الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

36/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : كتاب الزكاة
ذكر الماتن قده : لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيا فإن كانت العين باقية ارتجاعها وكذا مع تلفها إذا كان القابض عالما بكونها زكاة وإن كان جاهلا بحرمتها للغني، بخلاف ما إذا كان جاهلا بكونها زكاة فإنه لا ضمان عليه[1]، ذكر في هذه المسألة عدة فروع :-
الفرع الاول : وهو فيما اذا كانت العين الزكوية باقية عند الغني فتارة يدفع العين الزكوية لغني باعتقاد انه فقير بعد افرازها وبعد تعينها وبعد ذلك دفع المفرز الى الغني باعتقاد انه فقير، واخرى يخرج الزكاة بنية انها زكاة وليس دفعها مسبوقا بالإفراز وبالتعين بل يدفعها الى الغني باعتقاده انه فقير
اما الفرض الاول فلا شبهة في انه يجب على الدافع والمالك ارجاع العين لان الواجب على المالك ايصال الزكاة الى مستحقيها وهو الفقير والمفروض انه لم يعطي الزكاة الى الفقير ولم يوصلها اليه بل وضعها تحت يد الغني ولهذا يجب عليه ارجاعها وايصالها الى مستحقيها، ففي هذا الفرض لا شبهة في وجوب ارجاع العين، واما في الفرض الثاني وهو اخراج الزكاة من المال المشترك بين المالك والفقير وغير مسبوق بالإفراز والعزل ما في الصورة الاولى المالك ينوي اخراج الزكاة من المال المشترك ويدفع المشترك الى الغني باعتقاد انه فقير ففي هذا الفرض هل يجب عليه ارجاعها من يد الغني وارسالها الى الفقير او لا يجب ؟ فيه قولان
فذهب جماعة منهم المحقق الهمداني قده انه لا يجب ارجاعها لان الزكاة لم تتعين بالإخراج بدون سبق الافراز والعزل بمجرد اخراج الزكاة من المال المشترك لم يتعين المخرج للزكاة ولم يتصف بالوصف العنواني وهو عنوان الزكاة فهو مخير بين ارجاعه وعدم ارجاعه لانه ماله .
ولكن هذا القول لا يمكن المساعدة عليه والوجه في ذلك واضح فان ولاية الزكاة للمالك هل له اخراج الزكاة وعزلها كل ذلك بيد المالك فاذا نوى المالك اخراج الزكاة بنفس الاخراج يتعين الزكاة في المخرج فلا يلزم ان يكون الاخراج مسبوقا بالإفراز ومسبوقا بالعزل اذا لا تتعين الزكاة بالإفراز والعزل، انما بنفس الاخراج تتعين الزكاة في المخرج وهو يتصف بوصف الزكاة وهذا مما لا شبهة فيه فانه اذا نوى اخراج الزكاة من المال المشترك فالمخرج زكاة وليس ماله فالمدفوع زكاة والمخرج زكاة قبل قبض الفقير لا ان وصف الزكاة يعرض عليه بعد القبض فانه غير معقول فان المدفوع اذا لم يكن متصفا بعنوان الزكاة قبل القبض ومن حين الاخراج فلا يعقل اتصافه بالزكاة بعد القبض فانه لا مبرر له ولا موجب لهذا الاتصاف
وعلى هذا فلا فرق بين ان يكون افراز الزكاة وعزلها قبل الدفع او مقرانا للدفع فلا فرق من هذه الناحية، فانه اذا نوى اخراج الزكاة من المال المشترك فبمجرد الاخراج يتعين المخرج بالزكاة ويدفع الى الفقير، فما ذكره المحقق الهمداني قده وغيره لا يمكن المساعدة عليه والصحيح ما ذكره السيد الاستاذ قده على ما جاء في تقرير بحثه .
الفرع الثاني : وهو ما اذا تلفت العين الزكوية عند الغني ولا شبهة في ان المالك لا يضمن اذا عمل بوظيفته يعني اذا دفع الزكاة الى الغني باعتقاد انه فقير بدون تقصر ولا تفريط بان فحص عن الفقير بالمقدار المتعارف وحص له الوثوق والاطمئنان بانه فقير ودفع الزكاة اليه ثم تبين انه غني وتلفت بيده فلا يمن لان يده يد امانه الا اذا كان عن تقصير بالفحص وتساهل في الفحص فهو ضامن لان الامين يضمن مع التفريط والتقصير
ولا فرق في ذلك بين ان يكون القابض عالما بان ما عنده زكاة وان كان جاهلا بحرمة الزكاة على الغني لكنه عالم بان هذه العين الموجودة عنده زكاة او يكون جاهلا بذلك ولا شبهة في ان القابض ضامن للعين الزكوية اذا كان عالما بانها زكاة بمقتضى قاعدة اليد فان يده يد ضمان، والجهل بحرمة الزكاة على الغني لا يمنع عن الضمان والجهل عن قصور يمنع عن الاثم والعقاب ولا يمنع من الضمان وليس له الرجوع الى المالك بقاعدة الغرور لان هذه القاعدة لا تشمل المقام، فمن اجل ذلك اذا علم انها زكاة فليس له ان يرجع الى المالك فهو ضامن للمثل او القيمة، الا انه في صورة الجهل له ان يرجع الى المالك واعطائه الضمان منه لقاعدة الغرور فان المغرور يرجع الى من غره واما المالك فانه اذا لم يقصر فلا يضمن، ولكن ذكر السيد الاستاذ قده مضافا الى ذلك فان يده يد امانه فان المالك امين وهو لا يضمن الا بالتقصير والتفريط واذا لم يقصر ولم يفرط فلا يضمن .
وذكر وجها اخر لذلك وهو ان ما ذكرناه لحد الان من ان الفقير مالك للزكاة مبني على المسامحة ولا دليل على ان الفقير مالك للزكاة وما ورد في الروايات من الله تبارك وتعالى اشرك الفقراء في اموال الاغنياء فهو ضرب من المسامحة لا انهما شركاء حقيقتا والفقير ليس مالك بل هو مصرف للزكاة والزكاة ضريبة مجعولة من قبل الله تعالى في اموال الاغنياء كالضرائب المجعوله من قبل السلطان وحكام الجور، فاذا صرف مالك الزكاة على الفقير ولم يكن مقصرا في هذا الصرف فهو ليس بضامن لانه صرف مال الزكاة في مصرفه فبطبيعة الحال لا يكون ضامنا اذا لم يكن مقصرا
وهذا الوجه المذكور في تقرير بحثه غريب جدا اذ لا شبهة في ان الفقير مالك والروايات الكثيرة الواردة في زكاة الغلاة العشر ونصف العشر ظاهرة في ان الفقير شريك مع المالك في عشر المال او نصف العشر وان المال مشترك بنحو الاشاعة ونفس الآية المباركة تدل على ذلك (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين)[2] فان اختلاف النفقات في الروايات يدل على ان الفقراء مالك للزكاة وليس مصرف والرقاب مصرف للزكاة والغارمين مصرف ولهذا تغير سياق الآية المباركة وفي الرقاب والغارمين فنفس الآية تدل على الملك وما ذكره قده في تقرير بحثه لا يمكن المساعدة عليه .


[1] العروة الوثقى، اليزدي، ج4، ص107، ط ج.
[2] قران، سورة التوبة، اية60.