آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/07/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- خــتــام.

ذكر السيد الماتن (قدس الله نفسه) : ((لو شك الولي بحسب الاجتهاد أو التقليد في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمهما وأراد الاحتياط بالإخراج ففي جوازه إشكال لأن الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرف مال الصبي، نعم لا يبعد ذلك إذا كان الاحتياط وجوبيا وكذا الحال في غير الزكاة كمسألة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبي حيث إنه محل للخلاف، وكذا في سائر التصرفات في ماله، والمسألة محل إشكال مع أنها سيالة))[1] .

يقع الكلام هنا تارة في تعلق الزكاة بأموال الصبي والمجنون استحبابا , وأخرى على القول بتعلق الزكاة بأموالهما وجوبا.

اما الكلام بناء على تعلق الزكاة بأموالهما استحباب فقد ذكرنا ان المراد من استحباب الزكاة هو مجرد تكليفٍ ولا يكون الفقير شريكا مع الصبي او المجنون في عشر ماله او نصف العشر ، وهكذا في زكاة الذهب او زكاة البقر والابل ، فليس الفقير شريكا للصبي او المجنون ، وانما الشارع جعل إخراج العشر او نصف العشر من مال الصبي او المجنون مستحبا في الشريعة المقدسة ، ففي مثل ذلك لا يجوز تصرف الولي في مال الصبي والمجنون وإخراج العشر او نصفه في زكاة الغلاة من اموال الصبي او المجنون واعطائها للفقير فانه لا مصلحة فيه او فيه مفسدة فهو خارج عن حدود ولاية الولي ، فان ولاية الحاكم الشرعي على اموال الصبي والمجنون محدودة بحدودِ ما اذا كان في التصرف مصلحة للصبي او المجنون ، كما ان ولاية الاب او الجد من قبل الاب محدودة بعدم وجود المفسدة في تصرفه في اموالهما ، اما اذا كانت فيه مفسدة فهذا التصرف خارج عن حدود ولاية الاب او الجد من قبل الاب ولا يجوز له هذا التصرف ، وكذا اذا لم تكن فيه مصلحة فهذا التصرف خارج عن حدود ولاية الفقيه ولا يجوز له هذا التصرف ، ولا شبهة في ان اخراج العشر او نصف العشر مع عدم كون الفقير شريكا معه لم تكن فيه مصلحة للصبي والمجنون او كانت فيه مفسدة لهما ولهذا خارج هذا الاخراج عن حدود ولاية الولي لا مجرد الاحتياط ، ولا شبهة في عدم جواز هذا التصرف لأنه خارج عن حدود ولاية الولي وهذا واضح.

واما بناء على القول بتعلق الزكاة بأموالهما وجوبا فان العقل ليس شرطا في تعلق الزكاة والبلوغ ليس شرطا في تعلق الزكاة ، فالزكاة كما تعلقت بأموال البالغ واموال العاقل كذلك تعلقت بأموال الصبي والمجنون وعلى هذا ففي اخراج العشر او نصف العشر اما واجب اذا كانت اموالهما متعلقة للزكاة او انه حرام اذا تكن اموالهما متعلقة للزكاة ، اذن يدور الامر بين حرمة هذا التصرف ووجوبه أي ان هذا التصرف حرام او واجب فيدور الامر حينئذ بين المحذورين والشبهة حكمية فاذا كانت الشبهة حكمية ويدور الامر بين المحذورين فقد ذكر السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) اذا دار الامر بين المحذورين في الشبهة الحكمية قبل الفحص لابد من تاخير الواقعة حتى يتبين حكمها ويتبين ان الاخراج واجب او انه حرام ، فان الشبهة قبل الفحص فلابد على المكلف من تاخير الواقعة حتى يسال عن حكمها من الامام (عليه السلام) او طريق اخر يظهر حكم المسالة.

ثم ذكر (قدس الله نفسه) ان العقل يحكم بالتخيير بينهما أي ان العقل يحكم بالتخيير في دوران الامر بين المحذورين فان المكلف لا يتمكن لا من المخالفة القطعية ولا من الموافقة القطعية فحينئذ لا مجال الا لحكم العقل بالتخيير بين الفعل والترك وبين الاخراج وعدم الاخراج وتجري اصالة البراءة عن تعين كل منهما أي اصالة البراءة عن الوجوب واصالة البراءة عن الحرمة ، هذا على ما في تقرير بحث سيدي الاستاذ (قدس الله نفسه).

ولكن يرد عليه امران.

الامر الاول:- ان الشبهة اذا كانت قبل الفحص فالاصول المؤمنة لا تجري فيها ، فاذا كان دوران الامر بين المحذورين في الشبهة الحكمية قبل الفحص فلا يمكن التمسك باصالة البراءة عن خصوص الوجوب واصالة البراءة عن خصوص الحرمة لان الشبهة قبل الفحص والاصول المؤمنة لا تجري فيها ، والظاهر انه اشتباه في التقرير والا فمبنى السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) واضح وهو انه لا يرى جواز اجراء الاصول المؤمنة قبل الفحص.

الامر الثاني:- ان دوران الامر بين المحذورين انما يكون فيما اذا لم يكن احدهما عباديا او كلاهما عباديا ، اما اذا كان احد الاحتمالين عباديا فحينئذ امكن المخالفة القطعية العملية ، وليس المقام من دوران الامر بين المحذورين وفي المقام كذلك فان الزكاة امر عبادي ووجوبها وجوب عبادي والحرمة حرمة توصلية فعندئذ امكن للمكلف المخالفة القطعية العملية كما اذا قام بإخراج الزكاة بدون قصد القربى فانه ترك الواجب وارتكب الحرام معا ، اما ترك الواجب فلان صحة الواجب منوط بقصد القربى فاذا ترك قصد القربى فالواجب باطل والواجب متروك واما انه ارتكب الحرام فلانه تصرف في مال الصبي ومال المجنون بدون مسوغ وبدون مبرر فهو حرام ، وما نحن فيه من هذا القبيل فان الوجوب تعبدي والحرمة توصلية فاذا اخرج الزكاة بدون قصد القربى فقد ترك الواجب وارتكب الحرام معا وقد خالف مخالفة قطعية عملية ، اذن ليس المقام داخلا في دوران الامر بن المحذورين وليست المسالة من صغريات كبرى دوران الامر بين المحذورين لان دوران الامر بين المحذورين المكلف لا يتمكن لا من المخالفة القطعية العملية ولا من الموافقة القطعية العملية وانما هو متمكن من المخالفة الاحتمالية ومن الموافقة الاحتمالية وهذا امر لابد منه وليس باختياره لأنه اما فاعل واما تارك والجمع بين النقيضين غير معقول فعلى كلا التقديرين احتمال المخالفة واحتمال الموافقة وهو امر قهري ، واما اذا تمكن المكلف من المخالفة القطعية العملية فهذه المسالة ليست من صغريات دوران الامر بين المحذورين كما في المقام فان وجوب الاخراج لو كان فهو تعبدي والحرمة لو كانت فهي توصلية فعندئذ لو اخرج الزكاة من اموال الصبي او المجنون بدون قصد القربى فقد ترك الواجب وارتكب الحرام معا وقد خالف مخالفة قطعية عملية.

اذن ما ذكره السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) على ما في تقرير بحثه من ان المسالة داخلة في دوران الامر بين المحذورين ليس الامر كذلك بل هي غير داخلة لتمكن المكلف من المخالفة القطعية العملية.

مضافا الى ان ما ذكره السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) من جريان اصالة البراءة عن الوجوب المحتمل واصالة البراءة عن الحرمة المحتملة فهذا محل تأمل فان اصالة البراءة انما تجري فيما يترتب عليه اثر كدفع العقوبة عن المكلف واصالة البراءة عن الوجوب المحتمل في المقام واصالة البراءة عن الحرمة لا يترتب عليها أي اثر فسواء جرت ام لم تجري فالمكلف مخير بينهما عقلا فان المكلف اما فاعل او تارك ولا ثالث لهما لأنه لا يقدر على الجمع بين النقيضين ، إذن جريان اصالة البراءة في المقام لغو فان اصالة البراءة انما تجري لدفع احتمال العقوبة ، هذا فيما اذا كان التكليف المحتمل على تقدير ثبوته منجزا واحتمال العقوبة عليه موجودا فان اصالة البراءة تجري لدفع احتمال العقوبة ، واما في المقام فلا الحرمة منجزة ولا الوجوب فان العلم الاجمالي لاحدهما لا تاثير له وهذا العلم الاجمالي لا يكون منجزا ، فان العلم الاجمالي انما يكون منجزا فيما اذا تمكن المكلف من المخالفة القطعية او الموافقة القطعية العملية في اطرافه وفي المقام شيء منهما غير موجود.

اذن ما ذكره السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) من ان المقام داخل في دوران الامر بين المحذورين ليس الامر كذلك.

واما ما ذكره (قدس سره) من جريان اصالة البراءة عن كل من الطرفين ايضا الامر ليس كذلك فان اصالة البراءة لا تجري لعدم ترتب أي اثر عيها ووجودها كالعدم بقي هنا شيء نتكلم فيه ان شاء الله.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطبطبائي، ج4، ص159، ط جماعة المدرسين.