آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- قصد القربى والتعيين.

الى هنا قد وصلنا الى هذه النتيجة , ونؤكد على هذه النتيجة من جهة اختلاف اقوال العلماء في هذه المسالة , وذكرنا ان كل عنوان مأخوذ في موضوع الحكم او متعلقه في لسان الدليل ظاهر في الموضوعية إلا اذا كان هناك قرينة على انه مأخوذ بعنوان المعرفية والمشيرية الى ما هو الموضوع في الواقع , فاذا لم تكن قرينة فالظاهر ان العنوان المأخوذ في موضوع الحكم او متعلقه ظاهر في الموضعية.

نعم في مثل الاوامر الشخصية مثل (اكرم هذا القائم) او (اكرم هذا الجالس) فهنا عنوان القائم عنوان معرف وليس له موضوعية وكذا عنوان الجالس , اما اذا قال (اكرم العالم) فان عنوان العالم له موضوعية في الحكم فهو ظاهر في الموضوعية والقيدية فلا يمكن حمله على المعرفية , ولا فرق في ذلك بين الواجبات العبادية والواجبات التوصلية ولا فرق بين الواجبات المالة والواجبات البدينة , فاذا كان العنوان ماخوذا في موضوع الحكم او متعلقه فهو ظاهر في الموضوعية , فلابد من الاتيان به بهذا العنوان كصلاة الفجر فان الامر تعلق بركعتين بعنوان صلاة الفجر فاذا اتى بركعتين بعنوان صلاة الفجر يكون مجزيا وينطبق طبيعي المأمور به على الفرد المأتي به في الخارج , واما اذا اتى بركعتين بدون قصد عنوان صلاة الفجر لم يكن المأتي به مصداق للمأمور به فلا تكون هاتان الركعتان مصداقا لصلاة الفجر , وكذا الحال في نافلة الفجر فاذا اتى بركعتين بعنوان نافلة الفجر فهما مصداق لنافلة الفجر وتنطبق عليهما انطباق الطبيعي على الفرد المأتى به.

ان قلت:- ما هو الوجه في ذلك.

قلت:- ليس للإتيان بالمأمور به بقصد هذا العنوان دليل خاص بل الدليل نفس الدليل الذي يكون هذا العنوان ماخوذا به فاذا اتى بثلاث ركعات بدون عنوان صلاة المغرب فلا تقع مغربا , وكذا الحال في الامور المالية , فإذا اعطى زوجته مالاً ولم ينوي انه مهر لها او نفقة لها لم يقع شيء منهما بل يقع هدية لا مهرا ولا نفقه , وكذا الحال في الكفارة فاذا صام شهرين متتابعين فان كان بعنوان كفارة الافطار في شهر رمضان فهو مجزي ويقع كفارة وان لم يأتي بصوم شهرين متتابعين بهذا العنوان فيقع مستحبا ولا يقع كفارة لان الصوم في كل يوم مستحب.

النتيجة ان العنوان اذا اخذ في متعلق الامر فهو ظاهر في الموضوعية ولابد من الاتيان بمتعلق الامر بهذا العنوان وهذا لا يحتاج الى دليل خاص فيكفي دليل الاول الذي يدل على وجوب هذا الفعل بهذا العنوان.

ثم ذكر الماتن (قدس الله نفسه): ((ولا يعتبر نية الوجوب والندب))[1] .

والامر ظاهر فان قصد الوجوب غير معتبر في الواجبات , فلا يجب ان يقصد الوجوب حين الاتيان بصلاة الظهر بل الواجب هو قصد القربى والاخلاص وقصد عنوان الظهر , واما قصد الوجوب فلا دليل عليه , وكذا قصد الاستحباب فلا دليل عليه فهو غير واجب.

ثم ذكر الماتن (قدس الله نفسه) ((وكذا لا يعتبر أيضا نية الجنس الذي تخرج منه الزكاة أنه من الأنعام أو الغلات أو النقدين))[2] .

الكلام في هذه المسالة تارة يقع على مسلك المشهور ومنهم السيد الماتن (قدس سره) واخرى على المختار.

اولاً:- اما على المسلك المشهور فان الواجب على المكلف في باب زكاة الغلاة الاربعة او النقدين او الانعام الثلاثة هو الجامع بين الفرد من نفس النصاب وبين احد النقدين وبين متاع اخر , فان المكلف مخير بان يعطي زكاة الحنطة من نفس الحنطة او يعطي زكاتها من احد النقدين او يعطي زكاته بجنس اخر بمتاع اخر , اذن الواجب بين هذه الافراد هو الجامع هذا هو المشهور.

ثانياً:- واما على المختار فقد ذكرنا انه في الغلات الاربعة المكلف مخير بين اخراج الزكاة من نفس الغلات وبين اعطاء احد النقدين بديلا عن الزكاة والواجب على المكلف هو الجامع بين هذين الفردين , وكذا الحال في النقدين.

واما في الانعام الثلاثة فالواجب هو خصوص الزكاة من النصاب ولا يجوز التبديل فلا يجوز ان يعطي من احد النقدين بديلا عن الانعام الثلاثة فضلا عن متاع اخر , اذن في زكاة الانعام الثلاثة الواجب هو اخراج الزكاة من نفس العين ولا يجوز ان يعطي بدله من النقدين او جنس اخر.

اما على مسلك المشهور فتارة يقع الكلام فيما اذا كانت ذمة المكلف مشغولة بالزكاة كما اذا تلفت الاعيان الزكوية وانتقلت الزكاة الى ذمة المكلف فالذي هو في ذمة المكلف هو الجامع بين زكاة الحنطة من نفس الحنطة وبين احد النقدين وبين متاع اخر , فان الجامع بين هذه الافراد الثلاثة هو الزكاة وهو متعلق الامر وهو موجود في ذمته عند تلف الاعيان الزكوية , وعلى هذا فتارة يكون عينا واحدة تلفت وزكاته انتقلت الى ذمته كما اذا فرضنا ان عنده حنطة متعلقة للزكاة ولكنها تلفت فانتقلت زكاتها الى ذمته فالموجود في ذمته الجامع بين الافراد الثلاثة وعندئذ اذا اعطى زكاة الحنطة من نفس الحنطة بان عين ما هو في ذمته من الجامع بفرد من الحنطة بمقدار زكاتها ودفعها هذا الفرد الى الفقير بعنوان الزكاة بدون ان ينوي كونه زكاة الحنطة بل اعطى هذا الفرد بعنوان الزكاة للفقير بدون ان ينوي كونه زكاة للحنطة او كان عنده جملة من الاعيان متعلقة للزكاة مثل الشعير وعنب وتمر والنقدين والانعام ولكن جميع هذه الاعيان تلفت وانتقلت زكاتها الى ذمته والجامع بين الافراد الثلاثة هو الزكاة وحينئذ اذا عين الجامع بأحد هذه الافراد اما بأحد النقدين او بمتاع اخر او بنفس جنس الذي يخرج الزكاة منه واعطاه للفقير بعنوان الزكاة بدون ان ينوي كونه زكاة حنطة او زكاة شعير او زكاة عنب او زكاة النقدين او زكاة الانعام فهل هذا المعطى يقع من احد هذه الاعيان التي يخرج الزكاة منها احدها المعين او احدها المردد او الجميع او لا هذا ولا ذلك؟

الجواب:- لا شبهة في انه لا يقع من احدها المعين لأنه ترجيح من غير مرجح ونسبة هذا الفرد الى جميع الاعيان على حد سواء.

واما كونه زكاة لاحدها لا بعينه فهو غير متصور فان احدها لا بعينه ان كان مفهوميا فلا واقع له بالخارج لان وجوده في الذهن , وان كان خارجيا فهو من الفرد المردد وهذا غير معقول , اذن الامر يدور بين شيئين اما ان يكون زكاة للجميع بنحو التوزيع او لا يكون زكاة لشيء منها؟

وسياتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطبطبائي اليزدي، ج4، ص155، ط جماعة المدرسين.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطبطبائي اليزدي، ج4، ص155، ط جماعة المدرسين.