الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

35/06/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : كتاب الزكاة  - فصل في زكاة النقدين
ذكرنا اذا كان هناك طائفتان من الروايات وكانت النسبة بينهما عموما من وجه كالمثال الذي ذكره السيد الاستاذ قدس سره قد ورد في الروايات (كل طائر يطير بجناحيه فبوله وخرئه طاهر) وفي مقابل ذل قد ورد في الروايات (اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه) فالتعارض بين هاتين الطائفتين من الروايات في العموم من وجه ومورد الالتقاء الطائر الغير مأكول اللحم فان مقتضى اطلاق الطائفة الاولى بوله طاهر ومقتضى الطائفة الثانية ان بوله نجس فتقع المعارضة بينهما، وقد جمع بينهما السيد الاستاذ قدس سره بتقديم اطلاق الطائفة الاولى على اطلاق الثانية اذ لو قدمنا اطلاق الطائفة الثانية على الاولى لزم الغاء عنوان الطير فلا خصوصية للطير بل العبرة انما هي بغير المأكول ولهذا لابد من تقديم اطلاق الطائفة الاولى على الثانية فان هذا التقديم يوجب تقيد اطلاق موضوع الثانية بغير الطائر موضوعه يقيد بغير الطير هكذا ذكره قدس سره في هذا المثال وما شاكله
ولكن ذكرنا ان الوجه الفني لهذا التقديم شيء اخر هو ان للطائفة الاولى ظهورين احدهما ظهور الطائر في موضوعية هذا العنوان وهذا الظهور عرفي ولا يتوقف على أي مقدمة خارجية فاذا سمع الانسان هذا اللفظ يتبادر في ذهنه هذا المعنى فظهور هذا اللفظ في موضوعية هذا العنوان ظهور عرفي ولا يتوقف على أي مقدمة، والظهور الاخر ظهور اطلاقي وبإطلاقه يشمل مأكول اللحم وغير مأكول اللحم والظهور الاولى حيث انه عرفي فهو اقوى من الظهور الاطلاقي المستند الى مقدمات الحكمة، واما الطائفة الثانية فلها ظهور واحد وهو الظهور الاطلاقي المستند الى مقدمات الحكمة وحيث ان هذا الظهور العرفي اقوى واظهر من الظهور الاطلاقي فيقدم عليه بملاك تقديم الاظهر على الظاهر والاقوى على الضعيف الذي هو من احد موارد الجمع الدلالي العرفي فترتفع المعارضة بينهما ولا موضع للمعارضة بين الاطلاقين، ونظير ذلك ما ورد في الروايات ان الماء القليل ينفعل بالملاقاة ومقتضى اطلاق هذه الطائفة من الروايات انه لا فرق بين ان يكون الماء القليل من الماء الراكد او الجاري فهو يشمل بإطلاقه كلا القسمين، وهنا طائفة اخرى في مقابل ذلك وهي ما دلت على ان الماء الجاري معتصم ولا ينفعل بالملاقاة ولهذه الطائفة ظهوران احدهما ظهور الماء الجاري في موضوعية هذا العنوان فان هذا اللفظ ظاهر في موضوعية هذا العنوان والاخر هو الظهور الاطلاقي بإطلاقه يشمل الماء الجاري الكثير والقليل، ففي مثل هذه الموارد ايضا يقدم الظهور العرفي على الظهور الاطلاقي فان الظهور العرفي اقوى واظهر من الظهور المستند الى مقدمات الحكمة فاذاً لابد من تقديمه عليه من باب تقديم الاظهر على الظاهر الذي هو من احد موارد الجمع الدلالي العرفي فيقيد الطائفة الاولى بغير الماء الجاري فهو لا ينفعل بالملاقاة وان كان قليل وبهذا ترتفع المعارضة بين الاطلاقين وهذه المسألة سيالة في جميع الموارد .
بقي هنا شيء وهو ما ورد في الروايات انه اذا جعل الدرهم او الدينار حلي او اشترى به دارا او ارضا فرارا عن الزكاة فقد ورد في الروايات انه لا زكاة عليه، فان هذا التبديل يوجب انتفاء الزكاة بانتفاء موضوعها سواء كان التبديل للحاجة اليه او كان التبديل بقصد الفرار من الزكاة ولكن في مقابل هذه الروايات روايات اخرى ان التبديل اذا كان بقصد الفرار فلا يوجب سقوط الزكاة منها صحيحة عمر ابن يزيد قال قلت لابي عبد الله عليه السلام رجل فر بماله من الزكاة واشترى به ارضا او دارا اعليه فيه شيء فقال : لا، ولو جعله حلي فلا شيء عليه) فهذه الصحيحة تدل على انه اذا تبد بشيء اخر اثناء الحول سقطت عنه الزكاة بسقوط موضوعها ولكن هنا رواية اخرى تدل على وجوب الزكاة وهي صحيحة محمد ابن مسلم قال سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الحلي فيه زكاة قال : الا ما فر به من الزكاة) فان هذه الصحيحة استثنت اذا كان التبديل بقصد الفرار فعليه زكاة ولا تسقط زكاته فهذه الصحيحة معارضة مع الصحيحة الاولى فان مقتضى الاولى سقوط الزكاة مقتضى الثانية عدم سقوط الزكاة ولا يمكن الجمع الدلالي العرفي بينهما لان ادلة الزكاة ليست مت محضة في الحكم التكليفي بل هي بصدد بيان الحكم الوضعي وتعلق الزكاة بالمال واشتراك الفقراء مع اصحاب المال، ومعنى ان فيه زكاة يعني ان فيه حق الفقراء والزكاة لا تسقط عنه فالتعارض بينهما ثابت ولا يمكن الجمع الدلالي العرفي بينهما لكن هناك رواية اخرى وهي شاهدة على الجمع بينهما وهي صحيحة زرارة قال قلت لابي عبد الله عليه السلام ان اباك قال من فر بها من الزكاة فعليه ان يؤديها فقال : صدق ابي ان عليه ان يؤدي ما وجب عليه وما لم يجب عليه فلا شيء عليه) فان هذه الصحيحة تدل على التفصيل بين ما اذا كانت الزكاة واجبة وهو بعد الحول وفيما اذا لم تكن الزكاة واجبة وهو قبل الحول والزكاة انما تتعلق بالمال بعد الحول اما في اثناء الحول فلا زكاة وبذلك يجمع بين الرواية الاولى والثانية وهنا رواية اخرى وهي صحيحة معاوية ابن عمار عن ابي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل يجعل لأهلي الحلي الى ان قال قلت له فانه فر به من الزكاة فقال : ان كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة واذا كان انما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة) وهذه الصحيحة فرقت بينهما اذا كان جعل الحلي بقصد الفرار من الزكاة فهي تسقط عنه اما اذا كان بقصد الزينة فلا زكاة فيه فهل يمكن الجمع بينهما بحمل كلتا الجملتين على ما بعد الحول او لا يمكن ؟