الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الرجال

41/09/01

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الثاني والثالث من المشايخ اللذين ادعي أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة

 

الرجل الثاني جعفر بن بشير

كان الكلام في الجهة الثانية من مشايخ الثقات فبعد أن أكملنا الجهة الأولى وهي في المشايخ الثلاثة محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى بياع السابوري وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة واتضح أن هذا المطلب تام في المسانيد والمراسيل معا فبعد أن انتهينا من الجهة الأولى شرعنا في الجهة الثانية وهي في دراسة سبع رجال أدعي أنهم لا يروون إلا عن ثقة.

الرجل الأول هو علي بن الحسن الطائي أو الطأطري واتضح أن الكبرى تامة فهو في كتبه الفقهية لا يروي إلا عن ثقة لكن ما هو الطريق للوصول إلى كتبه الفقهية فالصغرى منسدة لا الكبرى اليوم نشرع في:

الرجل الثاني

وهو جعفر بن بشير وهو من الأجلاء وقد ذكر النجاشي أنه من زهاد أصحابنا وعبادهم ونساكهم وكان ثقة وكان أبو العباس يلقبه فقحة العلم كناية عن كثرة العلم الشاهد هنا روى عن الثقات ورووا عنه.[1]

جعفر بن بشير ممن أدعي في حقه أنه لا يروي إلا عن ثقة والمدرك في هذه الدعوى هو ما استدل به بالجملة الأخيرة من العبارة المتقدمة روى عن الثقات فيكون كل من روى عنه جعفر بن بشير فهو ثقة كما تقدم عن الطأطري

وقد ناقش في دلالة عبارة النجاشي على أن جعفر بن بشير لا يروي إلا عن ثقة غير واحد منهم السيد الأستاذ السيد أبو القاسم الخوئي "رحمه الله" فقد استشكل على دلالة العبارة بأمرين:

الأمر الأول يعود إلى المقتضي

والأمر الثاني يعود إلى المانع

أما بالنسبة إلى المقتضي فإنه كما يقولون إثبات الشيء لا ينفي ما عداه العبارة روى عن الثقات هذا لا يعني أنه لم يروي عن الثقات روى عن الثقات ويحتمل أنه روى عن غير الثقات فإثبات الشيء وهو رواية جعفر بن بشير عن الثقات لا ينفي ما عداه وهو رواية جعفر بن بشير عن الضعاف فعبارة الشيخ النجاشي ليس فيها حصر فالشيخ النجاشي قال روى عن الثقات ولم يقل لم يروي إلا عن الثقات ثم يتمسك السيد الخوئي "رحمه الله" بقرينة في نهاية العبارة روى عن الثقات ورووا عنه، يعني ورووا الثقات عنه يعقب السيد الخوئي يقول عادة الضعفاء يروون عن الثقات الضعفاء لكي يمرروا رواياتهم ربما يرون عن المعصوم مباشرة فضلا عن الثقات وأجلاء الثقات ولا نكاد نجد رجلا أنه لم يروي عنه إلا ثقة نعم ربما تجد شخص لا يروي إلا عن ثقة كالمشايخ الثلاثة أما رجل لم يروي عنه إلا الثقات هذا بعيد جدا حتى الله "عز وجل" والنبي والأئمة عليهم السلام روى عنهم الضعفاء وروى عنهم الوضّاعون لكي يكيدوا كيدهم ويدسوا سمومهم، إذن يقول السيد الخوئي من قوله روى عن الضعفاء ورووا عنه واضح أن هذا في مقام المدح يعني أكثر من الرواية عن الثقات وأكثر الثقات من الرواية عنه ولا نستفيد الحصر من أنه لم يروي إلا عن ثقة ولم يروي عنه إلا ثقة.

الإيراد الثاني والإشكال الثاني إذن اتبع من روى عنهم جعفر بن بشير نجد أن بعضهم ضعاف وهنا يتم النقض قد تقول لم لا نقول ما قلناه في المشايخ الثلاثة هذا من باب تعارض الجرح والتعديل شهادة الشيخ الطوسي في العدة تشمل هذا الرجل فنوثقه ثم يأتي النجاشي أو الشيخ الطوسي أو أبن الغضائري أو... غيرهما من الرجاليين ويضعفه فيتعارض الجرح والتعديل فهذا لا منافاة، الجواب هذا لا يتم هنا لأن الناقل للشهادة يعني الذي قام بالاستقراء هو النجاشي والمضعف هو النجاشي إن قلت يجري أيضا هذا الكلام بالنسبة إلى ما ذكر في حق الشيخ الطوسي "رحمه الله" في العدة فإن الشيخ الطوسي في العدة نقل دعوى الطائفة على أن الطائفة عملت بمراسيل الثلاثة وأن الثلاثة لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة والشيخ الطوسي بنفسه هو الذي ضعف فالكلام هناك يجري هنا بالنسبة إلى المشايخ الثلاثة الناقل لشهادة الطائفة على أنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة هو الشيخ الطوسي والمضعف لمن روى عنه الثلاثة أيضا الشيخ الطوسي هنا أيضا الكلام هو الكلام فالذي نقل الشهادة هو الشيخ النجاشي والذي ضعف من روى عنهم جعفر بن بشير أيضا هو الشيخ النجاشي والجواب مستند كلام الشيخ النجاشي هو الاستقراء النجاشي حينما تتبع روايات جعفر بن بشير المتقدم عليه اكتشف أن جعفر بن بشير روى عن الثقات وروى عنه الثقات ولكن حينما ضعف فلان وفلان ممن روى عنهم جعفر بن بشير لأنه وجد أن بعض الرجاليين قد ضعفوهم بخلاف شهادة الشيخ الطوسي فإن منشأها ليس هو الاستقراء بل منشأها شهادة الطائفة أن هؤلاء الثلاثة لا يرون إلا عن ثقة إذن إما أن يكون المنشأ الاستقراء والتتبع والبحث والتنقيب وإما أن يكون المنشأ هو إدراك أن هذا الرجل لا يروي إلا عن ثقة فلو عندنا شهادة من الطائفة في حق جعفر بن بشير أن سبكه وطريقته أنه لا يروي إلا عن ثقة لقلنا إن من ضعفهم النجاشي لا يمكن النقض بهم هذا من باب تعارض الجرح والتعديل لكن منشأ دعوى أن جعفر بن بشير لا يروي إلا عن ثقة هو استقراء الشيخ النجاشي والمستقرأ واحد والمضعف واحد المستقرأ هو نفس الشيخ النجاشي والمضعف نفس الشيخ النجاشي "رحمه الله".

الشيخ الداوري "حفظه الله" يقبل كلا الإيرادين الذين أوردهما السيد الخوئي الإيراد الأول بلحاظ المقتضي يعني ما يقتضي أن مشايخ جعفر بن بشير ثقات وهو عبارة النجاشي الإشكال الثاني بلحاظ المانع وهو النقض بتضعيف النجاشي لبعض من روى عنهم جعفر بن بشير.

الشيخ الداوري "حفظه الله" يقبل كلا الإيرادين لكنه يناقش فيما ذكره السيد الخوئي "رحمه الله" بعد الإيراد الأول وهو أن الضعفاء قد يرون عن الثقات لأنه كيف يقال أنه وروى عنه الثقات يعني من قرينة وروى عنه الثقات يستكشف أنه ليس المراد بقوله روى عن الثقات أنه لم يروي إلا عن ثقة.

قال الشيخ الداوري "حفظه الله" وقد ناقش في الدلالة غير واحد يعني كثيرون ومنهم السيد الأستاذ السيد الخوئي "قدس" فقد استشكل في دلالة العبارة على المدعى بأمرين:

الأول عدم دلالة الجملة على الحصر فقوله روى عن الثقات لا يدل على أنه لم يروي عن غيرهم يعني إثبات الشيء لا يعني نفي ما عداه وغاية ما تدل عليه كثرة روايته عنهم ومما يؤكد هذا تعقيب الكلام بقوله هذا المعقد هو الذي يستشكل به الشيخ الداوري "حفظه الله" وسيأتي في ردنا تارة نتكلم عن عالم الثبوت والإمكان وتارة عن عالم الإثبات السيد الخوئي يقول يمكن أن يروي عنه الضعفاء أو لا يقول يمكن لأن الضعفاء بل الوضّاعون يسعون للرواية عن المعصوم فضلا عن الثقة والجليل فكلام السيد الخوئي "رحمه الله" كلام ثبوتي كلام في عالم الإمكان عالم الثبوت يعني يمكن أن يروي عنه الضعفاء.

إشكال الشيخ الداوري كما سيأتي بلحاظ عالم الإثبات يقول إن النجاشي شهد بهذه الشهادة بعد أن استقرأ وتتبع روايات جعفر بن بشير فوجد أن جعفر بن بشير لا يروي إلا عن ثقة هذا كلام الشيخ الداوري كلام إثباتي هذا أجنبي عن كلام السيد الخوئي، كلام السيد الخوئي كلام ثبوتي عالم الإثبات عالم الإمكان يعني هذا الثقة الجليل كما يمكن أن يروي عنه الثقة يمكن أن يروي عنه الضعيف بل تتوفر الدواعي لرواية الضعيف عن الثقة إذن كلامه في عالم الثبوت والإمكان فكيف تشكل عليه بأنه النجاشي تتبع روايات جعفر بن بشير فوجده أنه لا يروي إلا عن ثقة واستقرأها وبعد وفاة جعفر بن بشير لأنه متقدم والنجاشي متأخر هذا إشكال إثباتي هذا الإشكال الاثباتي يرد عليه بالرد الثاني أن النجاشي ضعف بعضهم فكيف تقول إنه قد استقرأ واكتشف أن جعفر بن بشير لا يروي إلا عن ثقة والحال أنه قد ضعف بعض الرواة فما استشكل به شيخنا الأستاذ الداوري على سيد أساتذتنا السيد الخوئي يرد عليه بالرد الثاني للسيد الخوئي هذا الآن موطن الإشكال.

قال ومما يؤكد هذا يعني كثرة رواية جعفر بن بشير عن الثقات وكثرة رواية الثقات عنه، تعقيب الكلام تعقيب النجاشي للكلام بقوله ورووا عنه بمعنى أن كل من روى عنه فهو ثقة فهذا لا يمكن الالتزام به والسبب أن الضعفاء كثيرا ما يرون عن الأجلاء والثقات إذن هذا ناظر عن عالم الثبوت يعني يمكن ويتوفر الغرض لرواية الضعفاء عن الثقات بل عن المعصومين عليهم السلام فكيف جعفر بن بشير ما يروي عنه ضعيف فبقرينة قوله ورووا عنه يستفاد كثرة رواية جعفر بن بشير عن الثقات وكثرة روايات الثقات عن جعفر بن بشير.

الإشكال الثاني ثبوت رواية جعفر بن بشير عن الضعفاء فقد روى عن صالح بن الحكم[2] وهو ممن ضعفه النجاشي وكذلك وقع في طريق عبد الله بن محمد الجعفي وهو ممن ضعفه النجاشي أيضا[3] وغيره وروى أيضا عن أبن أبي حمزة وعن أبي جميلة ويكفي في عدم الأخذ بالشهادة روايته ـ جعفر بن بشير ـ عن شخص واحد ضعيف يكفي أن واحد مسلم الضعف للنقض فكيف بأكثر من واحد ولا سيما إذا كان المضعف لبعض من روى عنهم هو نفس النجاشي الذي ذكر روى عن الثقات ورووا عنه وبناء عليه فلا يمكن التعويل على هذه الشهادة.[4]

الشيخ الداوري يقول أقول كلا الإشكالين من السيد الخوئي واردان على الاستدلال بأن جعفر بن بشير لا يروي إلا عن ثقة أما الأول فلعدم دلالة العبارة على الحصر عبارة روى عن الثقات ليست كعبارة لم يروي إلا عن الثقات كما ذكر السيد الأستاذ مضافا يتكلم بقرينة السيد الخوئي يتمسك بقرينة الشيخ الأستاذ الداوري يتمسك بقرينة مقامية أن النجاشي في مقام المدح مقام المدح لا يعني أنه جميع رواياته معظم رواياته، مضافا إلى أنه النجاشي في مقام المدح والمدح يتحقق بكثرة روايات جعفر بن بشير عن الثقات وكثرة روايات الثقات عنه ـ عن جعفر بن بشير ـ في مقابل من تكثر روايتهم عن الضعفاء مثل البرقي، البرقي لأنه أكثر من الرواية عن الضعفاء طرده أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي من قم مع أنه أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن.

يقول فكما أن الثاني وهو كثرة الرواية عن الضعيف يوجب القدح والطعن ولأجله أخرج البرقي من قم، لأجله لأجل الثاني لأنه أكثر من الرواية عن الضعفاء أخرجه أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري من قم لكن لما توفى صلى عليه ومشى في جنازته حاسر الرأس حافي القدمين، فكذلك الأول يوجب المدح الأول يعني كثرة الرواية عن الثقات.

وأما الثاني وهو النقض بأن بعض من روى عنهم جعفر بن بشير ضعفهم النجاشي، وأما الثاني فهو وارد أيضا لأن ثبوت روايته عن الضعيف بما ذكره يعني من ضعف وإن كان قليلا جدا ولكن لما كان الشاهد هو النجاشي والمضعف هو النجاشي أيضا اوجب الوهن يعني يريد أن يقول إن مستند الشهادة هو الاستقراء لا أنهم لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة يعني من خلال الاستقراء استنتج لا أنه استنتج أنهم رووا عن الثقات باكتشاف طبيعتهم وسليقتهم في الرواية أنهم لا يرون إلا عن ثقة وحينئذ لا يكون مراده النجاشي من الشهادة هو العموم لكل من يروي عنهم جعفر بن بشير وبما أن منشأ الحكم بوثاقة من روى عنهم جعفر بن بشير هو الاستقراء يعني استقراء الشيخ النجاشي دون الكشف عن حالهم وأنهم لا يرون إلا عن ثقة كما هو الحال بالنسبة إلى المشايخ الثلاثة فلا يأتي الاحتمال الثاني في المشايخ الثلاثة، ما هو الاحتمال الثاني أنه قد يقال هكذا أن جعفر بن بشير روى عن هؤلاء فترة وثاقتهم أما ما بعد فترة وثاقتهم ربما هم انحرفوا هذا يتم مع الاستقراء لأن النجاشي استقرأ بعد وفاتهم بخلاف شهادة الشيخ الطوسي.

قال فلا يأتي الاحتمال الثاني وهو أن جعفر بن بشير روى عنهم أيام وثاقتهم لأن المراد الوثاقة في نظرهم يعني في نظر جعفر بن بشير وأما الجواب بأنه يمكن التوجيه بناء على معرفة حالهم أنهم رووا أيام وثاقة هؤلاء ولا ينسجم مع الاستقراء، وأما الجواب بأنه يمكن التوجيه بأن المراد منهم كانوا حين الرواية يعني حينما روى عنهم جعفر بن بشير كانوا ثقات وتغيروا بعد ذلك بعد رواية جعفر بن بشير فلا يأتي هنا أيضا كما جاء هناك أيضا، هناك جاء لأن مستند الشهادة بأن الثلاثة لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة مستندها هو معرفة حالهم أنهم لا يرون إلا عن ثقة وأما مستند الشهادة في جعفر بن بشير هو استقراء النجاشي.

وذلك تعليل لا يأتي هنا في جعفر بن بشير من جهة أن الاستقراء بعد الرواية حصل من الشيخ النجاشي والشيخ النجاشي بنفسه ضعف بعض الأشخاص فلو كان له ـ للرجل الذي روى عنه جعفر بن بشير ـ حالتان لذكرهما يعني لذكرهما النجاشي فتدبر وتأمل جيدا فرق بين أن يكون مستند الشهادة الاستقراء كما في جعفر بن بشير أو منشأ الشهادة هو معرفة حالهم أنهم لا يرون إلا عن ثقة كما في المشايخ الثلاثة.

إلا أن ما ذكره السيد الأستاذ "قدس" تأكيدا للإشكال الأول غير وارد بل الإنصاف أنه وارد وذلك لأن الروايات كانت عندهم محصورة ومضبوطة فيمكنهم استكشاف حال كل من روى عن جعفر بن بشير إذن كلام الشيخ الداوري ناظر إلى عالم الإثبات عالم الدليل كلام السيد الخوئي ناظر إلى عالم الثبوت والإمكان يمكن أن يرون عنه نعم يقول يمكن أن يرون عن المعصوم فضلا عن جعفر بن بشير وغيره من الثقات.

قال فيمكنه استكشاف حال كل من روى عن جعفر بن بشير وأنه ثقة أم لا وبعده يشهد بالشهادة المذكورة هذا كلام في عالم الإثبات وهذا الكلام في عالم الإثبات غير أنه يمكن للضعيف أن يروي عن الثقات هو صرح يا شيخنا الأستاذ أنه يمكن للضعيف أن يروي عن الثقات يعني هذا عالم الإمكان عالم الثبوت بل حتى عن المعصوم يمكن أن يروي هذا كله عالم الإمكان ثم إنه من جهة أخرى قد يقال إن منشأ الشهادة الآن يشير إلى شيء آخر لكن بعيد جدا، منشأ الشهادة تحفظ نفس جعفر بن بشير يعني كان شديدا أولا لا يروي إلا عن ثقة ولا يقبل أن يروي عنه إلا ثقة هذا كاحتمال عقلي ممكن أما كشيء عرفي غير ممكن لأنه حتى المعصوم لم يحل دون أن يروي عنه الوضّاعون والمغرضون.

قال ثم إنه من جهة أخرى قد يقال إن منشأ الشهادة هو التحفظ من جعفر بن بشير بأنه كان متحرزا في الرواية فلا يروي عن ضعيف ولا يروي عنه ضعيف ولا يحدث إلا الثقات إلا أن هذا في نفسه وهو أنه لا يروي عنه إلا ثقة بعيد إذ ليس من دأب المشايخ أنهم لا يحدثون إلا الثقات عند مجلس الدرس والحضور عام نعم يكون من دأب بعضهم أنه لا يروي إلا عن ثقة كما مر وسيأتي بالنسبة إلى النجاشي أما أنه لا يروي عنه إلا الثقة فالسيرة والعادة غير مستقرتين على ذلك أن لا يروي عنه إلا ثقة وإلا ما أكثر الإشاعات نحن اليوم فلان قال عنك كذا قيل عنك كذا وكذا وأنت تتعجب أصلا لا أساس لها ولا منشأ.

والحاصل إن الشهادة بأن جعفر بن بشير لا يروي إلا عن ثقة إما منشأها الاستقراء فينقض بتضعيف النجاشي وإما منشأها معرفة حالهم ولا طريقة لمعرفة حالهم قال والحاصل أن الشهادة إما أن تكون مبنية على الكشف من حالهم أنهم لا يرون إلا عن ثقة وهذا لم يثبت أو مبنية على الاستقراء فتنقض بتضعيف النجاشي والأول أن تكون مبنية على الكشف من حالهم غير حاصل بقرينة قوله ورووا عنه والثاني مبنية على الاستقراء غير مفيدة لعدم ظهورها في الحصر قال روى عن الثقات ممكن يروي عن الضعيف روى عن الثقات ولم يقل لم يروي إلا عن الثقة فغير مفيد لعدم ظهورها في الحصر وأنها ـ هذه الشهادة ـ هنا غير مفيد لعدم ظهورها في الحصر هذه إشارة إلى الإشكال الأول المقتضي وأنها هذه الشهادة وقعت موردا للنقض إشارة إلى الإشكال الثاني فلا يمكن إدخال جعفر بن بشير في جملة من مضى ممن لا يرون إلا عن ثقة.

 

الثالث محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني

الكلام هو الكلام والجواب هو الجواب مستندها ما قاله النجاشي في حقه كما قال في جعفر بن بشير لكنه عكس، في جعفر بن بشير قال روى عن الثقات ورووا عنه في محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني بالعكس قال روى عنه الثقات وروى عنهم الكلام هو الكلام أما الإشكال الأول فوارد وأما الإشكال الثاني فلا يرد بالنسبة إلى الإشكال الأول وارد لأنه قال روى عن الثقات وليس فيها دلالة على الحصر لم يقل لم يروي إلا عن الثقات وأما بالنسبة إلى الإشكال الثاني فغير وارد لأنه سالبة بانتفاء الموضوع لأنه إذا تتبعنا روايات الكتب الأربعة لم نجد إلا رواية واحدة لمحمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني هذه الرواية روى عن حماد بن عيسى غريق الجعفة وهو من الأجلاء أصحاب الإجماع فلا نستفيد التوثيق ولا يوجد شخص آخر غير ابن عيسى نعم الشيخ النجاشي حينما ذكر أن محمد بن إسماعيل روى عنه الثقات ورووا عنه ثم بعد ذلك الشيخ النجاشي ذكر طريقه إلى محمد بن إسماعيل وذكر شخصا يروي عن محمد بن إسماعيل فلا اقل الشهادة تشمل نفسها فيمكن توثيق هذا الرجل الذي ورد وهو عبد الله بن محمد بن خالد فهذه الثمرة الوحيدة توثيق عبد الله بن محمد بن خالد الوارد في نفس شهادة الشيخ النجاشي.

نعم إذا رجعنا إلى الفقيه والكافي نجد رواية ورد فيها حماد بن عيسى عن محمد بن ميمون فلعله يقال سقط لفظ إسماعيل لكن الإنصاف أن هذين الموردين في الكافي والفقيه لا يمكن الاستشهاد بهما لأن الصحيح هو أن محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني هو الذي يروي عن حماد يعني هو في رتبة تلامذة حماد ولكن في هذين الموردين محمد الزعفراني حماد بن عيسى هو الذي يروي عنه يعني صاير في رتبة أستاذ حماد بن عيسى إذن الموردان أجنبيان.

النتيجة النهائية إلى حد الآن ثبت أن الطأطري كبرويا مشايخه ثقات في خصوص كتبه الفقهية وأما الثاني جعفر بن بشير والثالث محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني لم يثبت أنهما لا يرويان إلا عن ثقة.

الثالث محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني وهو من الثقات فقد وثقه النجاشي وقال عنه ثقة عين روى عنه الثقات وروى عنهم

وقال أيضا لقي أصحاب أبي عبد الله "عليه السلام" له كتاب النوادر الآن يذكر طريقه، أخبرنا أبو عبد الله بن شاذان قال حدثنا أبو حسن علي بن حاتم بن أبي حاتم قال حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد عنه[5] يعني عن محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني يقول وإنما ذكرنا الطريق يعني طريق النجاشي إليه ـ إلى محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني ـ لما سيأتي من أن شهادة الشيخ النجاشي تشمل موردها هذا موردها فيكون عبد الله بن محمد بن خالد مشمولا بهذه الشهادة يكون ثقة روى عنه الثقات لا أقل يشمل هذا المورد فالثمرة الوحيدة توثيق هذا الرجل لذلك الشيخ الداوري ذكر الطريق هنا.

ثم إنه قد أدعي في حقه أنه لا يروي إلا عن الثقات فاستدل له بنص عبارة النجاشي المتقدمة وهي عين عبارته في حق جعفر بن بشير إلا أن فيها تقديما وتأخيرا، جعفر بن بشير روى عن الثقات ورووا عنه الزعفراني بالعكس روى عنه الثقات وروى عنهم.

وما ذكر هناك في جعفر بن بشير يأتي هنا يعني من الإشكال الأول من ناحية المقتضي أن العبارة لا تدل على الحصر إلا أنه لا يرد على الشهادة إلا الإشكال الأول فقط أن شهادة الشيخ النجاشي لا تدل على الحصر وهو عدم دلالة العبارة على الحصر

وأما الإشكال الثاني وهو النقض بتضعيف من روى عنهم وهو ضعف بعض من روى عنهم محمد بن إسماعيل كما ذكر في حق جعفر بن بشير فغير وارد لأن سالبة بانتفاء الموضوع لأنه لم يرد في الكتب الأربعة عن الزعفراني إلا في مورد واحد وهو في كتاب التهذيب عن حماد بن عيسى[6] وهو ثقة غريق الجعفة إذن الزعفراني في رتبة تلامذة حماد بن عيسى الموردان اللذان سيأتيان لا حماد بن عيسى يروي عنهم يعني صار الزعفراني في رتبة أساتذة حماد بن عيسى.

نعم ورد في الفقيه[7] والكافي[8] بعنوان حماد بن عيسى عن محمد بن ميمون فيحتمل الانطباق عليه لأن الزعفراني هو محمد بن إسماعيل بن ميمون فلعله سمي باسم جده في كلا الكتابين في الفقيه والكافي إلا أن هذا الاحتمال غير وارد لأن الراوي هو حماد لا المروي عنه والكلام في الثاني يعني في المروي عنه يعني حماد الذي هو في رتبة أستاذ الزعفراني فيكون حماد المروي عنه لا في الأول وهو الراوي الذي هو في رتبة التلميذ صار تلميذ محمد الزعفراني، فلم يروي الزعفراني في الكتب الأربعة إلا ما ذكرناه عن التهذيب يعني الزعفراني عن حماد بن عيسى في رتبة التلامذة.

ثم إن ما ورد من الروايات فيهما عن حماد بن عيسى وعليه فلا مجال للإشكال الثاني ثم إن ما ورد من الروايات فيهما عن حماد بن عيسى غريق الجعفة يعني، يعني هم صار حماد هو الذي يروي عنهما فلا مجال للإشكال الثاني، ما هو الإشكال الثاني؟ ضعف ما روى عنهم حماد بن عيسى رجل ثقة غريق الجحفة،

وعلى أي تقدير فالدعوى غير تامة لقصور الشهادة عن دلالتها على الحصر ليحكم بوثاقة من روى عنهم محمد بن إسماعيل

والذي يمكن استفادته من طريق النجاشي الذي ذكرناه إن القدر المتيقن هو أن الشهادة تشمل هذا الطريق لقوله روى عنه الثقات فهذه الشهادة تختص بهذا الطريق إذ الموضوع لابد أن يشمل مورده

وبناء عليه يمكن الحكم بوثاقة عبد الله بن محمد بن خالد وهو الراوي المباشر عن محمد بن إسماعيل ولا يشمل من عداه كما تقدم الكلام في هذا المعنى

والحاصل إنه يمكن الحكم بوثاقة عبد الله بن محمد بن خالد أخذا بالقدر المتيقن من شهادة النجاشي،

الرابع والخامس يأتي عليهما الكلام.

 


[1] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج1، ص119.
[2] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج1، ص200.
[3] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج1، ص129.
[4] معجم رجال الحديث، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج1، ص68.
[5] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج1، ص345.
[6] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج4، ص126.
[7] من لا يحضره الفقيه‌، الشيخ الصدوق‌، ج2، ص384.
[8] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج4، ص443.