الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

34/03/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع : النهي في المعاملات
 النهي المتعلق بالمعاملة اذا كان النهي تكليفي نفسي فمفاده حرمة المعاملة وهذا هو محل الكلام واما اذا كان النهي عن المعاملة شرطيا فلا شبهه انه يدل على فساد المعاملة وهو ليس محل الكلام فمحل الكلام انما هو في النهي النفسي التكليفي الذي يكون مفاده الحرمة فهل هذا النهي يستلزم فساد المعاملة اذا تعلق بها اولا فيه قولان
 القول الاول : بالثبوت الملازمة بين حرمة المعاملة وفسادها كما انها ثابته بين حرمة العبادة وفسادها كذلك ثابته بين حرمة المعاملة وفسادها
 القول الثاني : ان حرمة المعاملة لا تستلزم فسادها ولا ملازمه بين حرمة المعاملة في فرد وبين صحتها في طرف ولا ملازمه بين حرمتها تكليفا وفسادها وضعا ولا تقاس المعاملات بالعبادات فان النهي التكليفي اذا تعلق بالعبادة يدل على حرمتها بالمطابقة وعلى مبغوضيتها باشتمالها على مفسده وبطلانها فاذا كانت العبادة المنهي عنها مبغوضة للمولى فلا يمكن التقرب بها ومن اجل ذلك يحكم بفسادها هذا مضافا انه لا يمكن انطباق العبادة المعمول بها على المنهي عنها لاستحالة انطباق الواجب على الحرام والمحبوب على المبغوض وهذا الملاك غير موجود في باب المعاملات فان النهي اذا تعلق بمعاملة فانه يدل على حرمتها تكليفا بالمطابقة وعلى مكر وهيتها بالملازمة ولا ملازمة بين حرمة المعاملة وبين فسادها لعدم اعتبار قصد القربة معتبر في المعاملة فالحرمة لا تكون مانعة لصحتها فان المعتبر في الصحة ان تكون مشمولة لإطلاقات ادلة الالزام مثل ( احل الله البيع ) [1] ( وتجارة عن تراض) [2] وما شل ذلك فاذا كانت المعاملة واجدة للشروط مشمولة لهذه الاطلاقات فان كانت مشمولة فهي محكومة بالصحة وان كانت محرمة تكليفا فانه ليس من شروط المعاملة وكونها مشمولة لأدلة الامضاء ليس من شروط حرمتها فاذا كانت واجدة للشروط فهي مشمولة لأدلة الامضاء فهي مشمولة لإطلاقات الصحة وان كانت محرمة تكليفا
 وهناك قولان اخران بالتفصيل في مقابل هذين القولين
 احدهما : التفصيل بين متعلق النهي بالمسبب او التسبيب وبين المتعلق بالسبب فاذا كان النهي متعلق بالسبب فهو لا يدل لا على الصحة ولا على الفساد واما اذا تعلق بالتسبيب او بالمسبب فهو يدل على الصحة لا على الفساد وغاية الامر الصحة وقد اختار هذا القول المحقق الخرساني قدس
 القول الثاني : التفصيل بين تعلق النهي بالمسبب وتعلقه بالسبب فاذا كان النهي متعلق بالسبب فهو لا يدل لا على الصحة ولا على الفساد واما اذا كان متعلق بالمسبب فهو يدل على الفساد اما التفصيل الاول فقد نسب الى ابي حنيفة وقد اختاره المحقق الخرساني قدس سره وقد افاد في وجه ذلك ان النهي اذا تعلق بالتسبيب فان معناه تعلق نهي الشارع عن ايجاب الملكية من سبب خاص فالشارع نهى عن ايجاب الملكية لسبب خاص كالنهي عن بيع الكلب فاذا فرضنا ان هذا النهي نهي تكليفي وليس ارشادي فهو يدل على ان الشارع نهى عن ايجاد ملكية الكلب وانشأ ملكيته لسبب خاص وهو البيع فاذا بطبيعة الحال هذا النهي يدل على ان هذا البيع صحيح اذ لو كان هذا البيع فاسدا فيكون تعلق النهي به لغوا وجزافا فان هذا البيع فاسدا فلا يترتب عليه أي ملكية فالنهي لفوا ولا يترتب عليه أي اثر وهكذا النهي عن بيع المصحف فاذا فرضنا ان هذا النهي نهي تكليفي وليس بإرشادي فهو يدل على حرمة بيع المصحف على انشاء ملكية المصحف بسبب خاص وهو البيع فلا محال يدل على ان هذا البيع صحيح اذ لو كان فاسدا هذا اليع فيكون تعلق النهي لغوا وجزافا فاذا هذا النهي من هذه الناحية يدل على صحة المعاملة المنهي عنها هكذا ذكره المحقق الخرساني قدس سره وللمناقشة فيه مجال فهو غريب منه قدس سره فان المعاملة مركبة من امور الامر الاول السبب قد يكون لفظا وقد يكون فعلا واللفظ قد يكون عربيا كبعت او اشتريت ونحوه وقد يكون غير عربي
 الامر الثاني : الانشاء فعل المتعاقدين الانشاء والايجاب كلهما لفظ ايجاد في عالم الاعتبار والفعل للفظ أي بصيغة خاصة هذا هو معنى الانشاء وليس معنى الانشاء ذكره السيد الاستاذ من ان الانشاء امر اعتباري نفساني كما يأتي الكلام فيه وقد تقدم تفصيله في باب الانشاء وقلنا ان الصحيح في باب الانشاء هو المشهور بين الاصحاب وهو ايجاده في عالم الاعتبار فاذا انشاء احد المتعاملين وعين الانشاء في عالم الاعتبار وليس في عالم الاعتبار شيئان احدهما الانشاء والاخر الانشاء بل هما شيء واحد يسمى تارة بالإنشاء وتارة انشاء والفرق بينهما بالاعتبار اذا كان بإضافته الى المتعاملين انشاء وباعتبار اضافته الى نفسه منشاء كالإيجاد والوجود التكميلين فان الايجاد عين الوجود والاختلاف بينهما انما هو بالاعتبار
 الامر الثالث : ادلة امضاءه كقوله تعال (احل الله البيع) (اوفوا بالعقود) [3] (تجارة عن تراض) وما شاكل ذلك فان ادلة الاجزاء اذا كان السبب واجد لجميع الشروط بان يكون السبب في قيد خاص وان يكون عربي وان يكون من بالغ عاقل اذا كان صادرا من صغير فلا اثر له او مجنون ويكون فاسدا للإنشاء بان ينشئ الملكية اذا كان السبب واجدا لجميع الشروط فهو مشمول ادلة اطلاقات ادلة الامضاء ومحكوم بالصحة فاذا باع شخص داره للغير وكان واجدا للشروط فهو مشمول ادلة اطلاقات قوله تعالى (احل الله البيع) (وتجارة عن تراض) فحكم بملكية المبيع للمشتري وملكية الثمن للبائع
 فأما الامر الاول والثاني فهما فعل المتعاملين مباشرة فان صدور ايجاب السبب عن المتعاملين وكذا انشاء الملكية او الزوجية وما شاكل ذلك واما الالزام فهو فعل الشارع ونسبة الاجزاء الى المجزئ نسبة السبب الى المسبب والاختلاف انما هو بالتعبير نسبة المسبب الى السبب او نسبة الحكم الى الموضوع فاذا انشاء لكية المبيع فاذا امضى الشارع فساد هذه الملكية ملكية شرعية وهذا اذا لم يكن مشمول لأدلة الامضاء فهذه الملكية ليست ملكية شرعية فاذا لم يكن مشمول لأدلة الامضاء تكون ملكية شرعية فاذا الامضاء من الشارع واما السبب فهو بيد المتعاملين مباشرة
 واما الامر الثالث الذي هو بيد الشارع وهو اجزاء المعاملة ففي مثل ذلك اذا امضى الشارع الصحة فاذا كان غير مشمول لأدلة الشارع فهو محكوم بالفساد وعلى هذا فالنهي عن بيع الكلب او ما شاكل ذلك فان قلنا ان هذا النهي نهي ارشادي فهو خارج عن محل الكلام ولا شبهه في دلالة هذا النهي على الفساد فان مفاده الارشاد ان عنوان الكلب مانع عن صحة هذا البيع
 واما اذا كان هذا النهي نهي تكليفي فما هو محل الكلام فمفاده حرمة بيع الكلب فاذا يقع في ان حرمة هذا البيع هل تستلزم فساده او لا وما ذكره المحقق الخرسان قدس سره الذي نسب الى ابي حنيفة من ان النهي يدل على صحة المعاملة الصحة في مرتبة سابقة ليست مدلول النهي فان النهي لا محال تعلق بالمعاملة الصحيحة الكلام ان هذا النهي بمدلوله المطابقي وهو الحرمة هل يدل على فساد هذه المعاملة او لا يدل والا فمفاد النهي ليس صحة المعاملة في مرتبة سابقة فان المعاملة محكومة بالصحة بمرتبة سابقة من جهة انها مشمولة لأدلة الامضاء فبيع الكلب صحيح لو نهى عنه وهذا النهي المتعلق به هل يدل على فساده او لا فان لم يدل فهو صحيح وما ذكره المحقق النائيني قدس سره غريب فان مفاد النهي ليس صحة المعاملة في المرتبة السابقة فصحة المعاملة في مرتبة سابقة من جهة انها مشمولة لأدلة الالزام فمن اجل ذلك يحكم بصحتها فمحل الكلام ان النهي اذا تعلق بهذه المعاملة المحكومة بصحة المرتبة تارة من جهة الاجزاء وهذا النهي بمدلولها وهو الحرمة هل يستلزم فساد هذا هو محل الكلام وسوف يأتي توضيحه بأكثر من ذلك
 وقد اورد السيد الاستاذ قدس سره على هذا القول أي القول بالتفصيل بين السبب والمسبب والتسبيب ذكر السيد انه لا سببيه ولا مسببيه في المقام فالتعبير بالسبب والمسبب والتسبيب كلها تعبيرات جافه ولا معنى لها كل معاملة تنحل الى امرين احدهما اعتبار النفساني كاعتبار الملكية وان البائع اعتبر الملكية للمشتري في ما له الاعتبار والمشتري اعتبار ملكية الثمن في عالم الاعتبار قم يضمها الى اعتبارها في الخارج في قوله او فعله فاذا ليس هناك الا الاعتبار النفساني بإبرازه في الخارج بمبرز فالمعاملة مركبة من امرين احدهما المبرز وهو الاعتبار والثاني المبرز وعن الفعل او القول الخارجي ونسبة المبرز الى المبرز نسبة الموضوع الى المحمول فليس هناك سببيه ومسببيه هكذا ذكره السيد الاستاذ قدس سره وللمناقشة فيه مجال .


[1] سورة البقرة اية 275
[2] سورة النساء اية 29
[3] سورة المائدة اية 1