الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الرجال

41/09/17

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: المبحث العاشر رواية الاجلاء والمبحث الحادي عشر الترحم والترضي

 

المبحث العاشر رواية الأجلاء

وهنا توجد أربعة آراء:

الرأي الأول مجرد رواية الثقة عن رجل دليل على وثاقته وهذا مبنى صاحب المستدرك الشيخ الميرزا حسين النوري الطبري "رحمه الله".

المبنى الثاني رواية الجليل عن رجل أمارة وثاقته وهذا هو رأي المشهور.

المبنى الثالث إكثار الجليل عن ثقة أمارة وثاقته وهذا ما نبني عليه فإن إكثار الكليني عن محمد بن إسماعيل في أكثر من خمسمائة مورد أمارة على وثاقته فإن الجليل لا يكثر عن غير الثقة.

المبنى الرابع إنكار المباني الثلاثة فجميعها لا يدل على الثلاثة وهو مبنى السيد الخوئي فإن مجرد رواية ثقة عن رجل لا يدل على وثاقته كما أن رواية الجليل عن ثقة لا يدل على وثاقته وقد روى الأجلاء عن من علم ضعفهم ويحتمل أن يروي الجليل عن الضعيف لأمارات أخرى يوجد عنده طريق أخر أو لوثوقه بالرواية كما أن إكثار الجليل عن شخص لا يدل على الوثاقة فلعله أكثر لغرض معين نحن نقول من البعيد جدا أن الجليل يكثر عن رجل لوجود عدة عوامل من البعيد جدا فإكثار الجليل عن شخص أمارة وثاقته لأنه يبعد أن تتعدد الحيثيات في مختلف الروايات لقبولها عن شخص معين الشيخ الداوري يوافق السيد الخوئي "رحمه الله" من إنكار أن رواية الجليل أو إكثار الجليل عن شخص فهو يرى أنه لا يدل على الوثاقة ونحن نستظهر أنه يدل على الوثاقة.

وادعي أنه إذا روى الثقات الأجلاء عن شخص هذا مبنى رواية الجليل، المبنى الثاني أو كثرت روايتهم عنه يعني كثرة رواية الأجلاء عن شخص فهذا دليل على وثاقته، المبنى الثالث وبالغ بعضهم وهو المحدث النوري بأن رواية الثقة عن شخص تكفي للحكم بوثاقته مجرد رواية الثقة على هذا توثق أكثر الرواة إلا أن المشهور هو الأول يعني رواية الجليل أو إكثاره عن شخص أمارة وثاقته هذه ثلاثة أقوال وذهب آخرون كالسيد الخوئي إلى أن رواية الأجلاء لا دلالة لها على التوثيق هذا المبنى الرابع.

ما هو دليل القول الأول؟ الشيخ الداوري جعل رواية الأجلاء وإكثارهم جعلها قول واحد نحن جعلناها قولين، ما هو الدليل؟ السيرة الجارية بين المحدثين من أن الجليل إذا روى أو أكثر فهو يروي عن ثقة.

قال وقد استدل للقول الأول أن رواية الجليل أو إكثاره عن شخص أمارة الوثاقة بالسيرة الجارية بين المحدثين والعلماء فإنه لو لم يكن المروي عنه ثقة لما روى عنه المحدثون والعلماء ولطرحوا روايته فالرواية عن شخص أو الإكثار من الرواية عنه والعمل على روايته من هؤلاء الأجلاء دليل على الوثاقة وقد كان دأب القميين وغيرهم على هذا أن الجليل يروي عن الثقة هذا أيضا له مؤيد وهو ما ورد في محمد بن سنان إذ طعن فيه لكن الكشي قال الفضل بن شاذان روى عنه

ويؤيده أن رواية الجليل أمارة الوثاقة، ما ذكره الكشي في ترجمة محمد بن سنان قال بعد ذكر روايات المدح والقدح فيه روى عنه يعني عن محمد بن سنان الفضل بن شاذان وأبوه ويونس ومحمد بن عيسى العبيدي ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيان وابنا دندان وأيوب بن نوح وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم وكان محمد بن سنان مكفوف البصر أعمى فيما بلغني[1] إذن ذكر هؤلاء الأجلاء لتأييد وثاقته ففيه أشعار بأن رواية هؤلاء الثقات عن محمد بن سنان قرينة على وثاقته وعليه فرواية الأجلاء عن شخص موجبة للتوثيق

وقد اعتمد بعض المتأخرين على هذا الدليل وحكم بوثاقة من روى عنه الأجلاء.

الشيخ الداوري ينقش في الدليل والمؤيد أما الدليل يقول مجرد رواية الجليل لا تدل على الوثاقة فلعل الجليل روى للرواية لا للعمل أو عنده طريق آخر أو قرائن أخرى فمجرد رواية الجليل لا تفيد التوثيق.

وأما المؤيد فلأنه الكشي ذكر هذا الكلام ربما لدفع محذور ما هو هذا المحذور؟ الكشي قبل هذا الكلام ذكر مقطعين وجاء فيهما أن الفضل بن شاذان يقول أنا لا استحل أن تروا عني ما رويته عن محمد بن سنان أراد أن يدفع هذا إن قول الفضل بن شاذان أنا لا استحل يدفعه يقول لا هو الفضل روى وأبوه روى وكل هذه الأجلاء رووا فإذن هذه الرواية في مقام دفع ليست في مقام توثيق محمد بن سنان في مقام دفع الرواية التي قيل فيها أن الفضل بن شاذان لا يستحل رواية شيء عنه وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال.

قال الشيخ الداوري والظاهر أن هذا لا يصلح أن يكون دليلا بنفسه وذلك لأنا إذا علمنا عن أحد من هؤلاء الأجلاء يقول ما هو المدرك؟ إما المدرك أن نعلم أنه لا يروي إلا عن ثقة كما في حق المشايخ الثلاثة والنجاشي إذا علمنا ما نحتاج أن نقول فلان وفلان روى عنه يكفي في توثيقه أن نعلم أنه لا يروي إلا عن ثقة فإذا رووا عن هذا الشخص فهو ثقة أما إذا لم نعلم أنه لا يروي إلا عن ثقة مجرد رواية الجليل عن شخص لا تدل على الوثاقة إذا لم نحرز أن هذا الجليل لا يروي إلا عن ثقة فلعله لغرض روى عنه وجود سند آخر أو الرواية ليست للعمل.

يقول لأنا إذا علمنا عن أحد من هؤلاء الأجلاء الفضل بن شاذان وأبو غيرة لا يروي إلا عن ثقة فرواية الواحد منهم كافية في التوثيق لا نحتاج إلى هذا الجمع كله، كما هو الحال في المشايخ الثلاثة محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى بياع السابوري واحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي والنجاشي كما مر ومع عدم العلم يعني عدم العلم بأن هذا الرجل لا يروي إلا عن ثقة أو العلم بالعدم يعني علمنا بعدم صحة هذه المقولة بحقه أنه لا يروي إلا عن ثقة وإن كان الأول كاف في المقام، ما هو الأول؟ عدم العلم يكفي أن لا نعلم أنه لا يروي إلا عن ثقة لا ثبت وثاقة المروي عنه وهو وإن كان إشعار بالمدح إلا أنه لا يكفي للحكم بالوثاقة وذلك لأن رواية الأجلاء عن شخص قد تكون من جهات متعددة كأن يكون هذا الشخص له أصل مشهور لذلك رووا عنه لا لأنه ثقة لأن أصله مشهور فإنهم يرون عن أصله أو أن لهم طرقا أخرى وهم يروون عنها هم هذه الطرق الأخرى ولا يعتمدون على هذا الطريق أو أن روايتهم ليست للعمل بل لمجرد الرواية وبناء على ذلك فلا دليل على أن رواية الأجلاء عن شخص تقتضي توثيقه.

أقول هذا يتم في مجرد رواية الأجلاء عن شخص وأما إذا أكثر الأجلاء بل أكثر الجليل الواحد هذا الاحتمالات بعيدة أن في جميع الروايات تتوفر جميع القرائن

ومما يؤيد هذا أن مجرد رواية الجليل عن شخص لا تدل على الوثاقة ما ورد في صالح بن الحكم النيلي فقد ضعفه النجاشي[2] هو ضعيف ومع ذلك روى عنه جمع من الأجلاء كعبد الله بن بكير وجميل بن دراج وحماد وابن السنان وصفوان وجعفر بن بشير هذا بالنسبة إلى نفس الدليل يعني هذا الإشكال بالنسبة إلى نفس الدليل.

سؤال لماذا قال ومما يؤيد هذا؟ لأنه يمكن الخدشة فيه فلربما يقال إن النجاشي ضعفه ولكنه ثقة عند هؤلاء لذلك رووا عنه فليس المراد أنه ثقة مطلقا وإنما ثقة عند الجليل الذي روى عنه الآن المناقشة في التأييد:

وأما بالنسبة إلى التأييد بكلام الكشي فجوابه أن الكشي وإن استدل بكلامه في محمد بن سنان إلا أنه من المحتمل أن يكون نظر الكشي الخدشة في الروايتين السابقتين في كلامه وذلك أنه بعدما ذكر الروايات المادحة لمحمد بن سنان ثم عقبها بالروايات الذامة قال إن الفضل بن شاذان قال لا استحل أن أروي أحاديث محمد بن سنان[3] وفي رواية أخرى لا أحل أو لا أحب لكم أن تروا أحاديث محمد بن سنان عني ما دمت حيا وذكر في بعض كتبه أنه كان من الكذابين المشهورين[4] أراد أن يدفع هذا الكلام وبعد هذا كله قال الكشي روى عنه الفضل بن شاذان وأبوه فكأنما الكشي يريد بهذا أن ينقض ما نسب إلى الفضل بن شاذان من قوله لا استحل إلى آخر الكلام لا جعله دليلا على الوثاقة وما دام هذا الاحتمال قائما إذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال فلا يمكن أخذ كلام الكشي مؤيدا

والنتيجة أنه لا يمكن الاستدلال بهذه العبارة على أن رواية الأجلاء كاشفة عن الوثاقة.

والخلاصة لم يثبت أن مجرد رواية الثقة أو الجليل عن شخص أمارة وثاقته نعم ثبت أن إكثار الجليل عن شخص أمارة الوثاقة هذا تمام الكلام في المبحث العاشر.

 

المبحث الحادي عشر

المبحث الحادي عشر الترحم والترضي وهنا أربعة عناوين:

العنوان الأول طلب المغفرة

العنوان الثاني طلب الرحمة

العنوان الثالث طلب الرضوان

العنوان الرابع طلب التنزيه ـ كرم الله وجه ـ

هذه عناوين أربعة بدأنا بالأضعف ثم الأقوى أضعف شيء غفر الله له ثم "رحمه الله" ثم رضي الله عنه ثم كرم الله وجهه الأقوى في التوثيق الرابع كرم الله وجهه وهي تقال في حق الإمام علي أهل السنة يقولون هذه في حق الإمام علي لأنه ينزه الإمام علي عن السجود لصنم لم يسجد لم صنم قط لا أيام الجاهلية ولا بعد ظهور النبي وبعثة النبي "صلى الله عليه وآله" إذن كرم الله وجهه قوي في التوثيق والتنزيه.

أما الأول والثاني طلب المغفرة غفر الله له هذا قلنا إذا واحد عنده سيئات تقول غفر الله له فإذن هناك اتفاق على أن طلب الغفران لا يدل على التوثيق وأما طلب الرحمة "رحمه الله" الرحمة تجوز للبر والفاجر فطلب الرحمة أيضا لا يدل على التوثيق الشيخ النجاشي يقول "رحمه الله" وسامحه وقع الكلام في الترضي فلان رضي الله عنه هل طلب الرضوان يفيد التوثيق أو لا؟ مثل قدس يعني الله يقدس روحه الله يقدس نفسه قدس سره السر هي الروح (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) قدس سره يعني قدس الله روحه الزكية هذه لا تقال إلا للأعاظم والأجلاء من هنا يستظهر الشيخ الأستاذ الداوري أن لفظ الترضي يدل على الوثاقة وبالتالي عندنا ترضي المعصوم وعندنا ترضي غير المعصوم من الرجاليين فإذا ترضي المعصوم "عليه السلام" يفيد التوثيق كذلك أيضا ترضي غير المعصوم يفيد التوثيق خصوصا إذا أكثر من الترضي كما هو دأب الشيخ الصدوق ولا يوجد مورد واحد أن الشيخ الصدوق أو النجاشي ترضى على واحد وطعن فيه لا يوجد ترحم على واحد وطعن فيه لا يوجد لكن لا يوجد مورد أنه ترضى وفي نفس الوقت طعن فيه ذهب السيد الخوئي "رحمه الله" إلى أن هذه العناوين طبعا العنوان الرابع كرم الله وجهه خارج عن بحثنا يذكر في السيرة وغيرها وغير متداول لفظ كرم الله وجهه في الرجال المشهور العناوين الثلاثة غفر الله له "رحمه الله" رضي الله عنه، ذهب السيد الخوئي إلى أن هذه العناوين الثلاثة بأجمعها لا تفيد التوثيق وذهب الشيخ الداوري إلى التفصيل فقال إن طل المغفرة وطلب الرحمة لا يفيدان التوثيق وطلب الترضي يفيد التوثيق والصحيح أن لفظ الترضي لا يفيد التوثيق ولكن يفيد الحسن والمدح لأن إفادة الترضي فرع كون المترضي في مقام التوثيق وقد لا نحرز أن المترضي كان في مقام التوثيق نعم أحيانا قد نحرز كما هو الحال بالنسبة إلى العامة حينما يقولون الخليفة الأول فلان رضي الله عنه الخليفة الثاني الثالث فلان رضي الله عنه قال الصحابي فلان رضي الله عنه واضح أنه ظاهر في الوثاقة عندهم لأنهم يرون نظرية عدالة الصحابة فهم يبنون على أنهم في مقام التوثيق حينما يترضون هم في مقام التوثيق ولكن بالنسبة إلى علمائنا إذا قالوا فلان رضي الله عنه من غير المعلوم أنه في مقام التوثيق نعم مفهوم الرضوان رضوان الله لا يصل ولا يقع على الشخص الكذاب ومن يتعمد الكذب هذا واضح رحمته قد تصل إليه ولكن لما نقول نطلب رضوان الله عليه هذا قد لا يكون للشخص الذي يتعمد الكذب والمراد بالثقة من لا يتعمد الكذب ولكن لابد أن نحرز أن المترضي هو في مقام بيان التوثيق عندما يترضى فالنتيجة النهائية ذهب السيد الخوئي إلى أن الترضي لا يفيد التوثيق وذهب الشيخ الداوري إلى أن الترضي يفيد التوثيق ونميل إلى ما ذهب إليه السيد الخوئي ونقول إن الترضي يفيد المدح نعم قد يفيد التوثيق إذا أحرزنا أن المترضي في مقام التوثيق، هذا تمام الكلام في خلاصة البحث الشيخ الداوري يذكر أدلة السيد الخوئي ويناقشها في هذه المقامات.

ذكر بعضهم أن الترحم والترضي من المشايخ الأجلاء على شخص كاشف عن حسنه ووثاقته

وقد استشكل السيد الأستاذ قدس على هذه الدعوى بأمور:

الأول أن الترحم وهو طلب الرحمة من الله تعالى دعاء والدعاء وهو أمر مرغوب فيه ومندوب إليه كالدعاء للوالدين بخصوصهما ولجميع المؤمنين وليس هذا مختصا بشخص دون شخص فلا ملازمة بينه وبين الوثاقة أو الحسن إذن الأمر الأول ناظر إلى الترحم ما يشمل الترضي لكن يشمل طلب الغفران لأنه مرتبة أدنى.

الثاني إن الإمام الصادق "عليه السلام" ـ هذا إشكال نقضي ـ قد ترحم على كل من زار الإمام الحسين "عليه السلام" ومن قال إن كل من زار الحسين هو صالح فيهم الفساق ووردت روايات كثيرة بأسانيد متعددة في أنه "عليه السلام" طلب المغفرة لزوار جده الحسين "عليه السلام" هذا قد يرد بأنه هذه قضية خاصة يعني هناك خصوصية لزوار الحسين ولا يمكن تعميمها على غيرهم.

الثالث أن الإمام الصادق "عليه السلام" ترحم على بعض الأشخاص عرفوا بالفسق كالسيد إسماعيل الحميري وغيره فترحمه لا يكون كاشفا عن الوثاقة فكيف بترحم الأعلام كالشيخ الطوسي والصدوق "قدس سرهما" والجواب السيد الحميري عاقبته حسنة كان في أوائل شبابه هكذا تقول الرواية هكذا أنه طبعا كان سنيا ثم صار شيعيا ولما دنت منه الوفاء والاحتضار وحظر السنة والشيعة ظهر في وجهه نكتة سوداء ثم أخذت في الاتساع إلى أن اسود وجهه بالكامل يقولون توجه إلى أمير المؤمنين إلى الغري قال يا أمير المؤمنين أتخذلني في هذه اللحظة وإذا بنكتة بيضاء قد ظهرت في وجهه ثم أخذت في الاتساع إلى أن ابيض وجهه فأنشد يقول كذب العادلون أن عليا لن ينجي محبه من هناته أنا والله فزت بجنة عدن وعفا لي الإله عن سيئاتي هذا عاقبة السيد الحميري شيء طبيعي يترحم عليه عاقبته حسنة.

الإشكال الرابع إن النجاشي ترحم على بعض معاصريه من المشايخه وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله البهلول سيأتي في المناقشة أنه لم يترحم على ابن البهلول إنه ترحم على الجوهري المورد هنا السيد الخوئي اشتباه سهو من قلمه الشريف المراد هو الجوهري وليس ابن البهلول.

الرابع أن النجاشي ترحم على بعض معاصرين من المشايخ وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله البهلول بعد ما أنه رأى شيوخهم يضعفونه وأنه لأجل ذلك لم يروي عنه[5] وقد مر البحث في ذلك

وعلى هذا فلا يمكن الأخذ بهذه الدعوى.

هذه الموارد الأربعة كلها في الترحم ما تشمل الترضي ولكن يمكن القول الشيخ الداوري يفرق بين الترحم والترضي ولكن يمكن القول إن المسألة فيها بحث وخلاصته أن الدعاء وطلب المغفرة لشخص يختلف بحسب الحالات والمقامات فتارة يدعى لشخص بالغفران هذا أولا وتارة بالرحمن هذا ثانيا وثالثة بالرضوان وهذه الأنحاء الثلاثة من الدعوات مختلفة في نظر العرف بل في الواقع أيضا وأدناها مرتبة هو طلب الغفران والأرفع منها طلب الرحمة وإن كان طلب الرحمة بمعناه اللغوي هو طلب الستر والغفران وأنه في نظر العرف أعلى مرتبة من طلب الغفران

ثم الأعلى من هاتين المرتبتين طلب الغفران وطلب الرحمة هو طلب الرضوان فإنه لا يقال في حق شخص رضي الله عنه إلا في مقام التعظيم والإكبار

وقد فسر قوله تعالى ﴿لقد رضي الله عن المؤمنين﴾[6] بأن الرضوان هنا بمعنى أعطائهم الثواب ولا يلازم ذلك الذنب وعليه فلترضي أعلى درجة من المرتبتين السابقتين طلب المغفرة وطلب الرحمة وهناك مرتبة أعلى من الجميع يعني أعلى من طلب المغفرة وطلب الرضوان وطلب الرحمة وهي قولهم كرم الله وجهه ويعبر فيها في مقام التنزيه عن الإثم وعبادة الأصنام وقد دأب بعض العامة على التعبير بهذا ـ كرم الله وجهه ـ عن أمير المؤمنين "عليه السلام" وعلل ذلك أنهم لماذا يطلقون على أمير المؤمنين كرم الله وجهه بنزاهته أمير المؤمنين عن السجود للأصنام بخلاف الأول والثاني والثالث فقد ثبت أنهم سجدوا للصنم في الجاهلية.

وليس الكلام في هذه المرتبة كرم الله وجهه هذا في السيرة يقال بل الكلام في المراتب الثلاث الأولى ودلالتها طلب المغفرة وطلب الرحمة وطلب الرضوان

والتحقيق في المقام أن يقال إن الدعاء بطلب المغفرة القسم الأول لا دلالة فيه على التوثيق ولم يقل به أحد ومحل الكلام هو الترحم والترضي، القسم الثاني فأما الترحم فالظاهر أنه مورد اهتمام العرف فلا يترحم العرف على كل أحد وإن كان لا يفرق العرف فيه ـ في الترحم ـ بحسب اللغة لا فرق بين البر والفاجر في طلب الرحمة لهما فكل شخص يمكن أن يدعا له بالرحمة.

القسم الثالث وأما الترضي فهو في اللغة بمعنى الرضا أي قبله الله وأراد ثوابه وهو لا يطلق على كل أحد فلا يقال لمن يتجاهر بالفسق مثلا رضي الله عنه وإنما يقال كان هنا أيضا ساقط وإنما يقال لمن كان في رتبة عالية من الجلالة والقداسة كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وأمثالهم وعلى هذا تختلف العبائر باختلاف الحالات والمقامات

فالمرتبة الأولى وهي طلب الغفران يفرض فيها العصيان والخطر فيطلب الستر والتجاوز عن خطأه

والمرتبة الثانية وهي طلب الرحمة كالأولى يعني طلب المغفرة مع زيادة التعاطف والرقة الله يغفر إليه ويترحم عليه فيها رقة ورأفة

والمرتبة الثالثة وهي طلب الرضا فالنظر فيها إلى الأعمال الصالحة فقط فيطلب الثواب والأجر عليها فكأنما لا يرى له خطأ أو عصيان ونظيره ما يقال عند ذكر الأجلاء في عصرنا قدس الله سره يعني روحه أو أعلى الله مقامه ولا إشكال في دلالته على الجلالة والعظمة وهي فوق الوثاقة

وأما المرتبة الرابعة كرم الله وجهه فمقام أعلى وهو التنزيه عن المعصية

وقد يعبر عن حاله بلفظ أخرى عناية ومجازا جل شأنه إلى آخره

وبناء على هذا التفصيل بين الحالات الأربع فيمكن التفصيل بين هذه العبائر فإذا صدر الترضي من الإمام "عليه السلام" فلا شك في دلالته على التوثيق وكذلك الحال في صدوره ـ الترضي ـ من الأعلام العارفين بمداليل الألفاظ في حق معاصريهم كالشيخ الصدوق فقد ترضى على أستاذه علي بن أحمد بن عيسى بن عمران الدقاق ولم يرد فيه توثيق فلو قلنا إن كما يقول الشيخ الداوري يفرق بين ترحم الصدوق وترضيه فلو قلنا إن ترضي الصدوق أمارة الوثاقة أمكن توثيق شيخه علي بن أحمد بن عيسى بن عمران الدقاق فيصير ثقة ببركة ترضي الصدوق "رحمه الله" يصير الترضي كاشف عن الوثاقة والظاهر أنه ـ الترضي ـ يعد توثيقا ولاسيما مع الإكثار منه الصدوق كثيرا ما يترضى فنفس الترضي علامة على التوثيق والإكثار منه ـ من الترضي ـ تأكيد له

وعلى فرض عدم دلالة الترضي على التوثيق صراحة فلا أقل هو كاشف عن الحسن والمدح ثم ينبري لمناقشة وملاحظة كلام السيد الخوئي قال فأما ما ذكره السيد الأستاذ من المناقشات الأربع فالإيراد في طلب المغفرة في محله وأما في طلب الرحمة السيد الخوئي الأربع موارد في طلب الرحمة، وأما في طلب الرحمة فهو وارد بحسب اللغة يعني ما ذكره السيد الخوئي وارد بحسب اللغة لا بحسب العرف وأما الترضي فلا إشكال عليه لأنه الأربعة الإشكالات ناظرة إلى الترحم لا الترضي لذلك الترضي لا إشكال على دلالته على الوثاقة لا في حسب اللغة ولا بحسب العرف وكلامه السيد الخوئي قدس لا يشمل الترضي لان السيد الخوئي الأمور الأربعة التي ذكرها كلام السيد الخوئي "رحمه الله" صفحة 315 ناظر إلى الترحم لا الترضي.

وبقية ما أورده السيد الأستاذ قدس أخص من المدعى، ما هو المدعى؟ أن الترضي يدل على التوثيق هذا المدعى هو الذي ذكر بالنسبة إلى زوار الحسين وترحم الإمام هذا أخص هذا ناظر إلى خصوص زوار الحسين لا إلى المطلق وكلامه في الترحم لا الترضي وبقية ما ورده السيد الأستاذ قدس اخص من المدعى فإن كلامه في طلب المغفرة والرحمة وكلامنا في الترضي وقلنا إنه ـ الترضي ـ كاشف عن الحسن والمدح إن لم نقل الوثاقة إنه كاشف عن الوثاقة وترحم الإمام الصادق عليه السلام على زوار الحسين عليه السلام مورد خاص بزواره عليه السلام

وقد ورد في الكافي وكامل الزيارات بأسانيد متعددة منها ما عن معاوية بن عمار أنه قال اللهم اغفر لي ولإخواني زوار قبر الحسين[7] يحيون شعيرة من شعائر الله إلى آخره وهذا خارج عن ما نحن فيه هذا مورد خاص ما نحن فيه الترضي مطلقا لا في مورد خاص

وأما ما ذكره السيد الخوئي من ترحم الإمام الصادق على السيد الحميري عاقبته معلومة كيف تنقض به فقد كفانا مئونة الحديث عنه ما كتب من الدراسات الخاصة حول هذه الشخصية الفذة شاعر العقيدة ومنها ما كتبه العلامة السيد محمد تقي الحكيم صاحب كتاب الأصول العامة للفقه المقارن في كتابه القيم شاعر العقيدة، شاعر العقيدة السيد الحميري ومنها ما حققه المرحوم العلامة الأميني حول السيد الحميري في كتابه الخالد موسوعة الغدير ثلاثة عشر مجلد وإذا كان ثمت ما يقال عنه في بدايات حياته أنه كان عاميا وكان فاسقا إلا أنه مات وهو نقي الأثواب كما في كامل الزيارات.

طبعا الإمام الرضا لماذا سمي بالرضا؟ وقد لقب الإمام ـ هذا في الحاشية الثانية ـ أبي الحسن علي بن موسى الرضا بالرضا لأنه كان رضا الله في سمائه ورضا رسول الله في أرضه ورضا الأئمة من قبله ومن بعده ورضا المخالفون من أعدائه يعني حتى المخالفون من أعدائه رضوا به هذا ما صار له أي إمام الإمام الرضا فقط لان الإمام في المناظرات هزمهم كلهم فرضي المخالفون من أعدائه ورضا الموافقون من أوليائه ولم يكن يجمع ذلك لأحد من آبائه عندنا حتى المخالفين رضوا به.

وأما ما ذكره السيد الخوئي بالنسبة إلى ترحم النجاشي على أحد المشايخ المعاصرين له مع تضعيفه إياه فهو وإن كان صحيحا إلا أن الكلام يعني كلامنا وبحثنا في الترضي لا في الترحم فإذن هذا المورد خارج عن محل بحثنا.

الملاحظة الثانية ولم يرد في كلام النجاشي أو غيره أنه ضعف شخصا ثم ترضى عنه نعم ورد أنه ترحم وقال سامح الله مضافا إلى أنه قرن الترحم بطلب المسامحة له حيث قال "رحمه الله" وسامحه ثم إن الشخص المعني في مثال السيد الخوئي الذي قال فيه النجاشي "رحمه الله" وسامحه هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن عباس أو بن عياش الجوهري راجعوا رجال النجاشي الجزء الأول صفحة 225 وليس ما ذكره السيد الخوئي وليس هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول فوقع السهم من قلمه الشريف ـ قلم السيد الخوئي "رحمه الله" ـ بدل ما يذكر الجوهري ذكر ابن البهلول، هذا تمام الكلام في المبحث الحادي عشر واتضح أن الترضي لا يدل على الوثاقة بل يفيد المدح والحسن، المبحث الثاني عشر اسند عنه يأتي عليه الكلام.

 


[1] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص796.
[2] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج1، ص200.
[3] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص687.
[4] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي (مع تعليقات مير داماد الأسترآبادي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص796.
[5] معجم رجال الحديث، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص74.
[6] سوره فتح، آيه 18.
[7] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج4، ص582.