الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

34/07/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 
 تحصل مما ذكرناه ان مشروعية عبادات الصبي انما ثبتت من جهة الروايات الخاصة كقوله (ع) : ( مروا صبيانكم بالصلاة والصيام في سبع أو ست ) [1] . وهذه الروايات واضحة الدلالة على الأستحباب , ولا يمكن اثبات الأستحباب من اطلاقات ادلة العبادات كالصلاة والصيام او الحج وما شاكل ذلك , واما العبادات المستحبة فلا شبهة في مشروعيتها للصبي كصلاة الليل وما شاكل ذلك , فانه يكفي في اثبات مشروعيتها اطلاقات تلك الأدلة الشاملة لعبادات الصبي ولا يكون مقيداً بالبلوغ . فلا مانع من التمسك بادلة العبادات المستحبة لاثبات مشروعيتها للصبي ايضاً .
 المسألة (28) : لو إعتكف العبد بدون أذن المولى بطل .
 والوجه في ذلك واضح , لأن العبد ملك للمولى ولا يجوز له ان يتصرف في ملك المولى إلاّ بأذنه وتصرفه بدون إذنه محرم ومبغوض , فمن اجل ذلك لو اعتكف بدون اذن المولى بطل اعتكافه .
 ثم ذكر الماتن (قده) : ولو اعتق في اثنائه لم يجب عليه اتمامه .
 وهذا ايضاً واضح , فان اتمام الاعتكاف غير واجب اذا كان بدون اذن المولى حتى ولو كان في اليوم الثالث .
 ثم ذكر الماتن (قده) : ولو شرع فيه باذن المولى ثم اعتق في الاثناء فان كان في اليوم الاول او الثاني لم يجب عليه الاتمام الاّ ان يكون من الاعتكاف الواجب وان كان بعد تمام اليومين وجب عليه الثالث وان كان بعد تمام الخمسة وجب السادس .
 وهذا ايضا واضح لا اشكال فيه .
 المسألة (29) : اذا اذن المولى لعبده في الاعتكاف جاز له الرجوع عن اذنه ما لم يمض يومان وليس له الرجوع بعد بعدهما لوجوب اتمامه حينئذ .
 فقد فصل (قده) بين ان يكون رجوع المولى عن اذنه في اليوم الاول او الثاني فيجوز له ذلك ( اي الرجوع ) ولا يجوز له الرجوع عن اذنه في اليوم الثالث , لانه في اليوم الثالث يكون الاعتكاف واجب على العبد , ولا يجوز ترك الاعتكاف وترك الواجب اطاعة لسيده ومولاه اذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق , وأكد على ذلك السيد الاستاذ (قده) على ما في تقرير بحثه .
 وللمناقشة في ذلك مجال : لان مشروعية اعتكاف العبد تتوقف على اذن المولى , فاذا لم يأذن المولى او رجع عن اذنه انتهت المشروعية بانتهاء موجبها وموضوعها , فاذا فرضنا ان الاعتكاف في اليوم الثالث واجب ووجوبه من جهة مشروعية هذا الاعتكاف من جهة اذن المولى , فاذا رجع المولى عن اذنه انتفت المشروعية بانتفاء موضوعها وسببها , وعندئذ لا يكون رفع اليد عن هذا الاعتكاف معصية لله تعالى حتى يقال بانه ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) ليس رفع اليد عن الاعتكاف في اليوم الثالث من العبد عصيان للمولى , بل بطلان الاعتكاف من جهة عدم مشروعيته من جهة عدم اذن المولى , فانتفاء الوجوب بانتفاء سببه وموضوعه وليس من جهة العصيان لكي يقال انه لا طاعة للمخلوق في عصيان الخالق . ولا يمكن قياس ذلك بالفرائض اليومية فانها لا تحتاج الى اذن المولى , فانه يجب على العبد الاتيان بالصلاة ولو منع المولى عن ذلك , ليس لمنع المولى أثر فضلاً عن أذنه , فان الفرائض تكليف ألهي على العبد ولا يتوقف هذا التكليف على اذن المولى ولا يقاس بالاعتكاف ونحوه .
 
 ثم ذكر الماتن (قده) : وكذا لا يجوز له الرجوع اذا كان الاعتكاف واجباً بعد الشروع فيه من العبد .
 كما اذا فرضنا ان المولى اذن لعبده ان ينذر الاعتكاف , فصار الاعتكاف واجبا عليه وشرع في هذا الاعتكاف , فذكرالماتن انه لا يجوز للمولى الرجوع في اذنه .
 واشكل عليه السيد الاستاذ (قده) على ما في تقرير بحثه : بتقريب ان صحة النذر تتوقف على ان يكون متعلقه راجحاً , ومع رجحانه فالنذر محكوم بالصحة , واما اذا لم يكن راجحاً فلا يكون صحيحاً , وعلى هذا فاذا رجع المولى عن أذنه فلا يكون الاعتكاف راجحاً , واذا لم يكن راجحاً بطل نذره من جهة عدم رجحان متعلقه بقاءاً , فلا معصية للخالق حتى يقال (لا اطاعة للمخلوق في معصية الخالق ) فان النذر ينتفي بانتفاء موضوعه ومتعلقه لان الرجحان معتبر في صحة النذر , فاذا لم يكن متعلقه راجحاً فالنذر باطل . ونظير ذلك ما ذكره السيد الأستاذ (قده) فيما اذا نذر شخص انه في كل سنة يزور الامام الحسين (ع) في يوم عرفة , ثم بعد ذلك استطاع للحج وجب عليه الحج فلا شبهة في بطلان نذره , لانه اذا وجب عليه الحج صار متعلق النذر مرجوحاً , ومع كونه مرجوحاً بطل نذره من جهة ان متعلقه مرجوحاً , فالسيد الأستاذ (قده) فرق بين ما اذا اذن المولى لعبده بنذر الاعتكاف ثم رجع , وبين ما اذا اذن بالاعتكاف ثم رجع , ففي هذا الفرض فصل بين اليوم الاول والثاني وبين اليوم الثالث ,واما في النذر يجوز له الرجوع في اذنه , فاذا رجع بطل نذره من جهة عدم رجحان متعلقه .
 والأمر كما افاده السيد الأستاذ (قده) وذلك لما ذكرناه من ان المستفاد من ادلة وجوب الوفاء بالنذر , وادلة الوفاء بالشرط , وبالعهد , واليمين , وما شاكل ذلك , فان الوارد في هذه الأدلة أن شرط الله قبل شرطكم , والمراد من شرط الله هو (حكم الله) اي ان حكم الله قبل حكمكم , فاعتبار وجوب الوفاء بالنذر من قبل العبد حم العبد , وكذا وجوب الوفاء بالشرط او العهد او اليمين , فعندئذ وجوب الوفاء بالنذر مشروط بان لا يكون هناك شرط من الله , فاذا كان هناك حكم من الله فهو رافع له ووارد عليه , يرتفع بارتفاع موضوعه , فلا وجود له لان شرط الله قبل شرطكم , معناه انه لا شرط لكم مع وجود شرط الله تعالى , ولا حكم لكم مع حكم الله تعالى , فوجوب الوفاء بالنذر بصرف وجوب الحج عليه , وكذا في المقام ينتفي وجوب الوفاء بمجرد الرجوع , بمجرد ان متعلقه صار مرجوحاً , كما في نهي الوالد عن نذر ولده فمع نهيه عنه صار متعلقه مرجوحاً , ينتفي نذره بانتفاء رجحان متعلقه .
 
 
 


[1] مستدرك الوسائل (النوري) /ج 3 / ص 19 /باب 4 / ابواب اعداد الفرائض ونوافلها / الحديث 2 , 3 , 4 .