آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/01/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اصناف المستحقين.

لا شبهة في مشروعية الوصية فقد ثبت ذلك بالكتاب والسنة ، فالوصية بالثلث أمر مشروع ، وأنَّ للمالك انْ يوصي في ثلث ماله وصرفه في ما أراد من الامور الخيرية او الواجبات كصرفه في فراغ ذمته من الصلاة او الصوم اذا كانت مشغولة.

كما لا شبهة في وجوب الوصية بتفريغ ذمته اذا كانت ذمته مشغولة بالصلاة او الصوم او الكفارة او ما شاكل ذلك من الامور التي لا تفرغ ذمته بالموت كما هو مقتضى الروايات من ان ذمة الميت تبقى مشغولة بعد الموت ، ولهذا تجب عليه الوصية بتفريغ ذمته من الصلاة والصيام والكفارة وما شاكل ذلك.

واما الحج فبما انه يخرج من اصل التركة فيجب على الورثة إخراجه من أصل التركة ، ومقدار مصارف الحج لا تدخل في ملك الوارث ولا تنتقل إليه وعندئذ الوصية مشروعة ولا شبهة في مشروعيتها.

واما الوصية في المقام وهي الوصية بإخراج الزكاة من تركته او بإخراج الخمس من تركته كما اذا كانت امواله متعلقة للزكاة او متعلق للخمس فحينئذ ذكر الماتن (قدس الله نفسه) وجوب الوصية ، والظاهر من الماتن ان هذا الوجوب على القاعدة ، وكذا ذكر السيد الاستاذ (قدس الله نفسه) في تعليقه على العروة الوثقى بان هذه الوصية على القاعدة ولابد له من الإيصاء باي طريق يمكن اخراج الزكاة من ماله سواء كان بالإيصاء او التوكيل.

ولكن شمول أدلة الوصية لهذه الوصية مشكلٌ ، وإتمام أنَّ هذه الوصية على مقتضى القاعدة بحاجة الى عناية زائدة.

الوجه في ذلك:- ان الزكاة ملك للفقراء وليس ملكا للموصي وكذا الخمس ملك للإمام (عليه السلام) والسادة وليس ملكا للموصي والتركة تنتقل بعد الموت الى الورثة فالوصية حينئذ تتعلق بإخراج مال الغير من مال شخص آخر ومثل هذه الوصية غير مشمولة لأدلة الوصية فهذه الوصية لا ترتبط بالموصي لان الوصية انما هي نافذة في مال الموصي بما عليه من الديون العرفية او الشرعية او بما عليه من الواجبات.

واما الوصية بإخراج مال الغير من مال شخص آخر فان هذه الوصية ليست مشمولة لأدلة الوصية.

اذن اثبات وجوب هذه الوصية وصحتها بحاجة الى دليل خاص ، ولا يمكن الحكم بصحة هذه الوصية بانها على القاعدة ومشمولة لمقتضى اطلاقات الوصية من الكتاب والسنة.

ولكن تدل على صحة هذه الوصية جملة من الروايات يمكن ان يستفاد منها صحة هذه الوصية.

الرواية الاولى:- صحيحة علي بن يقطين قال : قلت لابي الحسن الأول (عليه السلام) : ((رجل مات وعليه زكاة وأوصى أن تقضى عنه الزكاة ، وولده محاويج إن دفعوها أضر ذلك بهم ضررا شديدا ؟ فقال : يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم ، ويخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم))[1] .

فان هذه الصحيحة تدل على صحة هذه الوصية ، غاية الامر ان هذه الصحيحة تدل على ان ولده محتاج فاذا اخرج الزكاة من التركة فسوف يقع في ضرر شديد ولكن الامام (عليه السلام) اجاز اعطاء الزكاة للولد لأنه من الفقراء ثم ذكر انه يعطي مقدار منها لغير الورثة.

وهذا الذيل وهو (ويخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم) هو امر استحبابي لا وجوبي فان الرواية في مقام الارشاد لا في مقام بيان الحكم التكليفي.

اذن هذه الصحيحة تدل على صحة هذه الوصية مع ان الزكاة ملك للفقراء والتركة ملك للورثة.

الرواية الثانية:- صحيحة ابي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ((لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول ، وقال : إذا كان لرجل خمسمائة درهم وكان عياله كثيرا ، قال : ليس عليه زكاة ، ينفقها على عياله ، يزيدها في نفقتهم وفي كسوتهم وفي طعام لم يكونوا يطعمونه ، وإن لم يكن له عيال وكان وحده فليقسمها في قوم ليس بهم بأس أعفاء عن المسألة لا يسألون أحدا شيئا ، وقال : لا تعطين قرابتك الزكاة كلها ، ولكن أعطهم بعضها واقسم بعضها في سائر المسلمين ، وقال : الزكاة تحل لصاحب الدار والخادم ومن كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال ، ويجعل زكاة الخمسمائة زيادة في نفقة عياله يوسع عليهم)[2] .

فان هذه الصحيحة تدل على صحة هذه الوصية ، وايضا تدل على اخراج الزكاة من التركة واعطاء بعض هذه الزكاة لأقربائه والبعض الاخر لسائر الفقراء وهذا ايضا في مقام الارشاد وليس في مقام الوجوب فان هذا التقسيم غير واجب كما تقدم سابقا.

الرواية الثالثة:- صحيحة عباد بن صهيب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ((في رجل فرط في اخراج زكاته في حياته ، فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما لزمه من الزكاة ثم أوصى أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له ، قال : فقال : جائز يخرج ذلك من جميع المال إنما هو بمنزلة الدين لو كان عليه ليس للورثة شيء حتى يؤدى ما أوصى به من الزكاة ، قيل له : فإن كان أوصى بحجة الإسلام ؟ قال : جائز يحج عنه من جميع المال).[3]

فهذه الصحيحة تدل على ان هذه الوصية جائزة وصحيحة وان كانت الزكاة ملك للفقراء والتركة ملك للورثة.

وتوجد روايات اخرى تدل على صحة هذه الوصية.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص244، ابواب المستحقين للزكاة، الباب14، ح5، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج9، ص244، ابواب المستحقين للزكاة، الباب14، ح6، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج19، ص357، ابواب المستحقين للزكاة، الباب40، ح1، ط آل البيت.