الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

34/02/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع : تفسير الصحة عند المشهور
 مما ذكرنا ان الصحة قد فسر في لسان المشهور لإسقاط القضايا تارة وموافقة الامر وحصول الغرض تارة اخرى ولكن اورد عليه السيد الاستاذ قدس سره ان اسقاط القضاء والارادة وحصول الغرض اخر من الصحة وليس المراد بالصحة اسقاط القضاء وفسر قدس سره الصحة بالتمامية فان الشيء اذا كان تام من حيث الاجزاء والشرائط فهو صحيح ينتصف بالصحة واذا كان فاسدا يتصف بالفساد ولذلك فسر اتصاف الشيء بالصحة قابل للمناقشة فانه اذا اراد بالتمامية التمامية في مرحلة الجعل والاعتبار فالتمامية في هذه المرحلة ليس الصحة لان الصحة والفساد لابد لهما من الوجود الخارجي فالشيء في عالم الاعتبار لا يتصف بالصحة تارة وبالفساد تارة اخرى وان اراد بالتمامية الامور الخارجية فاذا اراد التمامية في الوجود الخارجي فهو ليس بمعنى الصحة فالشيء المركب بمجرد وجوده تام من حيث الاجزاء والشرائط لا يتصف بالصحة لان اتصاف المركب بالصحة يتوقف على ارادته على قوله واجد للخصوصية والحيثية التي امرها وجودي وهذه الحيثية هي المطلوبة منه وهي حيثية انطباق الاثر عليه واسقاط الامر وحيثية حصول الغرض فاذا كان المركب واجد فوجوده في الخارج واجب كما الحيثية المطلوبة منه والمرغوب فيه فالنتيجة ترتب الاثر في اسقاط القضاء والاعادة وموافقة الامر وحصول الغرض الذي يتصف بالصحة وربما كان فاقد لهذه الصحة يتصف بالفساد وان كان تام الاجزاء والشرائط في الخارج فاذا المناط بالاتصاف بالصحة تارة وبالفساد اخرى كما هو للحيثية التي تكون وراء وجوده المطلوب منها وللحيثية ترتب الاثر هكذا ذكره عدد من المحققين وقد ذكر المحقق الاصفهاني قدس سره ان هذه الحيثية متتمه بتمامية وليست امرا خارجا بل هي مقومه لتمامية المؤدى فاذا هذه الحيثية دخيله في اتصاف الشيء بالصحة كما ان المركب اذا كان فاسدا لهذه الحيثية يتصف بالفساد هكذا ذكره بعض المحققين على ما في تقرير بحثه والمحقق الاصفهاني في تعليقته على الكفاية ولكن للمناقشة فيه مجال ، فان مجرد كون المركب واجد لهذه الحيثية لا يتصف بالصحة فان هذه الايجاد لهذه الحيثية وراء وجوده بنحو المقتضيه والعله التامة انطباق المأمور به لكامل اجزائه وشرائطه على هذا الفرد المأتي به في الخارج فاذا كان هذا الفرد تام الاجزاء والشرائط وواجد لهذه الحقيقة انطبق عليه المأمور به كذلك فاذا انطبق انتزع عن الصحة ويحكم بصحته فانطباق المأمور به بكامل اجزائه وشرائطه على الفرد المأتي في الخارج بمثابة الجزء الاخير من العلة التامة لتصاف الشيء بالصحة فاذا اتصاف الشيء بالصحة فعلا انما هو من جهة انطباق المأمور به على الفرد المأتي به في الخارج فاذا انطبق عليه انتزعة الصحة
 ثم ان الحاكم على الصحة العقل دون الشرع فان انطباق المأمور به على الفرد المأتي به في الخارج عقلي قهري وليس اختياري غاية الامر غرض المأتي به في الخارج تارة يكون فرد واحد واخرى يكون فرد تعبديا ليس واقعي كما اذا اتى المكلف بالصلاة بجميع اجزائها وشرائطها في الخارج فهذا الفرد المأتي هو فرد واقعي للصلاة واما الفرد الواقعي كما في قاعدة الفراغ والتجاوز فان قاعدة الفراغ تحكم بان الفرد المشكوك هو الفرد المأمور به فالشارع جعل الفرد المشكوك به جعله مصداق للمأمور به وهو ينطبق به المأمور به قهرا فلا فرق بان يكون مصداقه واقعي ام كان تعبدي فاذا شككنا في صحة الصلاة وقضائها بعد الفراغ منها فالشارع يحكم بالصحة ويحكم بان هذا الفرد تام وليس بناقص جزءا او شرطا فاذا كان تام فهو مصداق للصلاة المأمور بها فالصلاة تنطبق على هذا الفرد التعبدي كما تنطبق على الفرد الواقعي الانطباق في كلا الامرين واقعي ومن هنا يرجع التسامح في تعبير السيد الاستاذ قدس سره وقد ذكر ان انطباق الفرد المأمور به على الفرد المأتي به تارة يكون واقعي واخرى يكون تعبدي هذا التعليل فيه تسامح فان الانطباق واقعي على كلا التطبيقي الفرد المأتي به في الخارج تارة يكون واقعي واخرى يكون تعبدي وبالانطباق واقعي على كلا التطبيقين فهذا التعبير مبني على التسامح هذا كله في معنى الصحة في العبادات
 واما الصحة في المعاملات : فهل هي منتزعة من انطباق المعاملة على المعاملة في الخارج او ان الصحة في باب المعاملات مجعوله من الشارع فيه وجهان فذهب السيد الاستاذ الى الوجه الثاني وان الصحة في باب المعاملات مجعوله وليست منتزعه من انطباق المعاملة في الخارج فقد افاد فيه وجه ذلك : ان نسبة الامضاء الى المعاملات كالنسبة الحكم الى الموضوع وليس كنسبة الحكم الى متعلقة كما هو الحال في العبادات فان نسبة الصلاة الى الامر نسبة المتعلق الى الامر واما نسبة البيع الى قليل الالزام نسبة الموضوع الى الحكم فاذا كانت نسبة المعاملات الى ادلة الامضاء فهي مجعولة من الشارع نسبة الموضوع الى الحكم فبطبيعة الحال يكون الموضوع محفوظ بنحو مفروض الوجود فان المعاملات محفوظة في لسان ادلة الاختصاص بنحو القضية الحقيقية والموضوع في القضية الحقيقية مأخوذة في الخارج وذلك ان فعلية الالزام يدور مدار المعاملة في الخارج وهى تحقق المعاملة في الخارج وصارت فعلية فالجزاء الشارع فعلي فاذا فعلية الاجزاء تدور مدار كلية المعارضة في الخارج ولهذا يتعدد الاجزاء تدد المعاملة في الخارج فيثبت لكل معامله اجزاء مستقل كما يثبت لكل مكلف وجوب الصلاة بوجوب مستقل لا يرتبط بوجوب الصلاة على فرد اخر من المكلف باعتبار ان المكلف موضوع لوجوب الصلاة والحكم ينحل بانحلال موضوعه في الخارج ويثبت لكل فرد من افراد موضوعه حكم صحيح وكذا في المقام كقوله تعالى (واحل الله البيع) [1] و(اوفوا بالعقود) [2] و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ) [3] فان البيع قد اخذ مفروض الوجود في موضوع الحلية وطبعا حلية الحلية تدور مدار فعلية البيع في الخارج فاذا تحقق البيع في الخارج فان البائع والمشتري فهذا البيع يتصف بالحلية فالحلية ثابته فان الحلية تنحل بانحلال البيع في الخارج فتنظر الى كل فرد من افراد البيع في الخارج حلية مستقله لان الحكم ينحل انحلال موضوعه في الخارج وكذلك الحال في مفهومه فان وجوبه موضوعي ليس وجوب تكليفي وهو ينحل بانحلال الحكم في الخارج فيثبت وجوب البقاء لكل عقد تحقق في الخارج وهذا معنى صحة العقد فكل عقد مشمول بأجزاء من الشارع فهو صحيح وكذلك الحال في جملة عن تراض فكل تجارة وقعت عن تراضي بين المتعاقدين فهي ممضاة شرعا ومحكوم بالصحة فاذا الصحة في باب المعاملات هي عبارة عن امضاء الشارع وهو مجعول شرعا وبذلك تختلف الصحة في باب المعاملات عن الصحة في باب العبادات وهنا امران :- احدهما : ان الصحة في باب المعاملات الامر منتزع بانطباق المعاملة على الفرد الواقع في الخارج بانطباق البيع على البيع الواقع في الخارج فالصحة في باب المعاملات ايضا منتزعه في انطباق المعاملة على الفرد الواقع في الخارج
 القول الثاني : فقد اختاره هذا المحقق النائيني قدس سره وهو التفصيل بين المعاملات الكلية كالعقد البيع والنكاح والصلح والمزارعة وما شاكل ذلك فان هذه المعاملات صحتها بمضاء الشارع لها صحة البيع انما هو بامضاء الشارع له بقوله تعالى (احل الله البيع) وصحة العقد انما هو بامضاء الشارع ايضا بقوله تعالى (اوفوا بالعقود) فالمعاملات الكلية التي لها عناوين خاصة واسماء مخصوصة صحتها انما هي بإمضائها شرعا والمعاملات الجزئية وهي المعاملات الواقعة في الخارج صحتها منتزعة من انطباق المعاملات الكلية عليها فاذا وقع بيع في الخارج بين الباع والمشتري فاذا كان واجد للشروط انطبق عليه البيع الكلي وهو ممضى شرعا ومحكوم بصحته وقد اختار هذا التفصيل المحقق الخراساني قدس سره ، فالنتيجة ان في المسألة ثلاث اقوال القول الاول ما ذكره السيد الاستاذ قدس سره من ان صحة المعاملة مجعوله وممضاة من الشارع ونسبة المعاملة الى دليل الامضاء نسبة الموضوع الى الحكم ، القول الثاني اختاره المحقق النائيني قدس سره من ان صحة المعاملات منتزعة من انطباق المعاملة على المعاملة الواقعة في الخارج ، القول الثالث ما اختاره المحقق الاصفهاني من التفصيل بين المعاملات الكلية فان صحتها عبارة عن امضائها شرعا وبين المعاملات الجزئية الواقعة في الخارج فان صحتها منتزعة من المعاملات الكلية ، هذه الاقول الثلاث التي ذكرت في المسألة وللمناقشة فيها مجال


[1] سورة البقرة اية 276
[2] سورة المائدة اية 1
[3] سورة النساء اية 29