الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الرجال

41/10/04

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: مقدمة في كتاب أصول الرجال

 

طليعة

نشرع اليوم الأربعاء 4 من شوال لعام 1441 هجرية قمرية الموافق 27 مايو 2020 ميلادية المصادف 7 خرداد أي الشهر الثالث من عام 1399 هجرية شمسية ونبدأ في دراسة كتاب أصول الرجال لسماحة السيد محمد جواد الشبيري الزنجاني نجل استأذنا المبجل سماحة المرجع الديني آية العظمى السيد موسى الشبيري الزنجاني "دام ظله العالي".

المقدمة

مقدمتان مقدمة علم ومقدمة كتاب

مقدمة الكتاب يكتب فيها الكاتب الداعي الذي دعاه إلى كتابة الكتاب والغرض الذي على أساسه دون كتابه والأمور التي ركز عليها وسلط الضوء عليها في كتابه.

وأما مقدمة العلم فهي المقدمة التي تتضمن ثمانية أمور مهمة أهمها ثلاثة أمور:

الأمر الأول تعريف العلم

الأمر الثاني موضوع العلم

الأمر الثالث فائدة العلم وغايته

ففي بداية أي علم من العلوم كعلم الفقه والأصول والكلام والفلسفة والتفسير والرجال والدراية يذكر تعريف العلم أولا وموضوع العلم ثانيا وفائدة العلم ثالثا فهذه مقدمة للعلم.

المصنف سماحة السيد محمد جواد الشبيري "حفظه الله" لم يذكر مقدمة لكتابه وإنما شرع صفحة 3 تحت عنوان بسمه تعالى وذكر أنه ألف رسالة قبل عشرين سنة ثم بعد ذلك طابقها على المصادر الحديثة كنسخة الفهرست التي حققها الفقيد المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي "رحمه الله" ونسخة رجال الشيخ الطوسي التي حققها الشيخ جواد القيومي "حفظه الله" ولم يذكر الغاية التي دعته إلى كتابة كتاب أصول الرجال ولكن الغاية التي عادة تذكر في مقدمة الكتاب يمكن استخراجها من التصدير الذي صدر به هذا الكتاب إذ ذكر أن علماء الشيعة قد أخذوا علم الدراية من السنة وأخذوا علم الدراية وفقا لمصطلحات الحديث عند السنة ونحن بحاجة إلى علم دراية جديد يكتب المصطلحات ويتناول المصطلحات المهمة في روايات الشيعة الإمامية لا في روايات أهل السنة فلهم خصوصيتهم ولنا خصوصيتنا.

فهذا يمكن أن يكون هو الداعي الذي دعا السيد الشبيري الزنجاني الابن "حفظه الله" إلى تدوين هذا الكتاب تحت عنوان أصول الرجال وسيأتي شرح معنى أصول الرجال إذ أن هذا العنوان لا يختص بخصوص علم الرجال وإنما يشمل ثلاثة علوم وهي علم رجال الحديث علم دراية الحديث وعلم الحديث بالمعنى الأخص وهذه العلوم الثلاثة يطلق عليها علم الحديث بالمعنى الأعم.

فعلم الحديث بالمعنى الأعم يعم ويشمل ثلاثة علوم هذه العلوم هي كما يلي:

أولا علم رجال الحديث

ثانيا علم دراية الحديث

ثالثا علم الحديث

هذه العلوم الثلاثة تحتاج إلى أصول وضوابط تصلح كمقدمة تمهيدية للعلوم الثلاثة كما أن الفقه يحتاج إلى علم مستقل يقال له أصول الفقه فأصول الفقه عبارة عن الضوابط الكلية التي تصلح أن تكون مقدمة لعلم الفقه كذلك كتاب أصول الرجال للسيد الزنجاني عبارة الأصول والضوابط والقواعد الكلية التي تصلح أن تكون مقدمة تمهيدية للعلوم الثلاثة علم الرجال والدراية والحديث فقد يأتي الطالب متصورا أن هذا الدرس درس رجالي لأن عنوانه أصول الرجال لكن هذا الدرس عبارة عن فلسفة علم الرجال مقدمة تمهيدية لعلم الرجال.

ومن هنا فإن كل من درس علم الرجال أو الدراية أو الحديث بحاجة إلى التفاتات سماحة السيد في هذا الكتاب الشريف المختصر المفيد، إذن السيد المؤلف لم يذكر مقدمة الكتاب لكنه ذكر مقدمة علم الرجال تحت عنوان تصدير ومقدمة العلم يذكر فيها ثمانية أمور أهمها ثلاثة وهي التعريف والموضوع والفائدة إلا أن سماحة السيد المصنف أضاف ثلاثة أشياء إلى الثلاثة فصارت ستة أضاف أولا وجه الحاجة إلى علم الرجال ثانيا الفرق بين علم الرجال والدراية والحديث والتراجم ثالثا أضاف مبحثا هاما إلى هذه المباحث وهو عبارة عن منهج البحث في أصول الرجال.

فصارت الأبحاث في التصدير ستة وهي مرتبة وفق الترتيب التالي:

النقطة الأولى وجه الحاجة إلى علم الرجال

النقطة الثانية تعريف علم الرجال

النقطة الثالثة الفرق بين علم الرجال والدراية والحديث والتراجم

النقطة الرابعة موضوع علم الرجال

النقطة الخامسة منهج البحث في الرجال

النقطة السادسة فائدة علم الرجال

هذه النقاط الستة الواردة في التصدير الذي صدر به مباحثه التي تألفت من فصلين رئيسين الفصل الأول أصول تحقيق السند، الفصل الثاني مصادر الرجال ومنابع الرجال فالبحث الأول أصول تحقيق السند بحث في الدراية يبحثه من بداية الكتاب بداية الفصل الأول إلى صفحة 129 يعني هذا الكتاب أغلبه دراية وحديث.

الفصل الثاني من صفحة 130 إلى نهاية الكتاب وهو بحث رجالي عن المصادر الرجالية المنابع الأولى لعلم الرجال ككتاب الشيخ الطوسي الفهرست والرجال ورجال النجاشي ورجال الكشي هذا تصور إجمالي وفهرسة إجمالية لمباحث هذا الكتاب الشريف.

والتفصيل نشرع في بيان التصدير

النقطة الأولى

وجه الحاجة إلى علم الرجال

ذكر السيد المصنف وجه الحاجة إلى الرجال واستند إلى ما ذكره المحقق المدقق الوحيد البهبهاني "أعلى الله مقامه الشريف" فكل من كتب في وجه الحاجة إلى علم الرجال فهو عال في هذا المطلب على الوحيد البهبهاني وهذا الوجه يتكرر في كل الكتب الرجالية.

إذا تقرأ مقدمة معجم رجال الحديث للسيد الخوئي وغيره من الكتب يذكرون هذا الوجه وأول من ذكره الوحيد البهبهاني الذي له أثره الكبير في الأصول والفقه والرجال وله وجيزة رجالية طبعت كملحق برجال الخاقاني.

بيان وجه الحاجة إلى علم الرجال

مصادر التشريع في الفقه الإمامي أربعة وهي الكتاب والسنة والإجماع والعقل فإذا انتفت الثلاثة وبقي الحديث تعينت أهمية دراسة الحديث والحديث متوقف على دراسة رجال الحديث إذن هناك حاجة لدراسة علم الرجال هذه خلاصة وزبدة الفكرة.

وأما تفصيلها

أما كتاب الله فآيات الأحكام في القرآن قرابة خمسمائة آية وأكثرها لا تتعرض إلى التفصيل وإنما تتعرض إلى أصل الأحكام وأصل التشريع فآيات الأحكام لوحدها لا تغني عن الفقه بأكمله إذن هناك حاجة إلى غير القرآن خصوصا إن الكثير من الآيات الكريمة بحاجة إلى تفسير الروايات والأحاديث الشريفة.

وأما الإجماع فالحجة منه هو الإجماع المحصل دون الإجماع المنقول وأكثر الاجماعات في الفقه منقولة وليست حجة والإجماع المحصل لم يحصل إذن الإجماع الحاصل ليس بحجة وهو الإجماع المنقول والإجماع الحجة لم يحصل من هنا فإن موارد الاستدلال بالإجماع في الفقه الإمامي قليلة جدا.

يبقى المصدر الثالث وهو دليل العقل والعقل لا يدرك إلا الكليات وعندنا أحكام جزئية كثيرة في الشريعة الغراء فموارد الاستدلال بدليل العقل موارد نادرة جدا كبحث الملازمة العقلية إذا قطع العقل بحكم قطع معه الشرع أي هناك ملازمة بين حكم العقل القطعي وحكم الشرع القطعي فإذا قطع العقل قطع الشرع ولكن أي عقل هل هو العقل الفطري الذي قال به الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق الناظرة.

وهكذا هناك موارد قليلة كما في موارد التحسين والتقبيح العقلي أو العقلائي كحسن العدل وقبح الظلم إذن موارد الاستدلال بدليل العقل قليلة جدا بل نادرة حتى ذهب شهيد العصر السيد محمد باقر الصدر في مقدمة رسالته العملية الفتاوى الواضحة إلى القول بأنه في هذه الرسالة استدل بالكتاب والسنة ولم يستدل في مسألة واحدة بالإجماع ودليل العقل[1] إذن صارت النتيجة ما يقول به الإخباريون الكتاب والسنة لا ما يقول به الأصوليون الإجماع والعقل والكتاب والسنة وموارد الكتاب قليلة.

إذن هناك حاجة للأحاديث الشريفة وهي كثيرة ووفيرة والأحاديث دراستها تحتاج وتتوقف على علم الرجال إذن هناك حاجة لدراسة علم الرجال، هذا تمام الكلام في النقطة الأولى وجه الحاجة إلى علم رجال الحديث.

النقطة الثانية

التعريف

تعريف علم رجال الحديث وقبل أن نعرف علم رجال الحديث لابد أن نعرف نفس الحديث.

فما هو معنى الحديث هل هو نفس قول النبي أو القول الحاكي عن قول النبي أو الأعم من قول النبي والقول الحاكي عن قول النبي أقوال ثلاثة:

القول الأول الحديث هو الحاكي عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره يعني إمضاء المعصوم سكوته عن موقف يدل على إمضائه.

التعريف الثاني السنة هي نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريره.

القول الثالث السنة هي الأعم من قول المعصوم أو الحاكي عن قوله أو فعله أو تقريره

فما هو الصحيح من الاقوال الثلاثة؟

الجواب

نجد في كتب الرجال والدراية هذا حديث صحيح وهذا حديث ضعيف هذا حديث ليس بصحيح فلو قلت إن السنة هي نفس قول النبي هل يصح أن تقول قول النبي صحيح وليس بصحيح ولو قلت إن السنة هي الأعم من قول النبي أو الحاكي عن قول النبي المخبر عن قول النبي هل يصح أن تقول قول النبي إما صحيح أو ضعيف؟ كلا

إذن يتعين أن يكون القول الأول هو الصحيح السنة هي القول الحاكي عن قول النبي وليست نفس قول النبي وليست الأعم من قول النبي أو الحاكي عن قول النبي.

إذن القول الثاني ليس بصحيح وهو أن المراد بالحديث قول النبي أو فعله أو تقريره الثالث ليس بصحيح وهو أن المراد بالحديث هو الأعم من قول النبي أو القول الحاكي عن قول النبي أو فعله أو تقريره.

وجه عدم صحة القول الثاني و الثالث

وهذا في الحقيقة خلط بين مفهومين بين مفهوم الحديث ومفهوم السنة فقول النبي هو السنة والحاكي عن قول النبي هو الحديث فعل النبي هو السنة والحديث يحكي عن هذه السنة تقرير النبي هو السنة والقول الذي يحكي عن قول النبي هو الحديث.

وهنا نشير إلى نكتة مهمة وهو أنه يشترط أن يكون في الحاكي أن يكون قولا فقد يكون الحاكي فعل وهو إجماع فإجماع الطائفة المحقة قد يكشف عن قول المعصوم عليه السلام كشف المعلول عن علته فيكون من باب البرهان الإني. إن المعلول يكشف عن العلة إن المسبب والمعلول وهو الإجماع يكشف عن السبب والعلة وهو قول النبي أو أئمة أهل البيت "عليهم السلام" فهل يقال للإجماع سنة أو حديث؟ كلا

إذن الحديث هو خصوص الدلالة اللفظية الحاكية عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره، هذا تمام الكلام في النقطة الثانية وهي تعريف الحديث.

يبقى الكلام في تعريف علم رجال الحديث وتعريف علم دراية الحديث وتعريف علم الحديث بالمعنى الأخص الذي هو قسيم لهما أو تعريف علم الحديث الذي هو بالمعنى الأعم الذي يشكل مقسما للأقسام الثلاثة علم الرجال والدراية والحديث.

تطبيق العبارة

قال المصنف حفظه الله تصدير وفيه نقاط ستة:

النقطة الأولى وجه الحاجة إلى علم الرجال

مصادر الأحكام الشرعية عندنا أربعة الكتاب والسنة والإجماع والعقل وأغلب الأحكام الشرعية إنما تستنبط من السنة الشريفة إذن هناك حاجة إلى دراسة علم الرجال الذي يبحث عن السنة الشريفة.

المصدر الأول وهو الكتاب يذكر أربع ملاحظات:

الملاحظة الأولى لأن كتاب الله "عز وجل" لا يبين خصوصيات الأحكام وإنما هو بصدد أصل تشريعها الأحكام.

الملاحظة الثانية وكثير من الآيات المجيدة في مقام الإهمال لا العموم والإطلاق يعني ليست في مقام بيان قاعدة عامة ومطلقة وإنما في مقام بيان حكم بنحو الإهمال وهذا الإهمال يحتاج إلى تحديد وتقييد من السنة الشريفة.

الملاحظة الثالثة مضافا إلى أن التمسك بالآيات الشريفة لا يصح إلا بعد الرجوع إلى السنة المفسرة لها ـ للآيات الشريفة ـ والفحص عن المخصصات والمقيدات للآية حتى قيل ما من عام إلا وقد خص وقيل لا يجوز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص وإنما يجوز التمسك بالعام بعد البحث عن المخصص وسائر ما له دخل في صرف الظواهر عن ظهورها البدوي يعني هناك ظهور بدوي أولي فلابد من نظرة فاحصة تدقيقية إلى المقيدات والمخصصات فلعل الظهور الأولي يتغير مثلا ﴿يدل الله فوق أيديهم﴾[2] فالظهور الأولي أن لله يد جسمانية لكن إذا جمعناه مع قرينة أخرى وهي قوله تعالى ﴿ليس كمثله شيء﴾[3] يعني الله ليس كمثله شيء يعني ليس كجسم فننفي اليد الجسمانية فنتصرف في هذا الظهور القرآني فنقول المراد باليد القدرة ﴿يدل الله فوق أيديهم﴾[4] أي قدرة الله فوق قدرتهم.

النقطة الرابعة والنص في آيات الأحكام لو كان في آيات الأحكام نص ففي غاية الندرة.

تعلمون أن اللفظ بحسب دلالته على معناه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول نص في المعنى

القسم الثاني ظاهر في المعنى

القسم الثالث مجمل المعنى

أما القسم الأول النص فهو اللفظ الذي له معنى واحد لا شريك له يتعين فيه كقوله تعالى ﴿قل هو الله أحد﴾ والأحد في اللغة هو الواحد الذي لا ثاني له فالآية نص في التوحيد ولا يوجد معنى آخر غير التوحيد وأحيانا تكون اللفظة لها عدة معاني كلفظ العين الذي له سبعين معنى في اللغة العربية منها العين الباصرة والعين الجارية والعين التي هي ركبة والعين بمعنى ذات الشيء والعين بمعنى الذهن والفضة والعين بمعنى الجاسوس وإلى آخره وهذا يعرف من القرائن فلو قال سبحت في العين قلنا الظاهر من لفظة العين هي العين الجارية أو البركة بقرينة لفظ السباحة فالمراد باللفظ الظاهر اللفظ الذي له أكثر من معنى إلا أن أحد المعاني أسرع انسباقا للفظة وأما اللفظ المجمل فاللفظ الذي له عدة معاني ولا مرجح لأحدها أو اللفظ الذي أبهم معناه ولم نصل فيه إلى نتيجة هنا ألفاظ القرآن فيها نصوص وفيها ظواهر وفيها مجملات هذه المجملات عبارة عن الآيات المتشابهة تفسر بالآيات المحكمة وأكثر القرآن الكريم وأكثر آياته ظواهر وليست نصوصا ولا مجملات لذلك قال والنص في آيات الأحكام لو كان في آيات الأحكام نص ففي غاية الندرة إذن الدليل الأول القرآن الكريم موارده قليلة في الاستدلال الفقهي.

الدليل الثاني والإجماع الكاشف عن قول المعصوم، ما هو الإجماع الكاشف؟ الإجماع المحصل والمراد بالإجماع المحصل أن يبحث الفقيه عن قول علماء الإسلام وفقهاء منذ صدر الإسلام الغيبة الصغرى إلى يومنا هذا في الغيبة الكبرى فيرى أن جميع علماء الإسلام قد اتفقوا على هذه المسألة فهذا إجماع محصل أي حصله الباحث والفقيه هذا الإجماع الحجة إذا لم يكن مدركيا أما إذا احتمل المدركية توجد آية أو رواية بمفاد هذا الإجماع فالحجة للآية والرواية لا الإجماع، إذن الإجماع المحصل لم يحصل لأن تحصيله قليل وإذا حصل قد يكون مدركي وهو ليس بحجة وأما الإجماع المنقول من الكتب المعروفة بالإجماعات المنقولة كتاب رياض المسائل للسيد علي الطباطبائي كانت الإجماعات المنقولة قد عول عليها قبل الشيخ الأنصاري بعد أن جاء الشيخ الأنصاري وناقش في حجية الإجماعات المنقولة سقطت عن الحجية لذلك تجد بعد الشيخ الأنصاري كثرة الاستدلالات بالسيرة العقلائية في كتب الفقهاء قبل الشيخ الأنصاري كثر الاستدلال بالإجماعات المنقولة بعد الشيخ الأنصاري خصوصا في كتب السيد الخوئي "رحمه الله" كثير الاستدلال بالبناء العقلائي والسيرة العقلائية.

يقول والإجماع الكاشف عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره قلما يوجد في الفقه إلا في أصول المسائل دون تفريعاتها المسائل، إذن في موارد قليلة نستدل بالإجماع، هناك كتاب اجماعيات فقه الشيعة لسيد إسماعيل المرعشي وهناك موارد قليلة السيد البروجردي يقول لعله في كل الفقه نحتاج إلى الإجماع في ثلاثة موارد، استدلال بالإجماع ثلاثة موارد.

الدليل الثالث والأحكام العقلية أحكام كلية معدودة يعني محدودة كمسألة التحسين والتقبيح العقليين يعني حسن العدل وقبح الظلم ولا تسري هذه الأحكام العقلية إلى فروع الأحكام لأن هناك خلاف في قاعدة الملازمة العقلية بين علمائنا الإخباريين وعلمائنا الأصوليين وتفصيل ذلك في علم الأصول فانحصر الأمر في الأغلب في السنة الشريفة.

والسنة إنما تكشف غالبا عن طريق الأحاديث فللأحاديث دور مهم في استنباط الأحكام الإلهية وقد أكد الأئمة المعصومون "صلوات الله عليهم" على أمرها فأمروا أصحابهم لكتابتها ـ الأحاديث ـ صونا لها عن الضياع كي يصل هذا التراث العظيم إلى الأجيال اللاحقة فاهتمت الشيعة الإمامية بتأليف كتب الحديث مع شدة الضغوط ومنع السلطات الحاكمة عن كتابة الحديث تحت شعار "حسبنا كتاب الله" وقد اهتم العامة بعد ما رفع المنع من كتابة الحديث بذلك يعني بتدوين الحديث فسعى المسلمون كافة في جمع الأحاديث وتدوينه وتبويبه وتنسيقه والبحث عن متنه وسنده وبيان معانيه والاختلافات الواقعة في مختلف طرقه الحديث وحل المشاكل الطارئة على الحديث فألفت كتب حديثية كثيرة ثمينة ووضعت معاجم مفيدة لشرح غرائب كلمات الحديث مثل كتاب النهاية في غريب الحديث لابن الأثير والفهرسة له ـ للحديث ـ إلى غير ذلك من النشاطات وكانت حصيلة هذه الجهود الحثيثة علم الحديث بمعناها العام.

علم الحديث بمعناها العام يشمل ثلاثة علوم، علم الرجال، علم الدراية، علم الحديث، وهذا العلم ـ علم الحديث بمعناها العام ـ بمرور الزمان وتكثر مسائله وتوفر قضاياه تشعب وانقسم إلى علوم مختلفة متنوعة منها علم الحديث بمعناه الخاص سيأتي بحثه ومنها علم دراية الحديث ومنها علم رجال الحديث ويعبر عن الأخيرين علم رجال الحديث ودراية الحديث بالدراية والرجال اختصارا ولا ارتباط أبحاث هذه الرسالة بالعلوم الثلاثة لأن هذه الرسالة مقدمة تمهيدية أصول مقدماتية للرجال والحديث والدراية كما سيأتي توضيحه ينبغي أن نصرف عنان الكلام إلى تعريف هذه العلوم الثلاثة والإشارة إلى الفرق بينها.

وقبل ذلك نشير إلى تعريف الحديث الذي عليه مدار هذه العلوم فنقول:

تعريف الحديث

الحديث القول الأول ما يحكي قول المعصوم أو فعله أو تقريره الأدق أن يقول القول الحاكي عن قول المعصوم اللفظ الحاكي عن قول المعصوم، تخصيص الحكاية باللفظ.

التعريف الثاني وقد يعرف الحديث بأنه قول المعصوم أو فعله أو تقريره هنا عرف بنفس القول والقول هو السنة وليس الحديث.

الثالث أو يعرف بأنه قول المعصوم أو حكاية قوله يعني الأعم من القول والحكاية، قول المعصوم أو حكاية قوله أو فعله أو تقريره ليدخل فيه ـ في التعريف ـ أصل الكلام المسموع عن المعصوم. ويدخل فيه أيضا الحاكي عن أصل هذا الكلام المسموع.

والصواب هو الأول ـ التعريف الأول ـ ما يحكي قول المعصوم أو فعله أو تقريره فإن الحديث يتصف بالصحيح وغير الصحيح وهذا شأن الحاكي الذي له واقع يحكيه فإن طابقه يعني فإن طابق الحاكي الواقع فهو الصحيح وإن خالفه يعني وإن خالف الحاكي الواقعة فهو غير الصحيح نظير الصدق والكذب الذي هو وصف للجمل الحاكية عن الخارج يعني الخارج الجملة إن طابقت الخارج فهي صادقة وإن خالفت الخارج فهي كاذبة ولا يكون نفس قول المعصوم موردا للاتصاف بالصحة وعدمها بداهة قول المعصوم ورد في التعريف الثاني والتعريف الثالث لذلك يقول:

وفي التعريفين يعني الثاني والثالث خلط بين الحديث والسنة، الحديث القول الحاكي، السنة نفس القول ونفس الفعل ونفس التقرير فالحديث هو الحاكي عن السنة والسنة هي قول المعصوم أو فعله أو تقريره.

والمراد من الحكاية في التعريف خصوص الدلالة اللفظية، يعني خصوص الحكاية بالدلالة اللفظية لا الحكاية بالفعل أو الإشارة فليس مجرد الكشف يعني عن قول المعصوم ولو بالفعل أو بالإشارة داخلا فيها ـ في الحكاية ـ فالإجماع الكاشف عن السنة خارج عن الحد يعني خارج عن حد الحديث يعني خارج عن تعريف الحديث.

تعريف علم الحديث، علم الدراية، علم الرجال يأتي عليه الكلام.

 


[1] الفتاوى الواضحة، الصدر، السيد محمد باقر، ج1، ص15.
[2] السورة فتح، الأية 10.
[3] السورة شورى، الأية 11.
[4] السورة فتح، الأية 10.