آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- وقت الإخراج.

ذكر الماتن (قدس الله نفسه) ((وأما لو استغنى بنماء هذا المال أو بارتفاع قيمته إذا كان قيميا وقلنا: إن المدار قيمته يوم القرض لا يوم الأداء. لم يجز الاحتساب عليه))[1] .

ما ذكره الماتن (قدس الله نفسه) لا يتم بإطلاقه ، فان نماء العين المقروضة له صورتان:-

الاولى:- ان يكون نماءً عينياً سواء أكان متصلا ام كان منفصلا.

الثانية:- ان يكون نماءه حكمياً كما اذا ترقت قيمته في السوق فاذا فرضنا ان الفقير اقترض خمسة شياه.

فان كان نماءه العيني من الالبان والشعر وما شاكل ذلك من النتاج يكفي لمؤونة سنته سواء كان النماء متصلا او منفصلا فهو غني فلا يجوز أخذ مال الفقراء كالزكاة ، كما لا يجوز احتساب دينه من الزكاة لأنه مديون خمس شياه فقط ولا يجوز احتسابها من الزكاة لأنه غني ودين الغني لا يحسب من الزكاة.

واما اذا فرضنا ان نماءه حكميا كما اذا فرضنا في الوقت الذي اقترض خمس شياه وكانت قيمة كل شاة وقت الاقتراض عشرة دنانير واما في وقت الأداء اصبح قيمة كل واحد منهم خمسين دينار ، فإذن فائدة نماءه الحكمي مئتي دينار ، وهذا المبلغ يكفي لمؤونة سنته ففي مثل ذلك توحد حالتان:-

الاولى:- اذا قلنا ان الشياه قيمي وليس مثليا ـــ وفي القرض الضمان يكون في وقت القرض فان حقيقة القرض هو التمليك بالضمان أي تمليك العين المقروضة للمقترض بالضمان بالمثل اذا كانت العين مثلية وبالضمان بالقيمة ـــ فحينئذ ذمته مشغولة بخمسين دينار لأنه في وقت القرض كانت قيمة كل واحدة منها عشرة دنانير ، اذن فائدتها مئتا دينار وهي تكفي لمؤونة سنته ، ففي مثل ذلك هو غني ولا يجوز ان يحتسب المالك الخمس شياه التي في ذمته من الزكاة لان الدين على الغني وليس على الفقير حتى يجوز احتسابه من الزكاة.

الثانية:- اذا كانت مثلية كما اذا اقترض عشرين منا من الحنطة ووقت القرض هو وقت الضمان (فان وقت الضمان في القرض يختلف عن وقت الغصب فانه في وقت الضمان في الغصب خلاف انه في وقت الاداء او في وقت الغصب او اعلى القيم واما في القرض في شبهة ان وقت الضمان هو وقت القرض فان معنى القرض هو تمليك العين المقروضة للمقترض بالضمان بالمثل او القيمة) فاذا فرضنا ان كل منٍ من الحنطة في وقت القرض كان دينارين ولكن الان اصبح قيمة كل منٍ خمس دنانين فحينئذ لا اثر لهذه الفائدة وهذا النماء الحكمي باعتبار ان ذمة الفقير مشغولة بعشرين منا من الحنطة وعليه ان يشتري عشرين منا من الحنطة ويدفعها الى الدائن ، اذن دينه يكون على الفقير لا ان دينه على الغني ، فانه لا فائدة في النماء فان فائدته ترجع الى الدائن باعتبار انه ضامن للمثل لا انه ضامن للقيمة والمفروض انه الان يجب عليه في وقت الاداء ان يؤدي عشرين منا من الحنطة وقيمة عشرين منا من الحنطة مئة دينار فهو اما ان يعطي للدائن مئة دينار بدلا عن عشرين منا من الحنطة او يعطي له عشرين منا من الحنطة فهو فقير ودينه على الفقير ، ففي مثل ذلك يجوز احتساب الدين زكاة لان هذا الدين يكون على الفقير.

النتيجة ان ما ذكره الماتن قدس الله نفسه من الاطلاق غير تام.

ثم ذكر الماتن (قدس الله نفسه): ((فصل الزكاة من العبادات فيعتبر فيها نية القربة))[2] .

لا شبهة في ذلك بل ادعي ان اعتبار قصد القربى في الزكاة من ضروريات الدين ومن ضروريات المذهب ، ولا شبهة في ان الاجماع بين المتشرعة على اعتبار قصد القربى في الزكاة ثابت وهذا الاجماع العملي والقولي موجود في زمن الائمة (عليهم السلام) وهو امر مرتكز في اذهان المتشرعة ووصل الينا فلا شبهة في حجية هذا الاجماع بل امر متسالم عليه بين الفريقين ومضافا الى ذلك قد استدل عليه بوجوه:-

الوجه الاول:- انه قد اطلق الصدقة على الزكاة في الآيات وفي الروايات مثل قوله تعالى : ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[3] ، فعنوان الصدقة قد اطلق على الزكاة في الآيات والروايات ومن الواضح ان الصدقة سواء كانت واجبة او كانت مستحبة يعتبر فيها قصد القربى والا فهو هدية وليست بصدقة وقد ورد في صحيحة هشام وحماد وابن اذينة وابن بكير وغيرهم كلهم ((قالوا : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : لا صدقة ولا عتق إلا ما أريد به وجه الله عزّ وجّل))[4] , فهذه الصحيحة تدل على نفي الصدقة وتدل على نفي العتق الا ان تكون لوجه الله ، فظاهر هذه الصحيحة ان قصد القربى معتبر في حقيقة الصدقة وان كان الامر ليس كذلك باعتبار ان قصد القربى في الحقيقة ليس مقوم للصدقة كاعتبار قصد القربى في الصلاة والصيام والحج , فان قصد القربى مقوم للصلاة فان الصلاة بدون قصد القربى كلا صلاة وما نحن فيه ايضا كذلك فنفي الصدقة بدون ان تكون لله فليس معناه انه لا تكون صدقة بل معناه ان الصدقة بدون قصد القربى كلا صدقة لا اثر لها , ومنها صحيحة محمد ابن مسلم ايضا تدل بنفس هذه الدلالة , فان هاتان الصحيحتان تدلان بوضوح على ان المعتبر في الصدقة سواء كانت واجبة او كانت مستحبة هو قصد القربى والا فهي باطلة ولا تكون صدقة.

الوجه الثاني:- ان الزكاة من احد اركان فان اركان الاسلام خمسة ولا شبهة في اعتبار قصد القربى في الصلاة وفي الصيام وفي الحج , وبمناسبة الحكم والموضوع وقد ورد في بعض انه لا يقبل بعضها الا بقبول بعضها الاخر من ان الزكاة لا تقبل الا بقبول الصلاة او بقبول الصوم وبالعكس.

اذن يستفاد من هذه الروايات وايضا من جعل الزكاة من احد الخمس ان قصد القربى معتبر فيها كما يعتبر في الصلاة والصيام والحج.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص151، ط جماعة المدرسين.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص151، ط جماعة المدرسين.
[3] سورة التوبة، الاية60.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج19، ص210، ابواب الصدقات، الباب13، ح3، ط آل البيت (عليهم السلام).