الموضوع : العام والخاص _ جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية _ التفصيل الرابع

 

إلى هنا قد تبين عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنكتة أن ثبوت الموضوع في الخارج ليس مدلولا للعام لامطابقتا ولا التزاما فان مدلول العام ثبوت الحكم للموضوع المقدر الوجود في الخارج فمن أجل ذلك لايمكن التمسك بالعام لإثبات موضوعه في الخارج ولافرق في ذلك بين كون دليل المخصص لفضيا أو لبيا ، والغرض من تكرار ذلك هو ألإشارة إلى بعض النكات ،كما ذكره المحقق الأصفهاني وقد فصل بين كون دليل المخصص لفضيا فلا يجوز التمسك بالعام في الشبهات الموضوعية وبين كونه لبيا فلامانع من التمسك به وقد ذكرنا أنه أفاد في وجه ذلك أن المخصص أللبي في الحقيقة متمثل بالقطع بشيء بحيث يكون القطع جزء الموضوع فإذا قال المولى أكرم كل جيراني وعلم العبد أن المولى لم يرد إكرام من كان من جيرانه عدوا له فإذا المستثنى هو الجار المعلوم العداوة وعلى هذا فمشكوك العداوة داخل في العام كما أن معلوم عدم العداوة داخل في العام والخارج هو معلوم العداوة وعلى هذا فإذا شككنا في جار أنه عدو للمولى أو ليس عدوا فالشبهة وان كانت مصداقية إلا انه ليس الشك في ثبوت العام في الخارج وعدم ثبوته بل الشك هو في ثبوت الحكم مع إحراز الموضوع وان مشكوك العداوة من أفراد العام فلا مانع من التمسك بالعام لااثبات حكمه وهذا ليس من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية وانما هو من التمسك بالعام في الشبهة الحكمية فان الفرق بين التمسك بالعام في الشبهة الحكمية هو مااذا كان الشك في الحكم مباشرتا مع إحراز الموضوع فعندئذ يكون التمسك بالعام في الشبهة الحكمية وأما إذا كان الشك في ثبوت الموضوع دون ثبوت الحكم فهو شك في ثبوت الموضوع دون الشك في ثبوت الحكم فهو من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فإذا ماذكره المحقق الأصفهاني من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فهو في الحقيقة من التمسك بالعام في الشبهة الحكمية وكذالك ماذكره النائيني قد من أن المخصص أللبي يكون مقيدا بالملاك دون الموضوع فالموضوع يبقى بإطلاقه والمخصص إنما هو الملاك وذكرنا أن هذا المعنى بنفسه غير معقول ولايمكن التفكيك بينهما بين قيد الموضوع وهو قيد الملاك وهو قيد الحكم فلا يعقل أن يكون الملاك مقيدا بقيد دون أن يكون الموضوع مقيدا به وعلى تقدير تسليم أنه معقول عندئذ يكون الموضوع مطلقا والشك انماهو في ثبوت الحكم مع إطلاق الموضوع وليس في ثبوت الموضوع وعدم ثبوته وهذا ليس من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية وإنما من التمسك بالعام في الشبهة الحكمية وكذلك ماذكره السيد ألأستاذ قد :من التفصيل بين القضية الحقيقية والقضية الخارجية ففي القضية الخارجية أن المولى بنفسه أحرز الموضوع ولم يوكل إحرازه إلى العبد بل أحرز الموضوع وحكم بثبوت الحكم على الموضوع كما إذا قال المولى أكرم كل علماء البلد فالمولى أحرز استحقاق وجوب ألإكرام لكل عالم من علماء البلد ولهذا أوجب ذلك وأما إذا علم المكلف أن المولى لم يرد وجوب إكرام العالم الفاسق فعندئذ الخارج هو العالم المعلوم الفسق وأما المشكوك فهو داخل في العام كما أن معلوم العدالة داخل في العام فإذا شككنا في عالم فالشبهة وان كانت مصداقية إلا أن الشك ليس في ثبوت الموضوع وعدم ثبوته فالشك هو في ثبوت الحكم لهذا الموضوع الذي هو موضوع للعام وأفراد العام .

التفصيل الرابع :أن الشبهة المصداقية تارة تكون ذات اعتبار واحد بأن تكون متمحضة بالشبهة المصداقية فقط فإذا كانت كذلك لم يجز التمسك بالعام عند الشك فيها وأخرى تكون الشبهة المصداقية ذات اعتبارين فبالنظر إلى المخصص العام تكون الشبهة مصداقية وبالنظر إلى نفسها تكون حكمية .

وبيان ذلك إذا فرضنا ورد في الجليل أن كل ماء مطهر ثم ورد في دليل أخر أن الماء المطهر هو الماء الطاهر فأذن هذا الدليل المخصص يقيد موضوع العام بالماء المطهر كل ماء طاهر مطهر فإذن مادل على أن الماء الطاهر هو المطهر يكون مخصصا لهذا العام ويقيد موضوعه بالماء الطاهر فالماء الطاهر مطهر فإذا شككنا في ماء في الخارج أنه طاهر أو نجس فان كان الشك من جهة أنه لاقى نجسا أو لم يلاقي نجسا فان لاقى نجسا فهو نجس وان لم يلاقي نجسا فهو طاهر فالشبهة موضوعية ولايمكن التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية وأخرى يشك في ماء أنه طاهر أو نجس كماء البحر أو ماء البئر أنه طاهر أو نجس فانه بالنسبة إلى المخصص العام فالشبهة مصداقية وأما بالنسبة إلى نفسها فالشبهة حكمية أمرها بيد الشارع فان الشبهة المصداقية نسبتها إلى المولى كنسبتها إلى العبد فلافرق من هذه الناجية وأما الشبهة الحكمية فأمرها بيد المولى بيان حدودها وسعتها وضيقها إلى المولى ،فإذا ماء البئر الشك في طهارته ونجاسته شبهة موضوعية بالنسبة إلى المخصص العام وشبهة حكمية بلحاظ نفسها لأننا لاندري أن الشارع جعل ماء البئر طاهر أولا ففي مثل ذلك هل يمكن التمسك بالعام لإثبات أن ماء البئر طاهر أو لايمكن ذهب بعضهم أنه لامانع من التمسك بالعام لإثبات أنه طاهر فأن كل ماء مطهر يشمل ماء البئر أيضا فالعام بعمومه يشمل ماء البئر أيضا إذن العام يدل بالمطابقة على مطهريته وبالالتزام على طهارته فان مطهريته لايمكن من دون أن يكون طاهرا فإذن العام يدل على مطهرية ماء البئر بالمطابقة فان العام بعمومه يشمل ماء البئر أيضا ويدل على أنه مطهر بالمطابقة ويدل بالالتزام على أنه طاهر فعندئذ لامانع من التمسك بالعام في هذه الكيفية وهذه الطريقة . والجواب عن ذلك : تارة الدلالة المطابقية ( دلالة العام على مطهرية الماء) تتوقف على كون الماء طاهرا في المرتبة السابقة فلو كانت طهارة الماء متوقفة على الدلالة المطابقية للعام لزم الدور فان الدلالة الالتزامية تتوقف على الدلالة المطابقية فإذا كانت الدلالة المطابقية أيضا تتوقف على الالتزامية يلزم الدور وهذا الإشكال ليس بشيء ،

فأن الدلالة معناها الكشف والمناط إنما هو بالمدلول ولامانع من كون مدلول الدلالة الالتزامية علة ومدلول الدلالة المطابقية معلولا فقد يكون مدلول الدلالة المطابقية معلولا ومدلول الدلالة الالتزامية علة وقد يكون بالعكس وقد يكونا متلازمين إذ لاتتوقف الدلالة المطابقية على الالتزامية إذا كانت الالتزامية مدلولها في المرتبة السابقة فإنها تكشف عن أن مدلولها بالمرتبة السابقة والدلالة المطابقية تكشف عن أن مدلولها في المرتبة المتأخرة فلا دور بينهما .

والصحيح في الجواب عن ذلك : ان الدلالة المطابقية غير محرزة في نفسها فان العام بعد تقييد موضوعه فشموله لماء البئر متوقف على كونه طاهرا لان موضوع العام مقيد بالماء الطاهر والمفروض أن ماء البئر مشكوك الطهارة والنجاسة فإذا شمول العام لماء البئر مشكوك فإذا كان مشكوكا لم تحرز الدلالة المطابقية وإذا لم تحرز فكيف يمكن التمسك بالدلالة الالتزامية فان الدلالة الالتزامية متفرعة على الدلالة المطابقية فلابد أولا أن نثبت الدلالة المطابقية لكي نتمسك بالالتزامية إذن موضوع العام ليس طبيعي الماء لكي يقال أنه يشمل ماء البئر أيضا لان موضوع العام بعد التخصيص قد قيد بالماء الطاهر وشمول العام بعد التقييد لماء البئر غير معلوم فإذا لم يكن معلوما فلا نحرز الدلالة المطابقية وإذا لم نحرزها فلا نحرز الدلالة الالتزامية ومن أجل ذلك لايمكن التمسك بالعام في المقام بهذه الطريقة لإثبات الموضوع أي في الشبهة المصداقية ، بقي شيء.