الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الرجال

41/08/29

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: البحث في الجهة الثانية من مبحث المشايخ الثقات

 

الجهة الثانية

انتهينا من بحث الجهة الأولى وهي مختصة بالمشايخ الثلاثة الذين لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة وهم محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى بياع السابوري وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي واتضح أن المبنى ثابت وقد ثبت لدينا أن الثلاثة لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة وأن الحجية قد ثبتت لمراسيلهم.

يبقى الكلام في الجهة الثانية والبحث فيها يدور حول دراسة سبعة من المشايخ والرواة الذين ادعي في حقهم أيضا أنهم لا يرون إلا عن الثقات وحيث إن ما ذكر في حق بعضهم من ادلة يختلف عن ما ذكر في حق البعض الآخر ويختلف من شخص إلى شخص وأن هذه الدعوى ثابتة في حق بعضهم كالطأطأري والنجاشي وأنها ليس بثابتة في حق البعض الآخر كجعفر بن بشير كما سيأتي هذا يستدعي افراد دراسة لكل شخص من هؤلاء السبعة لنرى مدى تمامية هذه الدعوى في حق أي منهم وعدمها وهذا هو الداعي الذي دعا الشيخ الداوري لجعل البحث في هؤلاء الرجال السبعة عبارة عن الجهة الثانية من البحث حول مشايخ الثقات وهم:

الأول علي بن الحسن بن محمد الطائي أو الطأطري

الثاني جعفر بن بشير

الثالث محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني

الرابع محمد بن أبي بكر بن همام بن سهيل الكاتب الاسكافي

الخامس أحمد بن محمد بن سليمان أبو غالب الزراري

السادس احمد بن علي أبو العباس النجاشي

السابع أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي

نشرع في دراسة الرجل الاول علي بن الحسن بن محمد الطائي المعروف بالطأطري وهو من الأجلاء الثقات والفقهاء الكبار إلا أنه من الواقفة.

قال النجاشي كان فقيها ثقة في حديثه وكان من وجوه الواقفة وشيوخهم[1] والعمدة في دعوى أن الطأطري لا يروي إلا عن ثقة هو ما ذكره الشيخ الطوسي "رحمه الله" في الفهرست صفحة 118 قال كان واقفيا شديد العناد في مذهبه صعب العصبية على من خالفه من الإمامية وله كتب كثيرة في نصرة مذهبه وقال إن له كتبا في الفقه هذا القيد الأول، الثاني رواها عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم ولذلك ذكرناها[2]

ومحل الشاهد من عبارة الشيخ الطوسي قوله رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم وهي شهادة من الشيخ الطوسي بأن الكتب الفقهية لعلي بن الحسن الطأطري مروية عن الرجال الموثوق بهم فالعمدة كلام الشيخ في الفهرست نعم للشيخ الطوسي عبارة في العدة قد يستشف منها ذلك لكن ليست بظهور عبارة الفهرست.

وقال الشيخ الطوسي في العدة عند الكلام في اعتبار الوثاقة في الحديث قال ولذلك عملت الطائفة باخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران وعلي بن أبي حمزة وعثمان بن عيسى ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال الذي هو الحسن بن علي بن فضال وأولاده الثلاثة أحمد بن الحسن وعلي بن الحسن ومحمد بن الحسن ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال وبنو سماعة والطأطريون وغيرهم[3] ، نص على الطأطريين وشيخ الطأطريين علي بن الحسن

وهذه العبارة وإن لم تكن فيها دلالة على أن رواياتهم كلها موثوق بها وأن رواتها ثقات إلا أنها فيها دلالة على أن نفس هؤلاء ثقات يعني نفس هؤلاء ثقات يعني نفس الطأطرين نفس من نص عليهم بنو سماعة بنو فضال هؤلاء كلهم ثقات لذلك عمل الأصحاب بروايات هؤلاء

والعمدة في المقام كلام الشيخ الطوسي في الفهرست وهو قوله رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم وبهذه الجملة يستدل على أن الطأطري وجميع من يروي عنهم كلهم ثقات والعبارة تامة في المدعى والمدعى يمكن أن يستفاد بالمنطوق رواها عن الثقات ويمكن أن تستفاد بالمفهوم أي لم يروي عن غير الموثوق بهم ولكن توجد ثلاثة شروط لتوثيق من روى عنهم الطأطري.

إلا أنه لابد من تخصيصها بقيود ثلاثة...

الشرط الأول أن يكون قد ورد ذكره في كتب الطأطري الفقهية فلو ورد في كتب غير فقهية أو ورد في روايات الطأطري الفقهية ولم نعلم أنها قد وردت في كتبه الفقهية فحينئذ لا تشمله الشهادة إذن أولا لابد أن نحرز أن الرجل قد روى عنه الطأطري في كتابه ثانيا الفقهي هذا الشرط الأول أن يرد ذكر الرجل في خصوص الكتب الفقهية لأن شهادة الشيخ الطوسي ناظرة إلى خصوص كتب الطأطري الفقهية.

الشرط الثاني أن يروي عنه الطأطري مباشرة فإن قول الشيخ الطوسي "رحمه الله" رواها عن الرجال الموثوق بهم وإن كان قد يستفاد ظهورها في وثاقة جميع الرجال لكن القدر المتيقن منها خصوص الرجال المباشرين وأما الرجال غير المباشرين فقد يتأمل في شمول عبارة الشيخ الطوسي لهم إذن الشرط الثاني أن يكون الطأطري قد روى عن الرجل مباشرة في كتبه الفقهية ولا تشمل الشهادة المشايخ غير المباشرين.

الشرط الثالث يقتصر الامر على خصوص الروايات الفقهية الواردة في كتب الطأطري

إذن الأمر الأول ناظر إلى الكتب الفقهية والأمر الثاني ناظر إلى خصوص الروايات الفقهية لا مطلق الروايات إذن كبرويا تم المطلب أولا الشهادة مختصة بالكتب الفقهية للطأطري، ثانيا للرواة المباشرين ثالثا لمن روى عنهم روايات فقهية في ضمن كتبه الفقهية.

وأما كيفية احراز أن الروايات موجودة في كتب الطاطري...

إذن الكبرى تامة يبقى الكلام في الصغرى كيف نشخص أن الطأطري روى عن رجل في كتابه الفقهي والحال إن كتب الطأطري الفقهية لم تصل إلينا ومن هنا قال بعضهم إن البحث في مشايخ الطأطري لا توجد له ثمرة عملية لأننا وإن سلمنا كبرويا بأن الطأطري لا يروي إلا عن ثقة في رواياته الفقهية التي دونها في كتبه الفقهية لكن لم تصل إلينا كتبه الفقهية.

تحقق الشرط الأول

الشيخ الداوري حفظه الله ينقح هذه الصغرى يقول إن الشيخ الطوسي "رحمه الله" قد ذكر في كتاب التهذيب والاستبصار أنه يبدأ السند في المشيخة باسم الراوي الذي أخذ الروايات من كتابه فإذا بدأ الشيخ الطوسي السند في التهذيب أو الاستبصار باسم علي بن الحسن الطأطري علمنا أن الشيخ الطوسي قد أخذ الرواية من نفس كتاب علي بن الحسن الطأطري ومن هنا أحرزنا الشرط الاول وهو أن الرواية من كتب الطأطري

تحقق الشرط الثاني

يبقى الكلام في إحراز الشرط الثاني وهو أن يكون من كتب الطأطري الفقهية فلعل الرواية من كتب الطأطري غير الفقهية والجواب إن كتابي التهذيب والاستبصار إنما هما كتابان في الأمور الفقهية التي تبدأ بالطهارة وتنتهي بالديات ومن هنا يعلم أن الشيخ الطوسي قد أخذ هذه الرواية من الكتب الفقهية إلا أن يناقش بمناقشة ونقول لعل الشيخ الطوسي أخذ هذه الرواية من كتاب روائي للطأطري وليس بكتاب فقهي كما لو كان للطأطري نوادر وهي عبارة عن أخبار متفرقة وذكر فيها بعض الروايات الفقهية فإن شهادة الشيخ الطوسي في العدة لا تشملها.

مناقشة في أخذ الرواية من كتاب الفقهي

الشيخ الداوري حفظه الله يبدو أن الشروط تامة عنده لأن الشيخ الطوسي تعهد أنه يبدأ السند باسم صاحب الكتاب الذي أخذ منه الرواية وهذا تام كما أن كتاب الشيخ الطوسي كتاب فقهي هذا تام ولكن من أين نعلم أن الشيخ الطوسي في كتابه الفقهي قد أخذ الرواية من كتاب الطأطري الفقهي ربما أخذها من كتاب غير فقهي للطأطري فيبقى الاشكال مستحكما من هنا لا نقبل ما ذهب إليه الشيخ الداوري حفظه الله وإن سلمنا بالكبرى معه لكن المناقشة كل المناقشة في الصغرى فنحن نسلم أن كتاب الشيخ الطوسي التهذيب والاستبصار كتاب فقهي لكن من أين نحرز أن الشيخ الطوسي ونسلم أيضا أن الشيخ الطوسي أخذ الرواية من كتاب الطأطري لأنه بدأ السند بالطأطري ولكن من أين لنا أن نحرز أن الشيخ الطوسي اخذ الرواية من كتاب فقهي للطأطري هذا يحتاج إلى دليل وإن كان في الغالب نكاد أن نظن ظنا متاخما للعلم أنه من كتبه الفقهية ولكن يبقى الاحتمال الوارد أنه توجد رواية فقهية في غير كتاب فقهي

ثم إنه بعد التتبع لكتابي التهذيبين ...

ثم الشيخ الداوري يذكر إحدى عشر اسم لأنهم جاءوا مباشرة بعد الطأطري يعني الطأطري روى عنهم ويقول يمكن استفادة توثيقهم ببركة هذا التوثيق العام وأكثرهم موثقين لا يحتاجون إلى هذا التوثيق العام مثل محمد بن أبي عمير ومثل الحسن بن محبوب علي بن أسباط هؤلاء ثقات اجلاء ويوجد عنوان مكرر العنوان الثالث محمد بن أبي حمزة، العنوان الإحدى عشر أبن أبي حمزة، هذا العنوان الإحدى عشر الذي هو أبن أبي حمزة الظاهر هو الثالث محمد بن أبي حمزة.

والحاصل أن الدعوى تامة منطوقا ومفهوما وهي شهادة عامة على أنه لا يروي إلا عن الثقات ولا يرد عليها إشكال على الإطلاق يعني من ناحية الكبرى إلا أنه لابد من تخصيصها بقيود ثلاثة تعود إلى مضمون الشهادة وهي:

أولا إن الشهادة تختص بالكتب الفقهية دون غيرها من مطلق الكتب والروايات للطأطري.

الثاني أن القدر المتيقن في وثاقة المروي عنهم هم الذين يروي عنهم بلا واسطة يعني المشايخ المباشرين وهذا بنص قوله عن الرجال الموثوق بهم وإن كان يحتمل الشمول للواسطة ايضا يعني المشايخ غير المباشرين ولكن أخذا بالقدر المتيقن يقتصر على من روى عنهم مباشرة.

الثالث يقتصر على الروايات الفقهية الواردة في كتب الطأطري لا مطلق الروايات وإن كانت في الفقه هذا إشكالنا على الشيخ الداوري، قد تكون هناك رواية فقهية للطأطري اخذت من كتاب غير فقهي للطأطري الشهادة ما تشمل كل الروايات الفقهية للطأطري، الشهادة تختص بالروايات الفقهية للطأطري الموجودة في كتابه الفقهي فإذا نقل الشيخ الطوسي رواية فقهية للطأطري وبدأ السند باسم الطأطري علمنا أن الشيخ الطوسي أخذ الرواية الفقهية من كتاب الطأطري هذا مسلم لكن من أين نحرز أنه قد أخذها من كتاب الطأطري الفقهي فلربما الشيخ الطوسي أخذ رواية فقهية للطأطري دونت في كتاب للطأطري لكن هذا الكتاب ليس بفقهي هذا هو الإشكال.

وتشير إلى هذا الحصر عبارة الشيخ المتقدمة، أي حصر؟ أنها الرواية فقهية في الكتب الفقهية للطأطري وعليه فلابد من إحراز أن الروايات في كتب الطأطري لا في كتب غيره هذا كبرويا الآن صغرويا، كبرويا نحن مع الشيخ الداوري تام الكلام الكلام في الصغرى إلى هنا تم الكلام في الكبرى يبقى الكلام في الصغرى كيف نحرز القيود الثلاثة أنها من كتاب الطأطري والراوي مباشر وأنها من الروايات الفقهية في الكتب الفقهية للطأطري.

الصغرى وأما كيفية احراز أن الروايات موجودة في كتب الطأطري هذا واضح من بدأ الشيخ الطوسي بالسند بل وإحراز بقية الشروط ككونها فقهية فذلك يتم عن طريق كتابي التهذيبين تهذيب الاحكام في شرح المقنعة والاستبصار فيما اختلف من الاخبار وما جاء فيهما بعنوان علي بن الحسن الطائي أو علي بن الحسن الطأطري أو بعنوان الطأطري وكان مبدوءا به السند أما إذا في اثناء السند ربما من كتاب غير الطأطري فمنه يعلم أن الرواية موجودة في كتب الطأطري هذا صحيح لكن من أين نعلم أنها من كتاب الطأطري الفقهي هذا أول الكلام ولما كان موضوع التهذيبين هو الفقه فالشروط الثلاثة متحققة وفيه لما كان موضوع التهذيبين هو الفقه علمنا أن الشيخ الطوسي يذكر الروايات الفقهية للطأطري لكننا لا نحرز أنه أخذ الروايات الفقهية للطأطري من كتب الطأطري الفقهية فيبقى الاشكال وقد تقدم أن الشيخ الطوسي تعهد أن أول من يبدأ به السند في التهذيبين فهو ينقل عن كتابه فالشيخ الطوسي ينقل الرواية عن كتاب من بدأ به السند وعليه فيمكن إحراز الموارد التي رواها الشيخ الطوسي مبتدأ فيها السند باسم الطأطري وأنها من كتبه هذا صحيح ولكن من اين نحرز أنها من كتبه الفقهية

ثم إنه بعد التتبع لكتابي التهذيبين وقفنا على جملة من الأشخاص يروي عنهم الطأطري بلا واسطة مباشرة وهم أحد عشر شخصا

الاول عبد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي وفي نسخة علي بن شعبة الحلبي

الثاني علي بن اسباط

الثالث محمد بن أبي حمزة

الرابع الحسن بن محبوب

الخامس عبد الله بن وضاح

السادس محمد بن زياد الذي هو ابن أبي عمير

السابع أبو جميلة وفي نسخة عبد الله بن جبلة وهي النسخة الصحيحة

الثامن علي بن رباط

التاسع جعفر بن سماعة

العاشر محمد بن سكين أو مسكين

الحادي عشر ابن أبي حمزة الظاهر أنه الثالث محمد بن أبي حمزة فيكون عددهم إما عشرة أو أحد عشر

عشرة إذا اتحد الثالث والأحد عشر، احدى عشر إذا قلنا إن أبن أبي حمزة غير محمد بن أبي حمزة

وهؤلاء هم جميع من وجدناهم بدء بهم السند بعد الطأطري في التهذيبين وبناء على ما تقدم يحكم بوثاقة هؤلاء بمقتضى شهادة الشيخ في حق علي بن الحسن بن محمد الطأطري

وفيه لا نستطيع الحكم بوثاقتهم بمقتضى هذه الشهادة لأننا لا نحرز الصغرى ولا نحرز أن الشيخ الطوسي قد أخذ هذه الروايات عن الطأطري من كتب الطأطري الفقهية فلعلها من كتب أخرى إذن الأول لم يثبت ثبت كبرا ولم يثبت صغرا.

الثاني جعفر بن بشير وسيتضح أنه ليس بثابت لكن فيه كلام دقيق، الثاني جعفر بن بشير يأتي عليه الكلام.

 


[1] رجال النجاشي، النجاشي، أبو العبّاس، ج1، ص255.
[2] الفهرست، الشيخ الطوسي، ج1، ص156.
[3] عدة الأصول، الشيخ الطوسي، ج1، ص381.