آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/02/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اصناف المستحقين.

ذكرنا ان صحيحة محمد بن مسلم مطلقة وتدل على عدم الضمان اذا لم يوجد مستحق في البلد ولا سائر مصارف الزكاة ، فاذا لم يوجد مستحق في البلد ولا سائر اصناف الزكاة فعندئذ اذا ارسلها الى بلد اخر وتلفت فلا ضمان عليه ، واما اذا وجد مستحق او صنف اخر من اصناف الزكاة ولم يدفع زكاته اليه وارسلها الى بلد اخر وتلفت فهو ضامن .

واما صحيحة زرارة فهي خاصة وتدل على التفصيل بين وجود المستحق في البلد وعدم وجوده ولم تتعرض لسائر اصناف الزكاة لا نفيا ولا اثباتا ، فان كان المستحق موجودا ولم يدفع المالك زكاته اليه وارسلها الى بلد اخر وتلفت فعليه الضمان ، واما اذا كان المستحق غير موجود ولكن يوجد صنف اخر من اصناف الزكاة وارسلها الى بلد اخر وتلفت فلا ضمان عليه.

ولكن هل يمكن تخصيص المجموعة الثانية من الروايات التي تنص على عدم الضمان مطلقا سواء أكان المستحق موجودا في البلد ام لا ، وسواء اكانت سائر اصناف الزكاة موجودة ام لا ؟

فهل يمكن تخصيص عموم هذه الروايات ـ أي المجموعة الثانية التي تنص على عدم الضمان مطلقا ـ بصحيحة محمد بن مسلم او لا يمكن؟

الجواب :- مقتضى القاعدة ان صحيحة محمد بن مسلم حيث انها اخص من هذه المجموعة لان الصحيحة تدل على التفصيل بين وجود المستحق ووجود صنف اخر من اصناف الزكاة وبين عدم وجوده ، فنسبة الصحيحة الى تلك المجموعة من الروايات نسبة الخاص الى العام والمقيد الى المطلق.

ولكن مع ان نسبة الصحيحة الى هذه المجموعة هي نسبة الخاص الى العام فانه لا يمكن هذا التخصيص والتقييد فان تخصيص المجموعة الثانية التي تنص على عدم الضمان مطلقا بما اذا لم يوجد في البلد مستحق ولا سائر اصناف الزكاة تخصيص بالفرد النادر ، اذ فرض بلد لا يوجد فيه فقير ولا سائر اصناف الزكاة ــ لا ابن السبيل ولا سبيل الله ولا الرقاب وما شاكل ذلك ــ هو نادر ، ولا سيما مثل سبيل الله فان تعمير المسجد داخل في سبيل الله وانشاء الطرق والجسور والمدارس الدينية والحسينيات كل ذلك داخل في سبيل الله ، اذن فرض بلد لا يوجد فيه فقير ولا سائر اصناف الزكاة - لو كان - فهو نادر جدا.

اذن لا يمكن تخصيص المجموعة الثانية من الروايات التي تنص على عدم الضمان بهذه بالصورة فانه تخصيص بالفرد النادر وهو مستهجن .

وحينئذ تقع المعارضة بين صحيحة محمد بن مسلم وبين هذه المجموعة كما هو الحال في جميع الموارد كما اذا ورد في الدليل (يستحب اكرام العلماء) وورد في دليل اخر (يجب اكرام العلماء العدول) وورد في دليل ثالث (يحرم اكرام العلماء الفساق) فلا يمكن تخصيص العام بكلا المخصصين لان لازم ذلك الغاء العام ، فلا محالة تقع المعارضة بين العام والمخصصين ، ولابد من الرجوع الى مرجحات باب المعارضة ان كانت ، وكذلك اذا فرضنا ان المولى يقول (يستحب اكرم علماء البلد) وبعد ذلك يقول (يجب اكرام عدولهم) وفرضنا العالم الفاسق في البلد نادر لان اكثر علماء البلد هم عدول فهذا تخصيص بالفرد النادر وهو مستهجن.

اذن بطبيعة الحال تقع المعارضة بين استحباب اكرام العلماء وبين وجوب اكرام العلماء العدول فلا بد من الرجوع الى مرجحات باب المعارضة ، وما نحن فيه كذلك .

فإذن تقع المعارضة بين صحيحة محمد بن مسلم وبين المجموعة الثانية من الروايات التي تنص على عدم الضمان مطلقا ، ولابد حينئذ من الرجوع الى مرجحات باب المعارضة من موافقة الكتاب او مخالفة العام ، واذا لم يكن مرجح في البين لاحدهما على الاخرى فنرجع الى صحيحة زرارة ، فإنها تكون مرجعا بعد سقوط صحيحة محمد بن مسلم والمجموعة الثانية بالتعارض وعدم شمول دليل الحجية لهما معا ، فالمرجع هو صحيحة زرارة فإنها تدل على ان المستحق اذا كان موجودا في البلد ولم يدفع المالك زكاته اليه وارسلها الى بلد اخر وتلفت فعليه الضمان واما اذا لم يكن المستحق موجودا وإن كان صنف اخر من اصناف الزكاة موجودا وارسل زكاته الى بلد اخر وتلفت فلا ضمان عليه.

فإذن تكون صحيحة زرارة مرجعا بعد سقوط المجموعة الثانية من الروايات التي تنص على عدم الضمان مطلقا وصحيحة محمد بن مسلم بالتعارض.

ثم ان الضمان الوارد في هذه الصحيحتين ـ محمد بن مسلم و زرارة ـ هل هو على القاعدة او لا ؟ فان المالك لا يضمن الا بتفريطه وتقصيره لأنه امين والامين لا يضمن الا بالتفريط او التقصير ، فاذا فرضنا ان المستحق في البلد موجود والمالك يعلم به ولكن لم يدفع زكاته اليه وارسلها الى بلد اخر وتلفت فهل ضمانه في هذا الفرض بالتفريط ، هل يصدق عليه انه قصر وفرط او لا؟

الجواب:- فيه تفصيل:

ذكرنا سابقا ان مقتضى الروايات ثبوت ولاية المالك على صرف الزكاة باي كيفية اراد وشاء ، وعلى هذا فيجوز للمالك نقل الزكاة من بلده الى بلد اخر وإن كان المستحق في بلده موجودا ، نعم اذا كان صرف الزكاة على المستحقين في بلده اولى وارجح ومع ذلك هو لم يصرف زكاته عليهم وارسلها الى بلد اخر وتلفت فلا يبعد صدق التفريط عليه والتقصير ، فهو نحو من التفريط والتقصير وهو ضامن فيكون ضمانه حينئذ على القاعدة.

واما اذا لم يكن في صرف زكاته على المستحقين في البلد رجحان ، ولا فرق بين صرفها على المستحقين في البلد او المستحقين في بلد اخر ، ولكن المالك اراد صرفها على المستحقين في بلد اخر وتلفت في الطريق فلا ضمان عليه بمقتضى ولايته ولا يصدق عليه التقصير ولا التفريط فلا ضمان عليه فهو غير ضامن ، ولكن مقتضى هذه الصحيحة هو الضمان.

فإذن لابد من الالتزام بالصحيحة على خلاف القاعدة ، فان مقتضى القاعدة حيث انه لم يصدق عليه عنوان التفريط والتقصير فلا ضمان على المالك ، ولكن مقتضى اطلاق هذه الصحيحة هو الضمان فان الوارد في الصحيحة ـ أي صحيحة زرارة ـ (اذا كان المستحق في البلد موجدا ولم يدفع زكاته اليه وارسلها الى بلد اخر وتلفت فعليه الضمان) فان اطلاق[1] هذه الصحيحة يشمل هذه الصورة ايضا.

فإذن مقتضى القاعدة عدم الضمان ولكن مقتضى صحيحة زرارة هو الضمان.

نعم اذا كان نقل الزكاة الى بلد اخر ارجح فان فقراء ذلك البلد احوج من فقراء هذا البلد او ان الزكاة تصرف على العلماء في هذا البلد من جهة فقرهم وهو ارجح من توزيع الزكاة على فقراء بلده ، ففي مثل ذلك لا ضمان وإن كان مقتضى اطلاق صحيحة زرارة ايضا الضمان فان اطلاق[2] الصحيحة يشمل هذه الصورة.

النتيجة:- ان مقتضى اطلاق صحيحة زرارة اذا وجد مستحق في البلد والمالك يعلم به ولم يدفع زكاته اليه ونقلها الى بلد اخر وتلفت فعليه الضمان سواء أكان في نقله رجحان او لا وسواء كان في صرفه الزكاة على المستحقين في بلده رجحان او لا ، فعلى جميع التقادير الصحيحة تدل على الضمان انه ضامن.

نعم اذا نقل المالك زكاته الى بلد اخر ولم يكن مطلعا على وجود الفقير في البلد وبعد ارسال الزكاة علم بوجد الفقير في البلد فهذه الصورة غير مشمولة لصحيحة زرارة ولا ضمان عليه لأنه لا يصدق عليه عنوان التفريط والتقصير والصحيحة غير شاملة لهذه الصورة ، ثم انه لا فرق في ذلك بين البلد القريب او البعيد نتكلم فيه في الدرس القادم ان شاء الله .

 


[1] أي سواء كان صرف الزكاة على المستحق في البلد فيه رجحان او لا.
[2] أي سواء كان نقل الزكاة الى البلد الاخر فيه رجحان او لا.