آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اصناف المستحقين.

بقي هنا شيء لا باس بالتنبيه عليه.

ذكرنا انه لا يمكن الالتزام بهاتين الصحيحتين وهما صحيحة عبيد ابن زرارة وصحيحة ايوب ابن الحر لانهما مخالفتان للقواعد المسلمة ، بل مخالفة للتعليل الموجود في نفس صحيحة عبيد ابن زرارة ، ومن اجل ذلك لا يمكن الالتزام بظاهرهما.

ومع الاغماض عن ذلك وتسليم امكان الاخذ بظاهرهما فيمكن الجمع بينهما بطريقين:-

الطريقة الاولى:- ان نسبة صحيحة عبيد ابن زرارة الى صحيحة ايوب ابن الحر نسبة المقيد الى المطلق والخاص الى العام ، فان صحيحة عبيد ابن زرارة قد اقتصرت على الفقراء فقط وتدل على ان ما تركه العبد المعتق ينتقل الى الفقراء ، واما صحيحة ايوب ابن الحر فتدل على ان ما تركه العبد المعتق ينتقل الى جميع الاصناف ، وتدل على ذلك بالإطلاق.

اذن النسبة بينمها عموم وخصوص مطلق ، وحيث ان الحكم فيهما واحد فان المطلق والمقيد كلاهما مثبت وحيث ان الحكم المجعول فيهما واحد وهو انتقال ما تركه العبد المعتق اما الى جميع الاصناف او الى الفقراء فقط فحينئذ لابد من حمل المطلق على المقيد والا لكان هذا التقييد لغوا.

نعم اذا كان المطلق والمقيد مثبتان وكان الحكم المجعول فيهما انحلاليا فلا يحمل المطلق على المقيد بل يحمل المقيد على افضل الافراد.

وفي المقام بما ان الحكم المجعول واحد اما انه مجعول على المطلق او على المقيد فلابد من حمل المطلق على المقيد.

الطريقة الثانية:- انه صحيحة عبيد ابن زرارة تدل على انتقال ما تركه العبد المعتق الى الفقراء وهذه الصحيحة بإطلاقها الناشئ من سوكت المولى في مقام البيان تدل على عدم انتقالها الى سائر اصناف الزكاة ، اذن بهذه الصحيحة[1] دلالتان.

الاولى:- دلالتها على ما تركه العبد المعتق ينتقل الى الفقراء.

الثانية:- دلالتها على انه لا ينتقل الى غير الفقراء من اصناف الزكاة ، وهذه الدلالة الثانية مستندة الى اطلاق كلام المولى الناشئ من السكوت وهو في مقام البيان والاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان ، هو من اضعف الاطلاقات ومن اضعف الدلالات ، ويقدم عليه كل دلالة في مقام المعارضة.

والمفروض ان صحيحة ايوب ابن الحر تدل بالدلالة اللفظية على انتقال الزكاة الى جميع الاصناف.

اذن لابد من رفع اليد عن اطلاق صحيحة عبيد ابن زرارة ونأخذ بصحيحة ايوب ابن الحر فإنها تدل على انتقال ما تركه العبد المعتق الى جميع اصناف الزكاة.

النتيجة ان ما تركه العبد المعتق ينتقل الى جميع الورثة لا الى الفقراء فقط.

والظاهر ان هذا الجمع هو الاقرب من الاول بنظر العرف.

ثم ذكر الماتن (قدس الله نفسه): ((الثامنة عشر: قد عرفت سابقا أنه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مؤنة السنة بل يجوز دفع ما يزيد على غناه إذا أعطي دفعة فلا حد لأكثر ما يدفع إليه، وإن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف، خصوصا في المحترف الذي لا تكفيه حرفته نعم لو أعطي تدريجا فبلغ مقدار مؤنة السنة حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق، والأقوى أنه لا حد لها في طرف القلة أيضا من غير فرق بين زكاة النقدين وغيرهما، ولكن الأحوط عدم النقصان عما في النصاب الأول من الفضة في الفضة وهو خمس دراهم، وعما في النصاب الأول من الذهب في الذهب وهو نصف دينار، بل الأحوط مراعاة مقدار ذلك في غير النقدين أيضا، وأحوط من ذلك مراعاة ما في أول النصاب من كل جنس، ففي الغنم والإبل لا يكون أقل من شاة، وفي البقر لا يكون أقل من تبيع، وهكذا في الغلات يعطى ما يجب في أول حد النصاب))[2] .

ذكر الماتن (قدس الله نفسه) في هذه المسالة مجموعة من الفروع يأتي الكلام فيها ان شاء الله.

أما ذكره اولاً من انه يجوز دفع الزكاة بأكثر من مؤونة سنة الفقير اذا كان دفعة واحدة فقد تقدم انه لا يمكن المساعدة عليه.

الوجه في ذلك:- ان المستفاد من الروايات انه لا يجوز دفع الزكاة الى الفقير بأكثر من مؤونته ، فاذا دفع اليه اكثر من مؤونة سنته فلا يملك الا بمقدار مؤونته ، فانه اذا ملك بمقدار مؤونته صار غنيا فاذا صار غنيا فلا يجوز له اخذ الزائد من الزكاة مما زاد على مؤونته ، ولابد حينئذ من رد الزائد الى الحاكم الشرعي او الى اصحاب الزكاة ، هذا هو المستفاد من الروايات.

ولا فرق بين ان يدفع اليه اكثر من مؤونة سنته دفعة واحدة او تدريجا ، فكما لا يجوز ان يدفع اليه اكثر من مؤونته تدريجا كذلك لا يجوز ان يدفع اليه اكثر من مؤونته دفعة واحدة.

اذن ما ذكره (قدس الله نفسه) من الفرق بينمها لا يمكن المساعدة عليه.

وأما ما ذكره (قدس الله نفسه) من ان الاقوى انه لا حد لها من حيث القلة فيجوز ان يدفع للفقير بمقدار درهم من الزكاة او درهمين او ثلاثة ن وكذلك الحال بالغلاة فيجوز ان يدفع الى الفقير بمقدار كيلوا من الحنطة او الشعير او التمر او الزبيب الا ان الأحواط ان يكون اقل من خمسة دراهم في زكاة الفضة او نصف مثقال في زكاة الذهب ، بل الأحواط ذلك في غير النقدين ايضا ففي زكاة الغنم لا يكون اقل من شاة وكذا في زكاة الابل وكذا في زكاة البقر لا يكون اقل من عجيل وهكذا.

وهذا هو المعروف والمشهور بين الاصحاب من انه لا يجوز ان يعطي الفقير اقل من خمسة دراهم في زكاة الفضة ونصف مثقال في زكاة الذهب وشاة في الغنم وفي زكاة الابل ، فهذا هو المعروف والمشهور بين الاصحاب ، ونسب الى جماعة من المتقدمين ، وتوجد هنا روايات احداهما تدل على انه يعطي الفقير بمقدار خمسة دراهم من زكاة الفضة او نصف مثقال ولا يجوز اقل من ذلك وفي مقابل ذلك روايات اخرى تدل على جواز ان يعطي الفقير اقل من ذلك بمقدار درهمين او ثلاثة ونذكر بعض هذه الروايات:-

الروايات التي تدل على عدم جواز اعطاء اقل من خمسة دراهم:-

منها :- صحيحة أبي ولاد الحناط ، ((عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم ، وهو أقل ما فرض الله عزّ وجلّ من الزكاة في أموال المسلمين ، فلا تعطوا أحدا (من الزكاة) أقل من خمسة دراهم فصاعدا))[3] .

فان هذه الصحيحة واضحة الدلالة وظاهرة في وجوب ذلك ، فهي ارشاد الى انه لا يجوز ان يدفع الزكاة باقل من خمسة دراهم ، فلابد ان يدفع اليه خمسة دراهم او اكثر.

الروايات التي تدل على جواز اعطاء اقل من خمسة دراهم:-

منها:- صحيحة محمد بن عبد الجبار إن بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن إسحاق إلى ((علي بن محمد العسكري (عليه السلام) : اعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة ؟ فكتب : افعل ، إن شاء الله تعالى))[4] .

فان هذه الصحيحة واضحة الدلالة على جواز ذلك.

وحيث ان هذه الصحيحة نصٌ في جواز دفع اقل من خمسة دراهم وصحيحة ابي ولاد ظاهرة في وجوب دفع خمسة دراهم فلابد من رفع اليد عن ظاهر الصحيحة بواسطة نص هذه الرواية.

وتوجد روايات اخرى نتكلم فيها ان شاء الله تعالى.


[1] - صحيحة عبيد ابن زرارة.
[2] - العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطبطبائي، ج4، ص145، ط جماعة المدرسين.
[3] - وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ابواب المستحقين للزكاة، الباب23، ح2، 257، ط آل البيت (عليهم السلام).
[4] - وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ابواب المستحقين للزكاة، الباب23، ح1، ص257، ط آل ابيت (عليهم السلام).