آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/04/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- وقـت الاخـراج.

الى هنا قد تبين ان مقتضى الجمع الدلالي العرفي بين روايات المسالة ان اخراج الزكاة من النصاب وعزلها ودفعها وتسليمها الى مستحقيها امر محبوب ومستحب وليس بواجب.

هذا كله مع وجود الروايات في المسلة ، واما مع قطع النظر عن الروايات وفرض انه لم تكن في المسالة أي رواية ، فما هو مقتضى القاعدة؟ فهل مقتضى القاعدة وجوب اخراج الزكاة وعزلها عن النصاب فورا وكذا جوب دفعها وتسليمها الى مستحقيها فورا او انه لا يجب الاخراج والعزل فورا ، وكذلك لا يجب الدفع والتسليم فورا؟

الجواب:- الظاهر ان مقتضى القاعدة وجوب الاخراج والعزل فورا وكذلك وجوب دفعها وتسليمها الى مستحقيها فورا وذلك بحكم العقل ، فان الامر بأداء الزكاة لا يدل على وجوب الفور وانما يدل على الوجوب فقط ، وعلى هذا فان كان الواجب موقتا وكان الوقت متسعا فحينئذ لا يجب امتثاله فورا وان كان الوقت مضيقا فيجب امتثاله فورا ، واما اذا لم يكن موقتا فهل يجب امتثاله فورا او لا يجب؟

الجواب:- الظاهر ان العقل يحكم بالوجوب لان العقل يدرك ان ذمة المكلف مشغولة بهذا الواجب وهو ثابت في عهدت المكلف ولابد له من الخروج عن عهدت هذا الواجب وافراغ ذمته عنه واما تأخير ذلك باختياره وعامدا وملتفتا فهو بنظر العقل لا يجوز لأنه اذا اخر امتثال هذا الواجب والخروج عن عهدته عامدا ملتفتا ثم مات فهو بنظر العقل غير معذور لأنه متمكن من اتيان هذا الواجب ومع ذلك ترك الاتيان به عامدا ملتفتا مع احتمال انه يموت فهذا الاحتمال في كل آن موجود فاذا مات ولم يأتي بهذا الواجب فهو غير معذور بنظر العقل.

النتيجة ان مقتضى القاعدة بحكم العقل هو وجوب اخراج الزكاة من النصاب وعزلها فورا ، وكذا دفعها الى مستحقيها فورا ولكن فورية عرفية لا العقلية. هذا كله بالنسبة الى الحكم التكليفي.

واما الحكم الوضعي فقد ذكر الماتن & : ((ولكن لو تلف بالتأخير مع إمكان الدفع يضمن))[1] .

ما ذكره الماتن + بإطلاقه لا يمكن اتمامه ، لما ذكرناه غير مرة من ان للمالك ولاية على اخراج الزكاة وتعيينها وصرفها على مستحقيها ، كما ان له ان يصرفها على مستحقيها في بلد الزكاة فله ان يصرفها على مستحقيها في بلد اخر ، ولا يضمن الا مع التعدي او التفريط فانه أمين والامين لا يضمن الا مع التعدي او التفريط ، وعلى هذا لو كان المستحق في البلد موجدا وأراد المالك ان ينقل الزكاة الى بلد اخر وصرفها على مستحقيها في ذلك البلد وتلفت في الطريق ولكن لا بتفريط منه فلا ضمان عليه ، فضلا عما اذا كان نقلها الى البلد الاخر راجحا من جهة ان مستحقيها افضل من مستحقي بلد الزكاة ، اذن يجوز للمالك تأخير دفع الزكاة لاحتمال وجود مستحق افضل او لأجل دفعها الى شخص معين وهذا الشخص يأتي بعد يوم او يومين او يعد اسبوع ، اذن الذي لا يجوز هو تفريطه بالزكاة اما تصرفه فيجوز باي نحو كان.

اذن ما ذكره الماتن & لا يمكن المساعدة عليه.

هذا كله بحسب مقتضى القاعدة ، واما بحسب الروايات ففي المقام طائفتين من الروايات:-

الطائفة الاولى:- تدل على عدم الضمان بإرسال الزكاة الى بلد اخر وتلفت في الطريق ، فهذه الطائفة تدل على عدم الضمان مطلقا سواء كان المستحق موجودا في البلد او لم يكن موجودا.

الطائفة الثانية:- تدل على ان المستحق اذا كان موجودا في البلد ولم يدفع الزكاة اليه وارسلها الى بلد اخر وتلفت فهو ضامن ، وان لم يكن المستحق موجودا في البلد وارسلها الى بلد اخر وتلفت فلا ضمان عليه. ونقرأ بعض هذه الروايات:-

روايات الطائفة الاولى:-

الرواية الاولى:- صحيحة أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ((قال : إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شيء عليه))[2] .

فان هذه الصحيحة تدل بوضوح على انه لا ضمان عليه سواء كان المستحق في البلد موجودا ام لم يكن موجودا ، اذن مقتضى اطلاقها عدم الضمان وان كان المستحق موجودا في البلد.

الرواية الثانية:- صحيحة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ((إنه قال : إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمها لأحد فقد برئ منها))[3] .

فان هذه الصحيحة تدل على انه اذا اخرج الزكاة من ماله وعزلها ولم يسمها لاحد وتلفت فلا ضمان عليه ، ومقتضى اطلاقها عدم الضمان وان كان المستحق موجودا في بلد الزكاة.

والفرق بين هذه الصحيحة وصحيحة ابي بصير انه في صحيحة ابي بصير بعد اخراج الزكاة وعزلها سماها لقوم اما في هذه الصحيحة فلم يسمها لاحد ، فعل كلا التقديرين ان الصحيحتان تدلان على عدم الضمان اذا تلفت ومقتضى اطلاقهما عدم الضمان حتى اذا كان المستحق موجودا في البلد.

الرواية الثالثة:- صحيحة بكير بن أعين ((قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يبعث بزكاته فتسرق أو تضيع ؟ قال : ليس عليه شيء))[4] .

فهذه الصحيحة تدل بوضوح على انه اذا ارسل زكاته الى مستحقيها في بلد اخر وتلفت او ضاعت فلا ضمان عليه ، ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين وجود المستحق في بلد الزكاة او عدم وجوده.

الرواية الرابعة:- صحيحة أبي بصير ((قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك ، الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض الى أرض فيقطع عليه الطريق ؟ فقال : قد أجزأته ، ولو كنت أنا لأعدتها))[5] .

هذه الصحيحة ايضا تدل على عدم الضمان ومقتضى اطلاقها عدم الضمان حتى اذا كان المستحق موجودا في البلد.

اذن هذه الطائفة من الروايات تدل بوضوح على عدم الضمان اذا تلفت الزكاة سواء كان المستحق في ابلد موجودا او لم يكن موجودا.

روايات الطائفة الثانية:-

الرواية الاولى:- صحيحة محمد ابن مسلم ((قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم ؟ فقال : إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن ـ إلى أن قال : ـ وكذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه اليه ، فإن لم يجد فليس عليه ضمان))[6] .

فان هذه الصحيحة تدل على التفصيل بين وجود المستحق في بلد الزكاة وعدم دفعها اليه وارسلها الى بلد اخر فتلفت فعليه ضمانها ، وبين عدم وجود المستحق في بلد الزكاة وارسلها فتلفت فلا ضمان عليه.

الرواية الثانية:- صحيحة زرارة ((قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت ؟ فقال : ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان ، قلت : فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت ، أيضمنها ؟ قال : لا ، ولكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها ))[7] .

فان هذه الصحيحة تدل على التفصيل بين وجود المستحق ولم يدفعها اليه وفسدت الزكاة فهو لها ضامن وبين عدم وجود المستحق فعندئذ اذا فسدت الزكاة فلا ضمان عليه.

وحينئذ يقال هل بين هذه الطائفة والطائفة الاولى تعارض او ليس بينهما تعارض؟

الجواب:- قد يقال ان النسبة بينهما عموما من وجه باعتبار:-

اولاً:- ان الطائفة الاولى تدل على عدم الضمان اذا اخرج الزكاة وعزلها ثم تلفت ، اذن المناط في الضمان وعدم الضمان هو اخراج الزكاة من النصاب وعزلها ، فان كان التلف بعد الاخراج فلا ضمان وان كان قبل الاخراج فعليه ضمانها.

ثانيا:- واما في الطائفة الثانية فالمناط وجود المستحق في البلد وعدم وجوده فان كان المستحق موجودا في البلد ولم يدفع الزكاة اليه وتلفت فعليه ضمانها وان ام يكن المستحق موجودا فتلفت فلا ضمان عليه.

بقيت الكلام تأتي ان شاء الله تعالى.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطبطبائي، ج4، ص148، ط جماعة المدرسين.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، الباب39، ح3، ص286، ط آل البيت (عليهم السلام).
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، الباب39، ح4، ص286، ط آل البيت (عليهم السلام).
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، الباب39، ح5، ص287، ط آل البيت (عليهم السلام).
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، الباب39، ح6، ص287، ط آل البيت (عليهم السلام).
[6] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، الباب36، ح1، ص346، ط آل البيت (عليهم السلام).
[7] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، الباب39، ح2، ص286، ط آل البيت (عليهم السلام).