الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

34/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع : الكلام المنهي عنه في الصلاة
 اما الوجه الثالث الذي ذكره المحقق النائيني قدس سره فقد اورد عليه السيد الاستاذ قدس سره لأنه لا دليل على بطلان الصلاة للذكر المحرم لان الذكر المحرم ليس بكلام ادمي والمبطل للصلاة هو كلام الادمي والذكر المحرم ليس بكلام ادمي فاذا لا دليل على ان الذكر المحرم يكون مبطل للصلاة هذا مضاف الى ان هذا الوجه يختص بالصلاة فقط ولا يعم سائر الواجبات هكذا ذكره السيد الاستاذ قس سره وللمناقشة فيه مجال
 فان تقيد الكلام بكلام الادمي لم يوجد في شيء من الروايات الروايات التي تنص على ان التكلم في الصلاة عمدا مبطل لها قد ورد بصيغة التكلم او بصيغة من يتكلم او يتكل او تكلمت وما شاكل ذلك ولم يرد بشيء من الروايات التقيد بكلام الادمي ومن هنا قلنا ان هذا الروايات تشمل التكلم بالذكر ايضا المراد بالذكر اعم من قراءة القران والدعاء والمناجات وهذه الروايات بإطلاقها تشمل التكلم بالذكر من تكلم في صلاته بطلت فهذه الصيغة بإطلاقها تشمل التكلم بالذكر والتكلم بالقران والتكلم بالدعاء فمن هنا قلنا ان الطائفة الثانية التي تدل على استثناء الذكر وان التكلم به لا يكون مبطلا تدل على تخصيص الطائفة الاولى وتقيدها هذا اذا لم يكن التكلم ذكرا واما اذا تكلم بالذكر فهو لا يكون مبطلا للصلاة المبطل هو التكلم بما لا يكون ذكرا ولا دعاء ولا قران ولا مناجات مع الله تعالى فهو مبطل فاذا ما ذكره قدس سره من التقيد بكلام الادمي لم يرد بشيء من الروايات والدعوى ان هذا التقيد مستفاد من تخصيص الطائفة الاولى بالطائفة الثانية فان الطائفة الثانية اذا دلة على استثناء الذكر والدعاء والمناجات والقران من الطائفة الاولى فبطبيعة الحال تختص الطائفة الاولى بكلام الادمي ولا مورد لها الا ذلك فان الاذكار قد خرجة عن هذه الطائفة فلا محال تكون مختصة بكلام الادمي فالتقيد بكلام الادمي الوارد في كلمات الفقهاء منهم السيد الاستاذ قدس سره من جهة هذا التخصيص
 هذه الدعوى مدفوعة فان التخصيص لا يوجب تقيد موضوع العام بعنوان وجودي فاذا ورد من المولى اكرم الشعراء ثم ورد في دليل اخر لا تكرم الفساق منهم فان الدليل الثاني حيث انه اخص من الدليل الاول فيقيد الدليل الاول ومعنى تقيد موضوع دليل الاول ان لا يكون فاسقا فموضوع وجوب الاكرام الشاعر الذي لا يكون فاسق وليس موضوع وجوب الاكرام الشاعر العادل الشاعر الذي لا يكون فاسق هذا هو موضوع وجوب الاكرام وفي المقام ايضا كذلك فان الطائفة الثانية اذا دلت على استثناء الذكر من الطائفة الاولى فهي توجب تقيد موضوع الطائفة الاولى للتكلم الذي لا يكون ذكرا ولا يكون قران ولا دعاء ولا مناجات مع الله تعالى وتقدس فموضوع الطائفة الاولى حينئذ مقيد بقيد عدمي فان الكبرى الكلية في التخصيص هي ان المخصص يوجب تقيد موضوع العام بعدم عنوان المخصص لا بأمر وجودي فاذا هذا التقيد ليس من جهة هذا التخصيص ايضا فالنتيجة لا وجه لهذا التخصيص
 ومن ناحية اخرى يمكن ان يقال ان روايات استثناء الذكر من التكلم في الصلاة لا تشمل الذكر المحرم لان المتفاهم من هذه الروايات أي من روايات الذكر كذكر الله والنبي الاكرم صلى الله عليه واله والقران والدعاء والمناجات مع الله مستثنى فأنها لا تكون مبطلة للصلاة فالمتفاهم العرفي من هذه الروايات بمناسبة الحكم والموضوع الارتكازين هو ان هذه العناوين محبوبة عند الله فمن جهة انها محبوبة عند الله تعالى ويأتي بها العباد تضرعا وخشوعا الى الله فمن اجل ذلك لا تكون مبطلة للصلاة واما اذا كان الدعاء مبغوض لله كما اذا كان الدعاء على مؤمن فان هذا الدعاء محرم ومبغوض لله تعالى فلا يمكن ان يكون هذا الدعاء مستثنى مشمول لهذه الروايات فان مناسبة الحكم والموضوع تقتضي ان استثناء الذكر والمناجات مع الله مستثنى من جهة انه يتكلم خشوعا وتضرعا لله تعالى فمن اجل ذلك يكون مستثنى يأتي بها بما يرضي لله تعالى به واما اذا اتى بالذكر بما هو مبغوض لله تعالى او يأتي بالدعاء بما هو مبغوض لله تعالى فهذه الروايات لا تشمل ذلك لان هذه الروايات في نفسها مختصة بالذكر غير المحرم فلا تشمل بنفسها الذكر المحرم هذا مضاف الى اننا لو سلمنا ان هذه الروايات بإطلاقها تشمل الذكر المحرم لكن يمكن تقيد ذلك بالدليل الدال على حرمة الذكر فان الدليل اذا دل ان الدعاء على المؤمن محرم ومبغوض لله تعالى فان يصح ان يكون مقيد لإطلاق هذه الروايات او اذا دل الدليل على ان الذكر الخلافي محرم او قراءة اية لفلانية محرمة فلا شبهة ان هذه الادلة تقيد ادلة الذكر بغير الذكر المحرم فاذا الذكر المحرم لا يكون مشمول لهذه الروايات فاذا لم يكن مشمول فهو يبقى تحت اطلاقات الطافة الاولى (ان تكلم فليعد صلاته) [1] فالمستثنى منه الذكر الجائز واما المحرم فهو باقي تحت هذه الاطلاقات فان من تكلم بالذكر المحرم فصلاته باطلة كما ان من تكلم بغير الذكر فاذا الذكر المحرم يقع تحت اطلاقات الطائفة الاولى فهي تدل على ان من تكلم في صلاته وان كان تكلمه بالذكر المحرم فهو مبطل للصلاة فالنتيجة ان ما ذكره السيد الاستاذ قدس سره لا يمكن المساعدة عليه
 بقي هنا شيء ان ما ذكره السيد الاستاذ قدس سره وهو ان النهي عن جزء من الصلاة وان لم يدل على تقيدها بعدم هذا الجزء شرعا وان لم يدل على ذلك لان مفاد هذا النهي الحرمة لا التقيد فالنهي عن جزء الصلاة لا يدل على تقيد الصلاة بعدم هذا الجزء لان مفاد هذا النهي الحرمة لا التقيد الا انه يدل على تقيد الصلاة بعدم الحصة المشتملة على الجزء المنهي عنه في مرحلة الانطباق على اساس حالة انطباق الواجب على الحرام وانطباق المحبوب على المبغوض فيدل على التقيد في مرحلة الانطباق والامتثال ولا يدل على التقيد في مرحلة الجعل والفرق بين التقيد الشرعي والتقيد العقلي اما اذا كان التقيد شرعي فالقيد مانع فاذا كان عدم القيد لعدم شيء قيدا للصلاة فوجوده مانع فعدم التكلم في الصلاة قيد للصلاة والتكلم مانع فهذا معنى التقيد الشرعي فاذا كانت الصلاة مقيدة بعدم شيء معناه ان وجود ذلك الشيء مانع للصلاة واما التقيد العقلي فمعناه ان الطبيعي المأمور به لا ينطبق على الفرد المنهي عنه لاستحالة انطباق الواجب على الحرام والمبغوض على المحبوب والمراد على المكروه لاستحالة ذلك هكذا ذكره قدس سره وفي كلامه نقطتان من الضعف :-
 الاولى : ما ذكره قدس سره من ان النهي عن جزء الصلاة وان كان لا يدل على تقيد الصلاة بعدم هذا الجزء اي بعدم الحصة المشتملة على هذا الجزء المنهي عنه الا انه يدل على تقيدها بعدم هذه الحصة المشتملة على الجزء المنهي عنه في مرحلة الانطباق هذا الكلام منه قدس سره مبني على التسامح وان الامر لس كذلك النهي عن جزء من الصلاة لا يدل على تقيد الصلاة بعدم هذا الجزء باعتبار ان مفاد النهي الحرمة لا التقيد وهذا النهي نهي تكليفي لا نهي ارشادي فالنهي اذا كان ارشادي فمفاده التقيد اما اذا كان تكليفي فمفاده الحرمة واما ما ذكره قدس سره فانه يدل على تقيد الصلاة في مرحلة الانطباق والانفصال فهو غير صحيح فان رفض ما يدل على مدلوله في مرحلة الجعل فقط واما مرحلة الانطباق والانفصال الحاكم في هذه المرحلة العقل ولا دلالة للفظ في هذه المرحلة فان اللفظ انما يدل على مدلوله من الوجوب او الحرمة او المانعية او التقيد في مرحلة الجعل فقط اما في مرحلة الانطباق فالحاكم في هذه المرحلة العقل فالنهي لا يدل على تقيد الصلاة بعدم الجزء المنهي عنه في مرحلة الانطباق فان مرحلة الانطباق خارج عن مدلول النهي ولا يدل النهي على ذلك لا بالدلالة المطابقية ولا بالإلزامية انما النهي يدل على حرمة ذلك وبالالتزام يدل على انه مبغوض غاية الامر العقل يحكم في مرحلة الانفصال والفعلية باستحالة انطباق الواجب على الحرام والمحبوب على المبغوض واما اللفظ فلا يدل على ذلك اصلا
 الثانية : انه لا تناف بين الامر المتعلق بالطبيعي والنهي المتعلق بالحصة وبالفرد لا تنافي بينهما في مرحلة الجعل فان متعلق الامر الطبيعي ومتعلق النهي الحصة وكذلك الحال في مرحلة المبادي فان المصلحة قائمة بالطبيعي والمفسدة قائمة بالحصة والفرد والمحبوبية قائمة بالطبيعي ولا تسري من الطبيعي الى افراده من الحب والارادة متعلقة بالطبيعي لا بالفرد ولا بالحصة ولا تسري من الطبيعي الى أفراده بنحو من الانحاء المشروطة فاذا لا تنافي بين الامر والنهي لا في مرحلة الجعل ولا في مرحلة المبادي كما ان الامر والنهي لا يجتمعان في شيء واحد كذلك المصلحة والمفسدة والارادة والكراهة والحب والبغض لا يجتمعان في شيء واحد واما في مرحلة الانطباق والانفصال فلا بد من التفصيل بين العبادات والتوصليات فالواجب اذا كان توصلي فهو وان كان لا ينطبق على الحرام ولا ينطبق على المبغوض لكن الحرام فرده لا انه خارج عن فرده الحرمة مانعة عن الانطباق والمبغوضية مانعة عن الانطباق اما اذا كان الواجب عبادي كالصلاة فان قصد القربى معتبر في الصلاة اما شرط او جزء فقصد القربى معتبر في الصلاة فالفرد اذا كان مبغوض فهو فاقد لهذا الشرط فهو ليس فردا للعبادة فعدم الانطباق من باب السالبة بانتفاء الموضوع يعني انه ليس فردا للعبادة حتى تنطبق عليه اذا من باب التخصص لا من باب التخصيص فان الفرد المبغوض حيث انه فاقد لقصد القربى فانه ليس فرد للعبادة حتى يمكن ان يقال ان العبادة لا تنطبق عليه من جهة انه مبغوض بل من جهة انه ليس فرد للعبادة فاذا لم يكن فردا فالانتفاء من باب السالبة بانتفاء الموضوع لا من باب السالبة بانتفاء المحمول فاذا لابد من التفصيل بين الواجب التوصلي والواجب التعبدي وما ذكره السيد الاستاذ قدس سره عدم الفرق بينهما بين الواجب التوصل والواجب التعبدي غير تام هذا كله فما اذا كان متعلق النهي جزء المأمور به ....


[1] وسائل الشيعة ج7 ص282