آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اصناف المستحقين.

ذكرنا ان الماتن (قدس الله نفسه) قد فصل بين دفع الزكاة الى الفقير مرة واحدة وبين دفعها اليه تدريجيا ، فعلى الاول يجوز دفعها الى الفقير بأكثر من مؤونة سنته وعلى الثاني فلا يجوز.

الوجه في ذلك:- لعل هذا التفصيل مبني على ان المالك او الحاكم الشرعي اذا دفع الزكاة الى الفقير مرة واحدة اكثر من مؤونته فهل هو مالك للجميع او مالك لاحدهما غير المعين؟ أي هل هو مالك بمقدار مؤونته لا اكثر من ذلك او هو مالك للحصة من الزكاة التي هي بمقدار مؤونته غير المعين؟

الجواب عنه:- والجميع غير صحيح ، اما الاول وهو انه مالك للجميع فهو متعين ، وذلك لان ملكه لحصة معينة من هذه الزكاة التي اخذها وهي اكثر من مؤونته بان يملك حصة معينة منها دون حصة اخرى فهو ترجيح من غير مرجح فلا يجوز.

واما انه مالك لإحدى الحصتين على نحو عدم التعيين فهو ايضا لا يمكن لأنه ان كان المراد باحداهما المفهومين فلا واقع له في الخارج ولا وجود له في الخارج ، وان اريد باحداهما المصداق فهو داخل في الفرد المردد والفرد المردد في الخارج غير معقول ، فمن اجل ذلك يتعين ان يملك الجميع بعد ما كان لا يمكن ان يملك بمقدار مؤونة سنته لا تعيينا ولا ترديدا.

فهذا هو الفرق بين دفع الزكاة بأكثر من مؤونته الى الفقير مرة واحدة وبين دفع الزكاة اليه تدريجا فانه اذا دفع الزكاة اليه تدريجا فاذا وصل الى حد غناه فبعد ذلك لا يجوز دفع الزكاة اليه.

كان كلامنا في ان الاقوى انه لا حد لدفع الزكاة من حيث القلة وهنا مجموعة من الروايات وهي على طائفتين:-

الطائفة الاولى:- تدل على انه لا يجوز اعطاء الزكاة للفقير اقل من خمسة دراهم وعمدتها صحيحة ابي ولاد.

منها :- صحيحة أبي ولاد الحناط ، ((عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم ، وهو أقل ما فرض الله عزّ وجلّ من الزكاة في أموال المسلمين ، فلا تعطوا أحدا (من الزكاة) أقل من خمسة دراهم فصاعدا))[1] .

فان هذه الصحيحة تدل بوضوح على انه لا يجوز اعطاء الزكاة للفقير اقل من خمسة دراهم.

وهنا رواية اخرى وهي رواية معاوية ابن عمار وهي ضعيفة من ناحية السند ولا يمكن الاستدلال بها.

نعم لا باس بالتأييد بها ، اذن العمدة في هذه الطائفة هي صحيحة ابي ولاد.

الطائفة الثانية:- تدل على جواز اعطاء الفقير من الزكاة اقل من خمسة دراهم.

منها:- صحيحة محمد بن عبد الجبار إن بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن إسحاق إلى ((علي بن محمد العسكري (عليه السلام) : اعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة ؟ فكتب : افعل ، إن شاء الله تعالى))[2] .

فانه هذه الصحيحة واضحة الدلالة على انه يجوز اعطاء الزكاة باقل من خمسة دراهم ، أي يجوز اعطاء درهمين او ثلاثة دراهم.

ومنها:- صحيحة الحلبي ((عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : ما يعطى المصدق ؟ قال : ما يرى الامام ، ولا يقدر له شيء))[3] .

وهذه الصحيحة ايضا واضحة الدلالة على انه ليس للزكاة التي تدفع للفقير ليس لها حد خاص ، فأي مقدار يرى الامام فيجوز له دفعه حتى لو كان درهما او درهمين او اكثر فلا فرق.

وهنا روايات اخرى ايضا قد تقدم الكلام فيها وهذه الروايات ايضا تدل على جواز اعطاء الزكاة للفقير باقل من خمسة دراهم.

اذن يقع تعارض بين صحيحة ابي ولاد وبين هذه الطائفة فان صحيحة ابي ولاد تدل على عدم جواز اعطاء الفقير من الزكاة اقل من خمسة دراهم وهذه الروايات تدل على جواز اعطاء الزكاة للفقير باقل من خمسة دراهم.

ولكن حيث ان الطائفة الثانية ناصةٌ في الجواز وصحيحة ابي ولاد ظاهرة في عدم الجواز ، فالجمع العرفي الدلالي بينهما ممكن ، ولا يكون التعارض بينهما مستقرا ويسري الى السند فان الجمع العرفي الدلالي بينهما ممكن ، وهذا الجمع هو حمل الظاهر على النص فهو من احد موارد الجمع الدلالي العرفي فيحمل النهي في صحيحة ابي ولاد الظاهر في الحرمة على الكراهة بقرينة الطائفة الثانية التي تنص على الجواز.

النتيجة ان اعطاء الزكاة للفقير بمقدار خمسة دراهم وصاعدا مستحب ومحبوب ، واما عطاء الزكاة للفقير اقل من خمسة دراهم مكروه فهو جائز ولكنه مكروه.

ثم ان الكلام يقع في صحيحة ابي ولاد من جهة اخرى:-

الجهة الاولى:- ان الوارد في صحيحة ابي ولاد اعطاء الزكاة للفقير خمسة دراهم فهل هو مختص بزكاة الفضة او يشمل جميع اصناف الزكاة؟

الجواب:- الظاهر هو الثاني وان اعطاء خمسة دراهم مستحب لجميع اصناف الزكاة لا خصوص زكاة الفضة وذلك لان القرينة على ذلك موجودة في نفس الصحيحة فان الوارد في هذه الصحيحة (لا يعطى احد من الزكاة اقل من خمسة دراهم) فالتعبير بالزكاة لا بالدرهم وهو اقل ما فرض الله عز وجل من الزكاة في اوال المسلمين ، فهو لم يقل لا تعطوا احدا من الدراهم بل قال لا تعطوا احدا من الزكاة في اموال المسلمين ، اذن هو لم يقل لا تعطوا احدا من الفضة اقل من خمسة دراهم ، فهذه الصحيحة تدل على ان اعطاء خمسة دراهم لا يختص بزكاة الفضة بل يعم جميع اصناف الزكاة من زكاة الذهب فان زكاة الذهب نصف مثقال أي نصف دينار من عشرين دينار ونص الدينار يساوي خمسة دراهم في ذلك الزمان ، واما في زماننا فهو اكثر من ذلك ولكن المستحب هو اعطاء خمسة دراهم فما فوق اما اقل من ذلك فهو مكروه.

اذن يستحب اعطاء خمسة دراهم من الفضة او الذهب او الانعام الثلاثة فمثلا من اربعين شاة شاةٌ فان كان قيمة الشاة خمسة دراهم اعطى شاة وان كان اقل فلابد من تكميلها اذا عمل بالاستحباب واذا كانت اكثر فلابد من دفع الاكثر من خمسة دراهم الى مالك الزكاة أي للمالك ان يطالب الفقير بالزيادة وكذا في زكاة البقر عجيل فان عجيل طبعا قيمته اكثر من خمسة دراهم فعلى المالك ان يطالب برد الزيادة وكذا الحال في الابل ففي الخمسة ابل شاة.

النتيجة ان خمسة دراهم لا يختص بزكاة الفضة بل تعم جميع اصناف الزكاة.

الجهة الثانية:- هل تختص خمسة دراهم بالنصاب الاول اولا تختص؟

الجواب:- الظاهر انها لا تختص بالنصاب الاول فانه لا دليل على ذلك ولا اشارة في صحيحة ابي ولاد الى ذلك فان الوارد في الصحيحة (لا يعطى احد من الزكاة اثل من خمسة دراهم ....) اما ان اعطاء خمسة دراهم من النصاب الاول فهو لم يرد في شيء من الروايات حتى في روايات ضعيفة ولم يرد في صحيحة ابي ولاد فالصحيحة لا تدل على ذلك.

اذن لا وجه لما ذكره الماتن من الاحتياط ولا منشاء لهذا الاحتياط.

النتيجة يستحب ان يدفع للفقير خمسة دراهم من كل صنف من اصناف الزكاة سواء كان من النصاب الاول ام لم يكن فلا فرق من هذه الناحية.

هذا تمام كلامنا في هذه المسالة بقي هنا شيء نتكلم فيه ان شاء الله تعالى.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص257، ابواب المستحقين للزكاة، الباب23، ح2، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص257، ابواب المستحقين للزكاة، الباب23، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص211، ابواب المستحقين للزكاة، الباب1، ح4، ط آل البيت.