آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- وقـت الاخـراج.

ذكرنا ان في المسالة طائفتين من الروايات:-

الطائفة الاولى:- تدل على ان المالك اذا اخرج الزكاة من ماله وعزلها فارسلها ثم تلفت في الطريق فلا ضمان عليه ، وهذه الروايات تدل بوضوح على عدم الضمان سواء أكان المستحق للزكاة موجودا في البلد ام لم يكن موجودا.

الطائفة الثانية:- تدل بوضوح على انه اذا كان المستحق موجودا في البلد ولم يدفع الزكاة اليه وارسلها الى بلد اخر وتلفت فعليه ضمانها ، فان لم يكن المستحق موجودا في البلد فارسلها وتلفت فلا ضمان عليه.

والكلام يقع في انه هل بين الطائفتين تعارض او لا تعارض بينهما؟

الجواب:- ان التعارض بينهما مبني على ان القضية الشرطية في الطائفة الاولى تدل على المفهوم فان الوارد في روايات الطائفة الاولى (اذا اخرجها المالك من ماله ثم تلفت فلا ضمان عليه) فهذه القضية قضية شرطية ومفهوما (اذا لم يخرجها المالك من ماله فتلفت فعليه ضمانها).

فان هذه القضية الشرطية تدل على ان الضمان وعدم الضمان معلق على اخراج الزكاة من ماله وعزلها من ماله ، فان كان التلف بعد الاخراج وبعد العزل فلا ضمان عليه وان كان التلف قبل الاخراج والعزل فعليه ضمانها.

ولكن قد يقال:- كما قيل ان القضية الشرطية في المقام لا مفهوم لها ، فان هذه القضية الشرطية وهي (اذا اخرجها المالك من ماله ثم تلفت فلا ضمان عليه) مسوقة لبيان تحقق موضوعها ولا مفهوم لها كقولنا (ان رزقت ولدا فاختنه) او (اذا طلعت الشمس فالنهار موجود) فان هذه القضية مسوقة لبيان موضوعها ، فان موضوع وجوب الختان هو وجود الولد ومع عدم وجود الولد ينتفي الحكم بانتفاء وجود موضوعه ، وانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه ليس من المفهوم في شيء فان المفهوم عبارة عن انتفاء الحكم عن الموضوع بانتفاء حالته التي يكون الحكم معلق عليه كقولنا (ان جاء زيد فاكرمه) او (ان جاءك عالم فاكرمه) فان موضوع الوجوب هو (العالم) والحكم وهو (الاكرام) معلق على حالته الخاصة وهو مجيئه فاذا جاء يجب عليك اكرامه واذا لم يجئ فلا وجوب ، فان انتفاء الوجوب عن الموضوع انما هو بانتفاء حالته.

اذن القضية الشرطية التي تدل على ثبوت المفهوم لها لابد ان يكون لها موضوع ولهذا الموضوع حالتان ، حالة ثبوت الوصف للموضوع وحالة عدم ثبوت الوصف له ، فمثلا العالم موضوع لوجوب الاكرام ولهذا العالم حالتان ، حالة المجيء وحالة عدم المجيء ووجوب الاكرام معلق على احدى حالتيه وهي حالة المجيء وبانتفاء هذه الحالة ينتفي هذا الحكم ، وحينئذ يقع الكلام بان القضية الشرطية تدل على المفهوم (أي تدل على انتفاء الحكم عن الموضوع بانتفاء حالته التي علق الحكم عليه او لا تدل على ذلك).

وما نحن فيه ايضا كذلك فان الموضوع هو الزكاة ولها حالتان حالة اخراجها وعزلها من النصاب وحالة عدم اخراجها من النصاب والحكم في المقام معلق على احدى حالتي الموضوع وهي حالة الاخراج والعزل , فعندئذ يقع الكلام في ان هذه القضية الشرطية هل تدل المفهوم أي تدل على انتفاء عدم الضمان بانتفاء هذه الحالة التي علق عدم الضمان عليها او لا تدل على ذلك؟

الجواب:- فاذا قلنا بان القضية الشرطية تدل على المفهوم فمفهومها في المقام هو (ثبوت الضمان اذا تلفت الزكاة قبل اخراجها وقبل عزلها).

وحينئذ تقع المعارضة بين الطائفة الاولى والطائفة الثانية ، فان الطائفة الثانية تدل على ان الضمان وعدم الضمان يدوران مدار وجود المستحق في البلد وعدم وجوده ، واما الطائفة الاولى فتدل على ان الضمان وعدم الضمان يدور مدار اخراج الزكاة من النصاب وعدم اخراجها.

اذن النسبة بينهما عموم من وجه ومادة الاجتماع بينهما (ما اذا كان المستحق موجودا في البلد وتلفت الزكاة بعد اخراج الزكاة من النصاب).

فان مقتضى الطائفة الاولى عدم الضمان ومقتضى الطائفة الثانية هو الضمان ، فتقع المعارضة بينهما وتسقطان من جهة المعارضة ، وحينئذ يكون المرجع هو اصالة البراءة عن الضمان ، هذا من ناحية.

ومن ناحية اخرى ان روايات الطائفة الاولى التي تنص على عدم الضمان مع العزل والاخراج بإطلاقها هل تشمل ما اذا كان تلف الزكاة بإفراط من المالك الذي هو امين والامين لا يضمن الا بالتفريط؟

الجواب:- الظاهر عدم الشمول ، فان هذه الطائفة منصرفة عن ذلك ، فان ضمان المالك اذا كان التلف بإفراطه ومستند اليه لا شبهة في ضمانه.

النتيجة ان التعارض بين الطائفة الاولى والطائفة الثانية موجود.

الا ان يقال ان التفصيل في الطائفة الثانية ليس بين وجود المستحق وعدم وجوده ، بل بين وجود المستحق الذي يجب على المالك دفع الزكاة اليه وعدم وجوده ، بحيث يكون دفع الزكاة اليه منجزا على المالك ، فان الوارد في هذه الروايات (اذا كان هناك موضعا للزكاة ولم تدفع اليه) وهذا معناه ان وظيفته دفع الزكاة اليه ، وحينئذ يكون ارسالها الى الخارج هو خلاف وظيفته ، فاذا تلفت والحال هذه يكون التلف مستندا الى تعدي المالك , فان هذا تعدي من المالك فمن اجل ذلك يكون ضامنا ، اذن هذا التفصيل في الحقيقة تفصيل بين ان يكون التلف مستندا الى افراط المالك وتعديه وبين ان لا يكون التلف مستندا الى افراطه وتعديه ، فاذا كان المستحق موجودا وكانت وظيفة المالك وجوب دفع الزكاة اليه وهو لم يعمل بوظيفته وقد ارسل الزكاة الى بلد اخر وتلفت فهذا نوع تفريط ، لان المالك لم يعمل بوظيفته فيكون الضمان على المالك وحينئذ يكون الضمان على القاعدة لا انه على خلاف القاعدة.

وحينئذ لا تعارض بين الطائفة الاولى وبين الطائفة الثانية , لان كلتا الطائفتين تدلان على ان الزكاة اذا تلفت وضاعت بدون تفريط المالك فلا ضمان في البين واما مع تفريط المالك فالضمان على المالك ويكون على القاعدة فلا يحتاج الى أي دليل.

النتيجة ان هذا التوجيه غير بعيد جدا باعتبار ان المتفاهم العرفي من هاتين الصحيحتين من الطائفة الثانية (اذا كان لها موضع ولم تدفع الزكاة اليه) فالمستفاد منه ان وظيفته دفع الزكاة اليه وارسالها الى بلد اخر خلاف وظيفته , وحينئذ اذا تلفت فهو نوع تفريط من المالك فيكون ضامنا , فالضمان يكون على القاعدة. اذن لا تعارض بين الطائفتين وكلتا الطائفتين تدل على عدم الضمان اذا لم يكن التلف مستندا الى المالك واذا كان التلف مستندا الى المالك فالضمان على المالك.

فان الطائفة الاولى منصرفة عن هذه الصورة اما الثانية فتدل على هذه الصورة بما اذا كان المستحق موجود وكانت وضيفة المالك دفع الزكاة اليه ولم يدفعها.