الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

34/07/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 ذكر السيد الأستاذ (قده) ان النذر مشروط صحته بكون متعلقه راجحاً , واما اذا رجع المولى عن اذنه صار مرجوحاً , ومعه ينحل نذره ويبطل ولا شيء عليه , وذكر (قده) نظير ذلك فيما اذا نذر المكلف زيارة الحسين (ع) في كل ليلة عرفة في كل سنة ثم استطاع لوجوب الحج , فذكر (قده) على ما في تقرير بحثه ان وجوب الحج عليه يوجب مرجوحية النذر وينحل بذلك .
 هذا الذي ذكره (قده) مخالف لما ذكره في الأصول : فانه يقع التزاحم بين وجوب الوفاء بالنذر ووجوب بالحج , والسيد الماتن (قده) قد فصل بين ان يكون نذره قبل الستطاعة وبين ان يكون بعد الأستطاعة , فان كان نذره قبل الأستطاعة فيجب عليه الوفاء بالنذر دون وجوب الحج , وان كان بعد الأستطاعة فيجب عليه الحج . واما السيد الأستاذ (قده) فقد ذكر وجوب الحج مطلقاً بلا فرق بين ان يكون نذره قبل الأستطاعة او بعد الأستطاعة , لاهمية وجوب الحج بالنسبة الى وجوب النذر , فان وجوب الحج من احد اركان الأسلام , واهم بكثير بالنسبة الى وجوب الوفاء بالنذر فلابد من تقديمه عليه , فالتقديم من جهة اهميته مطلقاً , بلا فرق بين ان يكون نذره قبل الأستطاعة او بعده .
 ودعوى : ان وجوب الحج مشروط بالقدرة الشرعية , ووجوب الوفاء بالنذر مشروط بالقدرة العقلية .
 مدفوعة : فان وجوب الحج مشروط بالقدرة التكوينية المساوقة للقدرة العقلية , فان وجوب الحج مشروط بالأستطاعة , والأستطاعة مساوقة للقدرة العقلية , فالقدرة التكوينية مساوقة للقدرة العقلية . مضافاً الى ان وجوب الوفاء بالنذر لم يكن مشروطاً بالقدرة العقلية , وانما هو مشروط بالقدرة الشرعية بمعنى عدم المانع , الأعم من المانع التكويني والمانع المولوي , فان مجرد وجوب شيء آخر في مقابل وجوب الوفاء بالنذر فهو مانع عن وجوب الوفاء بالنذر وهذا المعنى هو المستفاد من الروايات الدالة على ان شرط الله قبل شرطكم , فالمستفاد من هذه الروايات ان وجوب الوفاء بالنذر ووجوب الوفاء بالعهد مشروط بعدم المانع , الأعم من عدم المانع التكويني وعدم المانع التشريعي , وثبوت وجوب شرعي مانع مولوي عن وجوب الوفاء بالنذر , فثبوت الحج بعد الأستطاعة مانع مولوي عن وجوب الوفاء بالنذر .
 فالنتيجة ان ما ذكره السيد الأستاذ (قده) في هذه المسألة على ما هو ظاهر عبارته لا ينسجم مع مسلكه (قده) .
 المسألة (30) : يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لأقامة الشهادة او لحضور الجماعة اولتشييع الجنازة وان لم يتعين عليه هذه الأمور , وكذا في ساير الضرورات العرفية او الشرعية الواجبة او الراجحة سواء كانت متعلقة بامور الدنيا او الآخرة .
 باعتبار ان هذه المذكورات مما ورد النص عليها . وكل ذلك مما تقدم البحث عنه في ضمن المسائل المتقدمة .
 المسألة (31) : لو أجنب في المسجد ولم يمكن الأغتسال فيه وجب عليه الخروج ولو لم يخرج بطل اعتكافه لحرمة لبثه فيه .
 اما وجوب الخروج في صورة عدم التمكن من الأغتسال في المسجد فهو ظاهر , لأنه لايجوز له المكث في المسجد وهو جنبُ فيجب عليه الخروج من المسجد . واما اذا تمكن من الأغتسال فيه فهل يجب عليه الخروج ايضاً اولا يجب ؟ فلا بد من ملاحظة مقدار الخروج من المسجد, فان كان اقل من مقدار الغسل مثلا ان الغسل يشغل من الزمن بمقدار عشر دقائق , وان الخروج يشغل من الزمن خمس دقائق فعندئذ يجب عليه الخروج , فان المكث الزائد على مقدار الخروج غير جائز , واما اذا كان مساوياً او كان زمان الغسل اقل من زمان الخروج , فعندئذ لا يجب عليه الخروج , ويجوز له الأغتسال في المسجد , بل يجب عليه الأغتسال في المسجد اذا كان زمان الخروج اكثر من زمان الغسل . بل قيل : انه في صورة التساوي لا يجوز له الخروج ايضاً , فان الخروج عن المسجد انما يجوز للضرورة وفي هذا الفرض ليست هناك ضرورة للخروج , فانه متمكن من الغسل في المسجد , ومع تمكنه من الغسل في المسجد في زمان يكون مساوياً لزمان الخروج فليس الخروج ضرورياً , فاذا لم يكن ضرورياً فلا يجوز الخروج .
 واما ما ذكره الماتن (قده) من انه اذا لم يخرج بطل اعتكافه لان مكثه في المسجد حرام , والحرام لا يمكن ان يكون مصداقاً للواجب , والمكث هو حقيقة الاعتكاف , فاذا كان المكث حراماً فلا يكون مصداقاً للمأمور به , ولا ينطبق عليه المأمور به , فمن هذه الجهة يكون اعتكافه باطلاً .
 وأستشكل على ذلك السيد الأستاذ (قده) على ما في تقرير بحثه : فان بطلان الاعتكاف باحد الأمرين :
 اولاً : من جهة وجود المانع .
 ثانياً : من جهة ترك الجزء او الشرط متعمداً .
 اما المانع ففي المقام غير موجود , فان مجرد ارتكاب الحرام اذا لم يكن مانعاً فلا يكون مبطلاً للأعتكاف , كما اذا كذب او قام بغيبة شخص باظهار عيوبه , فانه ارتكب محرماً ومع ذلك لا يكون اعتكافه باطلاً , فالمبطل هو ايجاد المانع عن الاعتكاف , فاذا أوجد المانع فهو مبطل له , ومجرد ارتكاب الحرام في المسجد لا يكون مانعا عن الاعتكاف , فلا يكون اعتكافه باطلاً , فمكثه الزائد في المسجد وان كان حراماً الاّ انه لا يكون مانعاً عن صحة الاعتكاف .هكذا ذكره (قده) , ولكن صحيح ان المكث في المسجد حرامٌ وليس بمانع الاّ ان الحرام باعتبار انه لا يمكن ان يكون مصداق للمأمور به فالبطلان من هذه الناحية , فان الاعتكاف المأمور به لا يمكن ان ينطبق على الفرد المحرم , والمفروض ان مكثه في المسجد محرم , فاذا كان مكثه في المسجد محرم فلا ينطبق عليه الاعتكاف المأمور به فيحكم بالفساد . فالفساد من هذه الناحية لا من ناحية وجود المانع .
 واما ترك الجزء او ترك الشرط ففيه تفصيل نتكلم فيه ان شاء الله تعالى .