آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/03/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اصناف المستحقين.

ثم ذكر الماتن (قدس الله نفسه) : ((السابعة عشر: المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات ولا وارث له ورثه أرباب الزكاة دون الإمام (عليه السلام) ولكن الأحوط صرفه في الفقراء فقط))[1] .

يقع الكلام في هذه المسالة في مقامين:-

المقام الاول:- بحسب القاعدة فلا شبهة في ان هذا خلاف مقتضى القاعدة ، فان مقتضى القاعدة ان ما تركه الميت يرثه اقربائه طبقة بعد طبقة واذا انتهت جميع الطبقات يصل الى الامام (عليه السلام) في عصر الحضور والى الحاكم الشرعي في عصر الغيبة.

نعم ورد في الروايات ان ضامن الجريرة يرث اذا لم يكن له وارث ، وكذا المعتق وهو من اشترى عبدا بماله لا من اجل الكفارة ولا من اجل العهد ، بل اشتراه لله واعتقه ثم بعد الاعتاق صار العبد حرا واشتغل بالتكسب وصار عنده مال ثم مات فان كان له وارث يصل ما تركه الى وارثه وان لم يكن له وارث انتقل ما تركه الى المعتق ، فاذا كان عند الميت زوجة فالزوجة تأخذ اعلى نصيبها وهو الربع والباقي يصل الى المعتق.

فهذا كله خرج بالروايات وبالنصوص والا فمقتضى القاعدة ان الارث يصل الى الاقرباء طبقة بعد طبقة والزوج والزوجة شريك في جميع الطبقات من الاولى الى الطبقة الرابعة وهو الامام (عليه السلام) في زمن الحضور والحاكم الشرعي في زمن الغيبة.

واما اذا اشترى عبدا من الزكاة ثم اعتقه وصار حرا وقام بالتكسب وحصل على اموال ثم مات ولم يكن له وارث فان انتقال ورثه الى الفقراء بحاجة الى دليل.

ان قلت:- لماذا لا نتعدى من مورد رواية المعتق الى المقام.

قلت:- لا يمكن التعدي وذلك لان:-

اولاً:- ان الحكم على خلاف مقتضى القاعدة فلابد من الاقتصار على مورده ولا يتعدى الا مع وجود قرينة.

ثانياً:- الفرق بينهما فان في مورد العتق اشترى العبد بماله الخاص وهو المشتري فقد اشترى لله لا لأجل الكفارة ولا لأجل النذر او العهد او ما شاكل ذلك ، واما في المقام فقد اشترى عبدا بزكاته لا بماله فمن هذه الناحية يختلف ، والمفروض ان المشتري ليس مالك للزكاة فان مالك الزكاة هو طبيعي الفقراء والمفروض ان الفقير لم يشتري العبد بحصته ، بل المالك اشترى عبدا بزكاته والزكاة ليست ملكا له ، اذن انتقال هذا المال الى الفقراء بحاجة الى دليل ولا يمكن التعدي من مورد روايات العتق الى المقام للفرق بينهما.

ثالثاً:- مضافا الى ان شراء العبد بزكاته ليس من حصة الفقراء فان الزكاة بحسب الآية المباركة تقسم الى ثمانية حصص لثمانية اصناف وحصة كل صنف تتعين بالصرف او بالقبض وعليه فان حصة الفقير تتعين بالقبض وحصة العامل تتعين بالقبض واما حصة الرقاب فانها تتعين بالصرف ، فاذا صرف الزكاة في شراء العبد فهي تصبح حصة له ، اذن الفقير ليس مالك للمال الذي اشتري به العبد بل هي من حصة الرقاب.

النتيجة ان مقتضى القاعدة عدم انتقال ما تركه الى الفقراء والى ارباب الزكاة.

المقام الثاني:- بحسب النص فقد ورد في المسالة نصان ، وكلا النصين يدل على انه اذا اشترى عبدا بالزكاة ثم اعتقه وصار حرا وقام بالتكسب وحصل على اموال فمات انتقل مل تركه الى الفقراء او الى اهل الزكاة وهذه الروايتين:-

الرواية الاولى:- صحيحة عن عبيد بن زرارة ((قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه ، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه ، هل يجوز ذلك ؟ قال : نعم ، لا بأس بذلك ، قلت : فإنه لما أن اعتق وصار حرا اتجر واحترف فأصاب مالا ثم مات وليس له وارث ، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث ؟ قال : يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة ، لأنه إنما اشتري بمالهم ))[2] .

فقد علل ذلك بانه اشترى ذلك بمال الفقراء فمن اجل ذلك انتقل ما تركه اليهم باعتبار ان الفقراء هم مالكون للزكاة التي اشترى العبد بها.

اذن هذه الصحيحة واضحة الدلالة ، والتعليل في ذيلها يدل على عموم الحكم بان كل من اشترى بماله عبدا واعتقه وصار حرا فقال بالتكسب وحصل على اموال فمات انتقل ما ترمه من الاموال الى المالك.

الرواية الثانية:- صحيحة أيوب بن الحر أخي أديم بن الحر ((قال : قلت لابي عبدالله ( عليه السلام ) : مملوك يعرف هذا الامر الذي نحن عليه ، أشتريه من الزكاة وأعتقه ؟ قال : فقال : اشتره وأعتقه ، قلت : فإن هو مات وترك مالا ؟ قال : فقال : ميراثه لاهل الزكاة لانه اشتري بسهمهم))[3] .

فان هذه الصحيحة تدل على ان ميراثه لأرباب الزكاة ولمالك الزكاة وهم الفقراء غاية الامر ان هذه الصحيحة اعم من الصحيحة الاولى ، لان هذه الصحيحة تدل على ان ما تركه لأهل الزكاة اما الصحيحة الاولى فتدل على ان ما تركه للفقراء واهل الزكاة اعم من الفقراء لان جميع الاصناف الثمانية اهل للزكاة ، فيكون بينهما عموم وخصوص مطلق وحينئذ يقال هل يمكن حمل العام على الخاص اولا يمكن؟

الجواب:- الظاهر ان المقام ليس من حمل المطلق على المقيد فان حمل على المقيد انما هو في موردين:-

المورد الاول:- فيما اذا كان كلاهما مثبتا وكان الحكم المجعول عليهما حكما واحدا كما اذا قال المولى (صلي) ثم قال (صلي عن طهور) فان وجوب الصلاة الموجه الى المكلف هو وجوب واحد مجعول في الشريعة المقدسة وهذا الوجوب اما متعلقه مطلق او متعلقه مقيد ففي مثل ذلك يحمل المطلق على المقيد ونقول ان متعلق الوجوب مقيد فان الصلاة مقيدة بالطهور.

المورد الثاني:- ما اذا كان المطلق والمقيد مختلفين ايجابا وسلبا كما اذا قال المولى (اكرم العلماء) ثم قال (لا تكرم الفساق منهم) ففي مثل ذلك يحمل المطلق على المقيد.

واما اذا كان كلاهما مثبتا والحكم فيهما انحلاليا كما اذا قال (اكرم العلماء) ثم قال (اكرم العلماء العدول) فان المطلق والمقيد كلاهما مثبتا والحكم المجعول في كليهما انحلاليا ففي مثل ذلك لا وجه لحما المطلق على المقيد ، بل يحمل المقيد على افضل الافراد ، وما نحن فيه كذلك فيحمل المطلق وهو ارباب الزكاة على افضل الافراد وهو الفقراء لا الى جميع الاصناف ، بمعنى ان الاولى ان يدفع ما تركه الى الفقراء لا الى جميع الاصناف.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطبطبائي، ج4، ص144، ط جماعة المدرسين.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج9 ابواب المستحقين للزكاة، الباب43، ح2، 292، ط آل البيت (عليهم السلام).
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج9 ابواب المستحقين للزكاة، الباب43، ح3، 292، ط آل البيت (عليهم السلام).