الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الرجال

41/09/24

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: البحث في حال جابر الجعفي وسهل بن زياد و سالم بن مكرم

 

الرابع جابر بن يزيد الجعفي

تطرق الشيخ الداوري "حفظه الله" في خاتمة كتابه أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق إلى أربعة عشر رجلا تطرقنا في الدرس السابق إلى الأول والثاني واتضح توثيقهما أحمد بن محمد بن يحيى العطار وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وتطرقنا إلى الرجل الثالث وهو أحمد بن هلال العبرتائي وأتضح أنه ليس بثقة اليوم نأخذ الرابع والخامس.

الرابع جابر بن يزيد الجعفي وقد اختلف فيه وسيتضح أن الصحيح عندنا وفاقا لشيخنا الداوري أنه ثقة الخامس سهل بن زياد الآدمي وقد اختلف فيه وسيتضح أن الصحيح عندنا وفاقا لشيخنا الداوري والمشهور أنه ليس بثقة إذن اختلف في جابر بن يزيد الجعفي وسهل بن زياد الآدمي وذهب المشهور إلى توثيق جابر بن يزيد الجعفي وعدم توثيق سهل بن زياد الآدمي

تطبيق العبارة

أما الرابع وهو جابر بن يزيد الجعفي

فهو ممن اختلف فيه والأشهر أنه من الأجلاء الثقات وإن توقف فيه العلامة[1] الحلي

وقد وردت في حقه وجوه مادحة كما وردت وجوه قادحة أما وجوه المدح ويذكر الشيخ الداوري "حفظه الله" سبعة وجوه الوجه السادس الروايات ويذكر ثمان روايات نحن نذكر هذه الوجوه بشكل سريع ولا داعي لتطبيق العبارة إلا بالمقدار المهم إذا هناك خطأ مطبعي أو مناقشة أو...

الوجه الأول ما ذكره الشيخ المفيد في كتابه الرسالة العددية أنه من الفقهاء والذين لا مطعن فيهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم.[2]

الثاني ما ذكره ابن شهر آشوب في كتابه مناقب آل أبي طالب من أن جابر بن يزيد الجعفي من خواص أصحاب الإمام الصادق وأنه باب لأبي جعفر "عليه السلام" الإمام الباقر والمراد أنه باب لعلمه.[3]

الثالث أن أبن الغضائري وهو المعروف بكثرة الجرح قال عنه إنه ثقة في نفسه وجل من روى عنه ضعيف[4] يعني جل أن تجد رجل لم يروي عنه ضعيف وجابر بن يزيد من طرق تضعيفه أن بعض الضعفاء رووا عنهم كثير من الضعفاء رووا عنه.

الرابع أنه واقع في إسناد تفسير القمي في غير مورد[5] وهذا لا اعتبار به عندنا.

الخامس ذكر الكشي في ترجمة يونس عن الفضل بن شاذان أن يونس حج أربعا وخمسين حجة واعتمر أربع وخمسين عمرة وكتب ألف جلد ردا على المخالفين ويقال انتهى علم الأئمة "عليهم السلام" إلى أربعة نفر أولهم سلمان والثاني جابر[6] هذا توثيق إلى الانتهاء إلى علم الأئمة

والمراد هو جابر بن يزيد ولم يقل أحد إنه جابر بن عبد الله الأنصاري وذكر الكشي أيضا أن جابر الجعفي تحمل من الروايات سبعين ألف أو خمسين ألفا أو ثمانين ألف حديث ما حدث بها أحدا وذكر في أحواله أنه أحيانا قد يضيق صدره بما يحمل من الأسرار فيأمره الإمام "عليه السلام" أن يلجأ إلى الجبل أو الصحراء وينفس عن نفسه بالحديث لا إلى أحد[7] إذن جابر بن يزيد الجعفي وثقه المفيد وابن شهر آشوب والغضائري والكشي.

الوجه السادس ما ورد في حقه من الروايات المادحة

من هذه الروايات ما رواه الكشي عن حمدويه وإبراهيم بن نصير قال حدثنا محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن زياد بن أبي الحلال قال اختلف أصحابنا في أحاديث جابر الجعفي قلت وأنا أسال أبا عبد الله "عليه السلام" فلما دخلت ابتدأني فقال رحم الله جابر الجعفي كان يصدق علينا لعن الله المغيرة بن سعيد كان يكذب علينا والرواية صحيحة السند.[8]

طبعا روايات جابر بن يزيد الجعفي أكثرها في العقائد وفي مقامات الأئمة وروى روايات هو وسهل بن زياد الآدمي روايات في مقامات الأئمة لذلك كل منهما اتهم بالغلو والارتفاع

ومنها ما رواه بسنده عن عبد الحميد بن أبي العلاء قال دخلت المسجد حين قتل الوليد فإذا الناس مجتمعون قال فأتيتهم فإذا جابر الجعفي عليه عمامة خز حمراء وإذا هو يقول حدثني وصي الأوصياء ووارث علم الأنبياء محمد بن علي "عليه السلام" قال فقال الناس جن جابر جن جابر[9] يعني الناس الآن صراع بين الدولة العباسية والأموية وقتل الوليد وهذا يروي عن الإمام الباقر في هذا الظرف السياسي المشكل.

ومنها ما رواه بسنده إلى المفضل بن عمر الجعفي قال سألت أبا عبد الله "عليه السلام" عن تفسير جابر فقال (لا تحدث به السفلة فيذيعوه ـ يعني عامة الناس والسافلين ـ أما تقرأ في كتاب الله "عز وجل" فإذا نقر في الناقور إن منا إماما مستترا فإذا أراد الله إظهار أمره نكت في قلبه فظهر فقام بأمر الله) [10]

ومنها ما رواه بسنده إلى عمر بن شمر عن جابر قال دخلت على أبي جعفر "عليه السلام" وأنا شاب فقال (من أنت؟ قلت من أهل الكوفة؟ قال ممن؟ قلت من جعفي قال ما أقدمك إلى المدينة؟ قلت طلب العلم، قال ممن؟ قلت منك قال فإذا سألك أحد من أين أنت فقل من أهل المدينة قال قلت أسألك قبل كل شيء عن هذا أيحل لي أن أكذب؟ الإمام "عليه السلام" قال ليس هذا بكذب من كان في مدينة فهو من أهلها حتى يخرج قال ودفع إلي كتابا وقال لي إن أن تحدثت به حتى تهلك بنو أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي وإذا أنت كتمت منه شيئا بعد هلاك بني أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي ثم دفع إلي كتابا آخر ثم قال وهاك هذا فإن حدثت بشيء منه أبدا فعليك لعنتي ولعنة آبائي)[11] هذا يدل على أن الإمام خصه بسر يعني يصير هذا من الأجلاء.

ومنها ما رواه بسنده إلى ضريح المحاربي قال سألت أبا عبد الله "عليه السلام" عن جابر الجعفي وما روى فلم يجبني وأظنه قال سألته بجمع فلم يجبني يعني الإمام ما أجابه لأنه أمام الناس فسألته الثالثة فقال يا ذريح دع ذكر جابر فإن السفلة إذا سمعوا بأحاديثه شنعوا أو قال أذاعوا[12]

ومنها ما رواه بسنده إلى عبد الرحمن بن كثير عن جابر بن يزيد قال قال أبو جعفر "عليه السلام" (يا جابر حديثنا صعب مستصعب أمرد ذكوان وعر أجرد لا يحتمله والله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن ممتحن فإذا ورد عليك يا جابر شيء من أمرنا فلان له قلبك فاحمد الله وإن أنكرته فرده إلينا أهل البيت ولا تقل كيف جاء هذا أو كيف كان و كيف هو فإن هذا والله الشرك بالله العظيم).[13]

ومنها ما رواه بسنده إلى أبي جميلة عن جابر قال رويت خمسين ألف حديثا ما سمعه أحد مني طبعا هذه مضعفة بأبي جميلة كان الشيخ الداوري يصحح أبو جميلة ويوثقه.

ومنها ما رواه بسنده إلى أبي جميلة المفضل بن صالح عن جابر بن يزيد الجعفي قال حدثني أبو جعفر بسبعين ألف حديث لم أحدثها أحدا قط ولا أحدث بها أحدا أبدا

قال جابر فقلت لأبي جعفر جعلت فداك إنك حملتني وقرا عظيما مما حدثتني به من سركم الذي لا أحدث به أحدا فربما جاش في صدري حتى يأخذني منه شبه الجنون

قال "عليه السلام" يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج إلى الجبان ـ الصحراء ـ فأحفر حفيرة ودلي رأسك فيها ثم قال حدثني محمد بن علي بكذا وكذا).[14]

ومنها ما رواه بسنده إلى علي بن عبد الله قال خرج جابر ذات يوم وعلى رأسه قوصرة راكبا قصبة حتى مر على سكك الكوفة فجعل الناس يقولون جن جابر جن جابر فلبثنا بعد ذلك أياما فإذا كتاب هشام يعني هشام بن عبد الملك قد جاء بحمله إليه يعني احضروا جابر قال فسأل عن الأمر فشهدوا عنده أنه قد اختلط يعني قد جن الإمام أمر أن يلبس وأن يخرج هكذا وكتب بذلك إلى هشام فلم يتعرض له ثم رجع إلى ما كان من حاله الأول[15] وغيرها من الروايات، هذا تمام الكلام في الأمر السادس الروايات الشريفة الدالة على وثاقته.

الأمر السابع رواية الأجلاء عن جابر بن يزيد الجعفي كابن أبي عمير وغيره وإن كانت مع الواسطة إذن هذه سبعة أمور تدل على وثاقة جابر بن يزيد الجعفي.

وأما ما ورد في حقه من ذم ما يدل على ذمه فأمران:

الأمر الأول ما ذكره النجاشي حيث قال روى عنه جماعة غمز فيهم وضعّفوا منهم عمر بن شمر ومفضل بن صالح ومنخل بن جميل ويوسف بن يعقوب وكان في نفسه مختلطا وكان شيخنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان "رحمه الله" يعني المفيد ينشدنا أشعارا كثيرا في معناه يعني في معنى جابر بن يزيد الجعفي تدل على الاختلاط على أنه كان مختلطا يعني مغاليا إلى أن قال وقلما يورد عنه شيء في الحلال والحرام.[16]

الثاني ذكر الكشي رواية صحيحة السند وهي ما رواه بسنده إلى أبن بكير عن زرارة قال سألت أبا عبد الله "عليه السلام" عن أحاديث جابر فقال ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة وما دخل علي قط [17]

إلا أن هذين الأمرين لا ينهضان للدلالة على ضعف جابر بن يزيد الجعفي وقابل للمناقشة أما الأول وهو ما طعن به النجاشي الطعن الأول أنه طعن من خلال من يروي عنه والضعف فيهم لا يعني ضعفه فما ذكره المفيد هذا بالنسبة إلى تضعيف من روى عنه وأما تضعيفه نفسه أن جابر فيه اختلاط وأن الشيخ المفيد كان يذكر أشعار كثيرة في جابر مفادها أنه مختلط مخلط هذا أولا يتنافى مع ما نقله الشيخ المفيد في رسالته العددية أنه ليس عليه مطعن وثانيا لم نعرف وجها لقول النجاشي أن جابر بن يزيد كان في نفسه مختلطا ولم يذكر ما دل عليه لعل منشأ كلامه ونسبة التخليط إليه ما ذكره النجاشي قائلا روى عنه جماعة غمز فيهم وضعفوا وبالتالي كيف يكون مخلطا إذا كان الراوي عنه مخلطين أو ضعفاء.

نحن لا نريد أن نعترض على شهادة النجاشي ولكن لا نعلم منشأها فلعل النجاشي اعتمد على مقدمات لم تصل إلينا لم نعرف وجه النجاشي وهناك نقطة بالنسبة إلى النجاشي والقميين دعوى القميين والنجاشي الغلو والتخليط لشخص قابلة للتأمل نعم لو ادعوا الكذب ذلك شيء آخر أما إذا ادعوا التخليط فإنهم كانوا يتشددون يقول الشيخ الصدوق أدنى درجات الغلو نفي السهو عن النبي "صلى الله عليه وآله" الآن أكثر علمائنا يرون أن السهو منفي عن النبي النبي معصوم حتى عن السهو والغفلة والنسيان فيصيرون كلهم مغاليين بناء على مبنى الشيخ الصدوق فلا يمكن الأخذ بكلامهم على إطلاقه في دعوى الغلو، إذن الأمر الأول ليس بتام.

وأما الرواية فلا بد من توجيهها...

الأمر الثاني هذه رواية صحيحة السند ودلالتها واضحة لكن يمكن توجيهها السيد الخوئي "رحمه الله" قال محمولة على نحو من التورية يعني فيها نوع خفاء لعل الإمام أراد أن يصونه أو يحفظه ولكن ظاهرها أن فيها تورية وهناك احتمالات قد تكون خلاف ظاهر العبارة لأن العبارة فيها قال ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة وما دخل علي هذا يتنافى مع الروايات الكثيرة أنه علم الإمام الباقر عنده وجلسات مع الإمام الصادق لذلك نحملها على التورية يحتمل أن مراد الإمام الصادق أنه ما رأى جابر حالة الدخول على الإمام الباقر وهذا ما يمنع أنه دخل عليه هذا يتناسب مع التورية وإن كان هذا خلاف ظاهر الرواية أو يحتمل أنه كان يدخل عليه لكن في غير داره لكن الإمام ما نص على الدار قال ما رأيته قط إلا مرة واحدة إن أمكن توجيه الرواية فبها ونعمة إن لم يمكن يرد علمها إلى أهلها ولا يمكن الأخذ بظاهرها ولا يمكن تصديقها والاعتماد عليها فلا تعارض الصحيح المتقدمة الدالة على صدق جابر في الحديث مضافا إلى ما دل على جلالته ومكانته عند الأئمة "عليهم السلام" وأنه أودع بعض الأسرار وأما قول النجاشي قلما يورد عنه شيء في الحلال والحرام مع أن رواية جابر في الكتب الأربعة كثيرة والكتب الأربعة في الفقه عدا أصول الكافي فلعله أمر نسبي يعني إذا قيس عدد روايات جابر في الفقه إلى عدد روايات زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل بن يسار تكون قليلة أكثر روايات جابر بن يزيد في العقائد ومقامات الأئمة

والحاصل لا إشكال في وثاقة جابر بن يزيد الجعفي لما مر من الروايات والكلمات الصريحة الدالة على أنه من الثقات الأجلاء ومن خواص الأئمة وأنه باب لعلومهم "عليهم السلام" وحافظ لأسرارهم "صلوات الله عليهم" فلا وجه للتوقف في رواياته نعم إذا كان هنا توقف ففي من روى عنه فلابد من ملاحظة أحوالهم والله العالم.

هذا تمام الكلام في الرجل الرابع جابر بن يزيد الجعفي واتضح أنه ثقة جليل القدر.

الخامس سهل بن زياد الآدمي[18]

وهو ممن كثرة رواياته في الكتب الأربعة وقد ذكر بأنها بلغت ألفين وثلاثمائة وأربعة من الروايات إلا أنه بعد حذف المتكرر منها لأن بعض الروايات نقلها الكليني في الكافي والشيخ في التهذيب والشيخ في الاستبصار والصدوق في من لا يحضره الفقيه فهذه روايات متكررة إذا تكررت في المصادر الأربعة تحسبها مورد واحد قد تصل إلى نصف هذا المقدار يعني ألف ومائة وخمسين تقريبا وقد اختلف فيه فذهب المشهور إلى ضعفه وذهب آخرون إلى وثاقته ومنهم الوحيد البهبهاني، الوحيد البهبهاني عنده وجيزة رجالية مطبوعة في نهاية كتاب رجال الخاقاني وأيضا موجودة كثير منها في تنقيح المقال للمامقاني والسيد مهدي بحر العلوم[19] وصاحب المستدرك المحدث النوري وغيرهم

وتوقف فيه بعضهم منهم السيد الخوئي "رحمه الله" قد استدل للقول بوثاقته بأمور يذكر الشيخ الداوري "حفظه الله" ستة أمور تدل على وثاقته وناقش هذه الأمور الستة كلها ما تدل على الوثاقة ثم يذكر خمسة أمور تدل على ضعفه منها إن أرباب الكتب ضعفوه النجاشي والشيخ الطوسي والكشي والغضائري كلهم ضعفوه يعني الكتب الأربعة القديمة أربابها ثلاثة النجاشي والشيخ الطوسي والكشي كلهم ضعفوه بالإضافة إلى أبن الغضائري وغيره وقد استدل للقول بوثاقته بأمور:

الأول ما ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الهادي "عليه السلام" من كتاب الرجال قال سهل بن زياد الآدمي يكنى أبا سعيد ثقة.[20]

الثاني نقل الشيخ الطوسي عنه كثيرا في التهذيبين مع عدم المناقشة فيه بل ناقش في غيره ولم يناقش في سهل بن زياد الآدمي.

الثالث أنه معدود في أصحاب الإمام الجواد والهادي والعسكري "عليهم السلام" وقد روى عنهم وله مكاتبة مع الإمام العسكري وكان معروفا وله كتاب ولم يرد في حقه طعن أو ذم ولو في رواية واحدة هذا كله كلام مو صحيح وعدم ورود شيء من ذلك مع كونه من المعروفين والمؤلفين وأنه شيخ لجماعة من الأجلاء دليل على وثاقته.

الرابع رواية الأجلاء عنه فقد روى عنه الفضل بن شاذان ومحمد بن يحيى العطار ومحمد بن الحسن الصفار وعلي بن إبراهيم القمي ومحمد بن جعفر الأسدي ومحمد بن قولويه صاحب كامل الزيارات وعلي بن محمد بن إبراهيم العلان وأحمد بن أبي عبد الله ومحمد بن أحمد بن يحيى أحمد بن أبي عبد الله الذي هو البرقي أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ومحمد بن أحمد بن يحيى صاحب نوادر الحكمة وسعد بن عبد الله الأشعري القمي وغيرهم.

الخامس وقوعه في إسناد تفسير علي بن إبراهيم القمي.[21]

السادس كثرة رواياته في الفروع والأصول وسلامتها عن الطعن والتضعيف من الارتفاع والتخليط يعني الغلو وغيرها مضافا على اعتماد المشايخ كالكليني والصدوق عليها دليل على وثاقته الكليني له عدد أشهرها ثلاث الأولى عدته عن محمد بن يحيى العطار الثانية عدته عن علي بن إبراهيم القمي الثالثة عدته عن سهل بن زياد الآدمي.

ثم إن جميع ما ورد من الذم يرجع إلى ما فعله أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي وإخراجه لسهل بن زياد الآدمي من قم ورميه بالغلو والتساهل في الحديث[22] وفعله أبن عيسى لا يكون دليلا على عدم الوثاقة وعليه فإذا علم منشأ التضعيف وعلم أيضا عدم صحته فحينئذ لا إشكال في وثاقته لكن سيتضح من خلال ملاحظة وجوه التضعيف الخمسة سيتضح أن تضعيفهم لا يستند إلى إخراج أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي له نناقش هذه الأقوال الستة.

الشيخ يقول أولا ما نقل عن الشيخ أن وثقه في الرجال غير ثابت لأن أبن داود عنده نسخة من رجال الشيخ الطوسي بخط الشيخ الطوسي ليس فيها التوثيق لسهل بن زياد الآدمي فهذه نسخة زائدة

ولكن نقول أما ما ذكره الشيخ في رجاله فهو غير ثابت لأن أبن داود نقل[23] عن رجال الشيخ وأن لفظ ثقة غير موجود في نسخة أبن داود وأن النسخة من كتاب الرجال التي عند أبن داود كانت بخط الشيخ الطوسي فلعل وضع كلمة ثقة من اشتباه النساخ مضافا إلى ما سيأتي من أن الشيخ الطوسي بنفسه ضعف سهل بن زياد في الفهرست والاستبصار

وأما الوجه الثاني فهو غير تام فإن الشيخ في الاستبصار في باب الظهار قال عن الرواية ضعيفة بسهل بن زياد الآدمي وأنه ضعيف جدا عند نقاد الأخبار وقد استثناه أبو جعفر بن الوليد الذي هو محمد بن الحسن بن الوليد وتبعه أبو العباس يعني السيرافي والصدوق[24] ، السيرافي والصدوق تبعه ابن الوليد في الاستثناء

وأما الوجه الثالث فعدم ورود الطعن من الأئمة، الأئمة من قال أنهم يطعنون في كل واحد، الأئمة يطعنون فيمن ادعى الوكالة وكانت له صفة ظاهرة بحيث يخشى منها ما أكثر الضعاف وغير الموثقين الأئمة لم يطعنوا فيهم وأما الوجه الثالث فعدم ورود الطعن من الأئمة ليس دليلا على الوثاقة لأنه ليس من دأب الأئمة عليهم السلام الطعن في كل شخص يستحق الطعن وإنما يرد منهم ذلك في حق من يدعي دعوى باطلة كدعوى الوكالة عن الإمام والبابية أنه باب عن الإمام والبابية عنهم افتراء عليهم وليس من سيرتهم "عليهم السلام" الطعن في الرواة وإن لم يكونوا ثقات

نعم إذا سئل الأئمة "عليهم السلام" أجابوا أما ابتداء فلا

وأما الوجه الرابع فقد ذكرنا مرارا أن روايات الأجلاء ليست دليلا لنفسها على الوثاقة

وأما الوجه الخامس وهو وقوعه في إسناد تفسير القمي فهو وإن كان صحيحا عند الشيخ الداوري إلا أنه واقع في القسم الثاني وقلنا فيما سبق إنه غير مشمول للتوثيق بل نحن لا نبني على كون تفسير القمي من التوثيقات العامة مطلقا في القسم الأول والثاني.

وأما الوجه السادس وهو إكثار المشايخ الرواية عنه في الفروع والأصول فلا دلالة فيه على التوثيق إذ لهم طرق أخرى صحيحة للروايات أو قرائن على صحتها أو أنهم نقلوها من كتب مشهورة ومعروفة فليس في اعتمادهم على روايته دليل على وثاقته ربما اعتمدوا عليها بوجود طرق وأسانيد أخرى

والحاصل والنتيجة إن الوجوه المذكورة الستة للاستدلال على وثاقة سهل بن زياد غير تامة ولا يمكن الاعتماد على شيء منها.

وأما ما ذكر من وجوه التضعيف فهي امور:

الأول ما ذكره النجاشي قال كان ضعيفا في الحديث غير معتمد عليه وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب[25] لم يشهد فقط بالغلو لو في الغلو ما عليه تقول هذا قمي بالغلو والكذب كيف يعني نتهم الأصحاب هم لم يدعوا الكذب إلا عن بينة وعن حس.

الثاني إن الشيخ الطوسي قال عنه في الفهرست ضعيف[26] وقال في الاستبصار ضعيف فاسد المذهب[27] قد يقال إن فهرست الشيخ الطوسي متقدم على الرجال زمانا فلعل الشيخ الطوسي عدل عن رأيه ؟؟؟ وجوابه عدل عن رأيه يعني كان في الفهرست ضعفه وفي الرجال عدل وثقوه يعني كان في الفهرست ضعفه ثم جاء الرجال ووثقوه وجوابه مع غض النظر عما نقله أبن داود عن الرجال أن كتاب الاستبصار متأخر عن الرجال وقد ضعفه فيه يعني كتاب التهذيب قطعا متأخر عن الاستبصار والفهرست والرجال من أواخر كتب الشيخ الطوسي فيؤخذ به.

الثالث استثناء ابن الوليد لسهل بن زياد الآدمي من روايات نوادر الحكمة[28] ومتابعة الصدوق وأبو العباس أبن نوح السيرافي له ـ لابن الوليد ـ يعني قالوا نحن نقبل روايات نوادر الحكمة دبة شبيب عدى ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى عن فلان عن فلان وعن سهل بن زياد من المستثنى ولم يستشكل على ابن الوليد في استثناءه كما استشكلوا على ابن الوليد عندما استثنى محمد بن عيسى بن عبيد لأنه كان على ظاهر العدالة وقد تقدم هذا المعترض هو ابن نوح السيرافي حينما قال وقد أصاب شيخنا أبو جعفر يقصد محمد بن الحسن بن الوليد، إلا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابه فيه وفي نسخة أخرى للنجاشي فلا أدري ما رأيه فيه لأنه كان على ظاهر الوثاقة والعدالة.

طبعا الاستثناء لأنه ماذا يقول دقيق ابن الوليد أو ما رواه عن محمد بن عيسى بن عبيد بإسناد منقطع فالاستثناء ليس لشخص ابن عبيد وإنما فيما إذا كان الإسناد منقطعا.

الرابع ذكر الكشي عن علي بن محمد القتيبي عن الفضل بن شاذان أنه كان يقول في أبي الخير صالح بن سلمة أبي حماد الرازي كما كني وقال علي كان أبو محمد الفضل يرتضيه ويمدحه ولا يرتضي أبا سعيد الآدمي ويقول هو الأحمق[29] وعدم الارتضاء تضعيف.

الخامس نقل عن أبن الغضائري أنه قال عنه ضعيف جدا فاسد الرواية وقد أخرجه أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري من قم وأمر بالبراءة منه وعدم السماع والرواية عنه

ويؤيد هذا ما ذكره المحقق الحلي في نكت النهاية في باب حد السرقة أنه ضعيف[30] ، لماذا يقول يؤيد؟ لأن المحقق الحلي من المتأخرين كلامه ليس بحجة،

هذه هي الوجوه التي ضعف بها سهل بن زياد وبعد هذا كله هل يمكن أن يقال أن منشأ التضعيف يعود إلى إخراج أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري له من قم

الحق إن هذا مشكل جدا تضعيفهم ليس للإخراج مع أن أحمد بن محمد قد تاب عن فعله في حق بعض الأشخاص وندم كما تقدم مع البرقي وغيره حينما أخرجه البرقي أرجعه إلى قم ولما توفى خرج في جنازته حاسر الرأس حافي القدمين وصلى عليه ثم كيف يتصور في حق أحمد بن محمد بن عيسى وهو من العظماء والأجلاء أن يشهد بالغلو والكذب على سهل جزافا ومن دون مستند

نعم يمكن القول أن نظرة القميين في مسألة الغلو محل تأمل ولكن ماذا يقال في الشهادة عليه بالكذب؟

وهكذا يستبعد أن استناد الشيخ الطوسي والنجاشي والكشي في التضعيف إلى ما فعله أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي

والذي تحصل من جميع ما ذكرنا إن الأدلة على وثاقة سهل بن زياد غير تامة وإن كلمات الرجاليين شهادات مستقلة على ضعفه ثم على فرض عدم تمامية أدلة التضعيف يكون موردا للتوقف كما هو رأي السيد الأستاذ السيد الخوئي "قدس" والله العالم.

الرأي أنه لا نتوقف ولا نوثقه ضعيف سهل بن زياد الآدمي والله العالم نحن كلامنا في الظاهر.

السادس سالم بن مكرم

سالم بن مكرم أيضا ممن اختلف فيه فهناك من يوثقه وهناك من يضعفه والصحيح عندنا أنه ثقة من الأجلاء السر في تضعيفه سالم بن مكرم أبو خديجة كان من أصحاب أبي الخطاب الذي وردة اللعنة في حقه والسلطة العباسية أرسلت عيسى بن موسى وقد كبسهم في المدينة وقتلهم كلهم وبقي رجل واحد به رمق إلى أن حل الليل وهو فكر أنه قتلهم كلهم فلما ذهب العباسيون قام وهو سالم بن مكرم لكنه تاب واختص بالإمام الصادق "عليه السلام" وأما أبو الخطاب وجماعته الله "عز وجل" استجاب فيهم دعاه قال اللهم أذقه حر الحديد يعني حرارة ضربة السيف وقتل فالنجاشي وثقه والأجلاء رووا عنه ولكن المناقشة في أن الشيخ الطوسي ضعفه قال لأمور ليس مجال ذكرها كأنه يشير إلى أمور واضحة وهو كونه من جماعة أبي الخطاب ولكن الصحيح أن كلام الشيخ الطوسي لا يعارض كلام الشيخ النجاشي والشيخ النجاشي قال ثقة ثقة أكد وثاقته فتكون النتيجة أنه ثقة فلعل الشيخ الطوسي لم يطلع على توبته.

السادس سالم بن مكرم

المكنى بأبي خديجة وقد يكنى بأبي سلمة الإمام بعد ذلك قال له غير كنيتك لأنه لما كان من جماعة أبي الخطاب كانت كنيته أبو خديجة الإمام قال كني نفسك أبو سلمة حتى ينصرف المعنى السابق.

المكنى بأبي خديجة وقد يكنى بأبي سلمة وله في الكتب الأربعة أكثر من مئة رواية وقد اختلف فيه فذهب بعض إلى وثاقته وذهب آخرون إلى ضعفه وتوقف فيه ابن طاووس[31] والعلامة[32] يعني الأقوال فيه ثلاثة كسهل بن زياد الآدمي التوثيق والتضعيف والتوقف.

ما الفرق بين التضعيف والتوقف؟ التضعيف قام الدليل على الضعف التوقف لم يقم الدليل على الضعف ولم يقم الدليل على التوثيق

واستدل للقول بوثاقته بأمور:

الأول ما ذكره النجاشي في حقه قال يقال أبو سلمى الكناسي من الكناسة بالكوفة، ثقة ثقة روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن يعني الكاظم، له كتاب[33] ثم ذكر طريقه إليه النجاشي ذكر طريقه إلى الكتاب وينتهي السند إلى الحسن بن علي الوشاء

وقال في أحمد بن عائد النجاشي ثقة وكان قد صحب أبا خديجة سالم بن مكرم[34] وأخذ عنه وعرفه به هذا إشارة إلى أنه من وجوه مدح أحمد بن عائذ هذا الثقة أنه صحب أبو خديجة لذلك يقول الشيخ الداوري وفي هذا نوع مدح لسالم بن مكرم لأنه إذا كان أحمد بن عائد وهو ثقة يختص بأبي خديجة ويلازمه ففيه إشعار بمكانة أبي خديجة وعلو شأنه.

الثاني ما ذكره الكشي من توثيق علي بن الحسن بن فضال له ـ لأبي خديجة ـ فإنه لما سئل عنه، علي بن الحسن بن فضال دقيق جدا ومن كبار الفطحية أدرك أباه وسمع منه لكنه لم يروي عنه قال لأنني سمعت منه قبل بلوغي فأخذ يحدث عن أبيه بواسطة أخيه أحمد بن الحسن بن فضال، قال عنه إنه صالح وذكر أن الإمام أبا عبد الله "عليه السلام" قد أمر سالم بتغيير كنيته من أبي خديجة إلى أبي سلمة[35] حتى الذهنية السابقة عن كونه من جماعة أبي الخطاب تزول من أذهان الناس.

الثالث رواية الأجلاء عنه ومنهم أبن أبي عمير[36]

وأما ما ذكر دليلا على ضعفه فأمران:

الأول ما ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست قال عنه ضعيف له كتاب ثم ذكر طرقا ثلاثة لكتابه اثنين منها ينتهيان إلى أحمد بن عائد والثالث إلى عبد الرحمن بن أبي هاشم البزاز[37]

وقال الشيخ الطوسي في الاستبصار في باب ما يحل لابني هاشم من الزكاة بعد إن أورد الرواية فهذا الخبر لم يروه غير أبي خديجة وإن تكرر في الكتب وهو ضعيف عند أصحاب الحديث لما لا احتياج إلى ذكره[38] لعله إشارة إلى كونه من جماعة أبي الخطاب.

الثاني ما ذكره أبن شهر آشوب في معالم العلماء قال أبو خديجة سالم بن مكرم ضعيف له كتاب[39] ثم إن السيد الأستاذ السيد الخوئي ذكر في المقام أمورا ثلاثة:

الأمر الأول إن طريق النجاشي لكتاب سالم بن مكرم ينتهي إلى حسن بن علي الوشاء وهو روى عن سالم في حين أن طريق الشيخ الطوسي ينتهي إلى أحمد بن عائذ وأحمد بن عائذ هو الراوي عن سالم إذن من الذي يروي عن سالم الوشاء أو أبن عائد، الشيخ الداوري يقول والصحيح هو ما ذكره الشيخ الطوسي يعني ابن عائذ الذي يروي وليس الوشاء لأن جميع ما في الكتب الأربعة من الروايات عن سالم إنما هي عن أحمد بن عائذ إلا في موردين ولابد من توجيههما فيكون في كلام النجاشي قدس قد سقط أحمد بن عائذ يعني الحسن بن علي بن وشاء عن أحمد بن عائذ عن سالم بن مكرم هذا أمر الآن لا علاقة له بما نحن فيه التوثيق والتضعيف.

طبعا المعروف هو نص الشيخ النجاشي على أن احمد بن عائذ ممن اختص بسالم بن مكرم.

الثاني نسب العلامة إلى الشيخ الطوسي توثيق سالم بن مكرم في موضع[40] وقد مر أن الشيخ قد ضعفه في الفهرست والاستبصار فيقع التعارض بين توثيق الشيخ وتضعيفه وبعد التساقط يبقى توثيق النجاشي سالما عن المعارضة فيؤخذ به هذا مطلب مهم لا بأس أن نقرره.

الآن إذا الشيخ الطوسي عنده قولين قول بالتضعيف وقول بالتوثيق وغيره عنده قول بالتوثيق مثل النجاشي فهل يتعارض قولي الشيخ الطوسي فيتساقطان فيبقى قول النجاشي بلا معارض فنقبل توثيق النجاشي ونطرح توثيق الشيخ لأنه يتعارض مع تضعيفه، السيد الخوئي يقول لا نتعامل كأنها نصوص ثلاثة تعارض توثيقان مع تضعيف يصير تساقط لا أنه كلام الطوسي يتعارض معه إلا إذا شخصنا المتقدم من المتأخر واتضح أن المتقدم باطل والمتأخر قد عدل إليه في هذه الحالة يصير تعارض بين القول الأخير للشيخ الطوسي وقول النجاشي أما إذا لم نعلم المتأخر تصير كل الأقوال متعارضة.

قد مر أن الشيخ قد ضعفه في الفهرست والاستبصار فيقع التعارض بين توثيق الشيخ الطوسي وتضعيف الشيخ الطوسي وبعد التساقط بين تضعيف وتوثيق الشيخ الطوسي يبقى توثيق النجاشي سالما عن المعارضة فيؤخذ به

واستشكل السيد الأستاذ السيد الخوئي على هذا النحو من الجمع بأن التعارض في كلام الشيخ على فرضه لا يستلزم الأخذ بكلام النجاشي بل يدخل كلام النجاشي بل يدخل كلام النجاشي في التعارض أيضا يعني ثلاثة أقوال متعارضة قولان للشيخ وقول للنجاشي ونظيره موجود في الفقه أنا إذا فرضنا وردت رواية عن زرارة دالة على حرمة الشيء ووردت رواية عن زرارة رواية أخرى عنه تدل على الجواز ووردت رواية عن محمد بن مسلم وهي تدل على خلاف الأولى فلا يمكن أن يقال إن روايتي زرارة متعارضتان فيتساقطان ويؤخذ برواية محمد بن مسلم بل يقال إن التعارض واقع بين الروايات الثلاث وما نحن فيه من هذا القبيل.

يعلق الشيخ الداوري يقول وما أورده "قدس" في محله ثلاثة نصوص مستقلة يقع بينها التعارض وعليه فلا يمكن القول إن توثيق النجاشي سالم عن المعارضة على فرض وقوع التعارض في كلام الشيخ الطوسي

نعم يمكن تصوير التعارض في كلام الشيخ بأن يقال إن الشيخ الطوسي ربما رجع عن أحد قوليه إما رجع عن التوثيق أو التضعيف واستقر رأيه على أحدهما فيؤخذ بالمتأخر وحيث لم نعرف أيهما المتقدم من المتأخر فحينئذ يتصور التعارض في كلام الشيخ الطوسي.

الثالث إن توثيق الشيخ النجاشي لا معارض له لاحتمال الشيخ اشتبه عليه الأمر فكر أنه ما تاب وفي ذهنه حادثة أبي الخطاب وذلك لوجود شخص اسمه سالم وهو سالم بن أبي سلمة هذا ضعيف هذا غير سالم بن مكرم لعله أختلط الأمر بين سالم بن مكرم وسالم بن أبي سلمة وكان نحن نستبعد لأنه سالم بن مكرم مشهور أبو خديجة وهو سالم بن أبي سلمة وقد ضعفه النجاشي وقال عنه حديثه ليس بالنقي[41] كما ضعفه ابن الغضائري أيضا وقال عنه وهو ضعيف روايته مختلط[42] وأما الشيخ فإنه لم يتعرض له بشيء مع أنه قد ذكر أن لسالم هذا كتابا فإغفال الشيخ ذكره لذلك سالم بن أبي سلمة مع أن له كتابا تخيله أن سالم بن مكرم هو سالم بن أبي سلمة وأن الشيخ تعرض لسالم بن مكرم وقال كنيته مكرم أو سلمة فحينئذ ينطبق سالم بن أبي سلمة فوقع الاشتباه يعني صار اشتباه بين أبي سلمة سالم بن مكرم الذي هو الثقة أبو خديجة وبين سالم بن أبي سلمة الضعيف الشيخ الطوسي ترجم سالم بن أبي سلمة وما ذكر في حقه شيء لما ترجم أبا خديجة الذي هو أبو سلمة سالم بن مكرم طعنه وضعفه وقال كنيته مكرم أو سلمة وحينئذ ينطبق على سالم بن أبي سلمة فوقع الاشتباه من ناحية الكنية أبو سلمة وما ورد من الذم إنما هو في حق سالم بن أبي سلمة لا سالم بن مكرم ثم إن كنية أبي سلمة هي لسالم لا لوالده مكرم وهذا اشتباه آخر الذي يلقب أبو سلمة هو سالم بن مكرم وليس نفس مكرم فإنهم ذكروا أن لسالم كنيتين أبا خديجة وأبا سلمة وعليه فتضعيف الشيخ هو من باب الاشتباه في التطبيق.

ومما يؤكد ذلك أن الشيخ الطوسي في صدد ذكر المؤلفين والمصنفين من أصحاب الأئمة "عليهم السلام" يعني كان بصدد بيانهم فعدم ذكره لسالم بن أبي سلمة مع أن له كتابا هذا يؤكد أنه اشتبه بسالم بن مكرم[43] لم يذكر هناك سالم بن أبي سلمة هذا حاصل ما ذكره السيد الأستاذ السيد الخوئي في هذا الأمر وبه يفرق بين التضعيف والتوثيق فالتضعيف لسالم بن أبي سلمة وأما سالم بن مكرم فهو ثقة بلا معارض.

إنصافا هذا كلام بعيد الشيخ الطوسي شيخ الطائفة يشتبه في مجرد الاتحاد في الكنية كان قريب من عصر النص وكتب الرجال موجودة الشيخ الداوري يناقش يقول

ولكن يمكن أن يناقش فيما افاده في هذا الوجه

أولا ما المانع أن تكون كنية مكرم أبا سلمة وكنية أبوه مكرم بعد ابو سلمة فيشترك الوالد والولد في الكنية فنسبة الاشتباه إلى الشيخ من هذه الجهة اتحاد الكنيتين بعيدة جدا مضافة إلى تصريح الشيخ الطوسي بأن كنية سالم بن سلمة هو أبو سلمة[44] فملتفت الشيخ إن مكرم كنيته أبو سلمة وهو الوالد وسالم بن مكرم أيضا كنيته أبو سلمة وهو الولد.

ثانيا على فرض حصول الاشتباه في سالم بن أبي سلمة كيف ينص على تضعيف سالم بن مكرم وبعبارة أخرى كيف يحصل الاشتباه في جانب التضعيف لا التوثيق فإذا سالم بن مكرم ثقة فكيف اشتبه عليه الأمر وضعفه ولم يوثقه؟

ثالثا اغفال الشيخ ذكر سالم بن أبي سلمة مع أن له كتابا أمر آخر وهذا اجنبي عن المقام بحثنا عن سالم بن مكرم وليس سالم بن أبي زيد

إذن ما أفاده السيد الخوئي محل تأمل انصافا كلام الشيخ الداوري تام بالنسبة إلى هذا التأمل.

شيخنا الداوري كيف تجمع يقول هو ثقة ولكن ضعّف من جهة جماعة أبي الخطاب هذا يمكن الجمع يقول الشيخ الداوري:

والذي يمكن أن نعتمده من الجمع بين التوثيق والتضعيف وقد يفهم من كلام الشيخ الطوسي في الاستبصار عن سالم بن مكرم بأنه ضعيف عند أهل الاخبار لما لا احتياج إلى ذكره فهذه الجملة الأخيرة تشعر بأن هنا شيئا بينا واضحا لأجلها ضعف وهي من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى ذكر والعلة هي ما ذكر في أحوال سالم بن مكرم من أنه كان من اصحاب أبي الخطاب مدة من الزمن ثم تاب ورجع عن ذلك

ذكر الكشي عن محمد بن مسعود قال سألت أبا الحسن علي بن الحسن عن اسم أبن خديجة قال سالم بن مكرم فقلت له ثقة فقال صالح وكان من أهل الكوفة وكان جمالا وذكر أنه حمل أبا عبد الله "عليه السلام" من مكة إلى المدينة يعني الإمام وكله أن يحمله إلى المدينة قال أخبرنا عبد الرحمن بن ابي هاشم عن أبي خديجة قال قال أبو عبد الله "عليه السلام" لا تكتني بأبي خديجة قلت فبما أكتني قال بأبي سلمة لاحظ أصحاب الأئمة ياخذ النصيحة من الإمام بماذا حتى الكنية والأسم يأخذه من الإمام "عليه السلام"، وكان سالم من اصحاب أبي الخطاب ـ هذا الكشي يقول ـ وكان في المسجد يوم بعث عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس هذا علي بن عبد الله بن العباس هو أساس الدعوة العباسية ثم بعده ورث ولده محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وبعد ذلك أبناء محمد بن علي هم الذين سيطروا وحكموا الأبن الأول أبي العباس السفاح وأسمه عبد الله والولد الثاني المنصور الدوانيقي وأسمه أيضا عبد الله لكن الأول ابن حرة أبو العباس السفاح والثاني أبو العباس الذي هو المنصور الدوانيقي أمه أمة والثاني أكبر سنا قدم الأول لأنه أبن حرة فلما مات بالجدري في شبابه قدمه أصلا المنصور الدوانيقي ما كان يتوقع أن يحكم أكثر من حكم عند الدولة العباسية باطشان الأول المنصور الدوانيقي قرابة خمسة وعشرين سنة والثاني جعفر المتوكل عشرين سنة.

وكان عامل المنصور هذا عيسى بن موسى بعد ذلك همش المنصور كان ولي العهد عزله وجعل ولده وكان عامل المنصور على الكوفة إلى أبي الخطاب لما بلغوا أنهم أظهروا الإباحات ودعوا الناس إلى نبوة أبي الخطاب وأنهم يتجمعون في المسجد ولزموا الأساطين يرون الناس أنهم لزموها للعبادة وبعث إليهم رجلا فقتلهم جميعا لم يفلت منهم إلا رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى يعد فيهم فلما جنه الليل خرج من بينهم فتخلص وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمّال الملقب بأبي خديجة فذكر بعد ذلك أنه تاب وكان ممن يروي الحديث[45] الكشي ذكر أنه تام

وقد وقعت هذه الحادثة قبل وفاة الإمام الصادق بعشر سنوات ولعل أمره "عليه السلام" سالما بتغيير كنيته إلى أبي سلمة لأنه كان معروفا بكنيته الأولى أيام صحبته لأبي الخطاب فبعد توبته وللستر عليه أمره الإمام "عليه السلام" بتغيير الكنية وقد ذكر في أحواله أنه روى عن أبي الحسن موسى بن جعفر "عليهم السلام" والخطابية تنصب العداء للإمام موسى بن جعفر

وعليه فيمكن الجمع بين كلام الشيخ الطوسي وكلام الشيخ النجاشي بأن الشيخ لم يتيقن بتوبته أو يطمأن بها فهو عنده ضعيف

وهناك احتمال آخر ولعله الأرجح وهو أن الشيخ علم بتوبة سالم إلا أنها ترتبط بمسألة فقهية وهي هل هذه التوبة مقبولة أم لا موجود لأن المرتد الفطري يستتاب أو لا المشهور أنه لا يستتاب إذا لم ينفذ عليه الحد ولم يقتل هل يرتب عليه آثار الإسلام الظاهرية أو لا أيضا قولان فهذه مسألة فقهية وهي هل إن هذه التوبة مقبولة أم لا وذلك لتحقق الارتداد عن فطرة فإن الخطابية يقولون بألوهية الإمام الصادق "عليه السلام" وبنوة محمد بن أبي المقلاص المعروف بأبي الخطاب فبعد تحقق الارتداد من سالم وحصول التوبة منه فهل تكون توبته مقبولة وهذه مسألة خلافية بين الفقهاء[46] مشهور بين السنة تقبل توبة المرتد الفطري بين الشيعة تقبل توبة المرتد الملي أما المرتد الفطري لا تقبل توبته فإنهم ذكروا الارتداد على نحويين تارة يكون عن فطرة إذا كان مسلما ولد على الإسلام وأخرى عن ملة إذا كان كافر وبعد ذلك أسلم ثم ارتد والأول مرتد عن فطرة لا تقبل فيه التوبة وتترتب عليه جملة من الأحكام فيجب قتل المرتد وتبيين منه زوجته وتقسم أمواله وعلى فرض عدم قتله فهل يعامل معاملة المسلم أم لا؟ هذه مسألة خلافية أخرى طبعا القول بعدم قبول توبته لا يعني أنه لا ترتب عليه آثار الإسلام هذه مسألة أخرى فلا يبعد ابتناء الأمر على هذه المسألة ولعل تضعيف الشيخ من هذه الجهة ولابد من التحقيق لمعرفة مبنى الشيخ في هذه المسألة

وهناك قول بالتفصيل فالتوبة غير مقبولة بالنسبة إلى الأحكام المتعلقة بالارتداد وفيما عداها تقبل توبته، فيما عدى الأحكام المتعلقة بالارتداد يعني يرتب عليها آثار، أحكام الارتداد يعني أنه يجب قتله تبين منه زوجته تقسم تركته لكن ظاهريا قد يعامل معاملة المسلم يراجع مباني تكملة المنهاج للسيد الخوئي الجزء الأول صفحة 325 هذه مجرد احتمالات يذكرها الشيخ الداوري "حفظه الله".

وبناء على كون الإسلام شرطا في الراوي عند الشيخ الطوسي وإن لم يشترط الإيمان فالمخالف الثقة يقبل قوله وإن كان فاسد المذهب فيكون سالم بن مكرم عنده ضعيفا لانتفاء الإسلام وتوبته لا تنفع لوثاقته يعني لا تفيد وثاقته بناء على عدم قبول توبته مطلقا يعني عدم قبول توبة المرتد مطلقا فطري أو ملي وفي أحكام متعلقة بالتوبة أو غيرها ويؤيد هذا قوله في بيان العلة لما لاحتياجه إلى ذكره مع أنه الشيخ الطوسي هو المهذب إلى رجال الكشي اختيار معرفة الرجال الناقلين عن الأئمة الصادقين وقد اطلع على ما أورده الكشي في كتابه من أحوال سالم وتوبته إلا أن المسألة مبنائية وأما النجاشي فلعل مبناه أنه بعد توبة المرتد يعامل معاملة المسلم ويقبل قوله فتكون وثاقته عنده ثابتة ولهذا عبر عن سالم بأنه ثقة ثقة أصلا غير واضح أن النجاشي من الفقهاء الواضح أنه خبير بالأنساب والرجال أما أنه فقيه كالشيخ الطوسي هذا أول الكلام

والحاصل أنه يمكن الاعتماد على توثيق النجاشي وتكون روايات سالم بن مكرم معتبرة بهذه الجهة والله العالم

والصحيح ما صححه شيخنا الأستاذ الداوري نبني على وثاقة سالم بن مكرم أبو خديجة استنادا إلى توثيق الشيخ النجاشي وأما تضعيف الشيخ الطوسي فقابل للتوجيه، السابع داود بن كثير الرقي يأتي عليه الكلام.

 


[1] رجال العلامة الحلي‌، العلامة الحلي، ج1، ص35.
[2] معجم رجال الحديث، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج4، ص338.
[3] مناقب آل أبي طالب - ط علامه، ابن شهرآشوب، ج4، ص281.
[4] رجال العلامة الحلي‌، العلامة الحلي، ج1، ص35.
[5] تفسير القمي‌، القمي، علي بن ابراهيم، ج1، ص36.
[6] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص780.
[7] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص442.
[8] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص436.
[9] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص437.
[10] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص437.
[11] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص438.
[12] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص439.
[13] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص439.
[14] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص442.. من ص440
[15] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص443.
[16] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج1، ص128.
[17] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص436.
[18] تنقيح المقال في علم الرجال، المامقاني، الشيخ عبد الله، ج34، ص178.
[19] الفوائد الرجالية (رجال السيد بحر العلوم)، السيد بحر العلوم، ج3، ص23.
[20] رجال الطوسي، الشيخ الطوسي، ج1، ص416.
[21] تفسير القمي‌، القمي، علي بن ابراهيم، ج2، ص59.
[22] الفوائد الرجالية (رجال السيد بحر العلوم)، السيد بحر العلوم، ج3، ص24.
[23] كتاب الرجال، ابن داوود الحلي، ج1، ص249.
[24] رجال العلامة الحلي‌، العلامة الحلي، ج1، ص272.
[25] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج1، ص185.
[26] الفهرست، الشيخ الطوسي، ج1، ص142.
[27] الإستبصار، الشيخ الطوسي، ج3، ص28.
[28] رجال العلامة الحلي‌، العلامة الحلي، ج1، ص272.
[29] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص837.
[30] نكت النهاية، المحقق الحلي، ج2، ص177.
[31] تنقيح المقال في علم الرجال، المامقاني، الشيخ عبد الله، ج30، ص103.
[32] رجال العلامة الحلي‌، العلامة الحلي، ج1، ص227.
[33] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج1، ص188.
[34] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج1، ص98.
[35] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص641.
[36] مشايخ الثّقات، عرفانيان، الميرزا غلامرضا، ج1، ص132.
[37] الفهرست، الشيخ الطوسي، ج1، ص141.
[38] الإستبصار، الشيخ الطوسي، ج2، ص36.
[39] معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة و أسماء المصنفين قديما و حديثا‌، ابن شهرآشوب، ج1، ص92.
[40] رجال العلامة الحلي‌، العلامة الحلي، ج1، ص227.
[41] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج1، ص190.
[42] مجمع الرجال‌، القهپائي، عنايةالله‌، ج3، ص92.
[43] معجم رجال الحديث، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج9، ص28.
[44] الفهرست، الشيخ الطوسي، ج1، ص141.
[45] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص641.
[46] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج41، ص600.