الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

34/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع : جريان الاستصحاب في العدم الازلي
 تقدم انما ذكره بعض المحققين قدس الله نفسه من الفرق بين العدم النعتي والعدم المحمولي وان العدم النعتي قيدٌ للموضوع مباشرة وقيد للحكم بواسطة الموضوع واما العدم المحمولي فهو قيدا للحكم فقط ولا يسري الى الموضوع ، واشكل على هذا بانه لا يمكن ان يكون الموضوع مطلقا والحكم مقيدا وهذا تهافتٌ فان الموضوع يكون مطلق وغير مقيد واما الحكم فهو مقيد فان موضوع الحكم في الواقع ومقام الثبوت اما مطلق او مقيد لاستحالة الاهمال في الواقع فان كان مطلقا يلزم التهافت بين اطلاق الموضوع وتقيد الحكم واذا كان مقيد فتقيد الحكم بالعدم المحمولي لغو فيلزم هذا المحذور
 وقد اجاب عن ذلك بان المراد من الموضوع ذات الطبيعة بلا قيد وهي الطبيعة المطلقة وليس المراد من الاطلاق الجمع بين قيود الموضوع وملاحظة الحكم لكل قيد من قيود الموضوع بل المراد من الاطلاق الطبيعة المطلقة بلا قيد وسراية الحكم من هذه الطبيعة الى افرادها انما هي بحكم العقل ولا ترتبط بالشارع فان هذه السراية انما هي بحكم العقل وامر قهري ولا صلت لها بالشارع ومن الطبيعي ان اطلاق الموضوع وهو الاطلاق بلا قيدٍ في المرتبة السابقة يوجب سراية الحكم الى تمام افراده اذا لم يقيد هذه السراية بما ينافي ذلك بالمرتبة المتأخرة كالتقيد بالعدم المحمولي فان التقيد بالعدم المحمولي ينافي هذه السراية الى تمام افراد الطبيعة المطلقة ، فاذا لا تنافي بين ذات المطلق في الواقع ومقام الثبوت وبين تقيد الحكم بالعدم المحمولي في المرتبة السابقة تقتضي سراية الحكم الى افراد حكم العقل وفي المرتبة المتأخرة لا مانع من تقيد هذه السراية للعدم المحمولي او بقيد اخر فاذا لا تنافي بين هذا التقيد الذي هو في مرتبة متأخرة عن الاطلاق لا تنافي بينه وبين اطلاق الموضوع هكذا ذكره قدس سره
 لكن الجواب عن ذلك واضح لما ذكرنا من ان قيد الحكم في مرحلة الجعل هو قيد الموضوع ولا يتصور التفكيك بينهما فان كل ما اخذ في لسان الدليل قيدا للموضوع فهو قيد للحكم لان الحكم مجعول بنحو القضية الحقيقية للموضوع المقدر وجوده في الخارج بقيوده وقيود الموضوع قيودٌ للحكم في مرحلة الجعل والشروط لاتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادي مثلا المولى جعل وجوب الحج على المكلف الباغ العاقل المستطيع فالاستطاعة قيدٌ للموضوع وقد اخذت في لسان الدليل في مرحلة الجعل وهي شرط للحكم في مرحلة الجعل وشرط اتصاف الحج بالملاك في مرحلة المبادي فلا ملاك للحج بدون الاستطاعة كما انه لا وجوب على المكلف بدون تحقق الاستطاعة في الخارج فالاستطاعة التي هي قيد للموضوع وقد اخذت في لسان الدليل مفروض الوجود فهي قيد للحكم في مرحلة الجعل وقيد للملاك في مرحلة المبادي فلا يتصور ان يكون الحكم مقيدا بقيد في مرحلة الجعل ولا يكون ذلك القيد قيد للموضوع ولم يأخذ في لسان الدليل حين جعل الحكم هذا غير متصور وان اريد بذلك ان تقيد الحكم بالعدم المحمولي في المرتبة الفعلية كما يظهر ذلك من الجواب وان اريد ذلك ان تقيد الحكم في مرتبة الفعلية بالعدم المحمولي ان اراد ذلك فيرد عليه ان المرتبة الفعلية ليست من مراتب الحكم فان فعلية الحكم بفعلية موضوعه وقيود الموضوع امر قهري لا ترتبط بالشارع وليست بيد الشارع انما هو بيد الشارع هو جعل الحكم في مرحلة الجعل واما فعلية هذا الحكم بفعلية موضوعه وقيود الموضوع فهي امر قهريٌ لا ترتبط بالشارع ، وايضا ان القيد الذي لم يأخذ في الموضوع في مرحلة الجعل فلا يعقل فعلية الحكم بفعليته فان الحكم انما يسير فعليا بفعلية موضوعه بقيوده اذا كان الموضوع بتلك القيود مأخوذة مفروضة الوجود في مرحلة الجعل كالاستطاعة والبلوغ وما شاكل ذلك فان الاستطاعة قد اخذت مفروضة الوجود في الخارج فوجوب الحج فعلي بفعلية الاستطاعة واما اذا لم تأخذ الاستطاعة قيدا للموضوع مفروض الوجود في مرحلة الجعل فلا تكون الاستطاعة حينئذ شرط لوجوب الحج ولا يعقل ان يصير وجوب الحج فعليا بفعلية الاستطاعة لأنها اجنبية عنه
 فاذا فعلية الحكم بفعلية موضوعه بتمام قيوده انما هي في ما اذا كان الموضوع بتمام قيوده مأخوذ في لسان الدليل مفروض الوجود لكي يكون تكون تلك الامور شروط في مرحلة الجعل وشروط الملاك في مرحلة المبادي ، فالنتيجة في ما ذكره قدس سره لا يمكن المساعدة عليه
 وايضا ما ذكره قدس سره من ان تقيد الموضوع بالعدم النعتي حيث انه يسري الى تقيد الحكم به اي بالعدم النعتي فهو يغني عن تقيد الحكم بالعدم المحمولي فان الحكم اذا قيد بالعدم النعتي ولو بالواسطة فهو يغني عن تقيده بالعدم المحمولي لان العدم المحمولي عين العدم النعتي واما تقيد الحكم بالعدم المحمولي فانه لا يغني عن تقيد الموضوع بالعدم النعتي وفيه ايضا مسامحة ، صحيح انه تقيد الحكم بالعدم المحمولي لا يغني عن تقيد العدم النعتي الا ان تقيد الموضوع بالعدم النعتي حيث انه يستلزم تقيد الحكم بالعدم النعتي فاذا تقيد الحكم بالعدم المحمولي يغني عن تقيد الحكم بالعدم النعتي ولا يمكن الجمع بينهما لأنه لغو اذا قيد الحكم بالعدم المحمولي وبعد ذلك تقيده بالعدم المحمولي لغو فالنتيجة ما ذكره قدس سره لا يمكن المساعدة عليه
 الى هنا قد تبين ان عدم العرض سواء اكان العرض من الاعراض المقولية ام كان من الاعراض الانتزاعية ام كان من الاعراض الاعتبارية فهو في نفسه عدم محمولي ولا يعقل ان يكون عدم نعتي فان العدم النعتي انما هو في وجود العرض باعتبار ان وجوده في نفسه عين وجوده لموضوعه في الخارج واما ثبوت العدم في نفسه ليس عين ثبوته لموضوع في الخارج حتى يكون عدم نعتي بل عدمه عدم ازلي وثابت في الازل ولا يتوقف على أي موجود في الخارج
 واما تفسير النعت بتفاسيره الثلاثة فقد تقدم ان النعت بتمام تفاسيره لا ينطبق على عدم العرض سواء اكان عرض من الاعراض المقوليه ام كان العرض من الاعراض الانتزاعية ام من الاعراض الاعتبارية فالنعت بتمام تفاسيره سواء كان المراد وجود الرابط ام كان المراد منه الوجود الرابطي ام اكان المراد منه النسبة التخصيصية فعلى جميع التقادير النعت لا ينطبق على عدم العرض هذا كله بحسب مقام الثبوت
 واما في مقام الاثبات فلا شبهة في انه اذا ورد عام وورد خاص فاذا قال المولى اكرم كل عالم ثم قال لا تكرم الفاسق منهم لا شبهة في ان الدليل المخصص يوجب تقيد موضوع العام بعدم عنوان الخاص وهذا العدم عدم محمولي فان كون هذا العدم عدما نعتي بحاجة الى مؤونة زائدة ثبوتا واثباتا اما ثبوتا فهي بحاجة الى اتصاف موضوع العام بهذا العدم حتى يكون هذا العدم نعتا للموضوع وصفة للموضوع
 واما في مقام الاثبات فاخذ هذا الاتصاف بحاجة الى قرينة ولا قرينة في الدليل المخصص على ذلك فالدليل المخصص لا يدل على ان اتصاف موضوع العام بعدم عنوان الخاص مأخوذ فيه فالدليل المخصص لا يدل على ذلك بل دليل المخصص يدل على ان عدم العنوان الخاص مأخوذ بدون أي خصوصية زائده ولا قرينة من الخارج على ذلك فاذا اخذ العدم النعتي وهو اتصاف الموضوع بالعدم لكي يكون العدم نعتا وصفة للموضوع الموجود في الخارج فهو بلا حاجة الى لحاظه بمقام الثبوت وبحاجة الى ثبوته بقرينة ولا قرينة على ذلك لا بنفس دليل المخصص ولا من الخارج ، ومع الاغماض عن ذلك وشككنا في ان هذا العدم هل هو عدم نعتي او هو عدم محمولي لا ندري ان تقيد موضوع العام بعدم عنوان المخصص هل هو عدم نعتي او عدم محمولي فعندئذ قد يقال كما قيل ان الامر يدور بين الاقل والاكثر لا ندري ان الموضوع مقيدا بعدم المحمول هو الاقل او مقيدا بعدم النعتي وهو الاكثر فان العدم النعتي مشتمل على خصوصية زائده وهي النعتية والصفتية ، فاذا يدور الامر بين الاقل والاكثر ففي مثل ذلك الاقل متيقن ويشك في الاكثر وفي اخذ الصفة النعتية ويشك في اخذ النعتية والصفتية في الموضوع العام فلا مانع من التمسك بأصالة العموم لنفي اخذ هذه الخصوصية الزائدة المشكوك فيها لا مانع من ذلك ولكن هذا القيل غير صحيح فان الامر لا يدور بين الاقل والكثر بل الامر يدور بين المتباينين فان العدم ان كان محموليا فالمأخوذ هو ذات العدم بدون زيادة أي خصوصية اخرى واما اذا كان العدم نعتيا فالمأخوذ النعتية الصفتية لا ذات العدم فاذا يدور الامر بين المتباينين ولا ندري ان موضوع العام مقيد بنعتية العدم وصفتية العدم أي اتصاف الموضوع به او مقيدا بذات العدم فيدور الامر بين المتباينين فعندئذ لا يمكن التمسك بعموم العام في كليهما معا للعلم الاجمالي بتقيد موضوع العام بأحدهما فهذا العلم الاجمالي مانع عن التمسك بأصالة العموم في كليهما وجريان اصالة العموم في احدهما المعين دون الاخر ترجيح من غير مرجح فلا يمكن
 فاذا تسقط كلتا الاصالتين في المقام ولا يمكن التمسك بأصالة العموم في المقام وتسقط عن الاعتبار فالمرجع حينئذ هو الاحتياط كما في المرآة تحيض الى خمسين الا اذا كانت قرشية فأنها تحيض الى ستين ففي مثل ذلك لابد من الاحتياط بين الخمسين الى ستين والجمع بين افعال المستحاضة وتروك الحائض فلا بد من الاحتياط ...