آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اصناف المستحقين.

كان كلامنا فيما اذا نقل الزكاة من بلده الى بلد آخر ، فهل يجوز ذلك او لا يجوز؟ او ان فيه تفصيل؟ وهل على الناقل ضمان اذا تلف في اثناء الطريق او لا ضمان عليه؟

الجواب:- توجد اقوال في المسالة ، ويقع الكلام في امور:-

الامر الاول:- اذا لم يوجد مستحق في بلد الزكاة وحينئذ لا شبهة في جواز نقلها الى بلد آخر وصرفها على مستحقيها. وهذا له قسمان:-

القسم الاول:- ان يكون وجود المستحق محتملا بعد شهر او اكثر او وجود مصرف آخر للزكاة محتمل كابن السبيل او بناء مسجد.

القسم الثاني:- ان لا يكون هذا الاحتمال موجودا و لا يكون وجود المستحق مرجو في المستقبل.

اما الكلام في القسم الاول فيقع في مقامين:-

المقام الاول:- ويقع الكلام في ما هو مقتضى القاعدة.

المقام الثاني:- في ما هو مقتضى النصوص في المقام.

اما المقام الاول:- فهل يجوز للمالك بمقتضى ولايته على اخراج الزكاة من النصاب وتعيينها وصرفها في مواردها ، فهل له ولاية على صرفها على أي مستحق اراد وشاء ، سواء كان في بلده او كان في بلد آخر؟ وسواء كان المستحق في بلده موجودا او لا؟ فهل مثل هذه الولاية ثابتة للمالك او لا؟

الجواب:- ان مقتضى اطلاقات الروايات التي تقدمت واشرت الى جملة منها هو انها تدل على ولاية المالك على اخراج من النصاب وتعيينها وصرفها في مواردها من دون الرجوع الى الحاكم الشرعي ، وهذه الروايات مطلقة ومقتضى اطلاقها ان له الولاية على الصرف على كل مستحق اراد وشاء سواء أكان في بلده او كان في غير بلده ، إذ لا دليل على تقييد اطلاق هذه الروايات بما اذا لم يكن المستحق موجودا في بلده.

اذن اطلاق الروايات محكم وحجة ولابد من الاخذ به ولا دليل على التقييد.

وكذا احتمال وجود مستحق في البلد بعد شهر او احتمال وجود مصرف آخر في البلد بعد شهر او اقل فانه لا يمكن تقييد اطلاق تلك الروايات بذلك.

اذن كما لا يمكن تقييد اطلاق الروايات بما اذا لم يكن المستحق موجودا في البلد كذلك لا يمكن تقييد اطلاقها بما اذا كان وجود المستحق مرجوا او وجود مصرف آخر للزكاة مرجوا.

نعم قد ورد في بعض الروايات الصحيحة ان المالك قد ارسل زكاته لتقسم على مستحقيها فتلفت فهل عليه ضمان لو لا؟ فقال (عليه السلام) اذا وجد موضعا لها ولم يصرفها فيه فهو لها ضامن وان لم يجد لها مصرفا فلا ضمان عليه. فان هذه الصحيحة تدل على التقييد ، فان وجود الضمان كاشف عن انه لا ولاية له على نقل الزكاة الى بلد آخر مع وجود المستحق إذ لو كانت له ولاية لم يضمن اذا تلفت الزكاة في الطريق لأنه ينقل الزكاة بمقتضى ولايته ويد الولي يدٌ امينةٌ ولا ضمان على الامين إلا مع التفريط او التقصير.

اذن هذا التفصيل في هذه الصحيحة يدل على انه لا ولاية له على نقل الزكاة اذا كان المستحق موجودا في بلده ، اما مع عدم وجود المستحق في بلده فيجوز له نقل الزكاة.

النتيجة ان مقتضى اطلاق الروايات التي تدل على ثبوت ولاية المالك على صرف الزكاة على مستحقيها في بلده او في بلد آخر والتقييد بحاجة الى دليل ، وسوف يأتي الكلام في هذه الصحيحة وانها هل تدل على التقييد او لا تدل؟

واما المقام الثاني:- الروايات مختلفة فبعضها يدل على انه اذا لم يجد مستحقا في بلده جاز نقلها الى بلد آخر وصرف الزكاة على مستحقيها في ذلك البلد ، وبعضها يدل على جواز النقل مطلقا سواء كان المستحق موجودا في بلده او لم يكن موجودا في بلده ، وبعضها يدل على التفصيل فيجوز نقل بعض الزكاة الى بلد آخر وصرف البعض الاخر على المستحقين في بلده. ونذكر بعض هذه الروايات:-

الرواية الاولى:- صحيحة هشام ابن الحكم عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ((في الرجل يعطي الزكاة يقسمها ، أله أن يخرج الشيء منها من البلدة التي هو بها إلى غيرها ؟ فقال : لا باس))[1] .

فان هذه الصحيحة تدل على التفصيل وهو جواز ان يصرف بعض الزكاة في بلده والبعض الاخر يجوز له ان ينقله الى بلدة اخرى.

ولكن هذه الرواية لا تدل على وجوب هذا التقسيم ، فاذا جاز نقل بعض الزكاة الى بلد آخر وصرفها على مستحقيها في ذلك البلد مع وجود المستحق في بلده جاز نقل الجميع ، فلا موجب لجواز نقل البعض دون الكل مع وجود المستحق ، لأنه مع وجود المستحق اذا لم يجز نقل الزكاة لم يجز النقل مطلقا واذا جازَ جازَ مطلقا ، اذن هذا التفصيل غير واجب غاية الامر هو راجح.

الرواية الثانية:- صحيحة دروست بن أبي منصور قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) ((في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده ، قال : لا بأس يبعث بالثلث أو الربع))[2] .

فان الامام (عليه السلام) قال: لا باس بنقل الزكاة ، ولكنه ينقل الثلث او الربع ، وهذه الصحيحة ايضا لا تدل على الوجوب ، إذ لا خصوصية للثلث او الربع ، وكذا هذا التخيير بين الثلث والربع ايضا يدل على عدم الوجوب ، اذن هذه الصحيحة تدل على جواز نقل الزكاة الى بلد اخر مع وجود المستحق في بلده فهي تدل على جواز النقل مع عدم وجود المستحق بطريق اولى.

الرواية الثالثة:- صحيحة يعقوب بن شعيب الحداد ، عن العبد الصالح (عليه السلام) ((قال : قلت له : الرجل منا يكون في أرض منقطعة ، كيف يصنع بزكاة ماله ؟ قال : يضعها في إخوانه وأهل ولايته ، قلت : فإن لم يحضره منهم فيها أحد ؟ قال : يبعث بها إليهم ، قلت : فإن لم يجد من يحملها إليهم ؟ قال : يدفعها إلى من لا ينصب ، قلت : فغيرهم ؟ قال : ما لغيرهم إلا الحجر))[3] .

فهذه الصحيحة تدل على جواز البعث والنقل فيما اذا لم يكن المستحق موجودا في البلد.

الرواية الرابعة:- صحيحة أحمد بن حمزة قال : سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) ((عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها في إخوانه ، فهل يجوز ذلك ؟ قال : نعم))[4] .

فان هذه الصحيحة تدل على جواز نقل الزكاة من بلده الى بلد آخر مع وجود المستحق في البلد مطلقا فان مقتضى اطلاق هذه الصحيحة جواز نقل الزكاة الى بلد آخر مع وجود المستحق في بلده.

وغير ذلك من الروايات التي يستفاد منها جواز نقل الزكاة الى بلد آخر مع وجود المستحق في بلده ، اذن دلالة هذه الروايات على جواز النقل تكون بطريق اولى.

اذن لا شبهة في جواز نقل الزكاة من بلده الى بلد آخر مع عدم وجود المستحق في بلده ولا وجود سائر مصارف الزكاة.

هذا هو القسم الاول وهو ما اذا كان وجود المستحق مرجوا بعد شهر او اكثر او وجود سائر المصارف مرجوا.

واما الكلام في القسم الثاني:- وهو ما اذا لم يكن وجود المستحق مرجوا في البلد ولا وجود سائر المصارف مرجو ايضا ففي هذا القسم ذكر الماتن (قدس الله نفسه) انه يجب نقل الزكاة الى بلد آخر يكون المستحق موجودا فيه.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص282، ابواب المستحقين للزكاة، الباب37، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص283، ابواب المستحقين للزكاة، الباب37، ح2، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص223، ابواب المستحقين للزكاة، الباب5، ح7، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص284، ابواب المستحقين للزكاة، الباب37، ح4، ط آل البيت.