آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- قصد القربى والتعيين.

كان كلامنا في اعتبار قصد القربى في الزكاة وانها عبادة كالصلاة والصيام والحج.

ومضافا الى ان التسالم على عبادية الزكاة موجود ، واجماع الاصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) عملا وقولا على اعتبار قصد القربى بالزكاة ، وقد استدل على ذلك بوجوه:-

الوجه الاول:- الروايات ، وذكرنا ان الروايات على طائفتين.

الطائفة الاولى تدل على ان الصدقة اذا كانت مع قصد القربى فلا يمكن للمتصدق ان يستردها ، واذا لم تكن بقصد القربى فجاز له استردادها. وهذه الطائفة لا تدل على اعتبار قصد القربى في الصدقة ، وانما تدل على حكم آخر وهو عدم جواز استردادها اذا كانت مع قصد القربى وجواز الاسترداد اذا كانت بقصد القربى ، والا فالصدقة صحيحة على كلا التقديرين.

وانما الكلام اذا كانت الصدقة مع قصد القربى فهل هي خارجة عن ملك المتصدق ، ومن اجل ذلك لا يجوز استردادها لأنها اصبحت ملك للمتصدق عليه او انها باقية في ملك المتصدق قبل قبض المتصدق عليه ولكن قصد القربى مانع عن استردادها؟

الجواب:- الظاهر ان الصدقة باقية في ملك المتصدق قبل قبض المتصدق عليه ، فاذا وضع الصدقة في صندوق لله وكانت الصدقة لوجه الله تعالى فلا يجوز له الرجوع فيها ، أما اذا وضعها بدون قصد القربى جاز له الرجوع فيها واستردادها ، فعلا كلا التقديرين الصدقة باقية في ملك المالك ولكن اذا قصد بها القربى فقصد القربى مانع عن الاسترداد وعن الرجوع اليها فاذا لم تكن الصدقة بقصد القربى فلا مانع من الرجوع بها.

اذن الظاهر ان المانع هو قصد القربى والا فالمقتضي للرجوع موجود وهو ان الصدقة باقية على ملك المالك وفي ملك المتصدق قبل قبض المتصدق عليه.

واما الطائفة الثانية فهي ظاهرة في نفي حقيقة الصدقة وان قصد القربى مقوم لحقيقة الصدقة فلا صدقة الا ان تكون لوجه الله لان ظاهر (لا) نفي الحقيقة وحملها على نفي الصحة او نفي لكمال بحاجة الى قرينة والا فكلمة لا النافية ظاهرة في نفي الحقيقة كما في (لا صلاة الا بفاتحة الكتاب) فلابد من حملها على نفي الصحة لا على نفي الحقيقة لان الفاتحة ليست من اركان الصلاة ومقومة لحقيقة الصلاة.

نعم قوله (عليه السلام) (لا صلاة الا بطهور) فان (لا) فيها لنفي الحقيقة فان الطهارة من الحدث من اركان الصلاة ومقومة لحقيقتها ونحن فيه ظاهرة نفي الحقيقة.

الا انه لابد من حملها على نفي الصحة بقرينة انه وقع في سياق العتق ، إذ لا شبهة في ان قصد القربى لا يكون مقوما لحقيقة العتق ، بل العتق يتحقق حتى اذا لم يقصد القربى غاية الامر اذا لم يكن بقصد القربى فلا أجر عليه ولا ثواب ، واما اذا كان بقصد القربى فعليه أجر وثواب ، فقصد القربى انما يعتبر في ترتب الثواب فقط لا في الصحة ولا في الحقيقة.

وانما قصد القربى في الصدقة فهو دخيل في الصحة لان معنى الصحة هنا هو الاجر والثواب فان الصدقة هي اعطاء المال للفقير وقد تحقق غاية الامر اذا لم يكن بقصد القربى فلا اجر ولا ثواب فيه ، واما اذا بقصد القربى فله ثواب واجر ، اذن لابد من حمل هذه الطائفة على نفي الصحة بهذا المعنى فان معنى فساد الصدقة هو عدم الاجر والثواب عليه ، والا فان معنى حقيقة الصدقة هي اعطاء المال للفقير وهو قد تحقق في الخارج وغير قابل للرفع.

الوجه الثاني:- وقد يستدل بالآيات الواردة في ضمن الروايات كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾[1] .

فان محل الكلام في اخذ الصدقات أي يأخذ الصدقات باعتبار ان الصدقة تحقق لوجه الله تعالى ومن اجل ذلك يأخذ الصدقات ، وليس معنى الاخذ هو القبول أي قبول الصدقة واعطاء الثواب واعطاء الاجر أي يأخذ الصدقات بمعنى يقبل الصدقات ويعطي اجرا وثوابا على الصدقات ، بل الظاهر ان اخذ الصدقات يدل على ان الصدقات له تعالى بقصد القربى.

اذن لا باس بالاستدلال بهذه الآية المباركة ، وتوجد آيات اخرى.

ولكن الظاهر ان تلك الآيات لا تدل على اعتبار قصد القربى في صحة الصدقة وانما تدل على اعتبار قصد القربى في ترتب الثواب وفي ترتب الاجر فقط لا في حقيقة الصدقة ولا في صحتها.

الوجه الثالث:- روايات كثيرة ولعلها وصلت الى حد التواتر الاجمالي التي تدل على ان الاسلام بني على خمس وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، فان هذه الروايات تدل على اعتبار قصد القربى في الصلاة فانه لا شبهة في اعتبار قصد القربى في الصلاة وفي الصوم وفي الحج وانما الكلام في الزكاة هل قصد القربى معتبر في الزكاة او لا؟

فان في هذه الروايات جعل الزكاة قرينا للصلاة وفي سياق الصلاة وحينئذ فان الظاهر بمقتضى اطلاق هذه الروايات ان الزكاة قرين لها في جميع الجهات أي في الاهمية عند الله وفي قصد القربى وما شاكل ذلك.

والتخصيص بالاهمية دون قصد القربى بحاجة الى دليل ولا دليل على هذا التخصيص.

اذن لا باس بدلالة هذه الروايات ايضا على اعتبار قصد القربى في الزكاة.

وقد يستدل على ذلك:- بان الزكاة كالصلاة حقيقة شرعية فان معنى الزكاة لغة وان لم يكن قصد القربى معتبر فيه الا ان الزكاة كالصلاة حقيقة شرعية واذا كانت حقيقة شرعية فيعتبر فيها قصد القربى كما يعتبر في الصلاة قصد القربى اذن اعتبار قصد القربى في الزكاة من جهة انها حقيقة شرعية والشارع اعتبر قصد القربى فيها كما اعتبر قصد القربى في الصلاة.


[1] التوبة/السورة9، الآية104.