الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

35/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : كتاب الزكاة  - فصل في زكاة الانعام الثالث – الشروط – الحول
(مسألة 10) : إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شيء فإن كان لا بتفريط من المالك لم يضمن، [1]كما اذا تلف من الشياه او من البقر او من الابل في اثناء الحول قبل دخول الشهر الثاني عشر فلا شبهة في سقوط الزكاة وبطلان الحول، وكذلك اذا نقص النصاب باختيار المالك كما اذا باع او وهب قبل دخول الشهر الثاني عشر فلا شبهة في سقوط الزكاة وبطلان الحول، واما اذا باع فرار من الزكاة لا بداعي اخر او وهب بداعي الفرار او عمل فيه علم بداعي الفرار من الزكاة كما اذا جعل الدرهم او الدينار حلي فهل يوجب سقوط الزكاة او لا يوجب فيه قولان
المعروف والمشهور بين الاصحاب انه يوجب سقوط الزكاة وان كان بيع النصاب فرار عن الزكاة او الهبة او عمل اخر كذلك وادعي عليه الاجماع ايضا، وفي مقابل ذلك ذهب جماعة الى القول بعدم سقوط الزكاة وان التصرف في النصاب بيعا او هبة او تصرف اخر اذا كان بداعي الفرار من الزكاة فهو لا يوجب سقوطها ومنهم السيد المرتضى قدس سره، وذكر انه لولا الاجماع على السقوط لقلنا بعدم السقوط لان الروايات التي تدل على عدم السقوط اقوى واصح من الروايات التي تدل على السقوط، فالعمدة في المقام هي الروايات، واما الاجماع فهو غير ثابت غاية الامر ان السقوط معروف ومشهور بين الاصحاب ولم يثبت الاجماع وعلى تقدير ثبوته فلا يكون حجة لان مدركهم معلوم وهو الروايات وكيف ما كان فلا اثر للإجماع
اما ما ذكره من ان روايات عدم السقوط اقوى واصح فالأمر ليس كذلك فلابد من الرجوع الى هذه الروايات فنبتدأ بالروايات التي تدل على عدم السقوط اذا كان التصرف بالنصاب بداعي الفرار  
منها : رواية محمد ابن عمير عن معاوية ابن عمار عن ابي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل يجعل لأهله الحلي من مائة دينار والمائتي دينار وأراني قد قلت ثلاثمائة فعليه الزكاة ؟ قال ليس عليه فيه زكاة . قلت فإنه فر به من الزكاة ؟ فقال (إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة وإن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة)[2] فان هذه الرواية من حيث الدلالة واضحة فانه فصل بين ما اذا جعل الذهب او الفضة حلي بداعي الفرار من الزكاة فعليه الزكاة اما اذا جعلها حلي بداعي التجميل به فليس عليه زكاة، فدلالتها واضحة ولا يمكن حملها على ما بعد الحول اذ لو كان الى ما بعد الحول فلا فرق بين ان يكون جعل الذهب حلي للتجميل او فرار من الزكاة فان الزكاة تعلقه به وصارة منجزة بعد الحول فلا تسقط عن ذمته سواء كان التصرف فيه بداعي التجميل او بداعي الفرار لا وجه لهذا الحمل اصلا، فالتفصيل بينهما دليل على ان هذا التصرف قبل حلول الحول انما الكلام في سند هذه الرواية، فان ابن فضال روى هذه الرواية عن محمد عبد الله، ومحمد ابن عبد الله مشتركة بين ثلاثة اشخاص والجميع في طبقة مشايخ ابن فضال احدهم ثقة والاخر ضعيف والثالث مجهول، محمد ابن عبد الله ابن زرارة ابن اعين هو ثقة وروى عنه كثيرا ابن فضال، وحمد ابن عبد الله ابن مهران ضعيف وان كان له كتاب فهو ضعيف بل النجاشي قال انه كذاب، ومحمد ابن عبد الله ابن عمر هو مجهول
فاذاً محمد ابن عبد الله الذي روى عنه ابن فضال مردد بين الثقة وبين الضعيف وبين المجهول، اما صاحب الحدائق قد وصف الرواية بالصحيحة والظاهر انه رواها عن ابن ادريس في مستدركات السرائر عن كتاب معاوية ابن عمار لكن طريق ابن ادريس الى الكتاب مجهول فمن اجل ذلك لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية ولا يصح وصفها بالصحيحة من هذه الناحية، لكن ذكر السيد الاستاذ قدس سره على ما في تقرير بحثه ان الرواية معتبرة لأمرين
الامر الاول : ان محمد ابن عبد الله قد ورد في اسناد كامل الزيارة فمن اجل ذلك الرواية معتبرة، لكن ذكرنا غير مرة ان مجرد وروده في اسناد كامل الزيارة لا يكفي مضافا الى ان السيد قدس سره قد عدل عن ذلك وبنى على ان مجرد وروده في اسناد كامل الزيارة لا يكفي للتوثيق
الامر الثاني : ان ابن فضال روى كثيرا عن محمد ابن عبد الله ابن زرارة بل روى اكثر من ثلاثين موردا عن هذا الرجل ولم يرى رويته عن محمد ابن عبد الله ابن مهران ولا عن محمد ابن عبد الله ابن عمر، فهذا سبب للاطمئنان من ان المراد من محمد ابن عبد الله في هذه الرواية التي روى عنه ابن فضال هو محمد ابن عبد الله ابن زرارة وهو ثقة يوجب الاطمئنان، لا من جهة الحاق المشكوك بالأعم الاغلب فانه لا يفيد الظن وهو لا يكون حجة بل من جهة روايته ابن فضال عن محمد ابن عبد الله ابن زرارة كثيرا وعدم رويته عن غيره، فمن اجل ذلك يوجب الاطمئنان من محمد ابن عبد الله هو محمد ابن عبد الله ابن زرارة، وهذا الوجه غير بعيد لكنه تابع لحصول الاطمئنان وليس لزاما كليا لكل فرد اذا حصل الاطمئنان فهو واذا لم يحصل الاطمئنان فالرواية ضعيفة من ناحية السند ولا يمكن الاعتماد عليها .
ومنها : موثقة زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن أباك قال من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها ؟ قال (صدق أبي إن عليه أن يؤدي ما وجب عليه وما لم يجب عليه فلا شيء عليه منه)[3] فان هذه الرواية وان كانت تامة من ناحية السند الا انها من ناحية الدلالة ساقطة لان هذه الرواية ناظرة الى ما بعد حلول الحول ما وجب عليه فلا بعد حلول الحول وبعد دخول الشهر الثاني عشر فمن اجل ذلك لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية فان محل الكلام انما هو من فر من الزكاة قبل حلول الحول وقبل دخول الشهر الثاني عشر، اما بعد الدخول فما وجب عليه فلا يمكن الفرار مه لابد من دفع زكاته، فالرواية ساقطة من ناحية الدلالة وان كانت تامة السند .


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي، ج4، ص43، ط ج.
[2] الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني، ج12، ص98.
[3] الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحراني، ج12، ص99.