آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/07/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- خــتــام.

كان كلامنا في موت المالك بعد تعلق الزكاة بماله او قبل تعلق الزكاة بماله او مجهول ولا ندري ان موته قبل تعلق الزكاة او بعده ، فتوجد هنا صور.

الصورة الاولى:- ما اذا كان موت المالك بعد تعلق الزكاة بماله.

الصورة الثانية:- ما اذا كان موت المالك قبل تعلق الزكاة به.

الصورة الثالثة:- ان يكون كلا الحادثين مجهول التاريخ ، أي موت المالك مجهول التاريخ ، وكذلك تعلق الزكاة مجهول ولا ندري ان موت المالك قبل تعلق الزكاة او بعده ، كما لا نعلم ان تعلق الزكاة قبل موت المالك او بعده.

الصورة الرابعة:- ان يكون تاريخ الموت معلوما وتاريخ التعلق مجهولا ، فنعلم ان الموت يوم الجمعة ولكن تاريخ التعلق لا ندري انه قبل الموت او بعد الموت.

الصورة الخامسة:- وهي عكس الصورة الرابعة وهي ان يكون تاريخ التعلق معلوم وتاريخ الموت مجهول.

اما الكلام في الصورة الاولى فلا شبهة في ان التركة متعلقة للزكاة ولم تنتقل الى الورثة تمام التركة ، فجزء منها مال الغير وهو لم ينتقل الى الورثة ، فعلى الورثة اخراج الزكاة من التركة او على الوصي اخراج الزكاة من التركة اولاً ثم تقسم التركة بين الورثة وهذا واضح.

واما الكلام في الصورة الثانية فلا شبهة ان التركة لم تتعلق الزكاة بها وانتقلت الى الورثة ، فعندئذ سهم كل وارثٍ اذا بلغ حد النصاب وجبت الزكاة عليه واذا لم يبلغ حد النصاب فلا زكاة عليه ، فاذا فرضنا انه لم يبلغ سهم كل وراث الى حد النصاب فلا زكاة عليهم جميعا ، واذا بلغ سهم بعض الورثة دون البعض الاخر فتجب الزكاة عليه دون غيره.

واما الكلام في الصورة الثالثة وهي ما إذا كان كلاهما مجهولي التاريخ.

فقد ذكرنا ان الاستصحاب في مجهولي التاريخ لا يجري في نفسه ، لان استصحاب عدم موت المالك الى زمان التعلق إن كان زمان التعلق الملحوظ هو مفهوم زمان التعلق فمفهوم زمان التعلق قيد للمستصحب لا انه ظرف لان مفهوم الزمان لا يصلح ان يكون ظرفا فهو لا محالة يكون قيد للمستصحب ، والمستصحب المقيد بهذا القيد ليست له حالة سابقة فان عدم الموت المقيد بزمان التعلق ليست له حالة سابقة لكي يجري الاستصحاب ، واما اذا لوحظ واقع زمان التعلق فان واقعه مردد بين فردين شخصيين في الخارج فأيضا لا يجري الاستصحاب لعدم تمامية اركان الاستصحاب فان الشك في البقاء غير موجود والمعتبر في جريان الاستصحاب ان يكون الشك متمحضا في البقاء ولا يكون موجودا لا بالنسبة الى هذا الفرد ولا بالنسبة الى فرد آخر ، فلهذا لا يجري الاستصحاب.

ومع الاغماض عن ذلك وتسليم ان الاستصحاب يجري في كليهما معا كما هو المعروف والمشهور بين الاصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) فان المشهور بين الاصحاب ان الاستصحاب في مجهولي التاريخ في نفسه يجري ولكنهما يسقطان من جهة المعارضة.

فبناء على هذا المسلك فان استصحاب عدم الموت الى زمان التعلق يجري فان استصحاب عدم الموت معناه استصحاب بقاء حياة المالك الى زمان التعلق ، فتعلق الزكاة بالمال متيقن ، واما بقاء المال في ملك المالك فهو ثابت بالتعبد فان احد جزئي الموضوع محرز بالوجدان والجزء الاخر محرز بالتعبد ، اذن الزكاة متعلقة بتركة الميت ولم تنتقل التركة الى الورثة جميعا فعلى الورثة او على الوصي اخراج الزكاة من التركة ثم تقسيمها بين الورثة.

واما استصحاب عدم التعلق الى زمان الموت فهو لا يجري الا على القول بالاصل المثبت لأنه لا يثبت تعلق الزكاة بعد الموت الا على القول بالاصل المثبت لان استصحاب عدم احد الضدين لا يثبت الضد الاخر الا على القول بالاصل المثبت ، فان استصحاب عدم التعلق لا يثبت التعلق بعد الموت الا على القول بالاصل المثبت.

اذن استصحاب عدم الموت الى زمان التعلق لا يعارضه استصحاب عدم التعلق الى زمان الموت لأنه لا يجري اصلا ، فهو بلا معارض.

واما الكلام في الصورة الرابعة وهي ما إذا كان تاريخ الموت معلوما وتاريخ التعلق مجهولا.

فبناء على القول بان الاستصحاب لا يجري في معلوم التاريخ فإذن نرجع الى المجهول ونجري الاستصحاب فيه.

ولكن الاستصحاب في المجهول ايضا لا يجري الا على القول بالاصل المثبت فان استصحاب عدم التعلق الى زمان موت المالك لا يثبت ان التعلق بعد الموت الا على القول بالاصل المثبت فالاستصحاب لا يجري من جهة انه مثبت ، وكذا الاستصحاب في المعلوم لا يجري لعدم الشك فيه.

واما بناء على ما هو الصحيح من ان الاستصحاب في معلوم التاريخ يجري لان معلوم التاريخ معلوم بحسب عمود الزمان ، واما حدوثه في زمان حادث اخر فهو مجهول ، مثلا الموت زمانه معلوم فهو مات يوم الجمعة ولكن حدوث الموت في زمان حادث اخر وهو تعلق الزكاة فهو مجهول فلا ندري ان الموت قد حدث في زمان التعلق او لم يحدث الى زمان التعلق ، فعندئذ لا مانع من استصحاب عدم الموت الى زمان التعلق أي استصحاب بقاء حياة المالك الى زمان التعلق وبهذا الاستصحاب يثبت تعلق الزكاة بالتركة وعلى الورثة او على الوصي اخراج الزكاة اولاً ثم تقسيم التركة بينهم.

اذن لا فرق بين هذه الصورة وصورة كون كلا الحادثين مجهول التاريخ[1] .

واما الكلام في الصورة الخامسة وهي ما اذا كان تاريخ التعلق معلوما وتاريخ الموت مجهولا وحينئذ نقول.

بناءً على القول بان الاستصحاب في المعلوم لا يجري فلا يجري الاستصحاب في التعلق من جهة عدم الشك.

واما بناء على ما هو الصحيح من جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ ولكنه لا يجري من جهة اخرى فان استصحاب عدم التعلق الى زمان الموت لا يثبت التعلق بعد الموت الا على القول بالاصل المثبت ، اذن لا يجري الاستصحاب في معلوم التاريخ من جهة انه مثبت.

النتيجة في هذه الصور هي ان استصحاب عدم الموت يجري الى زمان التعلق ، واما استصحاب عدم التعلق فلا يجري الى زمان الموت لا في مجهولي التاريخ ولا فيما اذا كان تاريخ احدهما معلوما.

بقي هنا امران.

الامر الاول:- ما ذكره السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) من ان استصحاب عدم الموت الى زمان التعلق أي استصحاب بقاء حياة المالك الى زمان تعلق الزكاة هذا الاستصحاب محكوم بقاعدة اليد فان مقتضى قاعدة اليد ان تمام المال ملك للمالك لا ان جزء منه ليس ملك له ، والاستصحاب يقتضي ان جزءً من هذا المال ليس ملكا للمالك بل هو ملك للفقراء ، ولكن قاعدة اليد تقتضي عدم الاشتراك وانَّ هذا المال بتمامه ملك للمالك وبتمامه انتقل الى الورثة ، ولا دليل على بطلان هذه القاعدة أي قاعدة اليد.

فان قيل:- اننا نعلم بان المالك لم يؤدي الزكاة فكيف ينتقل المال بتمامه الى الورثة؟

قلت:- نعم صحيح اننا نعلم بان المالك لم يؤدي الزكاة ، ولكن عدم اداء الملك الزكاةَ تارةً من جهة انه ليس عنده فرصة لأداء الزكاة او أخر اداء الزكاة وانَّ الزكاة تعلقت بماله وهو أخرها ، وأخرى عدم اداءه للزكاة هو من جهة عدم تعلق الزكاة بماله فهي سالبة بانتفاء الموضوع ، فليس هنا علم بتعلق الزكاة بماله حتى يكون مانعا عن التمسك بقاعدة اليد.

النتيجة ان ما ذكره السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) تام ولا مانع من التمسك بقاعدة اليد ، ومقتضى قاعدة اليد ان المال الذي تحت يد المالك بتمامه ملك له وليس فيه شريك ، والاستصحاب الذي يدل على ان جزء من هذا المال ملك للغير فهو محكوم بقاعدة اليد ، اذن المرجع هو قاعدة اليد لا الاستصحاب ولا دليل على بطلان هذه القاعدة ولا علم بخلاف هذه القاعدة ، اذن لا مانع من التمسك بهذه القاعدة.

الامر الثاني:- هو علم الوارث بتعلق الزكاة بسهمه اذا بلغ حد النصاب فاذا فرضنا ان سهم الوارث بلغ حد النصاب فهو يعلم ان هذا السهم متعلق للزكاة ، إما تعلقت الزكاة قبل انتقاله اليه او تعلقت به بعد انتقاله اليه ، فهو يعلم اجمالا بذلك فهل لهذا العلم الاجمالي اثر او ليس له اثر؟

نتكلم فيه ان شاء الله تعالى.


[1] طبعا بعد الاغماض وتسليم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ (المقرر).