلا لبي فأيضا لابد من تقديمه على العام فان الخاص لو كان مجملا فالقدر المتيقن منه عدم وجوب الاكرام اذا كان زيد علما او اذا كان الخاص دليل لبي فالقدر المتقين منه ما اذا كان زيد علما فان حمله على كون زيد جاهلا حمل على الاخبار وهذا خلاف ظاهر الدليل فان الدليل الصادر من المولى وان كان مجملا ولكن الظاهر منه انه في مقام المولية لا في مقام الاخبار والارشاد
والنتيجة : انه لابد من تقديم الخاص على اصالة العموم مطلقا سواء اكان دليل الخاص مطلقا ام كان مجملا ام كان دليلا لبيا، وقد يقال كما قيل ان اصالة العموم قد سقطت تفصيلا في المقام ام تخصيصا او تخصصا فنعلم اجمالا ان زيد قد خرج عن العام ام تخصيصا او تخصصا ونتيجة ذلك العلم التفصيلي بسقوط اصالة العموم ومنشأ هذا العلم التفصيلي اما التخصيص او التخصص فنعلم بسقوط اصالة العموم في المقام ولا موضوع لها فان موضوعها هو الشك في خروج فرد عن عموم العام حكما فلا يمكن التمسك باصالة العموم او الاطلاق في المقام للعلم التفصيلي بسقوطها وان كان منشأ هذا العلم التفصيلي مرددا بين التخصيص والتخصص هكذا قيل
والجواب عنه : ان هذا العلم الاجمالي لا يصلح ان يكون منشأ للعلم التفصيلي بسقوط اصالة العموم او اصالة الاطلاق والوجه في ذلك انه لا مانع في المقام من التمسك باصالة العموم او اصالة الاطلاق لنفي التخصيص واما في طرف التخصص فليس هنا اصل لكي يكون مانعا عن جريان اصالة العموم او الاطلاق بالمعارضة، وعلى هذا فينحل العلم الاجمالي حكما بجريان الاصل المؤمن او بجريان الاصل اللفظي في احد طرفيه دون الطرف الاخر كما اذا علمنا بنجاسة احد الأناءين فاذا علمنا ان النجاسة جرت في احدهما دون الاخر ينحل العلم الاجمالي في المقام حكما ولا اثر له فلا مانع من جريان اصالة الطهارة في الطرف الاخر ايضا بعد انحلال العلم الاجمالي في ذلك، فاذا جرى الاصل سواء كان اصل عملي ام اصل لفظي في احد طرفي العلم الاجمالي ولم يجري في الطرف الاخر فالعلم الاجمالي ينحل حكما ولا اثر له
واما القول الاول فيظهر مما تقدم بطلان هذا القول وهو انه لا مانع من التمسك باصالة العموم او الاطلاق فان اصالة العموم تدل بالمطابقة على عدم التخصيص وبالالتزام على انه تخصص للملازمة بين عدم التخصيص والتخصص والمفروض ان المدلول الالتزامي لازم للمدلول المطابقي وبينهما ملازمة في الثبوت والسقوط والحجية ثبوت المدلول الالتزامي تابع لثبوت المدلول المطابقي وحجيته تابعة له وسقوطه تابع لسقوطه وفي المقام اصالة العموم تدل على عدم التخصيص بالمطابقة وتدل بالالتزام على التخصص .
وهذا الكلام غير صحيح في المقام لما ذكرنا من ان اصالة العموم معارضة باطلاق دليل المخصص ولابد من تقديم دليل المخصص على الاصالة فالتعارض بينهما غير مستقر اذ يمكن الجمع الدلالي العرفي بينهما بحمل العام على الخاص فان الخاص بنظر العرف قرينة فمع وجود الخاص لا يمكن التمسك باصالة العموم في المقام فلابد من العمل بالخاص، وذكرنا انه لابد من العمل بالخاص مطلقا سواء كان الخاص مطلقا ام كان مجملا ام كان دليل لبي فعلى جميع التقادير لابد من العمل به دون العمل باصالة العموم، هذا تمام كلامنا في هذه المسألة كبرويا
ومن صغريات هذه الكبرى مسألة فقهية معروفة وهي مسألة ماء الاستنجاء فان المعروف والمشهور بين الاصحاب ان ماء الاستنجاء لا يكون منجس لملاقيه وتفصيل ذلك ان في المقام ثلاثة طوائف من الروايات، الاولى تدل على ان الماء القليل ينفعل بملاقاة عين النجاسة، والثانية تدل على ان الملاقي للمتنجس نجس، الثالثة تدل على ان الملاقي لماء الاستنجاء طاهر وليس نجس، والكلام في الطائفة الثالثة هل طهارة الملاقي لماء الاستنجاء ان ماء الاستنجاء طاهر ولا يوجب تنجس ملاقيه او ان ماء الاستنجاء نجس ولكنه لا ينجس ملاقيه فهنا قولان المعروف والمشهور بين الاصحاب ان ماء الاستنجاء طاهر ولا يتنجس بملاقاة عين النجس فان روايات دليل الاستنجاء تخصص الطائفة الاولى فانها تدل على ان الماء القليل الملاقي لعين النجاسة نجس وفي مقابل ذلك ذهب جماعة الى ان ماء الاستنجاء ينفعل وينجس بملاقاة عين النجاسة لكنه لا يكون منجس لملاقيه فتكون روايات ماء الاستنجاء تكون مخصصة للطائفة الثانية فانها تدل على ان الملاقي للمتنجس نجس وماء الاستنجاء رغم كونه نجس بملاقاة عين النجس فلا يكون منجسا لملاقيه .