الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

34/11/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع : جريان الاستصحاب في العدم الازلي
 ذكرنا ان المخصص اذا كان مجملا فان كان متصلا يسري اجماله الى العام ولا ينعقد الظهور في العموم من جهة اجمال المخصص فيبح العام اذن مجملا فعندئذ لا يمكن التمسك بإصالة العموم مطلقا لا بالنسبة الى العدم المحمولي ولا بالنسبة الى العدم النعتي فتسقط كلتا الاصالتين من جهة سقوط موضوعها وهو ظهور العام في العموم فعندئذ تصل النوبة الى الاصل العملي والاصل العملي يختلف باختلاف الموارد فاذا فرضنا انه ورد في الدليل اكرم كل عالم ثم ورد لا تكرم الفاسق منه وفرضنا ان نفس الفاسق مجمل بين فاعل الكبيرة والاعم منه ومن فاعل الصغيرة فمفهوم الفاسق مجمل مردد بين الاقل والاكثر فاذا كان المخصص مجمل فيسري اجماله الى العام فلا ينعقد ظهور في العام ايضا فاذا لا موضوع لإصالة العموم ، وعلى هذا اذا شككنا في العالم انه العالم فاعل الصغير انه يجب اكرامه او يحرم اكرامه فيدور الامر بين المحذورين فان هذا العالم الذي هو فاعل الصغير ومجتنب عن الكبيرة مردد امره بين وجوب اكرامه وبين حرمة اكرامه ، وقد ذكرنا في مسألة دوران الامر بين المحذورين انه لا مانع من الرجوع الى اصالة البراءة عن تعين كلا منهما ولكن في النتيجة هي التخيير بينهما بين اكرامه وترك اكرامه هذا اذا كان كلا من العام والخاص متكفل للحكم الالزامي واما اذا كان احدهما متكفل للحكم الالزامي والاخر متكفل للحكم الترخيصي فعندئذ المرجع هو اصالة البراءة عن الحكم التكليفي الالزامي واما في مثل المرآة تحيض الى خمسين الا اذا كانت قرشية فأنها تحيض الى ستين فاذا فرضنا ان القرشية مجملة ولا ندري ان القرشية مختصة لأولاد النبي الاكرم من نسل فاطمة الزهراء سلام الله عليها او مطلق اولاد الرسول صل الله عليه واله وسلم فاذا فرضنا ان القرشية من غير اولاد الزهراء سلام الله عليه ولا ندري اذا رأت الدم وشكت انه حيض او استحاضة بين الخمسين والستين ففي مثل ذلك تعلم ان الواجب عليها تروك الحائض او اعمال الاستحاضة فهي متمكنة من الاحتياط وهو الجمع بين تروك الحائض واعمال المستحاضة ففي مثل ذلك يجب عليها الاحتياط
 هذا في ما اذا كان الدليل المخصص المتصل مجملا واما اذا كان الدليل المخصص المجمل منفصلا فهو غير مانع عن انعقاد ظهور العام في العموم فان ظهور العام في العموم قد انعقد فلا مانع من التمسك بإصالة العموم ، فعندئذ ان قلنا بان اصالة العموم لنفي تقيد موضوع العام للعدم النعتي تغني عن اصالة العموم لنفي تقيد موضوع العام بالعدم النعتي وبالعكس فتقع المعارضة بينهما كما هو الصحيح فان اصالة العموم في كلا منهما بمدلوله الالتزامي تثبت الاخر فأصالة العموم التي تنفي تقيد موضوع العام بالعدم المحمولي بالمطابقة تثبت تقيد ظهوره بالعدم النعتي بالالتزام وكذلك اصالة العموم التي تنفي تقيد الموضوع بالعدم النعتي بالمطابقة تثبت تقيده بالعدم المحمولي بالالتزام فاذا تقع المعارضة بين المدلول المطابقي كلا منهما والمدلول الالتزامي للأخر فتسقطان معا فلا يمكن التمسك في شيء منهما فعندئذ المرجع هو الاصل العملي من الاستصحاب ان امكن والا فأصالة البراءة او الاحتياط وهذا يختلف باختلاف الموارد
 واما اذا قلنا بان اصالة العموم التي تنفي تقيد موضوع العام بالعدم النعتي تغني عن اصالة العموم ان تقيد موضوع العام بالعدم النعتي دون العكس فعندئذ تسقط اصالة العموم لنفي تقيد الموضوع بالعدم المحمولي جزما اما من جهة تقيد الموضوع به مباشرةً فان الموضوع العام قد قيد بالعدم المحمولي مباشرةً اما من جهة سقوط قابلية الموضوع عن الاطلاق بالنسبة الى العدم المحمولي بعد تقيده بالعدم النعتي فانه اذا قيد بالعدم النعتي فانه يغني عن تقيده بالعدم المحمولي فعندئذ لا يكون موضوع العام قابلا للتقيد بالنسبة الى العدم المحمولي
 وعلى هذا فنعلم تفصيلا بان اصالة العموم قد سقطة بالنسبة الى نفي تقيد الموضوع بالعدم المحمولي قد سقط جزما واما بالنسبة الى اصالة العموم لنفي تقيد الموضوع بالعدم النعتي مشكوك فيها فينحل العلم الاجمالي حينئذ الى علم تفصيلي بسقوط اصالة العموم لنفي تقيد الموضوع بالعدم المحمولي والشك البدوي في سقوط اصالة العموم لنفي تقيد الموضوع بالعدم النعتي فاذا انحل العلم الاجمالي الى علم تفصيلي بشك بدوي فلا مانع من التمسك بإصالة العموم لنفي تقيد الموضوع بالعدم النعتي لأنه مشكوك بالشك البدوي فلا مانع من التمسك بإصالة العموم فيه ولكن هذا القول لا اساس له فان هذا القول كما اشرنا له سابقا مبني على ان اصالة العموم لنفي تقيد الموضوع بالعدم المحمولي لا اثر له وان الامر ليس كذلك وان كلً من الاصالة في طرف تثبت الطرف الاخر فأصالة العموم لنفي تقيد الموضوع بالعدم المحمولي بالمطابقة تثبت تقيد لموضوع بالعدم النعتي بالالتزام وبالعكس فاذا تقع المعارضة بين المدلول المطابقي لكلا منهما والمدلول الالتزامي فتسقطان من جهة المعارضة فالمرجع هو الاصل العملي
 الى هنا قد وصلنا الى هذه النتيجة : وهي ان عدم عنوان الخاص الذي هو مفاد الدلي المخصص تقيد الموضوع بعدم عنوان الخاص سواء كان عنوان الخاص من الاعراض المقولية او من الامور الانتزاعية او من الامور الاعتبارية وعلى جميع التقادير عدم عنوان الخاص عدمٌ محمولي في مقام الثبوت والواقع ولا يمكن ان يكون عدم نعتي لأنه ثابت في الازل ولا يتوقف على أي موجود في الخارج ، واما في مقام الاثبات فالدليل المخصص ظاهر في ان هذا العدم عدم محمولي لأنه مفاد ليس سواء كان ليس التامة او ليس الناقصة فمفاده عدم المحموليه فان عدم النعتي مفاد القضية معدولة المحمول وليس العدم النعتي مفاد ليس الناقصة مثل زيدٌ ليس بقائم فعدم القيام عدم محمولي كما ان عدم وجود الماهية عدم محمولي كذلك عدم القيام عدم محمولي فلا فرق بين الوجود والعدم العارضان على الماهية وبين الوجود والعدم العارضين على الموجود الخارجي زيدٌ ليس عادل فعدم العدالة عدم محمولي ثابت في الازل ولا يتوقف على وجوده في الخارج
 فالنتيجة عدم عنوان المخصص عدم محمولي ونتيجة ذلك ان موضوع العام مقيد بالعدم المحمولي وعلى هذا فلا مانع من جريان الاستصحاب في الاعدام الازلية فاذا شككنا في مرآة في انها قرشية او ليس قرشية في زمان لم تكن المرآة موجوده ولا اتصافها بالقرشية ثم وجدت المرآة في الخارج وشككنا ان اتصافها بالقرشية ايضا وجد او لا فلا مانع من عدم اتصافها بالقرشية لان عدم الاتصاف عدم محمولي والعدم النعتي هو اتصاف المرآة بعدم القرشية ، فالشك هو اتصاف المرآة بالقرشية او عدم اتصافها فلا مانع من استصحاب عدم اتصافها بالقرشية وبذلك يثبت موضوع العام فان موضوع العام المرآة التي لا تكون قرشية تحيض الى خمسين وباستصحاب عدم القرشية يثبت انها لم تكن قرشية فاذا هذه مرة بالوجدان ولم تكن قرشية بالاستصحاب وبضمن الاستصحاب الى الوجدان يتحقق موضوع العام وهو المرآة التي لم تكن قرشية تحيض الى خمسين
 الى هنا قد تبين ان القول الاول الذي اختاره المحقق النائيني قدس سره من عدم جريان الاستصحاب في الاعدام الازلية لا اثر له وغير تام فالصحيح هو القول الثاني وان الاستصحاب يجري في الاعدام الازلية فان موضوع العام بعد التخصيص مقيدٌ بالعدم المحمولي لا بالعدم النعتي لكي يكون مانعا عن جريان الاستصحاب في الاعدام الازلية
 وهنا قول ثالث : وهو التفصيل بين عوارض الوجود وعوارض الماهية وهذا القول هو المعروف والمشهور بين الاصحاب وقد اختار المحقق العراقي قدس سره هذا القول فان كان العارض من عوارض الوجود فلا مانع من جريان الاستصحاب في الاعدام الازلية وان كان العارض من عوارض الماهية فلا يجري الاستصحاب في الاعدام الازلية وقد افاد في وجه ذلك ، اما اذا كان من عوارض الوجود فان للعارض حالة سابقة واركان الاستصحاب تامة من اليقين السابق والشك في الوفاء لاحقا وترتيب الاثر الشرعي فان الاستصحاب يجري فيما اذا تمت اركانه الثلاث اليقين بالحالة السابقة والشك في بقائها وترتيب الاثر الشرعي عليها وفي المقام كذلك مثلا المرآة قبل وجوده لم تكن موجوده ولا اتصافها بالقرشية ثم بعد وجودها نشك في اتصافها بالقرشية فلا مانع من استصحاب عدم اتصافها بالقرشية فهذا الاستصحاب لا مانع منه فان اركانه الثلاثة موجوده ومتوفرة من اليقين بالحالة السابقة والشك في بقائها وترتيب الاثر العملي الشرعي عليها ، واما اذا كان من عوارض الماهية فلا تتم اركان الاستصحاب منها اليقين بالحالة السابقة والوجه في ذلك ان الماهية حيث انها كانت ازلية فعوارضها ايضا ازليه وعلى هذا فاذا شك في عارض الماهية شك في ثبوتها من الازل ولا حالة سابقة لا ثبوتها ولا عدم ثبوتها فاذا شككنا في ثبوت عارض للماهية فيكون الشك في اصل ما للماهية من الازل انه ثابت للماهية من الازل او غير ثابت فلا حالة سابقة ولهذا لا يجري الاستصحاب لعدم تمامية اركانه منها اليقين بالحالة السابقة وهذا التفسير مبني على تمامية مقدمتين
 المقدمة الاولى : ان تكون للماهية عوارضٌ ، المقدمة الثانية : لم تكن لهذه العوارض حالة سابقة ...