آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

36/12/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اصناف المستحقين.

ذكر الماتن (قدس سره):- (تجب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله , وكذا الخمس وسائر الحقوق الواجبة. ولو كان الوارث مستحقا جاز احتسابه عليه. ولكن يستحب دفع شيء منه الى غيره)[1] .

لا شبهة في وجوب ذلك , فاذا كان عليه دين من زكاة كما اذا تصرف في المال المتعلق للزكاة ببيع او اتلفه فتنتقل زكاته الى ذمته وتكون ذمته مشغول بالزكاة وهو دين شرعا للفقراء , وكذا الخمس اذا كان المال متعلق للخمس وقد تصرف فيه بالبيع او الهبة او الاتلاف فانه ينتقل خمسه الى ذمته فتكون ذمته مشغولة بالخمس فهو دين شرعي للإمام (عليه السلام) وللسادة , وحال الدين الشرعي كحال الدين العرفي كما اذا كان مديونا لزيد او عمر , ولهذا يجب عليه أداء دينه بنفسه فان لم يتمكن من ذلك فلابد من الوصاية او التوكيل او طريق آخر بحيث يمكن أداء الدين وفراغ ذمته فانه يجب عليه ذلك ووجوبه لا يحتاج الى أي دليل لأنه على القاعدة , وعلى هذا اذا كان الخمس او الزكاة دينا على المالك فنسبة الدين في مال المالك نسبة الكلي في المعين , وهذا لا يمنع من تصرف المالك في ماله فيجوز للمالك ان يتصرف في ماله الا بمقدار الدين فلا يجوز له التصرف فيه , سواء كان الدين شرعيا او عرفيا , فانه نسبة الدين الى مال المالك هو نسبة الكلي في المعين والكلي في المعين لا يمنع من التصرف الا بمقدار ينطبق عليه الكلي[2] ففي هذا المقدار لا يجوز له التصرف لأنه يوجب اتلاف الدين , ومن أجل ذلك لا يجوز التصرف.

ومن هنا قلنا ان في زكاة الغنم في الاربعين شاة تكون الزكاة هي شاة واحدة ونسبته الى النصاب مجموع نسبة الكلي في المعين فيجوز للمالك ان يتصرف في تسعة وثلاثين شاة الا شاة واحدة فلا يجوز له التصرف فيها باعتبار انها مصداق الكلي فلا يجوز التصرف فيها لأنه يوجب اتلاف الزكاة , وما نحن فيه كذلك.

واما اذا كانت الزكاة متعلقة بالعين ــ كما هو ظاهر الادلة ــ والخمس متعلق بالعين ــ كما هو ظاهر ادلة الخمس ــ وحينئذ اذا تعلقت الزكاة في ماله فالفقراء شركاء له في ماله والشركة بنحو الاشاعة وكسر المشاعة , وكذا الخمس فان الامام (عليه السلام) والسادة شريكان مع المالك بنحو الاشاعة وكسر المشاع , وعلى هذا فلا يجوز للمالك ان يتصرف في شيء من امواله التي تعلق بها الخمس او الزكاة لان كل جزء من اجزاء لمال مشترك بينه وبين الفقير او مشترك بينه وبين الامام (عليه السلام) والساده.

هذا هو الفرق بين ما اذا كانت الزكاة او الخمس متعلقة بالعين او في الذمة. هذا كله فيما اذا كان للميت تركة يمكن أداء الزكاة او الخمس من تركته.

وأما اذا لم يكن له تركة يمكن أداء الزكاة او الخمس او الدين العرفي منها فهل يجب عليه الوصية او لا؟

الجواب:- فيه تفصيل.

اولاً:- لو إحتمل انه لو اوصى يوجد متبرع يؤدي عنه دينه او زكاته او خمسه وجبت عليه الوصية بمقتضى قاعدة الاشتغال , وكذا اذا احتمل انه اذا وكّل شخصا بأداء خمسه او زكاته او دينه فانه يجب عليه التوكيل بمقتضى قاعدة الاشتغال.

ثانياً:- لو كان قاطعا انه لا أثر لهذه الوصية و لا أثر لهذا التوكيل فلا يجب عليه ذلك , ويؤكد ذلك بعض الروايات فانه قد ورد في الروايات انه يجوز ان يعطي زكاة الميت لورثته وهذا على الحكم على مقتضى القاعدة فان الورثة لا محالة يكون واجبي النفقة على الميت في زمان حياته , وفي زمن حياته لا يجوز له ان يصرف زكاته الى ورثته لانهم واجبي النفقة عليه.

واما اذا مات صاحب الزكاة فالورثة حينئذ ليس واجبي النفقة على الميت وحينئذ حال الورثة كحال الاجانب , فاذا كانوا من الفقراء فيجوز ان يدفع من زكاة الميت اليهم كسائر الفقراء فيمكن ان يدفع تمام زكاته اليهم ويمكن ان يدفع مقدار من الزكاة اليهم والمقدار الآخر للفقراء ولذا ورد في الروايات انه يعطي مقدار من الزكاة للورثة ومقدار آخر لسائر الفقراء ولكن هذا ليس بنحو اللزوم بل بنحو الاولوية والاستحباب , فاذا امكن التوزيع على الفقراء فهو اولى من اعطاء زكاته الى فقير واحد وقد دلت على ذلك:-

اولاً:- صحيحة علي بن يقطين (قال : قلت لابي الحسن الأول (عليه السلام) : رجل مات وعليه زكاة وأوصى أن تقضى عنه الزكاة ، وولده محاويج إن دفعوها أضر ذلك بهم ضررا شديدا ؟ فقال : يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم ، ويخرجون منها شيئا فيدفع إلى غيرهم)[3] . وقد ذهب جماعة الى ان ظاهر هذه الصحيحة هو ان اخراج الزكاة واجب وصرفها على ورثة الميت واجب واخراج مقدار من الزكاة وصرفه على غير الورثة ايضا واجب.

ولكن الظاهر ان الامر ليس كذلك فان الرواية على طبق القاعدة فان ورثة الميت بعد الموت اجنبي عن الميت , فهم ليسوا من واجبي النفقة على الميت فحالهم حال سائر الفقراء فيجوز صرف زكاة الميت على الفقراء سواء كان الفقراء من ورثته او من غيرهم.

وكذا التوزيع غير واجب فيجوز صرف الزكاة لفقير واحد غاية الامر ان التوزيع مستحب.

اذن هذه الرواية على مقتضى القاعدة وليست في مقام بيان الحكم الوجوبي بل في مقام بيان مقتضى القاعدة. ومما يؤكد ذلك الرواية التالية.

ثانياً:- صحيحة ابي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لا تعط من الزكاة أحدا ممن تعول ، وقال : إذا كان لرجل خمسمائة درهم وكان عياله كثيرا ، قال : ليس عليه زكاة ، ينفقها على عياله ، يزيدها في نفقتهم وفي كسوتهم وفي طعام لم يكونوا يطعمونه ، وإن لم يكن له عيال وكان وحده فليقسمها في قوم ليس بهم بأس أعفاء عن المسألة لا يسألون أحدا شيئا ، وقال : لا تعطين قرابتك الزكاة كلها ، ولكن أعطهم بعضها واقسم بعضها في سائر المسلمين ، وقال : الزكاة تحل لصاحب الدار والخادم ومن كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال ، ويجعل زكاة الخمسمائة زيادة في نفقة عياله يوسع عليهم)[4] .

فلا شبهة في ان المراد مها ليس الوجوب وحرمة اعطاء الزكاة كلها , فهو ناظر الى ان تقسيم الزكاة بين الفقراء اولى واحق من اعطاء الزكاة الى فقير واحد وهو مستحب.

اذن هذه الروايات وغيرها تدل على ان الحكم على القاعدة وليست في مقام بيان الوجوب اذ لا خصوصية للورثة حينئذ بعد ان لم يكونوا واجبي النفقة على الميت فحالهم حال سائر الفقراء.

 


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص141، ط جماعة المدرسین.
[2] مراده مقدار الدين.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص244، ابواب المستحقين للزكاة، الباب14، ح5، ط آل البیت.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص244، ابواب المستحقين للزكاة، الباب14، ح6، ط آل البیت.