آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- قصد القربى والتعيين.

الى هنا قد تبين عدة امور.

الامر الاول:- ذكرنا ان صحة الوكالة والاستنابة تكون على القاعدة في الامور الاعتبارية كالمعاملات بكافة انواعها واشكالها , ومعنى ان صحة الوكالة والنيابة على القاعدة انها ثابتة ببناء العقلاء قبل ورود الشرع والشريعة , والشارع امضى هذا البناء فلا يحتاج ثبوت الوكالة فيها الى أي دليل خاص في الشريعة المقدسة ، وكذا الحال في صحة الوكالة والنيابة في الامور التكوينية الانشائية كالقبض والصرف والاداء وما شاكل ذلك فإنها ايضا تكون قابلة للوكالة وتكون الوكالة فيها على القاعدة وثابتة ببناء العقلاء قبل الشرع والشريعة , والشارع امضى هذا البناء ولهذا لا تحتاج الوكالة فيها الى أي دليل خاص في الشريعة المقدسة.

الامر الثاني:- ان النيابة والوكالة في الامور التكوينية غير ممكنة ولا معنى للوكالة في الاكل والشرب والنوم وما شاكل ذلك كالصلاة والزكاة والحج والصوم ، فان صلاة الوكيل صلاته لا صلاة الموكل وليست مستندة الى الموكل وصوم الوكيل صومه لا صوم الموكل.

نعم قد ثبتت النيابة في حالات خاصة وفي ظروف خاصة لا مطلقا ، فقد ثبتت النيابة في الصلاة عن الميت والصوم عن الميت والنيابة في الحج عن الميت , وفي هذه الموارد تختلف الوكالة عن النيابة فان الفعلَ فعلُ النائب حقيقةً ولا يصح اسناده الى المنوب عنه وهو الميت ، وفي الحج ثبتت النيابة عن الحي ايضا اذا كان عاجزا عن الحج طول عمره فان الحج فعلُ النائب حقيقةً وهو ينوي القربى ولا يصح اسناده الى المنوب عنه وهو العاجز ، ومن هنا تختلف الوكالة عن النيابة فان فعلَ الوكيل فعلُ الموكل حقيقة ولا يصح اسناده الى الوكيل بل هو مستند الى الموكل ، والبيع بيع الموكل لا بيع الوكيل ، واما النيابة فهي على العكس فان فعلَ النائب فعلٌ للنائب حقيقة ولا يصح اسناده الى المنوب عنه ولهذا تجب على النائب نية القربى اذا كان العمل عبادياً.

الامر الثالث:- ان النيابة في أداء الزكاة على القاعد فان الأداء والأعطاء والصرف قابلة للنيابة وثابتة ببناء العقلاء الممضاة شرعا ولا يحتاج الى أي دليل خاص ، فإذن أداء الوكيل زكاة الموكل هو أداء الموكل حقيقة لا أداء الوكيل ، بل الوكيل محقق لفعل الموكل والأداء فعل الموكل حقيقة سواء بنحو المباشرة او كان بنحو التسبيب وليس الأداء فعل الوكيل فان الوكيل اجنبي وليس الزكاةُ زكاةَ الوكيل ، وأداء الزكاة فعلُ الموكل وهو مأمور بالأداء والامر بأداء الزكاة موجه الى الموكل لا الى الوكيل , ولهذا يجب قصد القربى على الوكيل سواء أدى الزكاة مباشرة او أداها تسبيباً فعلى كلا التقديرين يجب ان ينوي القربى بتمام عناصرها لأنه مأمور بالأداء والامر بالأداء متوجه اليه لا الى الوكيل ، اذن قصد القربى من الوكيل لا اثر له.

ومن هنا يظهر حال ما ذكره الماتن (قدس سره) وكذا ما ذكره في الشرايع.

واما الكلام في الجهة الرابعة وهي الروايات فعلى تقدير التسليم بان الوكالة في هذه الموارد بحاجة الى دليل ، فهل هنا دليل على صحة الوكالة في أداء الزكاة واعطائها واخراجها وصرفها في مواردها او لا؟

الجواب:- ذكر السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) على ما في تقرير بحثه ان الروايات قد وردت في ايصال الزكاة الى مستحقيها ، فان مورد الروايات جميعا هو الوكالة في ايصال الزكاة الى مستحقيها فانه قد ورد في الروايات بعثها الى بلد اخر او ارسلها الى مدينة اخرى او ارسلها الى شخص هو يوصلها الى مستحقيها ، فان مورد هذه الروايات جميعا الوكالة في الايصال وقد تقدم ان الوكالة في الايصال ملحوظة بالمعنى الحرفي فان الايصال معنى حرفي وليس ملحوظا بنحو الاستقلال فان الايصال باي طريق ممكن فقد تحقق ولو كان بإيصاله بيد مجنون او بيد صبي او بواسطة حيوان فلا فرق في ذلك.

واما الوكالة في أداء الزكاة واخراجها واعطائها لمستحقيها فلم يرد فيها شيء من الروايات ، هكذا ذكر (قدس الله نفسه).

ولكن مع هذا قد استدل على صحة الوكالة في اداء الزكاء واعطائها بروايات:-

الرواية الاولى:- موثقة سماعة قال : سألته عن الرجل يكون معه المال مضاربة ، هل عليه في ذلك المال زكاة إذا كان يتجر به ؟ فقال : ينبغي له أن يقول لاصحاب المال : زكوه ، فإن قالوا : إنا نزكيه فليس عليه غير ذلك ، وإن هم أمروه بأن يزكيه فليفعل ، قلت : أرأيت لو قالوا : إنا نزكيه والرجل يعلم أنهم لا يزكونه ، فقال : إذا هم أقروا بأنهم يزكونه فليس عليه غير ذلك ، وإن هم قالوا : إنا لا نزكيه فلا ينبغي له أن يقبل ذلك المال ، ولا يعمل به حتى يزكيه))[1] .

فقوله (عليه السلام) ((ان هم أمروه بان يزكيه)) فهذا معناه انه وكيل عنهم في تزكية هذا المال واداء الزكاة واعطائها فان الوكالة كما تتحقق بصيغة الوكالة كذا تتحقق بالاذن والامر.

فان هذه الموثقة تدل على صحة الوكالة في الاداء وفي التزكية واخراجها وتعيينا.

ولكن هذه الصحيحة موردها زكاة مال التجارة وزكاة مال التجارة مستحب ومعنى استحباب الزكاة في مال التجارة ان الفقير ليس شريكا مع المالك في العشر ونصف العشر بل المال كله للمالك.

نعم يستحب ـــ تكليفا ـــ ان يعطي العشر او نصف العشر من ماله للفقراء او باقي اصناف المستحقين فان هذا مستحب تكليفا واما وضعا فلا ، لأنه لو كان الفقير شريكا مع المالك فيجب اخراج حصته.

اذن لا تدل هذه الصحيحة على صحة الوكالة في أداء الزكاة واعطائها واخراجها من النصاب.

ولا يقال انه يمكن التعدي عن موردها الى موارد الزكاة الواجبة لان التعدي بحاجة الى قرينة لان المفروض ان التمسك بالروايات انما هو من جهة ان صحة الوكالة في أداء الزكاة على خلاف القاعدة فاذا كان على خلاف القاعدة فصحتها بحاجة الى دليل والدليل قد ورد في زكاة مال التجارة وهي مستحبة والتعدي من مورد هذا الدليل الى مورد الزكاة الواجبة بحاجة قرينة ولا قرينة على ذلك.

 


[1] - وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ابواب ما تجب فيه الزكاة، الباب15، ح1، ص76، ط آل البيت (عليهم السلام).