آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

36/11/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- اصناف المستحقين.

الى هنا قد تبين أن الآية المباركة تدل على الاختصاص الملكي بالنسبة الى الاصناف الاربعة الاولى وعلى المصرفية في الاصناف الاربعة الاخيرة ، ولا مانع من الالتزام بذلك.

وتغيير السياق بالآية وتبديله لا يصلح ان يكون قرينة لرفع اليد عن ظهور الفقرات الاولى من الآيات وظهور كلمة (لا) في الاختصاص الملكي ، فانه لا يصلح ان يكون قرينة على ذلك.

وأما ما ذكره العامة من ان الآية تدل على بسط الزكاة على الاصناف الثمانية؟

فالجواب عنه:- ان الآية ليست في مقام بيان ذلك ، بل هي في مقام بيان اصناف المستحقين للزكاة فقط ، فهي تريد ان تقول هؤلاء الاصناف الثمانية مستحقين للزكاة ، وليست في مقام بيان ان توزيع الزكاة لابد ان يكون على الجميع او على بعضهم دون البعض الاخر او على افراد صنف واحد او على بعض افراد صنف دون البعض الاخر ، فالآية ليست في مقام بيان هذه الخصوصيات ، واثبات هذه الخصوصيات لابد ان يكون من الروايات ومن ادلة اخرى.

وأما ذكره بعض الاعاظم من وجوب مراعات جماعة من كل صنف او اقل الجمع من كل صنف ، بان يدفع الزكاة الى جماعة من كل صنف او الى اقل الجمع ــ وهو ثلاثة ــ من كل صنف؟

فالجواب عنه:- ان هذا الذي ذكروه ايضاً لا دليل عليه.

فان قيل:- انه يمكن الاستدلال على ذلك ، بان يقال ان كلمة (لا) داخلة على الجمع واقل الجمع ثلاثة ، اذن لابد من توزيع الزكاة على ثلاثة من كل صنف من الاصناف الثمانية؟

قلت:- فهذا الاستدلال غير صحيح لان كلمة (لا) اذا دخلت على الجمع تدل على الاستغراق للعموم الافرادي لا على الاستغراق بالنسبة الى اقل الجمع ، كما اذا قيل (اكرم العلماء) فانه يدل على الاستغراق في وجوب اكرام كل فرد من افراد العلماء لا وجوب اكرام كل ثلاثة ثلاثة من العلماء ، اذن هذا الاستدلال غير صحيح.

ويضاف الى ذلك:-

اولاً:- ما ذكرناه من جريان سيرة المتشرعة القطعية الجارية في زمن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) الى زمن امام العصر (عليه السلام) فان هذه السيرة جارية بين المتشرعة بدون أي ردع وهذه السيرة هي اعطاء الزكاة لبعض الاصناف دون بعض الاخر واعطاء الزكاة لبعضِ افرادِ صنف واحد دون جميع الافراد ، فان هذا أمر جرت عليه السيرة في زمن الائمة (عليهم السلام) بدون صدور أي ردع عن ذلك ، وهذا دليل على حجية هذه السيرة وجواز ذلك ، فلا يجب بسط الزكاة على جميع الاصناف وعلى جماعة كل صنف او على اقل الجمع من كل صنف.

ثانياً:- روايات الخاصة والعامة ،

فان روايات الخاصة ناصةٌ على عدم وجوب بسط الزكاة على جميع الاصناف وجواز اعطاء الزكاة لبعض الاصناف دون بعضها الاخر وجواز اعطاء الزكاة لبعض افراد صنف واحد دون جميع الافراد.

واما روايات العامة التي تدل على ذلك بعمومها واطلاقها.

اذن ما ذكره العامة من وجوب البسط لا يمكن المساعدة عليه اصلا.

النتيجة لا يجب بسط الزكاة على الاصناف الثمانية ولا يجب بسط الزكاة على افراد صنف واحد بل يجوز دفع الزكاة الى فرد واحد من الفقير او المسكين او غيره.

ثم ذكر الماتن في ذيل المسالة امرين:-

الاول:- ذكر (قدس الله نفسه):- (لكن يستحب البسط على الأصناف مع سعتها ووجودهم)[1] . استحباب البسط مع زيادة الزكاة ووجود الاصناف ، فاذا كانت الاصناف كلها موجودة والزكاة متوفرة فيستحب البسط على الجميع ما دام لم يكن هناك مرجح اخر في البين.

الثاني:- ذكر (قدس الله نفسه):- (بل يستحب مراعاة الجماعة التي أقلها ثلاثة في كل صنف منهم حتى ابن السبيل وسبيل الله، لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة أخرى مقتضية للتخصيص)[2] . استحباب البسط على جماعة من كل صنف او الى اقل الجمع من كل صنف طالما لم يكن هناك مرجح اخر يزاحم ذلك.

اما الاول فلا دليل عليه ، نعم يكون هو الاولى ، واما الثاني فقد استدل على ذلك ببعض الروايات:-

الاولى:- وهي عمدتها صحيحة زرارة (قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : وإن كان بالمصر غير واحد ؟ قال : فأعطهم إن قدرت جميعا)[3] .

فان هذه الصحيحة استدل بها على اعطاء الزكاة للجميع اذا كان متمكنا ولكنها لا تدل على اعطاء الزكاة الى جماعة من كل صنف كما ذكره الماتن (قدس الله نفسه) او الى اقل الجمع من كل صنف ، بل هذه الصحيحة تدل على ان البلد اذا كان الفقراء عشرة او عشرين او اقل او اكثر ان كنت متمكنا من دفع الزكاة الى الجميع فادفع الى الجميع لا الى جماعة منهم او الى ثلاثة منهم ، وظاهر الصحيحة الوجوب لا الاستحباب ، ولكن بقيت الروايات المتقدمة التي تدل على عدم الوجوب بالصراحة فنرفع اليد عن ظهور هذه الصحيحة في الوجوب ونحملها على الاستحباب.

ولكن هذه الصحيحة وان كانت تامة سندا ولكنها لا تدل على استحباب دفع الزكاة الى جماعة من كل صنف او الى اقل الجمع من كل صنف بل لا اشعار في الصحيحة الى ذلك فضلا عن الدلالة.

الثانية:- وهي مرسلة عن العبد الصالح (عليه السلام): (في حديث طويل ـ قال : والارضون التي اخذت عنوة ـ إلى أن قال : ـ فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو سُقي سيحا ، ونصف العشر مما سقي بالدوالي والنواضح فأخذه الوالي فوجهه في الجهة التي وجهها الله على ثمانية أسهم ، للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ، ثمانية أسهم ، يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق ولا تقتير ، فإن فضل من ذلك شيء رد إلي الوالي ، وإن نقص من ذلك شيء ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا ـ إلى أن قال ـ وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقسم صدقات البوادي في البوادي ، وصدقات أهل الحضر في أهل الحضر ، ولا يقسم بينهم بالسوية على ثمانية حتى يعطي أهل كل سهم ثمنا ، ولكن يقسمها على قدر من يحضره من أصناف الثمانية على قدر ما يقيم كل صنف منهم يقدر لسنته ، ليس في ذلك شيء موقوت ولا مسمى ولا مؤلف ، إنما يضع ذلك على قدر ما يرى وما يحضره حتى يسد فاقة كل قوم منهم ، وإن فضل من ذلك فضل عرضوا المال جملة إلى غيرهم)[4] .

وهذه الرواية ضعيفة من ناحية السند لأنها مرسلة فلا يمكن الاستدلال بها على المطلوب.

ومع الاغماض عن ذلك والتسليم بها فإنها تدل على ان ذلك وضيفة الولي لا وضيفة المالك والمزكي.

نعم قد يقال انه يمكن الاستدلال على اعتبار هذه الروايات بقاعدة التسامح في ادلة السنن وان مقتضى هذه القاعدة ان يكون مفاد هذه الروايات استحباب توزيع الزكاة على الثمانية؟

ولكن ذكرنا في محله ان هذه القاعدة لا تدل على استحباب العمل الذي بلغ عليه بل مفاد هذه الروايات هو الاحتياط فانه اذا وصل اليه رواية ضعيفة وعمل بها برجاء ادراك الواقع فانه يستحق الثواب.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ص140، ط جماعة المدرسين.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ص140، ط جماعة المدرسين.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص267، ابواب المستحقين للزكاة، الباب29، ح4، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص267، ابواب المستحقين للزكاة، الباب29، ح3، ط آل البيت.