آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

36/11/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أصناف المستحقين

ذكرنا أن للمالك ولاية على اخراج الزكاة وتعينيها وصرفها في مواردها وتدل على ذلك روايات[1] كثيرة تبلغ حد التواتر الاجمالي وهي ظاهرة في ثبوت الولاية في صرف الزكاة في مواضعها للمالك وتوزيعها على مستحقيها، وظاهر هذه الروايات أنها في مقام بيان الحكم الشرعي لا أن صرف المالك الزكاة في مواردها من جهة الأذن من الأمام(ع) فإنه لا يمكن حمل هذه الروايات على ذلك إذ هذا الحمل خلاف الظاهر وبحاجة الى قرينة ولا توجد مثل هذه القرينة لا في نفس هذه الروايات ولا من الخارج.

فإذن لا شبهة في أن هذه الروايات في مقام بيان الحكم الشرعي وأنها هذه الولاية ثابتة للمالك وله أن يصرف زكاته في مواردها ويوزعها على مستحقيها.

وفي مقابل هذه الروايات طائفتان من الروايات الأخرى:

الطائفة الأولى: تدل على انه لا ولاية للمالك وأن على المالك دفع الزكاة الى ولي الأمر المتمثل في الأمام المعصوم(ع) في زمن الحضور والفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة.

ولكن هذه الطائفة من الروايات التي تدل على ذلك بأجمعها ضعيفة من ناحية السند ولا يمكن الاستدلال بها على الحكم الشرعي لأنها مرسلات أو مرفوعات لا سند لها فلا يمكن الاعتماد ليها لاستنباط الحكم الشرعي، فمن أجل ذلك هذه الطائفة ساقطة عن الاعتبار ولا يمكن الاستدلال بها.

هذا مضافا إلى أنّا لو سلمنا أن هذه الروايات صحيحة وتامة من ناحية السند ولكن لا تنافي الروايات المتقدمة التي تدل على ولاية المالك في الصرف، غاية الأمر مقتضى الجمع بينهما ثبوت التخيير للمالك بين ان يصرف زكاته في مواضعها ويوزعها على مستحقيها وبين أن يدفعها الى ولي الأمر، فتكون النتيجة هي التخيير لا نفي ولاية المالك، كما أن الطائفة التي تدل على ولاية المالك لا تدل على نفي ولاية الأمام(ع) في زمن الحضور أو نائبه في زمن الغيبة، فمقتضى الجمع التخيير.

ولو فرضنا ان المالك يشك في أنه مخير أو يجب عليه تعيينا دفع الزكاة الى الأمام(ع) في زمن الحضور ونائبه في زمن الغيبة فيكون المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير، والمرجع فيه أصالة البراءة عن التعيين وتكون النتيجة هي التخيير أي أن المالك مخير بين أن يصرف زكاته في مواضعها ويوزعها على مستحقيها وبين أن يدفعها الى الأمام(ع) في زمن الحضور أو نائبه في زمن الغيبة.

الطائفة الثانية: الروايات التي تنص على اعطاء الزكاة إلى اهل الولاية (الشيعة)[2] ومفادها التحليل أي أن الأئمة(ع) قد حللوا زكاة الشيعة للشيعة ولأهل الولاية وعدم جواز دفعها الى غير أهل الولاية من الطوائف الأخرى وهذه الروايات في مقام التحليل لا في مقام بيان الحكم الشرعي.

وبعبارة أخرى أن حال هذه الروايات حال روايات التحليل في باب الخمس حيث أن الأئمة(ع) قد حللوا الخمس لأهل الخمس لمصلحة من المصالح العامة ولسان الروايات الواردة في باب الخمس كلسان الروايات الواردة في باب الزكاة.

ولكن الظاهر أن هذا المعنى غير صحيح جدا فإن لفظ التحليل لم يرد إلا في رواية واحدة وهي ضعيفة سندا فلا يمكن الاعتماد عليها ولم يرد لفظ التحليل في سائر الروايات، فإن الروايات الكثيرة تدل على اعطاء الزكاة ودفعها لأهل الولاية ولا يجوز دفعها لغير أهل الولاية، فهي ظاهرة في أن مصرف الزكاة ومستحقها هم أهل الولاية، حتى ورد أن من أبصر لا تجب عليه إعادة عباداته من صلاته وصيامه وحجه إذا كانت عباداته صحيحة على مذهبه ولكن تجب عليه اعادة الزكاة لأنه صرفها في غير موضعها إذ موضعها هم أهل الولاية فلا بد من الاعادة ولا شبهة في ان هذه الروايات روايات كثيرة تبلغ حد التواتر الاجمالي لا ان الأئمة(ع) قد حللوا الزكاة عليهم لأن الأمام إذا كان مبسوط اليد جاز له اعطاء الزكاة لغير أهل الولاية، فهذه الروايات لا تدل على جواز صرف الزكاة لغير أهل الولاية إذا كان الأمام مبسوط اليد، إذ لا إشعار فيها على ذلك فضلا عن الدلالة، بل هي ظاهرة في أن أهل الولاية مصرف الزكاة ولا بد من صرف الزكاة في أهل الولاية ولا يجوز صرفها على الطوائف الأخرى، ولهذا ذكر في الروايات لا يجوز اعطاء الزكاة للزيدية ولا للقائل بالتجسيم ولا للقائل بالجبر وما شاكل ذلك حيث أنهم ليسوا مصرفا للزكاة.

فالنتيجة أن الروايات التي تدل على ثبوت ولاية الصرف للمالك لا معارض لها فهذه الروايات واضحة الدلالة ومقتضى إطلاقها أن هذه الولاية ثابتة للمالك في زمن الحضور وفي زمن الغيبة أي مع وجود الأمام أو نائبه وهو الفقيه الجامع للشرائط ولا تتوقف على الأذن من الأمام(ع) أو من نائبه.

وقد يستدل على وجوب دفع الزكاة إلى ولي أمر المسلمين المتمثل بالنبي الأكرم(صلى الله عليه وأله) وبالأئمة الأطهار(ع) في زمن الحضور ونوابهم في زمن الغيبة بالآية المباركة ﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم [3] ، بتقريب أن وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع للملازمة بينهما إذ وجوب الأخذ على النبي(ص) يدل على أنه لا يجوز للمالك صرف الزكاة بيده إذ لو كان جائزا لم يجب على النبي(ص) الأخذ، فوجوب الأخذ معناه أنه لا يجوز للمالك صرف الزكاة في مواردها

فإذن الآية تدل بالمطابقة على وجوب الأخذ وبالالتزام على وجوب الدفع الى ولي أمر المسلمين.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص282، أبواب المستحقين للزكاة، باب36 و 37، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج9، ص221، ابواب المستحقين للزكاة، باب5، ط آل البيت.
[3] التوبة/السورة9، الآية103.