آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اصناف المستحقين.

بقي هنا امور في الفرع الثالث عشر.

الامر الاول:- ما ذكره الماتن (قدس الله نفسه) من ان مزرعته اذا كانت في بلد اخر لا في بلده وحاصلها بلغ حد النصاب فيجوز نقل الزكاة من بلد الزكاة الى بلد المالك ، فان هذا الفرض ليس موردا للروايات التي تدل على المنع ، فان مورد الروايات المانعة هو نقل الزكاة من بلد الزكاة والمالك معا الى بلد اخر ، واما نقل الزكاة من بلد الزكاة فقط الى بلد المالك فهو ليس موردا للروايات.

الامر الثاني:- وذكر الماتن (قدس الله نفسه) انه يجوز النقل مع الضمان اذا تلفت في الطريق.

الا ان الظاهر ان الجمع بين الامرين لا يمكن فانه اذا جاز للمالك نقل الزكاة من بلدها الى بلده فهذا الجواز له صور:-

اولاً:- ان يكون مستند الى ولاية المالك ، كما ذكرنا ان للمالك ولاية على اخراج الزكاة وتعيينها وصرفها في مواردها باي كيفية يرى فيها مصلحة والامر بيده ولا يحتاج الى اذن الحاكم الشرعي لان ولايته من هذه الجهة في عرض ولاية الحاكم الشرعي وحينئذ لا ضمان عليه الا بالتفريط فاذا تلفت في الطريق بدون تفريط فلا وجه للضمان لان يده يدٌ امنيه ويدُ الامين لا ضمان عليها الا بالتفريط.

ثانياً:- ان يكون نقل الزكاة بإذن الحاكم الشرعي الفقيه الجامع للشرائط فأيضا لا ضمان عليه اذا تلفت طالما لم يكن متساهلا في تلفها وطالما لم يكن مفرطا في تلفها لان نقلها انما هو بإذن الولي وهو الحاكم الشرعي.

ثالثاً:- اذا كان نقلها بإذن الشارع المقدس ودلت على ذلك الروايات أي دلت على جواز نقلها من بلدها الى بلد المالك وهو قد نقل الزكاة استنادا الى هذه الروايات فأيضا اذا تلفت لا ضمان عليه الا اذا كان تلفها بالتفريط والتعدي واما اذا لم يكن بالتفريط فلا ضمان عليه.

اذن ما ذكره الماتن (قدس الله نفسه) من جواز النقل مع الضمان لا وجه له ، فانه لا يمكن الجمع بين الامرين لأنه اذا جاز نقله فلا ضمان الا بالتفريط.

الامر الثالث:- اذا كان للمالك مزعتين مزرعة في بلده ومزرعة في بلد اخر ، كما لو كان بلده النجف الاشرف وكانت له مزرعة في النجف ومزرعة اخرى في البصرة ، وحاصل كلتا المزرعتين بلغ حد النصاب ، واما حاصل كلِ واحدةٍ منهما لم يبلغ حد النصاب ، او اذا كان عنده نخيل في بلده ونخيل في بلد اخر وحاصل كلِ النخيل بلغ حد النصاب ، فحينئذ هل يجوز له ان يعطي تمام الزكاة من حاصل مزرعته التي في البلد الاخر لا من حاصل مزرعته التي في بلده او يعطي تمام زكاة التمر من التمر الموجود في البلد الاخر لا من التمر الذي في بلده او يعطي تمام الزكاة من حاصل مزرعته التي في بلده او من حاصل نخيله الذي في بلده فهل يجوز ذلك؟

الجواب:- على القول بالجواز لا شبهة في ذلك ، واما على القول بحرمة النقل فهو مشكل ، لأننا ذكرنا ان معنى حرمة النقل هو حرمان المستحق من الزكاة في بلده ، وما نحن فيه كذلك فانه اذا دفع تمام الزكاة من حاصل البلد الاخر فمعناه انه قد قام بحرمان المستحق في بلده من مقدار الزكاة الموجود في بلده ، وكذا اذا دفع تمام الزكاة من حاصل مزرعته التي في بلده فانه معناه قد قام بحرمان المستحق الموجود في البلد الاخر من الزكاة التي في بلده ولهذا لا يجوز ذلك ايضا.

ثم ذكر الماتن (قدس الله نفسه) : ((الرابعة عشر: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامة برئت ذمة المالك وإن تلفت عنده بتفريط أو بدونه أو أعطى لغير المستحق اشتباها))[1] .

أي اذا قبض الفقيه الجامع للشرائط الزكاة فقد سقطت عن عهدة المالك سواء اقلنا بولاية المالك ام قلنا بعدم ولايته ، فعلى كلا التقديرين سقطت عن عهدته ، واذا تلفت عند الفقيه فلا ضمان على المالك.

ثم ذكر الماتن (قدس الله نفسه): ((الخامسة عشر: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن كانت أجرة الكيال والوزان على المالك لا من الزكاة))[2] .

ذكر الماتن (قدس الله نفسه) ان اجرت الكيل او الوزن على المالك لا على الزكاة وهذا الذي ذكره الماتن هو المشهور بين الاصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ، وقد يعلل ذلك بان الزكاة قد حدد مقدارها بالعشر ونصف العشر واذا كانت اجرة الكيل او الوزن على الزكاة فلازمه نقص الزكاة ونقص حق الفقراء ونقص حق المستحقين ، فمن اجل ذلك لا يجوز وتكون الاجرة على المالك لا على الزكاة.

والتحقيق في هذه المسالة:-

انه اذا قلنا بان للمالك ولاية على اخراج الزكاة وتعيينها وصرفها في مواردها باي كيفية أراد وشاء اذا وجد فيها مصلحة فالصحيح بمقتضى الروايات الكثيرة ان اجرة الكيل والوزن على الزكاة لا على المالك ، فان للمالك ولاية على التصرف في الزكاة وتعيين الزكاة واخراجها ونقلها فاذا كان هذا التعيين بحاجة الى الكيل او الوزن وكان الكيل والوزن يتوقف على الاجرة فاجرة ذلك على الزكاة فان هذا التصرف هو تصرف من شؤون الزكاة ، فالولي على الزكاة هو يتصرف في شؤون الزكاة.

وما قيل من انه لا ينقص من حصة الفقير او من حصة المستحق فهو لا وجه له لان من احد موارد دفع الزكاة هو العامل فان عامل الزكاة مستحق للزكاة وهو الجابي فاذا جمع الزكاة وجاء بها الى الامام (عليه السلام) او الى الحاكم الشرعي فهو يستحق مقدار من الزكاة ، وما نحن فيه ايضا كذلك فان الوزان عامل في تعيين الزكاة ، وكذا الكيال فاذا كان عاملا فهو يستحق الاجرة من الزكاة لا من مال المالك ، اذا هو لا يتصرف في مال المالك والمنفعة للمالك حتى يستحق الاجرة عليه ، بل هو قام بتعيين الزكاة واخراجها فحينئذ هو داخل في عامل الزكاة واذا كان داخلا في عامل الزكاة فهو يستحق الاجرة.

واما اذا لم يكن للمالك ولاية على اخراج الزكاة وتعيينها وصرفها فلابد من مراجعة الحاكم الشرعي في ذلك وحينئذ اذا قام المالك بإخراج الزكاة وتعيينها وكان الاخراج والتعيين يتوقف على الكيل او الوزن وكان الكيل او الوزن بحاجة الى مؤونة واجرة ، فحينئذ بطبيعة الحال تكون الاجرة على المالك لأنه تصرف ولم يكن له ولاية التصرف في الزكاة وحينئذ لا محالة تكون الاجرة على المالك لأنه آجر الكيال او الوزان لإخراج الزكاة وتعيينها وهذه الاجارة غير صحيحة فتكون ذمته مشغولة بأجرة الكيال او الوزان.

النتيجة انه لابد من التفصيل في المقام فان كان للمالك ولاية وكان تصرفه في الزكاة من باب الولاية فلا تكون اجرة الكيال او الوزان على المالك بل على الزكاة لأنه عامل في الزكاة وان لم تكن للمالك ولاية ومع ذلك قام بالتصرف فيه فحينئذ اجرة الكيال او الوزان على المالك دون الزكاة.

وكذا ليس على المالك اجرة بل على الزكاة اذا كان تصرف المالك بإذن الفقيه الجامع وامر الفقيه بإجار الكيال او الوزان لإخراج الزكاة وتعيينها.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص144، ط جماعة المدرسين.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص144، ط جماعة المدرسين.