آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

36/12/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اصناف المستحقين.

ذكرنا سابقا ان تقسيم الزكاة على الاصناف الثمانية غير واجب , فيجوز دفع الزكاة الى صنفٍ واحد ولا يجب توزيعها وتقسيمها على جميع الاصناف , بل لا يجب توزيعها وتقسيمها على افراد صنف واحد , فيجوز اعطاء الزكاة لجماعة من هذا الصنف دون جماعة أخرى , بل يجوز اعطائها لفرد واحد من هذا الصنف دون افراد اخرى اذا كانت الزكاة قليلة ولم تكن ازيد من مؤونة فرد واحد فيجوز دفعها الى فرد واحد من الاصناف وقد دلت على ذلك روايات صريحة في ذلك.

ولا فرق بين ان يكون الفقير من اقرباء المزكي او يكون أجنبياً , بل في بعض الروايات أن دفع الزكاة الى الاقرباء أولى من دفعا الى الاجنبي , بل لا بأس ان يكون الفقير من أولاد المزكي ولكن بعد موت المزكي , لأنه ما دام حياً فان أولاده يكونون واجبي النفقة علية , ولا يجوز له صرف زكاته على واجبي النفقة , بل يجب علية ان يصرف عليهم من أمواله الشخصية , اما اذا مات فانه لا يجب عليه حينئذ ان ينفق على أولاده لأنه بالموت تنقطع هذه العلقة , اذن صحيحة علي ابن يقطين او صحيحة ابي خديجة وغيرها وان كانت ظاهرة في وجوب التقسيم وعدم إعطاء الزكاة كلها الى الاقرباء ولكن لا مانع من رفع اليد عن هذا الظهور بواسطة الروايات التي تنص على الجواز لقاعدة (حمل الظاهر على النص او على الاظهر) [1] الذي هو أحد موارد الجمع الدلالي العرفية.

اذن حال الاقرباء كحال سائر الفقراء , وحال أولاد الميت إذا كانوا فقراء كحال سائر الفقراء فلا إمتياز بينهم وبين سائر الفقراء.

ثم بعد ذلك ذكر الماتن (قدس سره):- (يجوز ان يعدل بالزكاة الى غير من حضره من الفقراء , خصوصا مع المرجحات وان كانوا مطالبين. نعم الافضل حينئذ الدفع اليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن , الا اذا زاحمه ما هو أرجح).[2]

هذا الذي ذكره الماتن من جواز العدول الى غير من حضر من الفقراء تامٌ , لان للمالك للزكاة ولاية على صرف الزكاة باي نحو شاء , فله ان يدفع زكاته الى من حضر من الفقراء وله ان يدفع زكاته الى من لم يحضر من الفقراء , بل قد يكون دفعها الى من لم يحضر من الفقراء ارجح باعتبار انهم أحوج الى الزكاة او توجد خصوصية أخرى موجودة فيهم ترجّح دفع الزكاة اليهم .

اذن هو مخير ولا يجب عليه دفعها الى من حضر.

ثم قال الماتن (قدس سره):- (لا اشكال في جواز نقل الزكاة من بلده الى غيره مع عدم وجود المستحق فيه).[3]

الكلام في هذه لمسالة يقد في مجموعة موارد:-

المورد الاول:- هو ما ذكره الماتن (قدس سره) وهو جواز نقل الزكاة الى بلد آخر مع عدم وجود المستحق في بلده , والمراد من عدم وجود المستحق ليس هو عدم وجود الفقير فقط بل المراد هو عدم وجود مصرف للزكاة من الاصناف الثمانية مطلقا , ففي مثل هذا المورد لا شبهة في جواز نقل الزكاة من بلده الى بلد آخر وصرفه على مستحقيه وهذا هو مقتضى ولاية مالك الزكاة على صرفها ويمكن الاستدلال على ذلك بعدة وجوه:-

الوجه الاول:- هو الاجماع والتسالم , ولكن ذكرنا غير مره انه لا يمكن الاعتماد على الاجماع لان الاجماع لا يكون حجة الا بتقرير الشارع وقبول الشارع , بان يكون هذا الاجماع ثابت في زمن الائمة (عليهم السلام) ووصل الينا يداً بيدٍ وطبقةٍ بعد طبقة , فهذا الاجماع هو الذي يكون حجة , ولكن لا طريق لنا الى ذلك . هذا مضافا الى ان الاجماع المدعى في لمقام ليس تعبدياً بل مدركه الروايات الموجودة في المسالة او ان هذا الاجماع مطابق للقاعدة فان مقتضى ولاية المالك هو جواز النقل اذا لم يكن في بلده مستحق للزكاة بل مقتضى ولايته هو جواز النقل الى بلد آخر حتى مع وجود المستحق فان الروايات التي تدل على ثبوت الولاية للمالك لم تقيد بوجوب الصرف في بلده مع وجود المستحق فيه فهي مطلقة ومقتضى اطلاقها جواز دفع الزكاة الى المستحق الذي في بلده او الى المستحق في بلد آخر.

إذن جواز النقل لا يحتاج الى أي دليل بل هو على مقتضى القاعدة , اما الاجماع فانه اما ان يكون مدركة هذه القاعدة او الروايات.

الوجه الثاني:- الروايات الكثيرة التي تدل على جواز النقل.

منها:- صحيحة ضريس (قال : سأل المدائني أبا جعفر ( عليه السلام ) قال : إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا ، ففي من نضعها ؟ فقال : في أهل ولايتك ، فقال : إني في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك ؟ فقال : ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم ولا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم غدا إلى أمرك لم يجيبوك وكان ـ والله ـ الذبح)[4] . فان هذه الصحيحة واضحة الدلالة على جواز النقل اذا لم يكن في بلده مستحق.

ومنها:- رواية إبراهيم الأوسي (عن الرضا (عليه السلام) قال : سمعت أبي يقول : كنت عند أبي يوما فأتاه رجل فقال : إني رجل من أهل الري ولي زكاة ، فإلى من أدفعها ؟ فقال : إلينا ، فقال : أليس الصدقة محرمة عليكم ؟ فقال : بلى ، إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها الينا ، فقال : إني لا أعرف لها أحدا ؟ قال : فانتظر بها سنة ، فقال : فإن لم اصب لها أحدا ؟ قال انتظر بها سنتين ، حتى بلغ أربع سنين ثم قال له : إن لم تصب لها أحدا فصرها صررا واطرحها في البحر فإن الله عزّ وجلّ حرم أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا)[5] .

فهذه الرواية مضافاً الى ضعفها سندا لأنها مرسلة فان محمد ابن جمهور والد الاوسي لم يوثق في كتب الرجال , واما من ناحية الدلالة فلا يمكن الالتزام بها إذ لا معنى لان يصبر ويعطل الزكاة الى اربع سنوات , فان هذا في نفسه أمر غير صحيح , مضاف الى ان عدم وجود مصرف للزكاة في البلد من المصارف الثمانية مثل بناء جسر او مدرسة او مستشفى أمر مستبعدٌ.

إذن هذه الرواية ضعيفة من ناحية السند ومن ناحية الدلالة فلا يمكن الاخذ بها.

ومنها:- صحيحة هشام ابن الحكم عن ابي عبد الله (عليه السلام) (في الرجل يعطي الزكاة يقسمها ، أله أن يخرج الشيء منها من البلدة التي هو بها إلى غيرها ؟ فقال : لا باس)[6] .

فان هذه الصحيحة واضحة الدلالة على جواز نقل الزكاة من بلد الزكاة الى بلد آخر.

ومنها:- صحيحة درست بن أبي منصور (قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده ، قال : لا بأس)[7] . ولكنه في هذه الصحيحة قال يبعث بالثلث او الربع الى بلد آخر لا بتمام الزكاة , والنتيجة ان هذه الصحيحة ايضا تدل على جواز النقل الى بلد آخر سواء أكان تمامها او ثلثها او ربعها.


[1] فقه الصادق، السيد محمد صادق الروحاني، ج20، ص423.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص142، ط جماعة المدرسین.
[3] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص142، ط جماعة المدرسین.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص222، ابواب المستحقين للزكاة، الباب5، ح3، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص223، ابواب المستحقين للزكاة، الباب5، ح8، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص228، ابواب المستحقين للزكاة، الباب37، ح1، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص283، ابواب المستحقين للزكاة، الباب37، ح2، ط آل البيت.