آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- قصد القربى والتعيين.

الى هنا قد تبين ان التبرع يختلف عن التوكيل ، فان فعلَ الوكيل فعلُ الموكل ، فاذا قام الوكيل بأداء الزكاة فهو أداءُ الموكل لا أداء الوكيل ومن أجل ذلك يجب قصد القربى على الموكل لان الخطاب بالأداء موجه الى الموكل والمفروض ان الاداء من الموكل سواء مباشرة او كان تسبيبا ولهذا لا يجب قصد القربى على الوكيل ولا اثر لقصد قربته.

واما التبرع فليس الامر كذلك فان الاداء فعل المتبرع ، فان المتبرع اذا أدى زكاة غيره بماله بأحد النقدين فهذا الاداء فعل المتبرع ، فاذا كان الاداء فعلُ المتبرع والمفروض ان هذا الاداء محبوب عند الله فاذا كان محبوبا فهو قابل للتقرب به ، فالمتبرع يتمكن من قصد التقرب به الى الله تعالى ، فان المراد من قصد التقرب هو اضافة الفعل الى المولى بان يأتي بهذا الفعل لله تعالى وتقدس وهذه الاضافة تتحقق اذا كان محبوبا لله تعالى فكل فعل اذا كان محبوبا لله تعالى فيمكن للانسان التقرب به بإتيانه ، وما نحن فيه كذلك فمن هذه الناحية يختلف المتبرع عن الوكيل ولا مانع من ذلك.

قد يستدل بأحد وجهين على عدم وجوب قصد القربى على المتبرع.

الوجه الاول:- التفصيل بين المتبرع وبين المالك ، فاذا كان اداء الزكاة من المالك فيجب عليه قصد التقرب بتمام عناصره من قصد الاخلاص وقصد عنوان الزكاة واسمها الخاص ، واما اذا كان اداء الزكاة من المتبرع فلا دليل على اعتبار قصد القربى ، فان المتبرع خارج عن مورد ادلة الزكاة من الآيات والروايات فان المستفاد هذه الآيات والروايات هو وجوب الاتيان بالزكاة وادائها على المالك وحيث ان الزكاة عبادة فيجب عليه ان يؤدي زكاته بقصد القربى الى الله تعالى وتقدس ، واما المتبرع فهو خارج عن مورد هذه الآيات والروايات ولا دليل على اعتبار قصد القربى في التبرع فحينئذ اذا قام المتبرع بأداء زكاة غيره من ماله فهو يجزي ويوجب سقوط الزكاة عن غيره ولا يتوقف الاجزاء على قصد القربى.

ولكن هذا الوجه وان كان ممكنا ثبوتا ومحتملا ثبوتا ولكن اثبات ذلك بالدليل مشكل ، فان الزكاة عبادة واذا كانت عبادة فلابد من الاتيان بها بقصد القربى سواء اكان الايتان بها من المالك او من غيره ، فلا فرق من هذه الناحية ولا دليل على هذا التفصيل في مقام الاثبات فهذا التفصيل بحاجة الى دليل ولا دليل عليه.

الوجه الثاني:- ان عمدة الدليل على اعتبار قصد القربى في الزكاة هو الاجماع والتسالم بين الاصحاب ، والقدر المتيقن من الاجماع هو ما اذا قام المالك بأداء الزكاة مباشرة او تسبيبا ، فحينئذ يجب عليه ان يقصد القربى ، واما اذا قام المتبرع بأداء الزكاة فلا دليل عليه فان القدر المتيقن من الاجماع هو المالك واما المتبرع فشمول الاجماع له مشكل ، اذن لا دليل على اعتبار قصد القربى.

ولكن اتمام ذلك ايضا مشكل ن فان عمدة الدليل على اعتبار قصد القربى في الزكاة وان كان الاجماع والتسالم بين الاصحاب ولكن هذا الاجماع والتسالم اذا تم فلا فرق بين ان يكون اداء الزكاة بالتبرع او كان اداءها من المالك لان الزكاة عبادة سواء اكان الاتيان بها من المالك ام كان الاتيان بها من المتبرع لا من المالك.

النتيجة ان العمدة في إجزاء التبرع بالزكاة انما هو ما ذكرناه من ان المتبرع متمكن من قصد القربى حين اداء زكاة غيره بماله باعتبار ان هذا الاداء محبوب عند الله وهو يتمكن من الاتيان به قربة لله تعالى وتقدس ، اذن يكون التبرع مجزيا ومسقطا لتبرع غيره بزكاته فلا يجب على غيره اخراج الزكاة واداءها بعد التبرع.

واما القرض فلا شبهة في ان زكاة المال المقروض على المقترض اذا كان انتقال المال المقروض من المقرض قبل تعلق الزكاة بهذا المال او قبل حلول الحول عند المقرض ، فاذا كان انتقاله بالبيع او بغير البيع الى المقترض قبل تعلق الزكاة بها والزكاة تعلق بهذا المال بعد انتقاله الى المقترض فلا شبهة في ان زكاته على المقترض وهذا مقتضى القاعدة لان المال ملك للمقترض فاذا كان ملكا وحال عليه الحول عند المقترض وجب عليه زكاته وكذا الحال بحسب الروايات فهي ايضا تدل على ذلك.

اذن وجوب الزكاة على المقترض يكون على القاعدة مضافا الى الروايات الكثيرة التي تدل على ذلك وقد تقدم الكلام في هذه المسالة في اوائل باب الزكاة.

ثم ذكر الماتن (قدس الله نفسه): (مسألة 2): إذا دفع المالك أو وكيله بلا نية القربة له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير وإن تأخرت عن الدفع بزمان بشرط بقاء العين في يده ، أو تلفها مع ضمانه ، كغيرها من الديون، وأما مع تلفها بلا ضمان فلا محل للنية))[1] .

اذا دفع المالك الزكاة من دون ان ينوي القربى فتوجد صور:-

الصورة الاولى:- اذا كان المال موجودا عند الفقير فللمالك ان ينوي قصد القربى فانه قبل نية قصد القربى هو مال المالك وامانة بيد الفقير فان دفعه الى الفقير ليس زكاة واذا لم يكن زكاة فهو مال المالك وبقي في ملك المالك واذا بقي في ملك المالك فله ان ينويه زكاة فقد ورد ذلك في الروايات فقد ورد انه اذا كان المال امانة عند شخص يجوز احتسابه زكاة وما نحن فيه كذلك لان المال امانة عند الفقير وليس ملكا للفقير فيجوز للمالك إحتسابه زكاة.

الصورة الثانية:- اذا تلف هذا المال عند الفقير وكان الفقير ضامنا له كما اذا كان التلف بتفريط الفقير فحينئذ ايضا يجوز ان ينوي ما في ذمة الفقير زكاة وقد ورد ذلك في بعض الروايات فيجوز للمالك احتساب الدين زكاة كما اذا كان الفقير مديونا له فاذا كان الفقير ضامنا للمالك فهو مديون للمالك فيجوز للمالك احتسابه زكاة.

الصورة الثالثة:- اذا تلف المال عند الفقير وكان تلفه بلا ضمان كما اذا تلف عند الفقير بدون تفريط الفقير فلا يكون الفقير ضامنا فاذا لم يضمن فالمال يذهب من كيس المالك وتكون خسارته على المالك فلا يجوز احتسابه زكاة.

بقي هنا شيء نتكلم فيه ان شاء الله تعالى.

 


[1] - العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطبطبائي اليزدي، ج4، ص156.